الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم بين الدول / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها (في النظامين السعودي والمصري) / التحكيم في المنازعات غير التعاقدية التي تكون الدولة طرفا فيها في النظامين السعودي و المصري

  • الاسم

    محمود احمد عبدالسلام احمد نقي الدين
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    466
  • رقم الصفحة

    41

التفاصيل طباعة نسخ

التحكيم في المنازعات غير التعاقدية التي تكون الدولة طرفا فيها في النظامين السعودي و المصري

   حيث أن اللجوء إلى التحكيم ، باعتباره أسلوباً لحسم المنازعات التي تثور بين أطراف العلاقات القانونية ، أصبح سمة من السمات الأساسية في المعاملات المختلفة على المستوى المحلى والدولي على السواء . كما اتسع مجال التحكيم وامتد إلى أنواع من المنازعات الإدارية التي تكون الدولة أو أحد الأشخاص القانونية العامة طرفاً فيها ، والتي لم يكن متصوراً ، حتى عهد قريب ، أن تقبل الدولة أن يتم حسمها بواسطة التحكيم بدلا من إخضاعها لجهة القضاء الإداري ، كما هو الحال في القانون المصري ، أو النظام السعودي .

   ويرجع السبب ، في الاتجاه إلى التحكيم لحسم المنازعات التي تثور بين أطراف العلاقات القانونية المختلفة ، إلى المزايا التي يمتاز بها التحكيم وأهمها البساطة والمرونة ، وقيامه على رضاء أطراف النزاع بالحكم الذي سيصدر من هيئة التحكيم ، وسرعة الفصل في المنازعات ، وتوفير الجهد والوقت ، وتوافر الخبرة والتخصص في المسائل الفنية والاقتصادية والعملية لدى المحكمين الذين يختارهم أطراف النزاع ، وذلك بالإضافة إلى المحافظة على أسرار هذه الأطراف والعلاقات الودية بينمهم.

    كما أن التحكيم من أقدم الوسائل التي لجأ إليها الأفراد من أجل حسم المنازعات التي تنشأ بينهم . وقد كان العرب قبل الإسلام يتبعون أسلوب التحكيم لحسم المنازعات بين الأفراد أو بين القبائل. كما أقر الإسلام مشروعية اللجوء إلى التحكيم لحل المنازعات .

   كما أصدر المشرع السعودي تشريعاً خاصاً ابتكر فيه نظاماً فريداً للتحكيم أطلق عليه مصطلح نظام التحكيم السعودي ، جمع فيه بين صورة من صور التحكيم الاختياري في المنازعات بين الأفراد وصورة من صور التحكيم الإجباري في المنازعات التي تكون الدولة أو أحد الأشخاص القانونية العامة طرفاً فيها ، وذلك إلى جانب القواعد الخاصة بالتحكيم التي نص عليها قانون المرافعات .

 

التحكيم في المنازعات غير التعاقدية في النظام السعودي

    قد يثور السؤال في النظامين السعودي والمصري عن مدى جواز اللجوء للتحكيم لحسم صور أخرى من المنازعات الإدارية بخلاف تلك المتعلقة بالعقود الإدارية ويرجع السبب في هذا التساؤل إلى حقيقة أن المشرع في الدول محل المقارنة لم يصدر تشريعاً يقضي بنص صريح بجواز اللجوء للتحكيم في المنازعات الإدارية بوجة عام ، أو حتى يضع معياراً للتحكيم يخص هذه الممنازعات بالذات.

   والاجابة على هذا السؤال ليست صعبة في اعتقادنا لان المشرع ليس بحاجة إلى إصدار مثل هذا التشريع لأنه قد قرر ، في القانون المدني وفي قانون المرافعات المدنية والتجارية وفي النصوص القانونية المنظمة للتحكيم معياراً عاماً للمنازعة التي تقبل التحكيم بشأنها ، وذلك صرف النظر عن طبيعة هذه المنازعة وهل تنتمي إلى القانون الإداري أم إلى القانون الخاص.

التحكيم في ظل نظام التحكيم الجديد في سنة 2011م، وقبل صدور هذا التحكيم

   مر التحكيم في المملكة العربية السعودية بمراحل تطور متنامية واهتمام متزايد، بدأت بإصدار نظام المحكمة التجارية بالمرسوم الملكي رقم ٣٢ بتاريخ ١٣٥٠/١/١٥هـ، وقد نص النظام على بعض الأحكام المتعلقة بالتحكيم. ثم بعد ذلك تم إصدار نظام الغرف التجارية والصناعية بتاريخ ١٣٦٥/٢/١٥هـ، حيث نص في المادة الخامسة على اختصاص الغرفة بحل المنازعات التجارية والصناعية عن طريق التحكيم إذا تفق أطراف النزاع على إحالتها إليه.

 

   ثم صدر نظام التحكيم بالمرسوم الملكي رقم (م/46 بتاريخ ١٩٨٣/٤/٢٥م) ويعتبر أول نظام مستقل وخاص بالتحكيم، وتضمن النصوص المتعلقة بالتحكيم الواردة في نظام المحكمة التجارية.

   وأخيراً صدر المرسوم الملكي رقم (م/ 34 بتاريخ ٢٠١٢/٤/٢٦م) بالموافقة على نظام التحكيم الجديد وكذلك صدور اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 541 وتاريخ ٢٠١٧/٥/٢٢م.

 

التحكيم قبل صدور نظام التحكيم الجديد الصادر في ٢٠١١م

    تعد الشريعة الإسلامية هي دستور المملكة العربية السعودية، ومن ثم تخضع كافة النظم القانونية السائدة فيها لأحكام الشريعة الإسلامية.

   وظهر دور الشريعة الإسلامية جلياً على نظام التحكيم بالسعودية بمفهومه الحديث والذي بدأ عام 1365هـ، وظهور أول غرفة تجارية بالسعودية، حيث مارست التحكيم والتوفيق بين أعضائها إذا كان لهم الرغبة في ذلك  .

   وقد نص النظام على بعض الأحكام المتعلقة بالتحكيم، ثم صدر نظام الغرف التجارية والصناعية في 1365 هـ، حيث نص في المادة الخامسة منه، على اختصاص الغرفة التجارية والصناعية بحل المنازعات التجارية والصناعية عن طريق التحكيم إذا أتفق أطراف النزاع على إحالتها إليه.

   ثم صدر نظام التحكيم بالمرسوم الملكي رقم (م/46/ في ١٩٨٣م ) والذي يعتبر أول نظام خاص بالتحكيم وتضمن إلغاء النصوص المتعلقة بالتحكيم الواردة في نظام المحكمة التجارية.

