الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم بين الدول المضيفة والمستثمر الأجنبي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 14 / القانون المطبق في مجال التحكيم المتعلق بالاستثمار في معرض النظر في مسؤولية الدولة المضيفة

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 14
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    77

التفاصيل طباعة نسخ

    يعرف كل من يهتم بالاستثمارات الدولية أن التحكيم في هذا المجال قد شهد خلال نهايات القرن العشرين تطوراً ملموساً.

    وقد بدأت وتيرة هذا التطور تتسارع مع إبرام معاهدة واشنطن تاريخ 18 آذار/مارس 1965 أنشأ بموجبها المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى (مركز الإكسيد)، واستمر بالتسارع مع تزايد حركة إبرام الاتفاقيات الثنائية الرامية إلى تشجيع وحماية الاستثمارات والتي ترافقت مع إبرام اتفاقيات متعددة الأطراف تتضمن بنوداً مشابهة لتلك التي تتضمنها الاتفاقيات الثنائية المذكورة.

   وقد وصل هذا التطور إلى مرحلة مهمة أواخر ثمانينات القرن الماضي، عندما قررت إحدى الهيئات التحكيمية المشكلة وفقاً لنظام مركز الإكسيد أن تعتبر نفسها مختصة بالنظر في النزاع المعروض عليها استناداً إلى قانون داخلي صادر عن الدولة المحتكم بوجهها ينص على اللجوء إلى التحكيم وفقاً لقواعد مركز الإكسيد، وذلك في غياب اتفاقية تحكيم بين المستثمر والدولة المذكورة، ثم وصل الى مرحلته القصوى عندما قررت هيئة تحكيم أخرى مشكلة وفقاً لنظام مركز الإكسيد اعتبار نفسها مختصة بالنظر في النزاع المعروض عليها استنادا إلى اتفاقية ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار معقودة بين الدولة المحتكم بوجهها المضيفة للإستثمار ودولة المستثمر، وذلك في غياب اتفاقية تحكيم بين المستثمر والدولة المحتكم بوجهها.

    وبالفعل، ففي تاريخ 14 نيسان/إبريل 1988 قررت الهيئة التحكيمية في قضية SPP ضد جمهورية مصر العربية أن تعتبر نفسها مختصة بالنظر في النزاع استناداً إلى القانون المصري الساري المفعول حينذاك والمتعلق بتشجيع الاستثمار، والذي كان ينص على إمكانية اللجوء الى التحكيم بغية ملاحقة الدولة المضيفة، أي جمهورية مصر العربية، وذلك بالرغم من غياب اتفاقية تحكيم بين الطرفين أي بين شركة SPP وجمهورية مصر العربية.

   وبعدها بسنتين قررت هيئة تحكيمية أخرى في قضية AAPL ضد سريلانكا أنها مختصة بالنظر في النزاع استنادا إلى اتفاقية ترمي الى تشجيع وحماية الاستثمار معقودة بين بريطانيا وسريلانكا تتضمن بنداً ينص على اللجوء الى تحكيم مركز الإكسيد، وذلك بالرغم من غياب اتفاقية تحكيم بين الطرفين أي بين شركة AAPL وسريلانكا.

    وإذا كان بروز ما سمي التحكيم دون اتفاق مباشر للتحكيم (without privity) أو التحكيم الأحادي العابر للدول؟ قد أثار عندما تم الأخذ به عدداً من التحفظات، فإن هذا النوع من التحكيم هو اليوم الطريق الأكثر سلوكاً لعرض المنازعات المتعلقة بالاستثمار على الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار مركز الإكسيد .

    ولكن القرارات التي صدرت في قضية SPP ضد جمهورية مصر العربية وقضية AAPL ضد سريلانكا لم تؤد فقط إلى تعديل المعادلة المتعلقة باللجوء إلى التحكيم في مجال الاستثمارات، وإنما فتحت الباب أيضاً أمام اعتماد تفريق بين نوعين من المطالب التي يتقدم بها المستثمر": المطالب المتعلقة بالعقد (Contract claims) والمطالب المتعلقة بالاتفاقية Treaty) {(claims. وهذا التفريق يحتل اليوم مكانة مهمة في مجال التحكيم المتعلق بالاستثمار.

