الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم بين الدول المضيفة والمستثمر الأجنبي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 26 /  الاختصاص في حسم منازعات الاستثمار في العراق (دراسة تحليلية في قانون  الاستثمار العراقي والاتفاقات الدولية) قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 26
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    97

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة:

    يحظى تنظيم أحكام حسم المنازعات الناشئة عن تطبيق قوانين الاستثمار وآليـات حـسمها وتنفيذ الأحكام الصادرة بشأنها باهتمام المشرع في الدولة المضيفة للاستثمار، وخـصوصاً تلـك المنازعات التي تنجم عن علاقات مع رعايا دولة أجنبية.

     ففيما تتمسك الدولة بحقها السيادي في أن يخـتـص قـضاؤها بحـل المنازعـات الناشـئة ضمن إقليمها، نجد أن المستثمر الأجنبي يتوجس خيفة من محاكم هذه الدولـة التـي غالبـاً مـا تكون إحدى هيئاتها طرفا في النزاع، ناهيك عما قد يتطلبه حسم النزاع بواسـطة المحـاكـم مـن إجراءات وتعقيدات قد تترك أثراً نفسياً سيئاً لدى المستثمر تدفع به إلى النفور عن استثمار أمواله فيها.

    إن هذه الأسباب دفعت بالمشرعين والمنظرين إلى الاهتمام بتحديد الاختصاص بحسم هـذه المنازعات من حيث القانون الواجب التطبيق من جهة، والجهات القضائية أو التحكيميـة التـى تطبق هذا القانون على النزاع لحسمه.

    ولما كان قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006 قد أجاز للأجنبي أن يستثمر في العراق، فإنه وبدون أدنى شك سيؤدي إلى خلق علاقات مع رعايا الدول الأخرى، مما قد يدفعهم إلـى اتخاذهم للاحتياطات والحلول مسبقاً لحسم ما قد ينشأ من نزاع أو خلاف أو أن يترك الأمر إلـى أحكام القواعد العامة المقررة لحل المنازعات الواردة في القانون المدني، بالإضافة إلى مـا ورد من أحكام في المادة (27) من قانون الاستثمار في هذا الصدد وقـانون تنفيـذ أحكـام المحـاكم الأجنبية في العراق رقم (30) لسنة 1928 النافذ، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

ونظراً للدقة المتناهية التي يحتاج اليها البحث في هذا الموضوع نقترح تقسيمه إلـى ثلاثـة مباحث: تناول في أولها أحكام تنازع القوانين التي تطبق على منازعات الاستثمار وفـي ثانيهـا سنبحث في تنازع الاختصاص القضائي ومدى إمكانية اللجوء الى التحكيم أما في المبحث الثالث فسنبين مدى إمكانية تنفيذ الأحكام الصادرة في شأن هذه المنازعات.

المبحث الأول

تحديد القانون الواجب التطبيق على منازعات الاستثمار

     يتوقف تحديد القانون الواجب التطبيق على منازعات الاستثمار على نوع النزاع وأطرافـه ومن ثم يمكن تقسيم المبحث إلى مطالب ثلاثة نتناول فـي أولهـا المنازعـات بـين الأطـراف الخاضعين لقانون الاستثمار، وفي ثانيها سندرس منازعات العمل، أما في المطلب الأخير فسنبين الحكم في المنازعات التي تكون الجهات الحكومية طرفاً فيها.

المطلب الأول

المنازعات بين الأطراف الخاضعين لقانون الاستثمار

    ينبغي لحسم المنازعات الناشئة بين الأطراف الخاضعين لأحكام قانون الاستثمار تحديـد القانون الواجب التطبيق على هذه المنازعات، بالإضافة إلى تحديد الجهة القضائية أو التحكيميـة المختصة في حسم النزاع وفق أحكام القانون واجب التطبيق، وللإحاطة بتفاصيل هذا الموضـوع نرى من الضروري أن ندرس الموضوع في فروع ثلاثة نتناول فيها المبادئ العامة في تحديـد القانون الواجب التطبيق، ومن ثم نعرج على الاستثناءات الواردة على هذه المبادئ مع توضـيح للاتجاه الذي سار به مشروع قانون التحكيم التجاري الدولي العراقي.

الفرع الأول

القواعد العامة في تحديد القانون الواجب التطبيق

   جاء في صدر المادة (27) من قانون الاستثمار حكم عام مقتضاه حسم المنازعات الناشـئة بين الأطراف الخاضعين لأحكام قانون الاستثمار، وفقا للقانون الذي يتم الاتفاق عليه في ما بينهم، فإن تعذر التوصل إلى اتفاق، يطبق القانون العراقي.

   وعلى هذا الأساس يتضح لنا إن الحكم الذي جاء به قانون الاستثمار في شأن هذه المنازعات يتفق مع القواعد العامة الواردة في المادة (1/25) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة1951، وذلك بالقدر الذي يتعلق بحرية أطراف النزاع في اختيار القانون الواجب التطبيق دون قواعد الإسناد.

    إلا إن موقف قانون الاستثمار يختلف عن موقف القانون المدني في الحكم الذي يقررانه عند عدم الاتفاق على القانون الواجب التطبيق على النزاع، إذ أوجب قانون الاستثمار تطبيق القـانون العراقي دون اللجوء إلى قواعد إسناد معينة، أما القانون المدني فقد أوجب تحديد القانون الواجب التطبيق بالرجوع إلى قاعدتين للإسناد هما: الموطن المشترك ومحل إبرام العقد.

    وتطبيقاً لقاعدة النص الخاص يقيد النص العام، فإن حكم صدر المـادة (27) مـن قـانون الاستثمار هو الذي يسري على المنازعات بين الأطراف الخاضعين لقانون الاستثمار، ومن ثـ فان القانون الواجب التطبيق هو القانون المتفق عليه، وفي حالة عـدم الاتفـاق يطبـق القـانون العراقي وبصرف النظر عن موطن المتنازعين أو محل إبرام العقد.