   وبسبب التطور الاقتصادي الذي مرت به المملكة السعودية، ونتيجة لتطور المعاملات التجارية على مستوى العالم، وتغير بعض المفاهيم القانونية قامت المملكة بإصدار هذه النظم المشار إليها في التحكيم.

   وقد أسفر هذا التطور الذي حدث في المملكة بخصوص مستوى التحكيم التجاري الدولي على مصادقة المملكة على معاهدة المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار (أتفاقية واشنطن) عام ١٩٨٠/ 1400هـ والاتفاقية العربية للتحكيم التجاري عام 1987 وفي عام ١٩٩٣م، وافقت المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من خلال مجلس التعاون الخليجي في الرياض على إنشاء 40 مركز التحكيم التجاري لدول المجلس، كما صادقت المملكة على الاتفاقية الخاصة بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وأنفاذها (اتفاقية نيويورك ١٩٥٨م). وذلك عام 1994، وانضمت إلى منظمة التجارة العالمية WTO في عام ٢٠٠٥م.

   بالإضافة إلى تلك الاتفاقيات الدولية قامت المملكة العربية السعودية بتوقيع عدد كبير من اتفاقيات الاستثمار الثنائية المتعلقة بالتحكيم باعتباره وسيلة لتسوية النزاعات الناشئة عن الاستثمارات التي أساسها مستثمرون أجانب وجهات حكومية في الدولة، وقد وقعت المملكة العربية السعودية عدداً من الاتفاقيات الثنائية في مجال الاستثمار التجاري مع أكثر من خمس وعشرين دولة.

   في تاريخ 1958/۸/۲۳ صدر حكم التحكيم الشهير بين شركة البترول العربية الأمريكية (ARAMCO) وبين الحكومة السعودية فيما يتعلق بعقد الاستغلال حقل بترول على الأراضي السعودية، وكان النزاع يتعلق بعقد استغلال حقل بترول على الأراضي السعودية حصلت عليه شركة " أرامكو" ولما قامت الحكومة السعودية بالتعاقد مع شخص آخر يدعي "أوناسيس" لنقل البترول المصدر من السعودية.

   أعترضت على ذلك شركة أرامكو وأعتبرت أن من شأن ذلك المساس بحقوقها المترتبة على عقدها مع السعودية، وبعرض النزاع على هيئة التحكيم رأت الأخيرة أن العقد المبرم بين الشركة والمملكة ليس عقداً إدارياً، لأن القانون السعودي، حسب رأيها، لا يعرف هذه الطائفة من العقود، وأن الفقه الحنبلي لا يتضمن أية قاعدة محددة، تتعلق بالامتيازات المتعلقة بالمعادن ومن باب أولى تلك المتعلقة بالنفط، بل هو عقد غير مسمى لا يمكن إدراجه في الطوائف القانونية المعتادة للعقود، وفي حالة وجود أي شكوى حول مضمون أو معاني نصوص هذا العقد، يتم اللجوء إلى المبادئ العامة للقانون والعادات المتبعة في صناعة النفط من أجل تفسيره أو تكمله الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الطرفين، مما دعى المنظم السعودي إلى إصدار المرسوم رقم 58 لسنة ١٩٦٣م، ومنع من خلاله تضمين الاتفاقيات المعقودة بين مؤسسات عامة محلية وطرف أجنبي بنوداً تتعلق بالتحكيم وقرر أخضاع الامتيازات والعقود الأجنبية للنظام السعودي .

   وفي عام 1983 الموافق 1403هـ صدر نظام جديد للتحكيم يتضمن المبادئ العامة للتشريعات التحكيمية القصرية، ملتزماً باتجاه في الفكر القانوني الإسلامي، متخلياً عن اتجاه آخر تجاوزه العصر، ليصل إلى إرساء قواعد هي من صميم الفكر القانوني الإسلامي.

التحكيم بعد صدور نظام التحكيم الجديد الصادر في 2011م

   وإذا أتفق طرف التحكيم على إخضاع العلاقة بينهما لأحكام أي وثيقة سواء عقد أو اتفاقية، وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكام خاصة بالتحكيم، وذلك بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

   كما أقر نظام التحكيم الجديد أحقية أطراف التحكيم اللجوء إلى مراكز التحكيم الدولية، وفي الاحتكام إلى قواعد قانونية غير المنصوص عليها في النظام السعودي، وذلك تحقيقاً لرغبات المستثمرين السعوديين أو غيرهم على حد سواء في الاحتكام إلى نظام يختارونه بأنفسهم لضمان سرعة الفصل في القضايا وقله التكلفة.

  وقد تضمن هذا النظام تطويراً كبيراً في الأحكام المنظمة لعملية التحكيم بدءاً باتفاق التحكيم واختيار هيئة التحكيم، ومروراً بإجراءات التحكيم وإجراءات الفصل في الدعوى التحكيمية، وانتهاء بصدور الحكم من هيئة التحكيم وحجيته وحالات الطعن عليه.

   ويعد نظام التحكيم الجديد الذي صدر عام ٢٠١٢م ولائحته التنفيذية التي صدرت عام ٢٠١٧م، من أهم الأنظمة واللواح التي تتواكب مع رؤية المملكة العربية السعودية لعام ٢٠٣٠ وبرنامج التحول الاقتصادي لعام ٢٠٢٠ الذي أطلقته المملكة مؤخراً، وقد صدر النظام ولائحته التنفيذية لتوفير بيئة نظامية محفزة للتنمية الاقتصادية بصفة عامة، وتطوير التجارة وتشجيع الاستثمار التجاري الأجنبي بصفة خاصة.

   وليحقق نقلة نظامية ونوعية في مسيرة الإصلاحات التي تبنتها الدولة باستمرار في تطوير البيئة القضائية في المملكة العربية السعودية وليواكب المستجدات في مجال التحكيم وما رتبته الاتفاقيات والمعاهدات من التزامات عل المملكة العربية السعودية بعد مصادقتها على تلك الاتفاقيات، ومن ضمنها اتفاقية نيويورك الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية التي انضمنت إليها المملكة عام 1994 م.