     والواقع أن سبب الأخذ بهذا التفريق يعود إلى أنه إذا كان يمكن للمستثمر اليوم اللجوء إلى التحكيم استناداً إلى اتفاقية ترمي الى حماية وتشجيع الاستثمار بغض النظر عن وجود عقد مبرم بين المستثمر والدولة المضيفة للاستثمار، إلا أنه وفي الكثير من الأحيان يكون المستثمر والدولة المضيفة مرتبطان بعقد، وغالباً ما يتضمن هذا العقد بدوره بنداً يتعلق بحل المنازعات وبنداً يتعلق بالقانون الواجب التطبيق. في هذه الحالات، أي عندما يكون المستثمر مرتبطاً بعقد مع الدولة المضيفة أو إحدى وحداتها أو أجزائها ويلجأ إلى التحكيم ضدها سنداً لاتفاقية ترمي الى حماية وتشجيع الاستثمار، فإن الصعوبة تكمن في كيفية تنظيم العلاقة بين مضمون العقد ومضمون الاتفاقية. وهكذا، فإن التفريق بين المطالب المسندة إلى العقد والمطالب المسندة إلى الاتفاقية يسمح للهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار مركز الإكسيد، نظرياً على الأقل، بتحديد مجال اختصاصها. فإذا كان المطلب المقدم إلى الهيئة التحكيمية يرمي إلى الحكم بمسؤولية الدولة المضيفة بسبب مخالفتها التزاماً من الالتزامات التي تقع على عاتقها بموجب الاتفاقية، فإن على الهيئة التحكيمية بموجب هذا التفريق أن تعتبر نفسها مختصة بالنظر في المطلب المذكور بغض النظر عن انطواء العقد على بند للاختصاص. وفي الحالة المعاكسة، عندما يرمي الطلب المقدم إلى هيئة تحكيمية إلى الحكم بمسؤولية الدولة المضيفة بسبب مخالفتها التزاماً من الالتزامات التي تقع على عاتقها بموجب العقد، فإنه على الهيئة التحكيمية أن تعتبر نفسها غير مختصة بالنظر فيه وأن تحيل الأطراف الى المحكمة أو الهيئة التي يشير إليها بند الاختصاص الوارد في العقد في حال وجود بند كهذا.

    بعبارة أخرى، إن التفريق بين المطالب المتعلقة بالعقد (Contract claims) والمطالب المتعلقة بالاتفاقية (Treaty claims) يسمح للهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار مركز الإكسيد بعدم التعرض لمسألة العلاقة بين العقد والاتفاقية الثنائية من زاوية سمو هيئة تحكيمية على محكمة أو هيئة تحكيمية أخرى، وهو يسمح بالتالي بتحديد مجال اختصاص كل منها.

    وإذا كان هذا التفريق، وهو محض اجتهادي، لا يزال موضع انتقاد عدد من رجال القانون لأنه يؤدي إلى تجزئة القضايا المتعلقة بالاستثمارات أمام عدة مراجع، إلا أن العديد من الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار مركز الإكسيد تأخذ به لدرجة أن البعض اليوم يعتبره بمثابة مسلمة ه من مسلّمات قضايا الاستثمار .

   وفي مطلق الاحوال، فإن هذا التفريق بما ينطوي عليه من توزيع للاختصاص من شأنه للوهلة الأولى أن يزيح كلياً إمكانية تطبيق القانون الوطني للدولة المضيفة من قبل الهيئات التحكيمية، لأنه يستند إلى أن النزاعات المتعلقة بالعقد لا تدخل في اختصاص هذه الهيئات، وإنما تبقى ضمن اختصاص هيئات أو محاكم أخرى، كما تبقى خاضعة للقانون الواجب التطبيق عليها بموجب العقد. وبالفعل، فإن اعتماد هذا التفريق، إنما يفترض أن النزاع المتعلق بمخالفة اتفاقية ترمي الى حماية وتشجيع الاستثمار يخضع لأحكام هذه الاتفاقية وللقانون الدولي، فيما يخضع النزاع المتعلق بالعقد للقانون الواجب التطبيق بموجب العقد. ومما يعزز هذا الانطباع هو أن الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار مركز الإكسيد تلجأ عادة إلى الفصل في النزاع على مرحلتين: مرحلة أولى تتعلق بالاختصاص ومرحلة ثانية تتعلق بالأساس .

    ولكن، وبالرغم من اعتماد هذا التفريق، وبالرغم من اللجوء عادة إلى الفصل في النزاع على مرحلتين، فإننا نلاحظ أن بعض الدول المضيفة تلجأ خلال السير بالتحكيم ضدها إلى التذرع بقانونها الوطني، معتبرة أن الهيئة التحكيمية يجب أن تطبقه أو على الأقل أن تأخذه في الاعتبار للفصل في الدعوى في الأساس.

    ومن هنا، فإنه لا بد من البحث في مآل تطبيق مبدأ سلطان الإرادة الذي أخذت به معاهدة واشنطن تاريخ 18 آذار/مارس 1965 في ضوء التفريق المعتمد بين المطالب المتعلقة بالاتفاقية والمطالب المتعلقة بالعقد (1)، قبل التطرق إلى الموقف الذي تعتمده الهيئات التحكيمية الناظرة في قضايا الاستثمار بالنسبة الى القانون الواجب التطبيق في معرض النظر في مسؤولية الدولة في التحكيم المتعلق بالاستثمار (2).