    غير إن الأحكام الوارد ذكرها لا تسري في حالة كون المتنازعين من غير العراقيين، ولـم يكن نزاعهم ناشئاً عن جريمة، إذ يجوز لهم وفقاً لأحكام الفقرة (2) من المادة (27) من قـانون الاستثمار إختيار القانون الواجب التطبيق والمحكمة المختصة بفضه أو أي اتفاق آخر لحله، ومن ثم فان عدم الاتفاق على القانون الواجب التطبيق لا يعني بالضرورة تطبيق القانون العراقي، وفقاً لأحكام صدر المادة (27) من قانون الاستثمار وهذا ما يدفعنا إلى التوصية بضرورة حسم هـذا الموضوع بوضع نص يتضمن تحديد القانون الواجب التطبيق إذا لم يكـن هنالـك اتفـاق بـين المتنازعين غير العراقيين، وإلا فإن قواعد الإسناد الواردة في القانون المدني هي التـى سـوف تطبق على الحالة.

   وفي هذا الشأن قررت الفقرة (1) من المادة (25) من القانون المدني الضوابط التالية لتحديد القانون الواجب التطبيق:

    أ- اتفاق أطراف النزاع على القانون الواجب التطبيق.

    ب- إذا لم يكن هنالك اتفاق على القانون الواجب التطبيق صراحة أو ضمناً فيطبـق النزاع قانون الدولة التي وجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين المتنازعين، وبذلك فإن المشرع قد عد الموطن المشترك قاعدة الاسناد الأولى لتحديد القانون الواجب التطبيـق على النزاع، وما من شك في أن الدول تختلف فيما بينها في تصوير الموطن، إلا أنـه المحصلة النهائية يمكن القول بأن مسألة ما يعد أو لا يعد موطناً مشتركاً أمر يختص في به قاضي الموضوع الذي يتبع في هذا الشأن قانون دولته.

    ج - محل إبرام العقد:- وهي قاعدة الاسناد الثانية والأخيرة التي اعتمدها المشرع في تحديد القانون الواجب التطبيق، فإن لم يتم الاتفاق على القانون الواجـب التطبيـق واختلـف المتنازعان في الموطن ولم يتحدا موطنا فإن قانون الدولة التي أبرم فيها العقد هو الذي يطبق على النزاع، ففي هذا الصدد لا توجد صعوبة في تحديد محل إبرام العقد إذا جمع أطرافه مجلس واحد ولكن التعاقد قد يكون بين غائبين من دول مختلفة، وان هنالك فترة زمنية فاصلة بين صدور الإيجاب وبين اقترانه بالقبول وفترة أخرى بين صدور القبول وبين علم الموجب به، وبصرف النظر عن النظريات التي قيلت في هذا الشأن، فـإن المادة (78) من القانون المدني العراقي قد عدت العقد منعقدا في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول.

الفرع الثاني

الاستثناءات الواردة على حرية اختيار القانون الواجب التطبيق

   على الرغم من الحرية التي قررها قانون الاستثمار للمتنازعين في اختيار القانون الواجـب التطبيق على النزاع، إلا أن هذه الحرية مقيدة بوجوب تطبيق القانون العراقي في الحالات التـ تخضع لحكمه حصراً.

    وبالرجوع إلى القواعد العامة نجد إن القانون المدني قد حدد هذه الحالات بالآتي:

    أولاً- سريان قانون موقع العقار على العقود التي أبرمت بشأنه، على ان اعتبـار المـال عقاراً أو منقولاً هي مسألة يقررها قانون موقع المال.

    ثانياً- شكليات العقد:- وهي الأوضاع التي يحددها القانون لإفراغ الإرادة فيها وقـد تكـون هذه الشكليات متعلقة بإبرام العقد أو إثباته أو تنفيذه في كل الأحوال، فإن المادة (26) من القانون المدني العراقي قد أوجبت تطبيق قانون الدولة التي تم فيها العقد محل النزاع إذا ما تعلـق هـذا النزاع بالشكليات، إذ تعد هذه القاعدة واجبة التطبيق لكونه من المتيسر العلم بقواعد الشكل في بلد الانعقاد .

    ثالثاً- أحكام الأهلية:- إذ تخضع هذه الأحكام لقانون دولة الشخص الـذي يتعلـق النـزاع بأهليته، وذلك وفقا لأحكام المادة (1/18) من القانون المدني العراقي.

    وبعيداً عن هذه الحالات، فإن التساؤل الذي يثور في هذا الميدان هو ما مدى إمكانية الاتفاق على تجزئة العقد أي تعدد القوانين الواجب تطبيقها على العقد بالنظر إلـى كـل عنـصـر مـن عناصره؟ وهل من الممكن الاتفاق على تغيير القانون الواجب التطبيق أثناء سريان العقد؟

     لم يرد في قانون الاستثمار ولا في القانون المدني حكم لهاتين الحالتين، إلا انه في الوقـت نفسه لم يرد ما يمنع من أجرائهما ومن ثم فانه ولما كانت الفقرة (1) من المادة (25) من القانون المدني قد خلت من أي منع أو قيد على جواز التجزئة، فإنه بالإمكان الاتفاق على تطبيق قـانون معين على المنازعات المتعلقة بتكوين العقد وتطبيق قانون آخر على تلك المنازعات المتعلقة بآثار العقد.

     كما أنه ليس هنالك ما يمنع أو يقيد حرية الأطراف في الاتفاق على تغيير القانون الواجـب التطبيق على إلا يكون هذا الاختيار للقانون اللاحق ماساً بصحة العقد من حيث الشكل أو ماسـاً بحقوق الغير.

الفرع الثالث

تحديد القانون الواجب التطبيق وفقاً لأحكام مشروع قانون التحكيم

   قضت المادة (30) من مشروع قانون التحكيم التجاري العراقي بأن تفصل هيئة التحكيم في النزاع المعروض عليها، وفقاً لما يأتي:

   أولاً- القواعد التي يتفق عليها الطرفان.

   ثانياً- إذا اتفق الطرفان على تطبيق قانون دولة معينة أتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين، ما لم يتفق على غير ذلك.

   ثالثاً- إذا لم يتفق الطرفان على القواعد أو القانون الواجب التطبيق طبقت هيئة التحكيم القواعد في القانون الذي ترى أنه الأكثر اتصالاً بموضوع النزاع.

   رابعاً- يجب أن تراعي هيئة التحكيم عند الفصل في موضوع النزاع شروط العقد محل النزاع والأعراف التجارية المتبعة في نوع النشاط.

   خامساً - لا يجوز لهيئة التحكيم الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدالة والإنصاف إلا إذا اتفق الطرفان على ذلك كتابة.