 

الرقابة على إجراءات التحكيم

   بعد أن يتم تعيين المحكمين وبعد أن يقوم الخصوم بصياغة وثيقة التحكيم وفق الشكل الذي حدده النظام، يبدأ المحكمون بالفصل في النزاع عن طريق إدارة الدعوى التحكيمية وفق الإجراءات التي حددها النظام، والتي تنقسم بدورها إلى قسمين رئيسين فهناك إجراءات يجب على المحكمين القيام بها للبدء في الدعوى، كما أن هناك إجراءات معينة يجب على المحكمين مراعاتها والتقيـد بـهـا أثنـاء نظرهم للدعوى.

إجراءات بدء الدعوى

ويجب للبدء بالفصل في النزاع أن يتم اعتماد وثيقة التحكيم وتعيين سكرتير التحكيم والقيام بالتبليغات والإخطارات.

أولا: اعتماد وثيقة التحكيم

   بعد أن يتم اختيار المحكمين والاتفاق معهم يقوم الخصـوم بصياغة وثيقـة التحكيم، وفقاً للشكل الذي حدده النظام. وبعد أن يتم توقيعها من الخصوم ومـن المحكم أو المحكمين في حال تعددهم يتم إيداعها لدى الجهة المختصة بالفصل في النزاع؛ لتقوم بإصدار قرار باعتماد وثيقة التحكيم. ويجب أن يرفق بها صـورة من المستندات الخاصة بالنزاع.

   والأصل أن يقوم أطـراف النـزاع أو أحـدهم بإيداع وثيقة التحكيم وفقاً لما نصت عليه المادة الخامسة من نظام التحكيم، ولكـن ذلك لا يمنع أن يقوم وكلاء الخصوم أو أحدهم بهذا الإيداع،

    كما لا يمنع أن يقـوم المحكم نفسه بذلك أو أحد المحكمين في حالة تعددهم، فقيام المحكم بذلك لا يؤثر على حياده، بل على العكس فمن يقوم بالتحكيم يفترض فيه أن يكـون أدرى مـن الخصوم بالإجراءات التي يجب القيام بها أمام الجهة المختصة بالفصل في النزاع واللازمة لبدء الفصل فيه، هذا بالإضافة إلى علمه المفترض بمـا يتطلب نظـام التحكيم في هذه الحالة، و من ثم يكون المحكم أقدر من الخصوم على القيام بتلـك الإجراءات بالشكل الصحيح ما لا يجعل هناك أي مأخذ قد يعوق أو يؤخر عمليـة البدء بالفصل في النزاع.

    وبعد أن يتم إيداع وثيقة التحكيم لدى الجهة المختصة بالفصل في النزاع تقوم هذه الجهة باعتماد وثيقة التحكيم والمصادقة عليها .ويتم الاعتمـاد عـن طريـق التأشير به على وثيقة التحكيم، أو عن طريق إصدار الجهة المختصة قراراً مستقلاً بذلك يتضمن ملخصاً عن موضوع النزاع وأسماء الخصوم والمحكمين .وقد جرت العادة على أن تقوم بعض الجهات المختصة بالفصل المنازعات بتضمين قرار الاعتماد وكنوع من التأكيد والحرص - بعض المعايير التـي يـجـب علـى المحكمين مراعاتها أثناء نظر الدعوى التحكيمية والمتمثلة في الآتي:

   أن يكون حكم المحكمين متمشياً مع أحكام الشريعة الإسلامية وقواعـدها وعلى ضوء الإجراءات الواردة في نظام التحكيم السعودي. يجب أن تكون المستندات والأوراق التي تقدم إلى هيئـة التحكــم باللغـة العربية وما كان منها بخلاف ذلك فيترجم إلى اللغة العربية مـن مكتـب ترجمة معتمد.

   إذا توصلت هيئة التحكيم إلى الصلح بين الطرفين فعليها أخذ توقيعهما على الرضا به في محضر الجلسة التي تم فيها الصلح بعد التأكد من أن لكـلا الخصمين حق إجراء الصلح.

   على المحكمين إنهاء النزاع خلال تسعين يوماً من تاريخ تسلمهم  هـذا التحكيم.

    وقد أوجبت المادة السابعة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكــم علـى الجهـة المختصة بالفصل في النزاع أن تقوم بإصدار قرار اعتماد وثيقة التحكــم خـلال خمسة عشر يوماً، كما أوجبت عليها أن تقوم بإخطار هيئة التحكيم بقرارها. ويقوم كاتب الجهة المختصة خلال أسبوع من تاريخ صدور القرار بإخطار المحكمـين والمحتكمين بالقرار الصادر باعتماد وثيقة التحكيم.

    وبناء عليه لا يمكن وبأي حال من الأحوال اعتبار الطبيعة القانونية لهذا الإجراء مجرد تحقق من شخصـية أطراف التحكيم عن طريق المصادقة على تواقيعهم، أو أنهـا مجـرد رقابـة موضوعية على صحة اتفاق التحكيم تتم عن طريق توثيقه بشكل رسمي أمام الجهة المختصة بالفصل في النزاع.

   ولا يمكن إجراء التحكيم بدون اتخاذ هذا الإجراء الذي تطلبه النظام . والذي يهدف إلى إسباغ نوع من الرقابة الرسمية القضائية على عمليـة التحكــم هـذه الرقابة التي بدورها تسبغ الشرعية القضائية على عملية التحكيم برمتها، مما يؤكد الطبيعة القانونية للتحكيم بأنه قضاء .وبناء عليه لا يمكن وبأي حال من الأحـوال اعتبار الطبيعة القانونية لهذا الإجراء مجرد تحقق من شخصية أطراف التحكيم عن طريق المصادقة على تواقيعهم، أو أنها مجرد رقابة موضوعية على صحة اتفـاق التحكيم تتم عن طريق توثيقه بشكل رسمي أمام الجهة المختصـة بالفصـل فـي النزاع.

ثانيا: تعيين كاتب التحكيم

    نصت المادة الثامنة من نظام التحكيم على أن "يتولى كاتب الجهة المختصـة أصلاً بنظر النزاع كافة الإخطارات والإعلانات المنصوص عليها في هذا النظام "حيث أوجب نظام التحكيم أن يعين شخص يتولى سكرتارية هيئة التحكيم وقد عين النظام كاتب الجهة المختصة بنظر النزاع للقيام بذلك. فقد نصت المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم على أن "يتولى كاتب الجهة المختصة أصـلاً بنظر النزاع القيام بأعمال سكرتارية هيئة التحكيم وإنشاء السجلات اللازمة لقيـد طلبات التحكيم وعرضها على الجهة المختصة لاعتماد وثيقة التحكيم، كما يتولى الإخطارات والإعلانات المنصوص عليها في نظام التحكيم وأي اختصاصـات أخرى، وعلى الجهات المختصة وضع الترتيب اللازم لمواجهة ذلك ."كذلك. ولم يوضح النظام ما إذا كانت الجهة المختصة هي التي تختار هذا السكرتير أو أنها تترك حرية الاختيار للمحكمين؛ ليقوموا باختياره من ضمن كتاب الجهـة المختصة بالفصل في النزاع .ولا نعتقد أن ذلك يسبب أية صعوبات فقـد يقتـرح المحتكمون تعيين كاتب معين من كتاب الجهة المختصة وإما أن يتم قبـول هـذا الاقتراح أو أن ترفض الجهة المختصة هذا الاقتراح وتقوم تلقاء نفسها بتعيين من تراه من كتابها.