 

1- سلطان الإرادة في ظل اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمارات والتمييز بين المطالب المتعلقة بالعقد والمطالب المتعلقة بالاتفاقية:

    عندما وضع نظام مركز الإكسيد، كان من المفترض أن يطبق هذا النظام للفصل في مطالب ناتجة من عقود مبرمة بين المستثمرين والدول المضيفة، أي أنه كان من المفترض أن يطبق فقط على ما يطلق عليه اليوم المطالب المتعلقة بالعقد (Contract claims) .

    وهكذا، فإن التفريق بين المطالب المتعلقة بالعقد، وتلك المتعلقة بالاتفاقية، الذي تم اعتماده من قبل الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار مركز الإكسيد، إنما جاء ليضيف مفهوماً جديداً إلى نظام وضع في الأساس للفصل في المطالب المتعلقة بالعقد فقط.

    ولكن، ومنذ أن بدأت الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار الإكسيد تعتبر نفسها مختصة، على أساس اتفاقات حماية وتشجيع الاستثمار وليس على أساس بنود تحكيمية واردة في العقود، فإن اختيار القانون الواجب التطبيق لم يعد خاضعاً لسلطان إرادة الأطراف المتنازعين.

    ومن هنا، لا بد من إلقاء الضوء على النصوص الأساسية المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق في إطار مركز الإكسيد وطريقة مقاربتها غداة إنشاء هذا المركز (أ) قبل التطرق الى التحول الذي طرأ على مقاربتها نتيجة تطور اجتهاد الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطار المركز المذكور منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، إن لجهة الأخذ بإمكانية التحكيم استناداً إلى اتفاقية ثنائية لتشجيع وحماية الاستثمار، وان لجهة الأخذ بالتفريق بين المطالب المتعلقة بالعقد والمطالب المتعلقة بالاتفاقية (ب).

أ ـ المقاربة التي اعتمدت بالنسبة إلى مسألة القانون الواجب التطبيق غداة إنشاء مركز تحكيم الإكسيد:

   عندما أنشأ مركز تحكيم الإكسيد كان من المفترض أن تنظر الهيئات التحكيمية العاملة ضمن إطاره في المنازعات الناشئة عن عقود بين المستثمرين والدول المضيفة للاستثمار.

    ولذا تضمنت المادة 42(1) من معاهدة واشنطن تاریخ 18 آذار 1965 نصاً يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على غرار غيرها من أنظمة التحكيم الدولية. وهذا النص ينطوي على جملتين: الجملة الأولى تعطي الأطراف حرية مطلقة في تحديد القانون الواجب التطبيق على أساس النزاع، وهي تنص على ما يلي: "تفصل الهيئة التحكيمية في النزاع طبقاً للنظم القانونية التي وافقت عليها الأطراف المتنازعة".

    أما الجملة الثانية فهي تتعلق بالحالات التي لم يحدد فيها الأطراف القانون الواجب التطبيق وهي تنص على ما يلي: "إذا لم يتفق الطرفان تقوم الهيئة التحكيمية بتطبيق قانون الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع (بما فيه القواعد الخاصة بتنازع القوانين) وكذلك مبادئ القانون الدولي الواجب تطبيقها في هذا الصدد".

    وقد اعتبرت الهيئات التحكيمية واللجان الخاصة العاملة في إطار مركز الإكسيد في أولى قراراتها الصادرة غداة إنشاء هذا المركز أن للقانون الدولي وفقاً للمادة 42(1) وظيفة تكميلية أو تصحيحية للقانون الوطني. وقد اعتبرت بعض القرارات الصادرة عن هذه الهيئات واللجان أن هذه الوظيفة هي الوحيدة التي تعود الى القانون الدولي، بمعنى أنه يمكن للمحكمين استعمال القانون الدولي بغية سد الثغرات التي قد تعتور القانون الوطني أو لتصحيح التناقضات التي قد تبرز فيما بين القانون الوطني والقانون الدولي.

   وقد تبنت هذا التفسير بشكل خاص اللجنة الخاصة في قضية Klockner ضد الكاميرون عام 1985 إذ اعتبرت أن للقانون الدولي دوراً مزدوجاً: إما تكميلي (عند وجود نقص في القانون الوطني) وإما تصحيحي عندما لا يكون القانون الوطني متوافقا مع قواعد القانون الدولي. وقد اعتبرت أنه في الحالتين لا يعود للمحكمين الاستعانة بقواعد القانون الدولي، إلا بعد البحث في مضمون القانون الوطني للدولة الطرف في النزاع، وبعد تطبيق القواعد الواجبة التطبيق الواردة فيه. وخلصت اللجنة إلى القول أنه من المؤكد أن المادة 42(1) لا تسمح للمحكم بإسناد قراره فقط إلى قواعد القانون الدولي .