   واستناداً إلى ما تقدم نجد أن المشروع قد تبنى مبدأ حرية أطراف النزاع في اختيار القانون الذي يفصل في نزاعهم، إذ نصت المادة (30) من المشروع بأنه يتعين على المحـاكم أو هيئـة التحكيم أن تفصل في النزاع وفقاً لقواعد القانون التي يختارها الطرفان، وقد أخذت بهذا الحكـم اغلب التشريعات الوطنية المتعلقة بالتحكيم التجاري الدولي، والذي يعد متوافقا مع أحكام القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الاونسترال).

    وكما جاء في المذكرة الإيضاحية المقدمة من أمانة الاونسترال، فان هذا الحكم مهـم مـن ناحيتين، فهو يمنح الطرفين حرية تامة في اختيار القانون الموضوعي الواجب التطبيق، بالإضافة إلى ذلك فان القانون النموذجي آنف الذكر يوسع المفهوم بالإشارة إلى اختيار "قواعد القانون" بدلاً من الإشارة إلى "القانون" فيتسع بذلك نطاق الخيارات المتاحة للطرفين في ما يتعلق بتجديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع فعلى سبيل المثال، يمكن أن يتفق الطرفان علـى قواعـد قانونية وضعها محفل دولي ولكن لم تدرج بعد في أي نظام قانوني وطني، ويمكن أيضاً أن يختار الطرفان اختياراً مباشراً مثل اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع بوصفه المتن القانوني الموضوع الذي ينظم التحكيم دون الحاجة إلى الإشارة إلى القانون الوطني لأية دولة في تلك الاتفاقية وفي حالة عدم اتفاق أطراف النزاع على اختيار القانون الواجب التطبيق تطبق هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى انه الأكثر اتصالاً بموضوع النـزاع دون أن يأخذ المشروع بالسبيل التقليدي وهو اختيار القانون (أي القانون الوطني) الـذي تقـرره قواعـد تنازع القوانين التي ترى أنها واجبة التطبيق وهذا الاتجاه هو السائد فـي التشريعات الحديثـة للتحكيم التجاري الدولي، ومنها المادة (1/39) من قانون التحكيم في المواد المدنيـة والتجاريـة المصري رقم (27) لسنة 1994 المعدل وقواعد التحكيم الواردة في قانون المرافعات الفرنسي لعام 1981.

المطلب الثاني

المنازعات الناشئة عن عقد العمل

   تنشأ منازعات العمل إذا كان أطراف النزاع مرتبطين بعقد عمل، فقد عرف قانون العمـل رقم (71) لسنة 1987 هذا العقد بأنه "اتفاق بين العامل وصاحب العمل، يلتزم فيه صاحب العمل أداء عمل معين لصاحب العمل تبعاً لتوجيهه وإدارته ويلتزم فيه صاحب العمل بأداء الأجر المتفق عليه للعاملة، وفي هذا الصدد، فرقت الفقرة (1) من المادة (27) من قانون الاستثمار في هـذه المنازعات بين حالة كون العامل عراقي وحالة كونه غير عراقي، وكما يأتي:

أولاً- منازعات عقود العمل التي يكون طرفها عاملاً عراقياً:

    أخضعت الفقرة (1) من المادة (27) من قانون الاستثمار هذه المنازعات للقانون العراق حصراً، وقد قصد المشرع بهذا الموقف تطبيق قانون العمل العراقي علـى هـذا هـذا النـزاع، كمـا يتضمنه هذا القانون في حقوق وضمانات واسعة للعامل، وهي:

   أ- تتميز قواعد هذا القانون بأنها قواعد آمرة وتعد من النظام العام، ومن ثم فإنه لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها إلا إذا كانت المخالفة في مصلحة العامل فإذا ما وجـد تنظــيم خاص لعلاقات العمل فتطبق على العمال أحكام قانون العمل أو أحكام التنظيم الخاص أيهما أفضل؟.

   ب- إقرار هذا القانون لبطلان أي صلح أو تنازل أو إبراء من الحقوق المقررة للعامـل بموجبه خلال فترة قيام علاقة العمل، وحتى إنقضاء (6) ستة أشهر على انتهائها.

   ج- الأخذ بقاعدة التفسير الأصلح للعامل.

    د-  الطابع الواقعي لقانون العمل حيث تتكيف أحكامه مع ظروف الواقع ومـن ثـم فـإن تطبيقها يختلف باختلاف صور العمل وظروفه وقدرة أصحاب العمل الاقتصادية وقدرة العمال على العمل، فعلى سبيل المثال هناك أحكام خاصة بتشغيل الأحـداث وأخـرى تتعلق بالأعمال الشاقة، وأحكام تتعلق بالأعمال الليلية وهي قواعد آمرة روعيت فـي صياغتها مصلحة العامل بالدرجة الأساس.

ثانياً- منازعات عقود العمل التي يكون العامل الأجنبي طرفاً فيها:

   أجاز الشطر الأخير من المادة (1/27) من قانون الاستثمار لأطراف النزاع في هذه الحالـة الاتفاق على تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع، فإن جاء عقد العمل خاليا من أي اتفـاق في هذا الشأن فيطبق القانون العراقي، وفقا لقاعدة مفهوم المخالفة.

المطلب الثالث

منازعات الجهات الحكومية مع الخاضعين لأحكام قانون الاستثمار

   افرد المشرع العراقي الفقرة (5)من المادة (27) من قانون الاستثمار، لبيان القانون الواجب التطبيق على المنازعات الناشئة بين أي جهة حكومية ومنها هيئة الاستثمار- وبين الخاضـعين لأحكام قانون الاستثمار وقد ميز القانون في هذا الشأن بين نوعين من المنازعات هما:

أولاً- المنازعات في المسائل المدنية:

   لم يحدد قانون الاستثمار المقصود بالمسائل المدنية، مع ذلك يمكن القول بأنها تدخل ضـمن هذا المفهوم مسائل عديدة كالعمل الضار وقضايا التعويض من الإخلال بتنفيذ العقود المدنية.

    وقد أخضع قانون الاستثمار هذه المنازعات للقانون والمحاكم العراقية دون غيرها وبغـض النظر عن اتفاق أطراف النزاع وقواعد الإسناد المقررة في هذا الشأن.