   وفي هذا مخالفة صريحة وواضحة لنصوص نظام التحكيم .ولا شك في أن هدف المنظم من ضرورة تعيين كاتب من الجهة المختصة يتمثل في حرصه على أن يتم التحكيم تحت رقابة الجهة المختصة بالفصل في النزاع ما يكفل مراعـاة قواعـد العدالة بين المحتكمين ويزيد من ثقتهم في عملية التحكيم، نظراً لأنه يـتم تحت إشراف الجهة المختصة بالفصل في النزاع. كما أن ضرورة تعيين كـاتـب مـن الجهة المختصة بالفصل في النزاع، تؤكد ما ذهب إليه المنظم من عدم اعتـداده بالتحكيم الخاص، الذي يتم بعيداً عن تدخل الجهة المختصة أصلاً بالفصـل فـي النزاع ولا شك أن عدم التعيين هذا يجعل من المستحيل النظر في النزاع. وهذا ما يفسر لجوء الخصوم إلى الغرفة التجارية الصناعية بوصفها مؤسسـة ممنوحـة صلاحية فض المنازعات عن طريق التحكيم .ولكن الغرفة مختصة فقـط بفـض المنازعات التجارية والصناعية التي تحدث بين المتنازعين المنتسبين إليها، والذين يعتبرون أعضاء فيها أو تلك التي تحدث بين عضو الغرفة وبين الأجنبـي الـذي ينازعه .ومن ثم فمن لا يعتبرون أعضاء في الغرفة التجارية الصناعية، لا يكون لهم فض منازعاتهم عن طريق التحكيم .وذلك إذا لـم يكـن النـزاع تجارياً أو صناعياً، فلا يمكن حله عن طريق التحكيم في الغرفة التجارية الصناعية .وبنـاء عليه لا يمكن النظر في أنواع المنازعات الأخرى عن طريق التحكيم وفقاً لمـا يجري عليه العمل في الواقع الفعلي، عند عدم تعيين جهات الفصل في المنازعات سكرتيراً للتحكيم من لدنها وفقاً لما نص عليه النظام.

   ولا شك أن ما يجري عليه العمل بخصوص هذا التعيين خطأ يجب تصحيحه لمخالفته النصوص الصريحة لنظام التحكيم .ولا ينفي هذا الخطـأ كون جهـات الفصل في المنازعات جرت على العمل به .كما أنه يمنع نظر المنازعات الأخرى عن طريق التحكيم وفي ذلك إعاقة لتنفيذ نظام التحكيم وحرمان طائفة كبيرة مـن المتنازعين من الاستفادة من مزايا التحكيم.

3ـ التبليغات والإخطارات

   بعد أن يتم اعتماد وثيقة التحكيم من قبل الجهة المختصة بالفصل في النزاع، يتولى كاتب الجهة المختصة مهمة إشعار المحكمين والمحتكمين بقرار الاعتمـاد خلال أسبوع من تاريخ صدور هذا القرار.

   ويقصد بكاتب الجهة المختصة الكاتب الذي عين سكرتيراً لهيئة التحكيم وفقاً لنص المادة الثامنة من نظام التحكيم التي حددت له مهمة القيام بكافة الإخطـارات والإعلانات المنصوص عليها في النظام .ولا شك أن عمومية هذا النص تجعلـه مختصاً بالقيام بالإخطارات والإعلانات التي تتم حتى أثناء نظر الدعوى، ممـا يؤكد أن كاتب الجهة المختصة هو الذي يجب تعيينه سكرتيرا لهيئة التحكيم وفـق ما نصت عليه المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم وأكده نص المـادة الحادية عشرة من اللائحة التنفيذية بنصها على أن "كل تبليغ أو إخطـار يتعلـق بخصومة التحكيم يتم بمعرفة كاتب الجهة المختصة أصلاً بنظر النزاع يكون عن طريق المراسل أو الجهات الرسمية، سواء أكـان الإجـراء بنـاء علـى طلـب المحتكمين أو بمبادرة من المحكمين وعلى مراكز الشرطة وعمـد المـحـلات أن يساعدوا الجهة المختصة على أداء مهمتها في حدود اختصاصها ."

   ونظراً لما للتبليغات والإخطارات من أهمية بالغة فقد حددت اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الأسس التي بناء عليها يجب أن تصاغ هذه الأوراق.

   فبعد أن أوجبت المادة الحادية عشرة من هذه اللائحة أن تتم هذه التبليغـات أو الإخطارات بمعرفة كاتب الجهة المختصة أصلاً، حددت المادة الثانيـة عشـرة الكيفية التي يتم بها تحرير هذه التبليغات والإخطارات وكذلك حددت البيانات التي يجب أن تحتويها .ومنها أن "يحرر الإخطار أو التبليغ باللغة العربية من نسختين أو أكثر حسب عدد المحتكمين ويتضمن التحرير البيانات التالية:

   أ .تاريخ اليوم والشهر والسنة والساعة التـي حصـل فيهـا التبليـغ أو الإخطار.

   ب.اسم طالب الإخطار أو التبليغ ولقبه ومهنته، أو وظيفته وموطنه واسـم من يمثله ولقبه ومهنته أو وظيفته وموطنه كذلك إن كان يعمل لغيره.

  ج .اسم المراسل الذي أجري التبليغ أو الإخطار والجهة التي يعمـل بهـا وتوقيعه على الأصل والصورة.

  د .اسم الشخص المطلوب إبلاغه أو إخطاره ولقبـه ومهنتـه أو وظيفتـه وموطنه فإن لم يكن معلوم الموطن وقت الإعلان فآخر موطن كان له.

 ه.اسم ووظيفة من سلمت له صورة التبليغ وتوقيعه على الأصل بالاستلام أو إثبات الامتناع على الأصل عند إعادته للجهة المختصة.