    وقد ظهرت هذه الوجهة أيضاً بشكل واضح في إحدى حيثيات قرار اللجنة الخاصة في قضية Amco Asia Corp ضد أندونيسيا الصادر عام 1986 والذي اعتبر أن المادة 42(1) تسمح للهيئة التحكيمية العاملة ضمن إطار الأكسيد بتطبيق قواعد القانون الدولي فقط لسد الثغرات التي تعتور القانون الوطني الواجب التطبيق وللعمل على جعل هذا القانون متوافقاً مع قواعد القانون الدولي في حال كانت قواعد القانون الوطني الواجب التطبيق غير متوافقة مع معايير القانون الدولي .

   إلا أن هذه القرارات صدرت في معرض تحكيمات جرت استناداً إلى اتفاقيات تحكيم وليس استناداً إلى اتفاقيات ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار. وبعبارة أخرى، فإن هذه القرارات الصادرة قبل عام 2002 تتعلق بمخالفة التزامات عقدية لا التزامات ناتجة من معاهدات لحماية وتشجيع الاستثمار.

    والواقع أن التطور الذي حملته قضية AAPL ضد سريلانكا لم يؤد فقط إلى تغيير الوضع كلياً بالنسبة الى الخضوع للتحكيم، وإنما كانت له أيضاً مفاعيل مهمة، في ما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق. فمنذ صدور القرار بالقضية المشار إليها، لم يعد وجود عقد بين المستثمر والدولة المضيفة ضرورياً لحصول التحكيم بالرغم من وجود عقد كهذا في معظم الأحيان.

    ومع تزايد أعداد الاتفاقيات الثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار واعتماد التفريق بين المطالب المتعلقة بالعقد والمطالب المتعلقة بالاتفاقية لم يعد بالإمكان الاستمرار في تفسير المادة 42(1) على الشكل المشار إليه.

 ب- المقاربة الحالية لمسألة القانون الواجب التطبيق:

    ان استناد الهيئات التحكيمية المنشأة وفقاً لنظام مركز الإكسيد للقول باختصاصها إلى اتفاقية ثنائية لتشجيع وحماية الاستثمار مبرمة بين دولة المستثمر والدولة المضيفة للاستثمار - لا إلى اتفاقية تحكيم عادية بين المستثمر والدولة المضيفة – يؤدي عملياً إلى اعتبار أن التحكيم، إنما يستند إلى الاتفاقية الثنائية لا الى أي اتفاق آخر في حال وجوده.

    وهنا لا بد من التفريق، على الأقل نظرياً، بين حالتين: الحالة التي تتضمن فيها الاتفاقية الثنائية مادة تتعلق بالقانون الواجب التطبيق في حال حصول نزاع بين المستثمر والدولة المضيفة والحالة التي لا تتضمن فيها الاتفاقية الثنائية مادة كهذه.

 

    وبالفعل، فغالبا ما تتضمن الاتفاقية الثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار مادة تتعلق بالقانون الواجب التطبيق في حال حصول نزاع بين المستثمر والدولة المضيفة. وتحيل هذه المادة عادة إلى نصوص المعاهدة نفسها، وإلى القانون الدولي أو مبادئ القانون الدولي، كما قد تحيل إلى القانون الوطني للدولة المضيفة. وفي هذه الحالة، فإنه لا بد للهيئة التحكيمية التي تستمد اختصاصها من هذه الاتفاقية أن تطبق المادة المشار إليها، سواء كان هناك عقد بين المستثمر والدولة المضيفة أو لا بحيث يعتبر الاختيار الوارد في مادة كهذه بمثابة الاختيار للقانون الواجب التطبيق وفقاً للجملة الأولى من المادة 42(1) من معاهدة واشنطن.

    وبعبارة أخرى، فإن اختيار القانون الواجب التطبيق في هذه الحالة لا يحصل استناداً إلى عقد أبرم بين المستثمر والدولة المضيفة، وإنما استناداً إلى اتفاقية ثنائية أبرمت بين الدولة المضيفة والدولة التي ينتمي إليها المستثمر.

    وبالفعل، فبمجرد أن تعتبر الهيئة التحكيمية نفسها مختصة بالنظر في النزاع استنادا إلى اتفاقية ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار أي بمجرد أن تعتبر نفسها مختصة بالنظر في ما إذا كانت الدولة المضيفة قد أخلت بالالتزامات التي تقع على عاتقها استناداً إلى هذه الاتفاقية، فإنه على هذه الهيئة التحكيمية تطبيق البند المتعلق بالقانون الواجب التطبيق الوارد في هذه الاتفاقية. صحیح أن هذا البند يعبر عن إرادة الدولة المضيفة والدولة التي ينتمي إليها المستثمر، إلا أن المستثمر بمجرد استناده إلى الاتفاقية للتقدم بطلب التحكيم، إنما يعتبر وكأنه قد وافق على هذا البند.