ثانياً- المنازعات في المسائل التجارية:

   يعد النزاع ذا طابع تجاري إذا تعلق بعمل تجاري وفقاً لأحكام المادتين (5) و(6) من قانون التجارة العراقي رقم (30) لسنة 1984، أو كان أحد أطراف النزاع تأجراً وفقاً لأحكـام هـذا القانون.

    ولم يحدد قانون الاستثمار القانون الواجب التطبيق على هذا النزاع وإنما اكتفى بالإشارة إلى إمكانية حل النزاع من خلال اللجوء إلى وسائل عديدة ومنها التحكيم ولما كان من غير الممكـن حل النزاع بالتحكيم أو بأية طريقة أخرى ما لم يتم تحديد القانون الواجب التطبيق على هذا النزاع لذا ينبغي الرجوع إلى أحكام القواعد العامة لتحديد هذا القانون.

المبحث الثاني

تنازع الاختصاص القضائي في حسم منازعات الاستثمار

   بعد تحديد القانون الواجب التطبيق باتفاق أطراف النزاع أو من خلال تطبيق قواعد الاستناد فإنه ينبغي تحديد الجهة المختصة بتطبيق القانون على ذلك النزاع.

    ويستأثر موضوع تحديد الجهة المختصة بالفصل في المنازعات في العلاقـة ذات العنـصر الأجنبي بأهمية كبيرة، فلاعتبارات تتعلق بالسيادة نجد إن أغلب الدول تلجأ إلى منح اختـصاص النظر في هذه المنازعات لمحاكمها الوطنية بصرف النظر عن كـون القـانون الـذي سـتطبقه المحكمة على النزاع قانوناً وطنياً أم أجنبياً.

    ومن جانب آخر، فقد يختار أطراف النزاع من علاقتهم ذات العنصر الأجنبي، جهة أو أكثر ممن ليس لهم صفة رسمية ليحكموا ويفصلوا في نزاع قائم أو قد يقوم بينهم في المستقبل، وهو ما يطلق عليه تسمية التحكيم، إذ يلجأ إليه أطراف النزاع في حالة عدم اطمئنانهم للمحكمة المختصة أو لتفادي الإجراءات المطلوبة اللازمة لبت تلك المحكمة بالنزاع، وقد يحسم النزاع مـن خـلال تصالح أطرافه أو من خلال تدخل جهات تعمل على تقريب وجهات نظر أطراف النزاع وهو ما يطلق عليه بالتوفيق.

   وعلى هذا الأساس فان حسم منازعات الاستثمار بين الأطراف الخاضعين لأحكـام قـانون الاستثمار قد يكون من خلال المحكمة المختصة أو من خلال الجهة التحكيمية، على إن ذلـك لا يمنع من لجوء أطراف النزاع إلى وسائل أخرى لعل من أهمها الصلح والتوفيق. وسنتناول كـل من الاختصاص القضائي والتحكيم والصلح والتوفيق في المطالب الآتية:

المطلب الأول

الاختصاص القضائي

   قد يؤدي نشوء نزاع في علاقة الاستثمار ذات الطابع الأجنبي إلى الخلاف بين محاكم تعود لعدة دول تدعي أو لا تدعي كل واحدة منها في آن واحد اختصاصها في النظر في النزاع، وهو ما يطلق عليه تنازع الاختصاص، الأمر الذي يقتضي معه تحديـد المحكمـة المختصة بدقـة وبصرف النظر عن القانون الذي ستطبقه هذه المحكمة.

    وما من شك، فإن المشرع في كل دولة يحدد الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية سـواء أكان الأمر متعلقاً بمنازعات داخلية أم ذات طابع أو عنصر أجنبي.

   وفي العراق فإنه ليس هنالك إشكال حقيقي حول اختصاص المحاكم العراقية بـالنظر ف المنازعات الداخلية، إذ أقرت العديد من النصوص القانونية الولاية العامة للمحاكم العراقية فـي الدعاوى التي تقام في العراق إلا ما استثني منها بنص خاص.

      أما في المنازعات ذات العنصر الدولي وبقدر تعلق الأمر بمنازعات الأطراف الخاضـعين لأحكام قانون الاستثمار، فإنه يمكن القول وبالاستناد إلى نصوص قانون تنفيـذ أحكـام المـحـاكم الأجنبية في العراق رقم (30) لسنة 1928 النافذ، والمادتين (14) و(15) من القـانـون المـدني، وبالاستناد إلى القواعد العامة المقررة في هذا الشأن، فإن اختصاص المحاكم العراقية في الدعاوى ذات العنصر الدولي يتحدد، وفقاً للاتي:

    أ- الاختصاص القائم على الجنسية العراقية للمدعى عليه.

    ب - الاختصاص القائم على وجود المدعى عليه الأجنبي في العراق. .

    ج- الاختصاص القائم على وجود المال في العراق.

     د- الاختصاص القائم على نشوء الالتزام أو تنفيذه في العراق.

     هـ- الاختصاص القائم على الخضوع الاختياري.

      و - الاختصاص بالمسائل الأولية والدعوى الحادثة والدعاوى المرتبطة.

      ز - الاختصاص بمسائل الإجراءات التحفظية والوقتية.

    فإن كان هذا هو الحكم العام في اختصاص المحاكم العراقية بالنظر في المنازعـات ذات العنصر الأجنبي، فأن هنالك استثناءات على هذا الحكم وبقدر تعلق الأمر بمنازعات الاستثمار، فإنه يمكن إيجاز تلك الاستثناءات بالآتي:

    1- الاختصاص بالدعاوى المتعلقة بعقار يقع خارج العراق رغم كون المدعى عليه عراقياً مقيماً في العراق.

    2- الاختصاص في الدعاوى المترتبة على إشهار الإفلاس:- إذ نصت الفقرة (1) من المادة (573) من قانون التجارة رقم (149) لسنة 1970 على اختصاص محكمـة البـداءة التي يقع في منطقتها المركز الرئيس لمتجر المدين ،كما نصت الفقرة (1) من المـ ة (574) من القانون نفسه على اختصاص المحكمة التي أشهرت الإفلاس بـالنظر فـي جميع الطلبات والدعاوى الناشئة عن التفليس .