  و-.اسم هيئة التحكيم ومقرها وموضوع الإجراء والتاريخ المحدد له.

   وبعد أن تصاغ هذه الأوراق يجري تسليمها إلى الشخص الموجهـة إليـه، وذلك لكي يقع التبليغ أو الإخطار صحيحاً ومن ثم ينتج آثـاره. ويكـون تسليم الأوراق المطلوب إعلانها إلى الشخص نفسه في موطنه أو في الموطن المختـار الذي تم تحديده بمعرفة أصحاب الشأن. وفي حالة عدم وجود الشخص المطلـوب إخطاره في موطنه يجب أن يتم تسليم هذه الأوراق إلى من يكـون وكيلاً لهـذا الشخص أو المسئول عن إدارة أعماله أولمن يعمل في خدمته أو يكون معه مـن الأزواج والأقارب والتابعين. وفي حالة عدم وجود الشخص المراد إبلاغه في موطنه، أو في حالة امتنـاع من وجده من الأشخاص الذين لهم الحق في التسليم نيابة عنه فيجب على المراسل " بيان ذلك في الأصل ويجب عليه أن يسلمها في اليوم ذاته إلى مدیر الشرطة أو عمدة المحلة أو من يقوم مقام أي منهما ممن يقع موطن المعلن إليه في دائرتـه حسب الأحوال وعليه أيضاً، خلال أربع وعشرين ساعة، أن يوجه إلى المعلن إليه في موطنه الأصلي أو المختار كتاباً مسجلاً يخبره فيه أن الصورة سلمت إلى جهة الإدارة مع بيان ذلك كله في حينه في أصل الإعلان وصورته ويعـد التبليغ أو الإخطار صحيحاً ومنتجاً لآثاره من وقت تسليم الصورة إلى من تسلم إليـه علـى الوجه السابق.

   أما فيما يتعلق بتسليم التبليغات أو الإخطارات إلى الأشخاص المعنويـة فقد حددت المادة الخامسة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الكيفية التي يتم بها تسليم هذه الأوراق حيث نصت على أنه "فيما عدا ما نص عليه من أنظمة خاصة تسلم صورة الإخطار أو التبليغ على الوجه الآتي:

   ما يتعلق بالدولة يسلم للوزراء وأمـراء المنـاطق ومـديري الجهـات الحكومية أو لمن يقوم مقامهم حسب الاختصاص.

  ما يتعلق بالأشخاص العامة للنائب عنها نظاماً أو من يقوم مقامه.

  ما يتعلق بالشركات والجمعيات والمؤسسات الخاصة يسلم في مراكـز إدارتها المبين في السجل التجاري لرئيس مجلس الإدارة أو المدير العام أو لمن يقوم مقامه من العاملين وبالنسبة للشركات الأجنبية التي لها فرع أو وكيل في المملكة يسلم لهذا الفرع أو الوكيل.

   فإذا ما تم تسليم التبليغات أو الإخطارات وفقاً للشكل والكيفية اللتين حــددتهما اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، فإن من وجهت إليه هذه الأوراق يعد قد تم إعلانه بالشكل المطلوب قانوناً، ومن ثم لا يستطيع أن يدفع بعـدم تبليغـه أو إخطـاره ويتحمل ما قد يترتب من نتائج على عدم تنفيذه لما بلغ أو أخطر به .أما إذا لم يتم التبليغ أو الإخطار وفقاً للشكل المحدد فإن التبليغ لا يرتب آثاره .فلو تـم الإبـلاغ شفهياً أو لم يتم تسليمه بالكيفية المحددة، وفقاً للنظام، فلا يعتد به ولا يستطيع من له مصلحة في توجيهه أن يطالب بما يرتبه التبليغ أو الإخطار الصحيح من آثاره.

   ولا شك في أن التبليغ أو الإخطار يعد ورقة رسمية؛ لأن من يحررها يعد موظفاً عاماً مختصاً نوعياً ومكانياً بتحريرها، وفقاً للشكل الذي حدده النظام، ومن ثم يترتب على هذا التكييف القانوني للتبليغ أو الإخطار أن الكتابة لم تشترط فيـه لإثباته وإنما هي شرط لازم لصحة وجوده.

إجراءات نظر الدعوي

   بعد أن يبلغ كاتب الجهة المختصة بالفصل في النزاع المحكمين والخصوم باعتماد وثيقة التحكيم من قبل تلك الجهة، يبدأ المحكم أو المحكمـون باتخاذ الإجراءات اللازمة للبدء في نظر الدعوى كما يتهيأ الخصوم لمباشـرة هـذه الدعوى .ويتم نظر الدعوى وفقاً للإجراءات التالية:

أولا: تحديد ميعاد الجلسة

   بعد أن يتم إخطار هيئة التحكيم بقرار اعتماد وثيقة التحكيم تجتمـع هيئـة التحكيم، وتقوم بتحديد ميعاد أول جلسة من جلسات الفصل في النـزاع وتبلـغ الخصوم به .ويجب تحديد هذا الموعد في مدة لا تتجاوز بأي حال من الأحـوال خمسة أيام من تاريخ إخطار هيئة التحكيم بقرار اعتماد وثيقة التحكــم .

   ويتم إبلاغ الخصوم بموعد الجلسة عن طريق كاتب الجهة المختصـة أصـلاً بنظـر النزاع، وفقاً لما نصت عليه المادة الثامنة من نظام التحكـــم والمـادة التاسعة والحادية عشرة من اللائحة التنفيذية لهذا النظام .ويجب أن تتوافر فـي التبليغــات الشروط اللازم توافرها، وفقاً لما نصت عليه المادة الثانية عشـرة مـن اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، كما يجب أن يسلم إلى الخصوم حسب الكيفية التي حددتها المادة الرابعة عشرة والخامسة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم.

   ويتم تحديد موعد كل جلسة تالية في الجلسة التي تسبقها، كما أنه ليس هنـاك ما يمنع من تحديد مواعيد عدد من الجلسات مقدماً إذا كانت الهيئة التحكيمية ترى أن ذلك ممكناً ومناسباً لسرعة الفصل في النزاع .وفي جميع الأحوال يجب أن يبلغ الخصوم بهذه المواعيد وفق الوسيلة والكيفية التي حددتها اللائحة التنفيذية لنظـام التحكيم .ولتجنب ضياع الجهد والوقت اللذين تستغرقهما عملية إبـلاغ الخصـوم بموعد الجلسة التالية أثناء الجلسة التي تم تحديد الموعد فيها ويقوم بذلك سكرتير هيئة التحكيم.