    ولكن وحتى في الحالات التي لا تتضمن فيها اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار بنداً يتعلق بالقانون الواجب التطبيق، وهي حالات ينبغي فيها بالتالي تطبيق الجملة الثانية من المادة 42(1) من معاهدة واشنطن، فإن الهيئة التحكيمية بمجرد أن يكون اختصاصها مبنياً على اتفاقية لحماية وتشجيع الاستثمار لا بد لها أن تنظر في النزاع على أساس هذه الاتفاقية وما تتضمنه من التزامات بحق الدولة المضيفة، علماً أن هذه الاتفاقية، إنما هي نص من نصوص القانون الدولي والالتزامات التي تضعها على عاتق الدولة المضيفة تخضع أيضاً للقانون الدولي.

    بالمحصلة يمكن القول أنه ومنذ القرار الصادر بقضية AAPL ضد سريلانكا، أصبح للمادة 42(1) مفهوم جديد. فالخيار الذي تشير إليه الجملة الأولى من هذه المادة لم يعد خياراً للقانون الواجب التطبيق بين الطرفين المتحاكمين، وإنما خيار بين دولتين: الدولة المضيفة للاستثمار والدولة التي ينتمي إليها المستثمر. كما يمكن القول أنه حتى في حال خلو الاتفاقية الثنائية من بند يتعلق بالقانون الواجب التطبيق، فإنه لا بد للهيئة التحكيمية من تطبيق بنود هذه الاتفاقية التي تتعلق بالالتزامات التي تقع على عاتق الدولة المضيفة، وهذه الالتزامات بطبيعتها تخضع للقانون الدولي لا للقانون الوطني.

2 ـ إحلال القانون الدولي مكان سلطان الإرادة:

    لا بد قبل عرض موقف الهيئات التحكيمية واللجان الخاصة المنشأة وفقاً لنظام مركز تحكيم الإكسيد من التذكير أن هناك من الناحية النظرية عدة آراء في ما يتعلق بطبيعة العلاقة القانونية التي تنشأ بين الدولة المضيفة والمستثمر.

   فالعلاقة القانونية التي تنشأ بين الدولة المضيفة والمستثمر، بحسب رأي أول، هي علاقة خاضعة للقانون الدولي العام. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن الهيئة التحكيمية التي تنظر في النزاع على أساس اتفاقية لحماية وتشجيع الاستثمار، إنما تنظر في مدى توافق ما صدر عن هذه الدولة أو ما فعلته هذه الدولة مع القواعد التي تنطوي عليها المعاهدة، وهي قواعد ترتبط بالقانون الدولي العام. ومن هنا فإن المسؤولية الدولية للدولة المضيفة، إنما هي مسؤوليتها عن الإخلال بنصوص الاتفاقية وبقواعد القانون الدولي العام المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأعمال المجافية للقانون.

    وبحسب رأي ثان، فإن المسؤولية التي تقع على عاتق الدولة في إطار الدعاوى المتعلقة بالاستثمار، لا تخضع بالضرورة للقانون الدولي العام. وقد ذهب البعض مثلاً إلى القول أن المسؤولية التي تترتب على الدولة في هذا الإطار، إنما قد تترتب عليها بصفتها الدولة- الإدارة الخاضعة للقانون المحلي لا الدولة السيدة الخاضعة للقانون الدولي .  

    وبحسب رأي ثالث، فإن التحكيم المتعلق بالاستثمارات لا يمكن اعتباره وسيلة لفض النزاعات خاضعة للقانون الدولي العام، ولا وسيلة لفض النزاعات خاضعة للقانون الوطني للدولة المضيفة. وبحسب أصحاب هذا الرأي، فإن أي نزاع بين مستثمر ودولة مضيفة للاستثمار، إنما يتعلق بمصالح المستثمر الخاصة. ومن هنا فإن القانون الواجب التطبيق لا يمكن أن يكون، إلا قانوناً هجيناً بين القانون الوطني للدولة المضيفة والقانون الدولي العام.

    إلا أن قراءة متأنية للقرارات التحكيمية الصادرة خلال السنوات الماضية في إطار مركز تحكيم الإكسيد، ومعظمها صادر عن هيئات تحكيمية جرى طرح النزاع عليها استناداً إلى اتفاقيات ثنائية لحماية وتشجيع الاستثمار، تفيد أن هذه الهيئات قد استندت بشكل أساسي لحل النزاع إلى نصوص هذه الاتفاقيات بعد تطبيقها وتفسيرها في ضوء قواعد القانون الدولي (أ). أما بالنسبة الى القانون الوطني للدولة المضيفة، فإن مراجعة هذه القرارات تفيد بعدم وجود مقاربة موحدة لدوره من الناحية النظرية، وإن كان هذا الدور يبدو بشكل عام محدوداً (ب).