   3- الاختصاص وفقاً لمعاهدة نافذة في العراق كاتفاقية وارسو الخاصة بتوحيد بعض أحكام مسؤولية الناقل الجوي لسنة 1929، إذ حددت الجهة القضائية التي تنظر في دعـاوى المسؤولية أمام محكمة موطن الناقل أو محكمة المركز الرئيس لنشاطه أو محكمة الجهة التي تكون له فيها منشآت تولدت عنه إبرام العقد أو أمام محكمة جهة الوصول على النزاع.

المطلب الثاني

 التحكيم

    التحكيم في اللغة هو جعل الحكم في ما لك لغيرك. أما في الاصطلاح فهو الاتفاق علـى طرح النزاع على محكم أو أكثر للفصل فيه بدلاً من المحكمة المختصة به.

     فالتحكيم وفقاً لهذا التصوير لا يعدو أن يكون قضاء مختاراً، لأنه ينطوي علـى الاعتـراف لأطراف النزاع بأن يختاروا في علاقتهم التعاقدية بعض الأشخاص الذين ليس لهم صفة رسـمية  ليحكموا أو يفصلوا في نزاع قائم أو قد يقوم بينهم في المستقبل، والتحكيم ينشأ بعقد خاص ويسمى عندئذ (عقد التحكيم) وقد ينص عليه كشرط في العقد الذي ينظم العلاقة التي ينشأ بشأنها خلاف أو نزاع، إذ يسمى في هذه الحالة "شرط التحكيم".

   وقد تطرق قانون المرافعات المدنية العراقي في المواد (251-276) منه إلى أحكام التحكيم الداخلي من حيث كيفية إصدارها وتنفيذها، وخلت نصوصه من الإشارة إلـى أحكـام التحكـيم الأجنبي، كما لم يتطرق إليها قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية النافذ.

   فمن حيث المبدأ يعتمد موضوع التحكيم في المنازعات ذات العنصر الأجنبي على القـوانين الخاصة التي تصدرها الدول أو الاتفاقيات في كل دولة، وقد خلا النظام القانوني العراقـي مـن قانون خاص بالتحكيم في هذه المسائل، إلا انه هنالك بعض الاتفاقيات التي نظمته، وهي تـسري على العراق باعتباره طرفاً فيها، كاتفاقية التعاون القضائي والقانوني بين العـراق والجمهوريـة العربية المتحدة لسنة 1964 والمصدقة بالقانون (194) لسنة 1964، واتفاقية التعاون القضائي والقانوني بين العراق وهنغاريا لسنة 1977 المصدقة بالقانون رقم (99) لسنة 1977، واتفاقية تنفيذ الأحكام الخاصة بدول الجامعة العربية لسنة 1952 والمصادق عليها بالقـانون رقـم (35) لسنة 1956، واتفاقية الرياض العربية للتعاون القانوني والقضائي لـسنة 1983 المـصدقة بالقانون رقم (110) لسنة 1983.

   وبقدر تعلق الأمر بالاستثمار فإن قانون الاستثمار النافذ قد أشار إلى إمكانية اللجـوء إلـى التحكيم في أكثر من موضع كالفقرتين (4) و(5) من المادة (27) منه تاركـاً الأمـر إلـى إرادة أطراف العلاقة وبما لا يخرج عن أحكام الاتفاقيات النافذة والقواعد العامة المقررة في هذا الشأن. أما في منازعات العمل فإنه ينبغي التفريق بين ما إذا كان العمال عراقيين أو أجانـب، إذ لـيس هنالك ما يمنع من اللجوء إلى التحكيم في منازعات العمل التي يكون العمال الأجانب طرفاً فيهـا متى ما تم الاتفاق على ذلك.

   كما إن هنالك إشارات غير مباشرة إلى إمكانية اللجوء إلى التحكيم كنص الفقـرة (2) مـن المادة (27) من قانون الاستثمار التي أجازت للمتنازعين غير العـراقيين الخاضـعين لقـانون الاستثمار، وفي غير المنازعات الناتجة من جريمة الاتفاق على أي حل آخر للنزاع، وبذلك يكون التحكيم واحداً من هذه الحلول المطروحة في هذا الميدان.

    أما في منازعات العمل التي يكون العمال العراقيون طرفاً فيها، فإن الفقرة (1) من المـادة (27) من قانون الاستثمار قد حصرت اختصاص النظر فيها بالمحاكم العراقية، إذ تضمن قـانـون العمل رقم (71) لسنة 1987 النافذ أحكاماً تفصيلية لحل هذه المنازعات تبدأ بأخطار وزير العمل والشؤون الاجتماعية بالنزاع وقد ينتهي بإحالته إلى هيئة قضايا العمل في محكمة التمييز لبتـه الأحوال ينبغي أن يكون جزئياً في نطاقه ونسبياً في أثره بمعنـى أن يقتـصر والتحكيم في جميع على ما تم الاتفاق عليه من منازعات، وأنه لا يسري إلا على الأطراف التي اتفقت عليه.

    ويسير العراق في الوقت الحاضر وبخطئ ناجحة باتجاه تشريع قانون للتحكـيم التجـاري الدولي يستقي أحكامه من اغلب التشريعات الحديثة، ولعل من أبرزها القانون النموذجي للتحكـيم التجاري الدولي (الاونسترال) والذي أعدته لجنة قانون التجارة الدولية في الأمم المتحدة، وكـذلك التشريعات النافذة في بعض الدول المقارنة كمصر وسوريا واليمن، إذ يتحدد نطاق سريان هـذا المشروع بالمنازعات الدولية ليكون الخطوة الأولى نحو قانون تحكيم متكامل يشمل المنازعـات كافة سواء أكانت داخلية أم دولية، مدنية أم تجارية.

فضلاً عن ذلك، فإن جمهورية العراق قد دخلت في اتفاقيات ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار والتي تضمنت أحكاماً ذات صلة بالتحكيم واللجوء إليه واختيار المحكمين ونفقـاتهم وإجـراءات التحكيم والطعن بقراراته وتنفيذها.

المطلب الثالث

الصلح والتوفيق

    يعرف الصلح بأنه عقد يبرمه أطراف النزاع بأنفسهم أو بمن يمثلونهم وبموجبه يرتفع النزاع بالتراضي على نزول طرف أو أكثر عن بعض ما يتمسك به.