   ولم يتضمن نظام التحكيم أو لائحته التنفيذية أي إشارة إلى الوقت أو الأيـام التي يجب أن تعقد فيها جلسات التحكيم، وبناء عليه فإن للمحكمين حرية كاملة في تحديد الوقت الذي تعقد فيه هذه الجلسات التي قد تكون في أي ساعة وفي أي يوم فلا يوجد ما يمنع من أن تكون الجلسات في غير ساعات العمل الرسمية .كمـا لا يوجد ما يمنع من أن تكون في أيام العطل الرسمية أو أيام الجمع، مع الأخذ في الاعتبار ظروف الخصوم.

ثانيا: مكان انعقاد الجلسات

    لم يستوجب النظام أن يتم عقد جلسات التحكيم في مكان معين، كما لم يلزم النظام أن تتم جميع الجلسات في مكان واحد فمن الممكن أن تتم في أماكن متعددة.

    ويستطيع الخصوم تحديد مكان انعقاد التحكيم مسبقاً، والنص عليـه فـي وثيقـة التحكيم، وفي حالة عدم النص على ذلك فيكون للمحكمين الاتفاق على تحديد مكان التحكيم، كما أنه في بعض الأحيان قد تقوم الجهة المختصة بالفصل فـي النـزاع بتحديد المكان الذي يجب أن يتم التحكيم فيه بصورة دائمة.

ثالثا: نظر الدعوى

  تبدأ هيئة التحكيم في نظر الدعوى في الموعد الذي تم تحديده مـن قبلهـا.

   ويجب على هيئة التحكيم بادئ ذي بدء أن تتأكد من نوع وطبيعـة النزاع الذي ستفصل فيه من حيث كونه هو المبين في وثيقة التحكيم .كما يجب عليها أن تتأكد من توافر شروط سلطتها والصلاحيات المعطاة لها بموجب اتفاق التحكيم، لكي تستطيع أن تصدر حكماً نهائياً وحاسماً للنزاع .وتبدأ مرحلة نظـر الـدعوى وفقاً للإجراءات التالية:

1۔ حضور الخصوم

   يجب حضور الخصوم، أو من ينوب عنهم بموجب وكالة معتمدة في الموعد المحدد سلفاً للجلسة في نفس اليوم وفي نفس الساعة .وعلى المحكم أو المحكمين أن يتحققوا من صفة الخصوم وأهليتهم لمباشرة الدعوى والسير فيها .ويجب على المحكم أن يودع صورة من الوكالة بملف الدعوى بعد أن يطلع على أصل هـذه الوكالة .وفي حالة ما إذا رأى المحكم أو هيئة التحكيم أن هناك حاجة لحضور أحد الخصوم أو كليهما، فله أن يطلب حضوره شخصياً.

   بمعنى أن الخصم في هذه الحالة لا يستطيع الامتناع عن عدم الحضور بحجة أن هناك من يقوم مقامـه وإذا أصر على عدم الحضور فإن للمحكم أن يتخذ الإجراء الذي يراه مناسباً .فقد يأمر بإحضاره عن طريق السلطات المختصة، أو يعده غائباً ومن ثم تنطبق في حقه الإجراءات والأحكام التي حددها النظام ولائحته التنفيذية ونصاً عليها فـي حالـة غياب أحد المحكمين.

2- سير الدعوى التحكيمية

   حددت اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم العديد من الأحكام وكذلك الإجـراءات التي تنظم سير الدعوى التحكيمية وتشمل هذه الأحكام والإجراءات ما يلي:

    أ. علنية الجلسات

    بناء على ما نصت عليه المادة العشرون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، فإن الأصل في جلسات الدعوى التحكيمية أن تكـون علنيـة، إلا إذا رأت هيئـة التحكيم من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب الخصوم أو أحدهم، أن تكون جلســات التحكيم سرية.

   ويقصد بعلنية الجلسات أن "يتم تحقيق الدعوى والمرافعة فيها والنطق بالحكم في جلسة علنية، يكون لمن شاء من الجمهور أن يشهدها، كمـا يجـوز نشـر مضمونها بوسائل النشر المختلفة.

   والهدف من جعل الجلسات علنية هو إعطاء نوع من الاطمئنـان للخصـوم ولغيرهم ممن يرغبون في حضور هذه الجلسات إلى عدالة القضـاء كمـا أن حضور غير الخصوم للجلسة يدفع بالمحكم أو المحكمين إلى الالتزام الكامـل بأصول التقاضي وتحري الدقة وعدم التسرع في الفصل بالنزاع .وبناء عليه فإن من حق أي شخص يحضر جلسات التحكيم وليس للمحكم أو لهيئة التحكــم أن تمنعه من ذلك إلا إذا صدر منه ما يعرقل سير الجلسة.

   وبالرغم من فوائد مبدأ علنية الجلسات إلا أن هناك بعض الاعتبارات المعينة التي تجعل المحكم أو هيئة التحكيم تفرض سرية عليها أحياناً، كمـا أن للخصـوم الحق في طلب جعل جلسات التحكيم سرية حسب مصالحهم . هذه الاعتبارات قد تكون بهدف حماية المصلحة العامة، أو النظام العام والآداب العامة، أو للمحافظة على كيان وحرمة الأسرة، أو المحافظة على السمعة التجاريـة أو الشخصية للخصوم أو لأحدهم .وقد سبقت الأنظمة القضائية في المملكة العربيـة السـعودية نظام التحكيم في اعتمادها لهذه القاعدة وذلك لما لها من فوائد .فقد نصت المـادة السبعون من نظام تنظيم الأعمال الإدارية على أن "تكون المرافعات علنية إلا في الأحوال التي ترى المحكمة أن في إسرارها مراعاة للآداب. ."كذلك نصت المادة الثالثة والثلاثون من نظام القضاء على أن "جلسات المحاكم علنيـة إلا إذا رأت المحكمة جعلها سرية مراعاة للآداب أو حرمة الأسرة أو محافظة علـى النظـام العام، ويكون الحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية.

   وما تجدر الإشارة إليه أن السرية مقصورة فقـط علـى تحقيـق الدعوى التحكيمية والمرافعة فيها، أما بالنسبة للنطق بالحكم فإنه يكون دائماً في جلسة علنية.

ب. لغة التحكيم.

   أوجبت المادة الخامسة والعشرون من اللائحة التنفيذية أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية التي تستعمل أمام هيئة التحكيم ،وبنـاء عليـه يجب أن تتم المرافعات والمناقشات وكذلك المكاتبات باللغة العربية ولا يقبل إطلاقاً أيـة لغـة أجنبية أخرى حتى ولو كانت لغة المحكم أو المحكمين أو الخصوم.