أ ـ بت مسؤولية الدولة المضيفة في ضوء القانون الدولي:

    إن التفسير الذي لقيته المادة 42(1) من معاهدة واشنطن في القرارات الصادرة بقضية Klockner ضد الكاميرون وقضية Amco ضد أندونيسيا لم يعد، وكما أشرنا أعلاه، ممكناً اعتماد الوجهة التي اعتمدتها الهيئات التحكيمية منذ القرار الصادر بقضية AAPL ضد بعد سريلانكا.

   ومن هنا، فإن اللجنة الخاصة التي نظرت في قضية Wena ضد جمهورية مصر العربية قد اعتمدت وجهة نظر أخرى في قرارها الصادر عام 2002.

    فقد اعتبرت اللجنة المذكورة في قرارها أنه وبحسب ظروف كل قضية، يجب تطبيق القانون الدولي، إما مع القانون الوطني الداخلي للدولة المضيفة، وإما وحده دون الاستعانة بالقانون الداخلي لهذه الدولة. وبحسب اللجنة، فإن الظروف الخاصة بكل قضية يمكنها تبرير اللجوء الى الحل الأول أو الحل الثاني. فالقانون الداخلي للدولة المضيفة يمكن تطبيقه مع القانون الدولي عندما يكون ذلك مبرراً. وكذلك يمكن تطبيق القانون الدولي وحده وبشكل مستقل عندما تدخل القاعدة الواجبة التطبيق في مجال تطبيقه .

إلا أن هذا التعليل الذي اعتمدته اللجنة الاستئنافية في قضية Wena، وإن كان يعطي المحكمين حرية كبيرة في تحديد القانون الواجب التطبيق، إلا إنه لا يتسم بالوضوح بالنسبة الى مجال تطبيق كل قانون من القوانين.

    فمن البديهي أنه بالنسبة الى بعض النقاط لا يمكن تفادي تطبيق القانون الوطني للدولة المضيفة. فغالباً ما تطرح مثلاً مسألة التأكد من وجود استثمار. وعندما يتخذ هذا الاستثمار شكل حق ملكية في الدولة المضيفة، فإنه لا بد من اللجوء الى القانون الوطني الداخلي لهذه الدولة للقول ما إذا كان حق الملكية هذا متوافراً وما هي مجالات هذا الحق، حتى ولو كان لا بد بعد ذلك من اللجوء إلى الاتفاقية للقول ما إذا كان هذا الحق هو من الحقوق الخاضعة للحماية التي توفرها هذه الاتفاقية. وبالفعل، إذا كانت اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار تتضمن عادة لائحة بالاستثمارات الخاضعة للتشجيع والحماية، إلا أن هذه الاتفاقيات، شأنها شأن القانون الدولي، لا تتضمن قواعد تتعلق بحق الملكية ولا يمكن أن تنشئ هكذا حق أو تحدد معاييره، إلا أن القانون الوطني لا يتم اللجوء إليه في هذه الحالة أو في الحالات المماثلة من أجل النظر في مسؤولية الدولة المضيفة، وإنما من أجل القول باختصاص الهيئة التحكيمية وربما من أجل استخلاص العناصر التي يمكن استنادا إليها النظر في مسؤولية الدولة.

    وفي مطلق الأحوال، فإن قراءة القرارات التحكيمية الصادرة خلال السنوات الماضية تبين أن الهيئات التحكيمية التي تم اللجوء إليها استناداً إلى اتفاقيات حماية وتشجيع الاستثمار، إنما استندت بشكل عام إلى النظر في مسؤولية الدولة المضيفة إلى نصوص هذه الاتفاقيات، وإلى قواعد القانون الدولي .

   والقرار الصادر في قضية ADC Affiliate Ltd ضد المجر يتضمن مثلاً تعليلاً عن كيفية الوصول إلى تطبيق القانون الدولي استناداً إلى سلطان الإرادة عملاً بالمادة 42(1) في حالات اللجوء إلى الهيئة التحكيمية، استناداً إلى معاهدة ترمي الى حماية وتشجيع الاستثمار تتضمن بنداً يتعلق بالقانون الواجب التطبيق.

 ولكن ما تجدر ملاحظته هو أن هذا التوجه قائم سواء كانت الاتفاقية الثنائية تتضمن بنداً يتعلق بالقانون الواجب التطبيق أم لا. فحتى في غياب بند كهذا، لم تتوان الهيئات التحكيمية بشكل عام عن تطبيق مبادئ القانون الدولي لدى نظرها في مسألة مسؤولية الدولة المضيفة.