    ويختلف الصلح عن التحكيم في أوجه عديدة لعل من أهمها هو العلم المـسبق للمتنـازعين بالتنازلات التي يقدموها في الصلح بينما يتعذر عليهم معرفة ما قد يحكم بـه المحكـم، كمـا لا يشترط الاتفاق على التحكيم أن يكون هنالك نزاع معين قد وقع فعلاً في حين لا يمكن أن يـصـار إلى الصلح من دون ان يكون النزاع واقعا.

   أما التوفيق فهو عبارة عن تدخل طرف أجنبي في النزاع من خلال إجراء مفاوضات بـين أطراف النزاع بقصد التقريب بين وجهات النظر عن طريق اقتراح حل يرضون به. وعليه فإن التوفيق يختلف عن الصلح في أن هدفه هو الوصول إلى التراضي والتفاهم دون أن يتنــازل أي من أطراف النزاع عن إجراء من دعائه.

    ولم يرد في قانون الاستثمار النافذ ما يمنع من اللجـوء إلـى الـصلح أو التوفيـق لـحـسم المنازعات الناشئة عن علاقات الاستثمار سواء أكان ذلك في المنازعات التي تقع بين الأطـراف الخاضعين لهذا القانون أو في منازعات العمل أو في المنازعات الجهات الحكومية.

المبحث الثالث

تنفيذ الأحكام الصادرة بشأن منازعات الاستثمار

   بعد أن يحسم النزاع بإصدار الحكم فيه من محكمة مختصة أو من جهة تحكيمية وفقاً للقانون الواجب التطبيق، تبرز مسألة مدى إمكانية تنفيذ هذا الحكم، فقد لا تكون هنالك صعوبة إذا ما تـم التوفيق بين أطراف النزاع أو التصالح بينهم، كما أنه قد لا يثار الخلاف بـشأن تنفيـذ الأحكـام الصادرة بشأن منازعات الاستثمار الداخلية.

    إلا إن الأمر قد يصبح دقيقاً في حالة تنفيذ الحكم الصادر من جهة أجنبيـة فـ العـراق، فالأصل أن الدولة لا تنفذ إلا الأحكام التي تصدر من سلطاتها القـضائية، أمـا تنفيـذ الأحكـام الأجنبية، فإنه قد يمس سيادة الدولة المطلوب التنفيذ فيها.

    ومع ذلك، فإن الإطلاق في امتناع الدولة عن تنفيذ الأحكام الأجنبية أمر يتنافى مـع مبـدأ مراعاة وصيانة الحقوق التي يقررها الحكم، فضلاً عما يسببه مـن إعاقـة فـي تلبيـة حاجـة المعاملات الدولية إلى الاستقرار، لهذا أجازت اغلب الدول تنفيذ الأحكام الأجنبية وبشروط وقيود معينة، ويعد العراق واحداً من هذه الدول، إذ نظم أحكام تنفيذ الأحكام الأجنبية بنصوص تشريعية داخلية وبأتفاقيات ومعاهدات دولية، لعل من أهمها اتفاقية تنفيذ الأحكام التـي أقرهـا مجلـس  جامعة الدول العربية سنة 1952 واتفاقية الرياض للتعاون القضائي والقـانوني لـسنة 1983 ولكي نقف على كيفية تنفيذ الأحكام الأجنبية فإنه ينبغي التمييز بين تنفيذ الأحكام القضائية وبـين تنفيذ أحكام التحكيم وذلك في المطلبين الآتيين:

المطلب الأول: تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية:

    يجري تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية كقاعدة عامة بإحدى الطريقتين الآتيتين:

    الأولى- رفع دعوى جديدة من المحكوم له، يطلب فيها من قضاء الدولة المطلـوب منهـا التنفيذ بالحق الذي يتضمنه الحكم الأجنبي.

    الثانية- إصدار أمر أو قرار بالتنفيذ بناء على طلب من المحكوم له يقدم إلى قضاء الدولـة المطلوب فيها التنفيذ التي تعتمد على أحد النظامين التاليين في تدقيق الحكم الأجنبي وفحصه:

     أ- نظام المراقبة:- إذ تقتصر مهمة المحكمة على مجرد التأكد من استيفاء الحكم الأجنبي لشروط خارجية أو شكلية، وقد يمتد عمل المحكمة إلى فحص الحكـم مـن الناحيـة الموضوعية دون أن يكون لها حق التعديل.

ب- نظام المراجعة:- وبموجبه يكون للقاضي الوطني سلطة واسعة تتعدى فحص الشروط الخارجية والشكلية وموضوع الحكم لتشمل إمكانية تعديل الحكم.

    وقد أخذ المشرع العراقي بنظام المراقبة في تدقيق الحكم الأجنبـي لمعرفـة مــدى تـوافر الشروط الخارجية اللازمة لإصدار قرار بتنفيذه.

     وعلى أية حال فأن شروط تنفيذ الأحكام الأجنبية في العراق قد تحددت فـي المـادتين (6) و(8) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية وهي كالآتي:

   1- المعاملة بالمثل.

   2- أن يكون المحكوم عليه مبلغاً بالدعوى المقامة لدى المحكمة الأجنبية بطـرق معقولـة وكافية للتبليغ.

   3- أن تكون المحكمة الأجنبية مختصة بالنظر في الدعوى لتحقـق احـد الأسـباب التـي اقتضاها قانون تنفيذ قانون الأحكام الأجنبية كتوقيع العقد في تلـك الدولـة أو لوجـود المال محل الدعوى فيها أو لكون المحكوم عليه مقيم في دولة المحكمة التي أصـدرت الحكم.

    4- أن يكون المحكوم به محدداً.

    5- أن لا يكون سبب الدعوى مخالفاً للنظام العام وفق القوانين العراقية.

    6- أن يكون الحكم حائزاً صفة قابلية التنفيذ في البلد الذي صدر فيه.

    7- أن لا يكون الحكم قد صدر بطريقة التدليس.

    8- أن لا يكون سير الدعوى في المحكمة الأجنبية قد جرى مخالفاً للعدل والإنصاف.

     ومن جانب آخر، فقد نصت الفقرة (جـ) من المادة (25) من اتفاقية الرياض على الأحكـام المستثناة من الاعتراف أو التنفيذ، وهي كالآتي:

    (1) الأحكام الصادرة ضد حكومة الطرف المتعاقد المطلوب منه التنفيذ أو ضد احد موظفيها عن أعمال قام بها أثناء الوظيفة أو بسببها.