   ويتعين على الأجنبي الذي لا يتكلم اللغة العربية أن يصطحب معه مترجمـاً موثوقاً به يوقع معه في محاضر الجلسات على الأقوال التي نقلها . ولا يشترط أن يكون المترجم مرخصاً له بمزاولة أعمال الترجمة فالمادة الخامسة والعشرون لـم تتطلب ذلك واكتفت بكون المترجم موثوقاً به من قبل الخصم الذي يستعين بـه.

   وعلى العكس من ذلك بالنسبة للوثائق المحررة بلغة أجنبية التي يتم تقديمها لهيئـة التحكيم والتي يجب أن تكون مترجمة من قبل مترجم مرخص له بمزاولة أعمـال الترجمة.

جـ. تحقيق الدعوى التحكيمية

   في اليوم المحدد لنظر الدعوى يحضر الخصوم أو وكلاؤهم، ومن ثـم تبـدأ مباشرة الدعوى أمام المحكم أو هيئة التحكيم .وتبدأ بذلك مرحلة تحقيق الدعوى التحكيمية التي تتطلب سماع هيئة التحكيم لمرافعات الخصوم واطلاعها على ما يقدمونه من مستندات ومذكرات واتخاذ ما تراه من إجراءات الإثبات وغيرها من الإجراءات الأخرى المناسبة؛ لأنها عملية الفصل في النزاع.

   وقد حددت اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم القواعد اللازمة لتحقيـق الدعوى التحكيمية والتي يجب اتباعها عند القيام بعملية النظر في النزاع تمهيداً لإصـدار الحكم فيه .وتتمثل هذه القواعد في الآتي:

أ. ضبط الجلسة

   أعطت المادة الثالثة والعشرون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي الصادر برقم /۷/۲۰۲۱م في ١٩٨٥/٥/٢٧م رئيس هيئة التحكــم ق ضبط الجلسة وإدارتها وهو نفس الحق المقرر للقاضي.

    وبناء عليه يكون لرئيس هيئة التحكيم أن يوجه الأسئلة سواء إلى المحتكمين أو إلى الشهود بالطريقة التي يراها مناسبة، كما أن له أن يأمر بإخراج من يقوم بالإخلال بنظام الجلسة وآدابها مـن القاعة.

   وهذه السلطة المعطاة للمحكم بموجب نص المادة السابق الإشارة إليه، تعطيه الحق بطبيعة الحال أنه إذا وقعت مخالفة من أحد الحاضرين في الجلسة أو جريمة ما، فليس لرئيس هيئة التحكيم إلا أن يقوم بتحرير محضر بالواقعة، ويحيله إلـى جهة الاختصاص .نظراً لأنه لا يملك ما يملكه القضاة بخصوص ضبط الجلسة من كونهم لهم الحق في توقيع العقوبات على من يخل بنظام الجلسة بالسجن لمـدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة، زيادة الجزاء إلى أكثر من ذلك عـن طـريـق الرفع إلى رئاسة القضاء وفقاً لما سبق إيضاحه.

    كذلك أعطى نص المادة الثالثة والعشرون الحق لكل محكم من المحكمـين أعضاء الهيئة التحكيمية الحق في توجيـه الأسـئلة إلـى الخصـوم أو الشهود ومناقشتهم بشرط أن يكون ذلك عن طريق رئيس هيئة التحكيم، ولا نجد تفسيراً لهذا الشرط إلا لكون رئيس هيئة التحكيم هو الشخص الوحيد الذي له حق ضبط الجلسة وإدارتها ومن ثم يجب أن تتم جميع الأسئلة والمناقشات بإذنه، كما قد يكون هناك تفسير آخر وهو أن المحكم إن كان عضواً في هيئة تحكيم، وليس رئيساً لها يمكن اعتباره وكيلاً عن الخصم الذي رشحه ولا ينفي عنه ذلك صفة المحكم كما رأينا.

   وبجانب ضبط جلسات التحكيم وفقاً لنص المادة السابعة والعشـرون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم يجب ضبط وتوثيق جميع الوقائع والإجراءات التي تتم في الجلسة كتابياً في محضر يعد لهذا الغرض يقوم بتحريره سكرتير هيئـة التحكيم وتحت إشرافها .ويجب أن يثبت في المحضر تاريخ ومكان انعقاد الجلسة وكذلك أسماء أعضاء الهيئة والسكرتير والخصوم .كما يتضمن أقوال أصحاب الشأن وبيان الوثائق التي قدمت والإجراءات التي اتخذت، وجميع ما حـدث في الجلسة، ومن ثم يتم التوقيع على ذلك من قبل رئيس هيئة التحكيم والمحكمـين والسكرتير.

 2. وجاهية المحاكمة

   تأكيداً لهذا المبدأ الأساسي قد أوجبت المادة الثانية والعشرون مـن اللائحـة التنفيذية لنظام التحكيم على هيئة التحكيم أن تمكن كل خصم من تقديم ما لديه من ملاحظات ودفوع وأوجه دفاع شفاهية أو كتابة بالقدر الذي تراه الهيئة مناسباً وفي المواعيد المحددة له لتقديم ذلك .وتأكيداً للمبادئ المتبعة لدى القضـاء الرسـمي قررت هذه المادة أن المدعى عليه هو آخر من يتكلم .كما أوجبت أيضـا علـى الهيئة أن تقوم باستيفاء القضية وتهيئتها للحكم فيها.

    كما أكدت المادة السادسة والثلاثون على الهيئة التحكيمية مراعـاة أصـول التقاضي وتمكن كل طرف من العلم بإجراءات الدعوى والاطلاع على أوراقهـا ومستنداتها المنتجة في الوقت المناسب .كما أوجبت هذه المادة على هيئة التحكيم أن تمنح الفرصة الكافية لكل طرف لتقديم ما لديه من مستندات ودفـوع وحجـج سواء كان ذلك كتابة أم شفاهية في كل جلسة وإثبات ذلك في المحضر.

   وقد أكدت هذه المادة وجوب تأمين الضمانات الأساسية في التقاضي وأهمها :علانية أي إجراء يتم اتخاذه من قبل هيئة التحكيم تجاه الخصوم، وكذلك إعـلام كل خصم بما يقدمه الخصم الآخر من دفوع أو مستندات ولهيئة التحكيم أن تقوم بتطبيق هذا المبدأ بالشكل الذي تراه مناسباً وبالشكل الذي لا يـؤثر فيـه تعقيـد الإجراءات التحكيمية أو يعوق أمد النزاع.