    وما تجدر الإشارة إليه أيضاً هو أن ارتباط المستثمر بعقد مع الدولة المضيفة لا تأثير له في اجتهاد الهيئات التحكيمية على النتيجة، أي على تطبيق مبادئ القانون الدولي. وقد ورد في عدة قرارات تحكيمية أن مخالفة العقد لا تؤدي بشكل آلي إلى مخالفة الاتفاقية، والعكس بالعكس. وتستند القرارات التحكيمية بهذا الخصوص إلى المادة 3 من مشروع لجنة القانون الدولي العائدة الى الأمم المتحدة والمتعلق بمسؤولية الدول الناتجة من أعمالها غير القانونية. وتنص هذه المادة على ما يلي: " إن تكييف فعل صادر عن دولة بأنه مخالف للقانون على الصعيد الدولي أمر يتعلق بالقانون الدولي. إن هذا التكييف لا يتأثر بكون الفعل قد تم تكييفه بأنه يتوافق مع القانون وفقاً للقانون الداخلي".

    ففي قضية Compagna de Aguas del Aconquija قررت اللجنة الخاصة المشكلة وفقاً لنظام مركز الإكسيد أن مخالفة الاتفاقية ومخالفة العقد مسألتان مختلفتان، وأن الطلبات المتعلقة بمخالفة كل منهما سوف ينظر فيهما استناداً إلى القانون الذي يطبق على كل منهما: بالنسبة الى الاتفاقية وفقاً للقانون الدولي وبالنسبة الى العقد وفقاً للقانون الواجب التطبيق عليه

ب- الدور المناط بالقانون الداخلي:

   إذا كان القول بأن كون الفعل المنسوب الى دولة معينة يقع في موقعه القانوني أم لا من زاوية القانون الداخلي، لا تأثير له إطلاقاً على كون الفعل نفسه يقع أم لا في موقعه القانوني من زاوية القانون الدولي، فإنه يصبح من السهل الاستخلاص أن القانون الداخلي للدولة المضيفة لا يمكن أن يعتبر إلا بمثابة واقعة مادية أو وسيلة إثبات.

    إلا أن اعتماد هذا التوجه بشكل مباشر وصريح من شأنه التشكيك بطبيعة القوانين الداخلية، لجهة إلزاميتها والقوة التي تتمتع بها، الأمر الذي قد ينطوي على حساسية معينة تجاه الدول المضيفة.

    ومن هنا، فإن العديد من القرارات التحكيمية الصادرة ضمن إطار الإكسيد تتحاشى إنكار دور القوانين الداخلية، مستعملة في بعض الأحيان عبارات طنانة، بالرغم من اعتمادها في النهاية على القانون الدولي للنظر في مسؤولية الدولة المضيفة.

    ففي قضية Goets ضد جمهورية بورندي ورد في قرار الهيئة التحكيمية: "إن إضفاء الطابع الدولي على علاقات الاستثمار – سواء كانت عقدية أم لا ـ لا يؤدي إلى نزع الطابع الوطني بشكل مطلق عن العلاقات القانونية الناتجة من الاستثمار الأجنبي بشكل يجعل القانون الوطني للدولة المضيفة غير قابل للتطبيق أو ينزع عنه مكانته لصالح دور حصري للقانون الدولي. الأمر يعني فقط أن هذه العلاقات ترتبط في الوقت نفسه، وبشكل مواز، بالسلطة السيادية للدولة المضيفة على قانونها الداخلي وللتعهدات الدولية التي أبرمتها هذه الدولة"، إلا أن هذا لم يمنع الهيئة التحكيمية من بت بعد ذلك النزاع على أساس القانون الدولي.

    وفي قضية Azurix ضد الأرجنتين استندت الهيئة التحكيمية أولا إلى التعليل الذي ورد في قرار اللجنة الخاصة في قضية Wena ضد جمهورية مصر العربية، فأشارت إلى أن الجملة الثانية التي تتضمنها المادة 42(1) من معاهدة واشنطن تنص على أن هناك مرجعين قانونيين لهما دور، وأن دور كل منهما يستند إلى طبيعة النزاع ويمكن أن يختلف باختلاف المسألة القانونية موضع النظر، إلا أن الهيئة التحكيمية أشارت بعد ذلك إلى أن النزاع قد عرض عليها استناداً إلى اتفاقية دولية، وأنه لا بد لها تالياً من تطبيق أحكام هذه الاتفاقية وقواعد القانون الدولي. ولكنها أضافت أنه إذا كانت ستنظر في مسألة المسؤولية استناداً إلى الاتفاقية والى قواعد القانون الدولي، إلا أن هذا لا يعني أن القانون الأرجنتيني سوف يتم التغاضي عنه، لأنه سوف يكون مفيداً للهيئة عند النظر في المخالفة العقدية التي يعتبر الطرف المدعي أن الدولة المضيفة قد ارتكبتها، طالما أن هذا العقد خاضع للقانون الأرجنتيني. ولكن الهيئة التحكيمية خلصت إلى القول أن اللجوء إلى القانون الأرجنتيني في هذه الحالة ليس سوى عنصر من العناصر التي سوف تلجأ إليها للتحقيق في القضية، لأن المطلب المعروض على الهيئة يستند إلى الاتفاقية الثنائية.