(2) الأحكام التي يتنافي الاعتراف بها أو تنفيذها مع الاتفاقيات الدولية المعمول بهـا لـدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ.

  (3) الإجراءات الوقتية والتحفظية والأحكام الصادرة في قضايا الضرائب والرسوم والإفلاس.

المطلب الثاني: تنفيذ أحكام التحكيم:

   يؤثر تحديد الطبيعة القانونية لقرار التحكيم في مدى إمكانية تنفيذه، وقد قيل في تحديد هـذه الطبيعة آراء عديدة يمكن إيجاز أبرزها بالاتي:

    الرأي الأول: - ويرى أنصاره أن حكم التحكيم هو بمنزلة الحكم القضائي لأسباب تتحـد بكون المحكم المختار يصدر قراره وحكمه بالاستناد إلى أسباب قانونيـة ويتـصرف بحياديـة ووجدان وقناعة القاضي غير المختار، أملاً منه في تحقيق مصلحة أطـراف النـزاع وليـست مصلحة الطرف الذي اختاره فقط ومن ثم فإن القرار الذي يصدر له قوة الحكم الـذي يـصدره القاضي غير المختار.

    الرأي الثاني: – يرى أنصاره أن قرار التحكيم ليس له صفة قـضائية، وأنـه ذو طبيعـة تعاقدية، وأن المحكم يحكم به بموجب أحكام العقد، على خلاف القاضي الذي يحكم بموجب أحكام القانون ومن ثم فان المحكمين ليسوا موظفين في الدولة، وإنما هم يـصدرون قـرارهم كوكلاء مشتركين لأطراف النزاع، ومن ثم فإن أحكامهم ليست لها قوة تنفيذية.

    وعلى أية حال، فإن مدى تنفيذ أحكام التحكيم أمر متروك تقديره للمشرع في كل دولة، إذ قد يجيزه أو يمنعه فان أجازه فقد ينظمه في قانون داخلي خاص- وهذا ما افتقر إليه العـراق فـي نظامه القانوني- أو في اتفاقية دولية كما فعل العراق بوصفه طرفا في بعض الاتفاقيات الدوليـة أجازت تنفيذ الأحكام الصادرة من الجهات التحكيمية، ولعل من أهم هذه الاتفاقيات تلـك هي التي أبرمت على المستوى العربي وأبرزها اتفاقية الرياض لسنة 1983، فقد جاء في المـادة (37) منها انه مع عدم الإخلال بالمواد التي حددت حالات اختصاص محاكم الطرف الذي صدر منه الحكم والمادة (30) التي فصلت حالات رفض الاعتراف بالحكم، يعترف بأحكام المحكمـين وتنفذ لدى أي من الأطراف المتعاقدة مع مراعاة القواعد القانونية لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ ولا يجوز للهيئة القضائية المختصة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ أن يبحث في موضوع الحكم أو رفض تنفيذه، إلا في الحالات الآتية:

   أ- إذا كان قانون الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ لا يجيـز حـل النـزاع بطريـق التحكيم.

   ب- إذا كان حكم المحكمين صدر تنفيذاً لشرط أو عقد تحكيم بأطل أو لم يصبح نهائياً كـأن يكون المحكم غير كامل الأهلية.

   ج- إذا كان المحكم غير مختص أو تجاوز حدود الاختصاص طبقاً لشروط أو عقد التحكيم أو طبقاً للقانون الذي صدر حكمه على مقتضاه.

    د- إذا خالف حكم المحكم أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التنفيذ كالتحكيم في دين ناشئ عن بيع منتجات المشروع المخالفة للشريعة الإسلامية وللنظام العام والآداب.

   وفي جميع الأحوال، فإنه يتوجب على الجهة التي تطلب تنفيذ حكم المحكمين أن تقدم صورة معتمدة من الحكم مصحوبة بشهادة صادرة من الجهة القضائية، وله القوة التنفيذية.

   وما من شك فإن تنفيذ أحكام التحكيم الدولي في العراق يقتصر على المنازعات التي يكـون أطرافها من الدول العربية ورعاياها حصراً، أما في غير ذلك فإنه – والى وقت قريب- لا ســـند في النظام القانوني العراقي يجيز تنفيذ هذه الأحكام ولعل السبب في ذلك هو هاجس القلق من أن يمس التحكيم سيادة العراق إذا كان الخصم أجنبيا ومن غير الدول العربية، وهذا ما منع ويمنـع العراق من توقيع العديد من الاتفاقيات الدولية التي تجيز تنفيذ أحكام التحكيم ولعل مـن أبرزهـا اتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها لسنة 1958. إن هـاجس القلق هذا لم يكن وليد العصر الراهن وإنما تمتد جذوره إلى سنوات طوال، فقد جاء في قرار لجنة المتابعة لشؤون النفط وتنفيذ الاتفاقيات المرقم (930) في 1973/12/9 مـا يـأتي: "إن شـرط التحكيم الدولي إنما يعني التجاوز على مبدأ السيادة للقطر العراقي وبالتالي الانتقاص مـن قيمـة المحاكم والقوانين العراقية.

    إلا أنه وفي تطور نوعي فقد صدر أخيراً قانون انضمام جمهورية العراق إلى اتفاقية تسوية نزاعات الاستثمار بين دول ومواطني دول أخرى رقم (64) لسنة 2012.

    وقد تضمنت هذه الاتفاقية العديد من الأحكام والمبادئ، ولعل من أهمها وأبرزها تلـك التـ تتعلق بالاعتراف بقرارات التحكيم وتنفيذها، إذ نصت الفقرة (1) من المادة (53) من القسم السادس من هذه الاتفاقية على أن "يكون الحكم ملزما على الأطراف ولا يخضع لأي التماس أو إلـ أيـة معالجة أخرى عدا تلك المشروطة في هذا الاتفاق. على كل طرف التزام وتطبيق بنود الحكم إلـى درجة يكون وضع الحكم موضع التنفيذ ثابتاً بما ينسجم والمبادئ ذات العلاقة بهذه الاتفاقية".

   وبذلك يكون العراق قد خطا خطوة جادة باتجاه قبول تنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية- غيـر العربية- في العراق ولا نتردد في القول بأنها أهم خطوة لكونها سوف تبعث بالاطمئنان أكثر في نفوس أصحاب رؤوس الأموال وحملهم على الاستثمار في العراق.

    فضلاً عن ذلك، فإن الاتفاقيات الثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار التـي عقـدتها جمهوريـة العراق مع بعض الدول قد أجازت وبما لا يقبل الشك تنفيذ أحكام التحكيم، وفي ذلك نيـة جـادة للاندماج مع المجتمع الدولي لقبول تنفيذ أحكام التحكيم .

خاتمة

    بعد إن اتضحت لنا أهمية تحديد الجهة المختصة بفض المنازعات المتعلقة بالاستثمار، وعلى أثر ما عرضناه من نصوص قانونية مشتتة في أكثر من قانون أو اتفاقيـة وبعـد دراسـة هـذه النصوص وتحليلها، نجد من المناسب عرض الاستنتاجات والتوصيات الآتية:

    أولاً- تتعدد في النظام القانوني العراقي النصوص القانونية التي يمكن الاستناد إليها لتحديد القانون الواجب التطبيق على منازعات الاستثمار، ونرى أنه ليس بالضرورة أن يكون القـانون العراقي هو القانون الواجب التطبيق على النزاع في حالة عدم الاتفـاق علـى تحديـد القـانون المختار من الأطراف على حد ما ورد في صدر المادة (27) من قانون الاستثمار ونؤيد الاعتماد على قاعدة أو أكثر من قواعد الإسناد، نقترح أن يكون أولها قانون الدولة التي تـم فيهـا إبـرام العقد.

    ثانياً- لتلافي الاجتهاد والتفسير وأمام سكوت المشرع العراقي عن معالجة إمكانية تجزئـة العقد واختيار قوانين مختلفة تطبق على كل جزء بمعزل عن الجزء أو الأجزاء الأخرى ومــدى إمكانية تغيير القانون الواجب التطبيق باتفاق لاحق من أطراف النزاع، نرى من المهم جدا النص صراحة على إجازة كلا الأمرين على أن يؤثر تغيير القانون الواجب التطبيق على صحة العقد أو مصالح الغير.

    ثالثاً- فيما نؤيد موقف المشرع العراقي في تطبيق القانون العراقي واختـصاص القـضاء العراقي حصراً في منازعات العمل التي يكون طرفها عاملاً عراقياً، ذلك لما يتضمنه قـانـون العمل العراقي النافذ من امتيازات للعامل، نرى أن يسري هذا الحكم على منازعات العمل كافة، وإن كان أحد أطرافها عامل غير عراقي، وذلك لأن قانون العمل آنف الذكر لم يفرق من حيـث المبدأ بين العامل العراقي وغير العراقي عند التمتع بالامتيازات المقررة فيه.

    رابعاً- ليس صحيحا أن نقول إن التحكيم يمس بسيادة العراق، ففي الحقيقة ان التحكيم أحـد أهم أسباب جذب رؤوس الأموال الأجنبية واستثمارها في العراق، كونه يقضي على مـا ينتـاب المستثمر الأجنبي من قلق من قضاء الدولة المضيفة، ونرى في الوقت نفـــســه تنظــم موضـوع التحكيم بدقة متناهية لتلافي العديد من المشاكل التي لم تكن في حسابات الجهات المعنية بتطبيـق قانون الاستثمار في العراق، ومن بين ما ينبغي مراعاته في هذا الصدد ما يأتي:

   أ- تعديل نص الفقرة (5) من المادة (27) من قانون الاستثمار بالنص على إمكانية اللجوء إلى التحكيم في منازعات الاستثمار ذات العنصر الأجنبي كافة سواء أكانت ذات طبيعة مدنية أم تجارية وذلك لتفادي الاجتهاد في التمييز بين ما يعد من هـذه المنازعـات ذا طبيعة مدنية، وبين ما يعد ذا طبيعة تجارية.

   ب- صياغة نصوص مشروع قانون التحكيم العراقي بما يضمن سريانه في الوقت الحاضر على المنازعات ذات العنصر الأجنبي للوقوف على ما سيفرزه التطبيق العملـي مـن نتائج وكيفية التعامل مع هذا القانون من الجهات المعنية بشكل عام، والجهات القضائية بشكل خاص.

ج- صياغة النصوص التي تنظم فض منازعات الاستثمار ضمن مشاريع الاتفاقيات الثنائية التي سيدخل العراق طرفاً فيها، على أن تتم الصياغة وفقاً للأهمية الاستراتيجية لكـل دولة وقوتها الاقتصادية والسياسية ومدى إمكانية مساهمتها في تنمية الاقتصاد العراقي، وبالتالي فإنه ينبغي التخلي عن فكرة "اتفاقيات الاستثمار الإطارية أو النموذجية" والتى لا تفرق بين دولة وأخرى، وهذا ما تجاهله المشرع في الاتفاقيات الثنائية التـي وقـع عليها العراق اخيراً، ونأمل تصحيح هذا المسار مستقبلاً.

   خامساً- إن انضمام العراق إلى اتفاقية تسوية نزاعات الاستثمار بين دول ومواطني دول أخرى وتوقيعه اتفاقيات ثنائية في مجال حماية وتشجيع الاستثمار، أمر يستوجب توخي الدقة في التعامل مع المستثمرين وفض المنازعات التي قد تنشأ معهم بطريق التحكيم من خلال الاستفادة من الخبرات العريقة على المستوى الدولي، وخصوصاً العربي منه، وهذا يدفعنا إلى التوصية بفتح آفاق التعاون مع أهم مراكز التحكيم، ومنها غرفة تجارة لندن وغرفة تجارة باريس والهيئة العربية للتحكيم الدولي ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم الدولي.

    سادساً- ضرورة انضمام العراق إلى اتفاقية نيويورك المتعلقة بالاعتراف بأحكـام التحكـيم الأجنبية وتنفيذها لسنة 1958، وذلك لسبب وجيه جداً يتمثل في أن العراق يعد في الوقت الحاضر محط أنظار العالم بأسره نتيجة لانفتاحه على العالم بعد عزلة دامت طويلاً، ومن ثم فإن انـضمام العراق إلى هذه الاتفاقية يبعث الاطمئنان إلى المستثمرين ويدفعهم نحو استثمار أمـوالـهم فـي العراق دون قلق أو تردد.