هذا ونلاحظ أن العديد من القرارات، شأنها شأن القرار الصادر في قضية Azurix، قد استندت أيضاً إلى التعليل الذي اعتمدته اللجنة الخاصة في قضية Wena، ومنها مثلاً القرار الصادر في قضية CMS Gas Transmission ضد الأرجنتين. ولكن، وفي هذا القرار أيضاً، وبعد أن أشارت الهيئة إلى إمكانية تطبيق القانون الداخلي والقانون الدولي، استطردت الهيئة واعتبرت أن القانون الأرجنتيني يعترف بسمو الاتفاقية الثنائية على القانون الداخلي، الأمر الذي جعلها تستند إلى أحكام الاتفاقية بعد تفسيرها في ضوء القانون الدولي للفصل في مسألة المسؤولية.

    إلى جانب هذه القرارات التي تستند – ولو نظرياً – إلى ما ورد في قضية Wena ضد جمهورية مصر العربية لجهة إمكانية الاستناد إلى القانون الدولي، وإلى القانون الداخلي على السواء، هناك قرارات أخرى ذهبت أبعد من ذلك، معتبرة صراحة أن القانون الداخلي لا يمكن النظر إليه إلا كواقعة مادية أو كوسيلة إثبات ليس إلا.

    ففي القرار التحكيمي الصادر في قضية Alpha Project holding Gmbh ضد جمهورية أوكرانيا، اعتبرت الهيئة التحكيمية أن مسألة معرفة ما إذا كانت الدولة المضيفة قد أخلت بأحكام اتفاقية ثنائية لتشجيع وحماية الاستثمار، لا يمكن الفصل فيها، إلا على أساس الاتفاقية ذاتها بعد تفسيرها في ضوء القانون الدولي. وأضافت أنه حينما يكون القانون الأوكراني هو الذي يحدد حقوق الأطراف والتزاماتهم، فإن هذه المسائل سوف يتم الفصل فيها على أساس أنها وقائع مادية.

    وفي قضية Siemens ضد الأرجنتين اعتبرت الهيئة التحكيمية أن القانون الداخلي الأرجنتيني لا يشكل سوى وسيلة إثبات للتدابير التي اتخذتها الأرجنتين، في ما يتعلق بتعهداتها الدولية الناتجة من الاتفاقية الثنائية. وقد أضافت الهيئة، أنه وفي مطلق الأحوال، فإن المعاهدة تسمو على القانون الداخلي.

   وفي مطلق الأحوال، وكما أشارت اللجنة الخاصة في قضية Compagna de Aguas del Aconquija ضد الارجنتين المشار إليها أعلاه، فإنه غالباً ما يكون لمضمون القانون الداخلي  ولطريقة تطبيقه علاقة وثيقة بمسألة المسؤولية الدولية. فإما يكون هذا القانون وطريقة تطبيقه بمثابة واقعة مادية في تطبيق معيار المسؤولية، وإما يكون جزءا من هذا المعيار بطريقة أو بأخرى.

    وبما أن لكل قاعدة استثناء، فإن هناك حالات يطبق فيها القانون الداخلي للدولة المضيفة من قبل الهيئات التحكيمية، إلا أن هذا التطبيق لا يتعلق بمبدأ الفصل في مسؤولية الدولة المضيفة، وإنما في إعمال هذا المبدأ.

   ففي قضية ADC Affiliate Ltd ضد المجر، المشار إليها سابقاً، اعتبرت الهيئة أنه كاستثناء للمبدأ الذي اعتمدته وهو تطبيق القانون الدولي، فإنه لا بد من تطبيق القانون المجري عندما تشير الاتفاقية الثنائية إلى ذلك صراحة. وبالفعل فإن الاتفاقية الثنائية في هذه القضية كانت تشير إلى تطبيق القانون المجري لتحديد قيمة التعويض المحكوم به نتيجة استملاك الدولة المجرية أموال المستثمر.

    وفي المحصلة، فإن ما يمكن استخلاصه من اجتهاد الهيئات التحكيمية المنشأة وفقاً لنظام مركز الإكسيد، هو أن القانون الوطني للدولة المضيفة لا يتم اللجوء إليه بشكل عام للفصل في مبدأ المسؤولية، وإنما يؤخذ في الاعتبار، إما كواقعة مادية أو كوسيلة إثبات، وإما كأداة لوضع ما تقرر وفقا للاتفاقية الثنائية وللقانون الدولي لجهة المسؤولية موضع التنفيذ.