   كما أكدت هاتان المادتان حرص المنظم على وجوب أتبـاع هيئـة التحكیم للمبادئ الأساسية في التقاضي بالنسبة للتحكيم، لأنه يعد قضاء  حتـى لو كان بالصلح ونستخلص من هاتين المادتين أن هيئة التحكيم يجب أن تعامل الخصـم على قدم المساواة، ومن ثم يمتنع عليها القيام بأي إجراء قد يكون فيـه تفضـيل أو محاباة أو مراعاة لخصم على حساب الخصم أو الخصوم الآخرين.

3. إجراءات الإثبات

   يستلزم تحقيق الدعوى التحكيمية أن يتخذ المحكم. أو هيئة التحكيم سواء مـن تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم في الحالات التي يستوجب فيهـا القـانون ذلك أي إجراءات الإثبات بشرط أن تكون الوقائع المراد إثباتها متصلة بالدعوى ومنتجة فيها وجائزاً قبولها شرعاً، وتتمثل هذه الإجراءات الآتي:.

أ. إلزام أحد الخصوم تقديم محرر تحت يده

   أجازت المادة الثامنة والعشرون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكــم لهيئـة التحكيم، أن تقوم من تلقاء نفسها بإلزام أحد الخصوم على تقديم أي محرر موجود تحت يده ويكون منتجا في الدعوى، كما يجوز لها، من تلقاء نفسها أو بناء علـى طلب أحد الخصوم، إلزام الخصم الآخر بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكـون موجودا تحت يده ويكون المحرر منتجا في إذا كان يثبت وقائع تتعلـق بالنزاع ويؤدي إلى سرعة الفصل فيه.

   وما يلاحظ هنا أن اللائحة التنفيذية لنظـام التحكيم لم تعط هيئة التحكيم مطلق الصلاحية في تقدير مدى إنتاجيـة المحـرر الموجود تحت يد الخصم المراد إجباره على تقديمه، كما أنها لم تعـط الخصـوم أيضا الحرية الكاملة في أن تطلب من هيئة التحكيم إلزام الخصم بتقديم أي محرر يوجد لديه الدعوى ويكون له علاقة بالدعوى. فقد حددت المادة الثامنة والعشـرون مـن اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الشروط الواجب توافرها في المحرر الـذي مـن الممكن أن يتم إجبار أو طلب إجبار الخصم على تقديمه وهي كالتالي:

   أن يكون المحرر مشتركا بين الخصوم. ويكون المحـرر مشـتركا حسـب تعريف هذه المادة متى ما كان قد تم تحريره لمصلحة الطرفين أو كان يثبـت التزاماتهما وحقوقهما المتبادلة كالعقود والميزانيـات المحاسبية والأوراق التجارية بأنواعها وغير ذلك.

   إذا استند إليه خصمه في أي مرحلة من مراحل الدعوى. وبناء عليه لا يجوز إجبار الخصم على تقديم هذا المستند، قبل البدء في نظر الدعوى أو بعـد صدور الحكم فيها.

   إذا كان النظام يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه.

   كذلك بينت المادة الثامنة والعشرون من اللائحـة التنفيذيـة لنظـام التحكیم البيانات الواجب توافرها في الطلب الذي يقدمه الخصم عندما يطلـب مـن هيئـة التحكيم إجبار خصمه على تقديم محرر معين وهي: أوصاف المحرر الذي يعينه: والمقصود به أن يحدد مقدم الطلب نـوع وأوصاف المحرر الذي يرغب في إجبار خصمه على تقديمه.

   فحوى المحرر بقدر ما يمكن من التفصيل: بمعنى أن يبين مقدم الطلب نبذة مختصرة عما يحتويه المحرر من معلومات. ونرى أن الهدف من وجوب توافر نبذة مختصرة عما يحتويه المحرر هو إعطـاء هيئـة التحكيم الفرصة لتقرير مدى إنتاجية هذا المستند في الدعوى من عدمها.

    الواقعة التي يستدل بها عليه: يجب على الخصم مقدم الطلب أن يـذكر في الطلب الواقعة التي يستدل بها على وجود المستند أصلا. ونعتقد بأن المنظم طلب وجود مثل هذا البيان للتأكد من جدية مقدم الطلب ومنعـا للادعاءات المتبادلة بين الخصوم على وجود محررات ليس لها وجـود أصلا.

   الدلائل والظروف التي تؤيد أنه تحت يد الخصم: لا يكفي مجرد إثبـات وجود المستند الذي قد يعترف به الخصم الآخر. بل يجب أن يثبت مقدم الطلب وجود هذا المحرر في حيازة الخصم له ـ حسب ما نراه ـ أن يثبت ذلك بشتى وسائل الإثبات.

   وجه إلزام الخصم بتقديمه: بمعنى أن على مقدم الطلب أن يبـيـن فـي طلبه مدى إلزامية أو التزام الخصم بوجوب تقديم هذا المحرر. ويكون ذلك بتبيان مدى علاقة هذا المحرر بموضوع النزاع من جهـة ومـدى علاقة الخصم المراد إلزامه بهذا المحرر من جهة ثانية. ومثال ذلك أن يكون هناك محرر قد تمت صياغته يثبت واقعة قانونيـة حـدثت بين الخصوم أو بين الخصم المراد إلزامه بتقديم هذا المحرر وغيـره لهـا علاقة مباشرة أو غير مباشرة بإثبات بعض أو كل ما يدعيـه الخصـم مقدم الطلب.

    فإذا ما توافرت الشروط السابقة في المحرر المراد إلزام الخصم بتقديمه إلى هيئة التحكيم، وكذلك إذا ما توافرت الشروط الواجب توافرها فـي طلـب إلزام الخصم بتقديم المحرر الموجود لديه، فعلى هيئة التحكيم أن تلزم وتجبـر الخصـم بتقديم هذا المحرر. وما تجدر ملاحظته هنـا أن المنظم لـم يـبـين الكيفيـة أو الإجراءات التي يجب على هيئة التحكيم أن تتخذها في حالة امتناع الخصم الـذي يطلب منه تقديم المحرر عند تقديم هذا المحرر. وبناء عليه يمكننا القول إن علـى هيئة التحكيم أن تطلب من الجهة المختصة أصلا بالفصل في النـزاع أن تصدر أمرا إلى الجهات التنفيذية بالقيام بإجبار وإلزام الخصـم علـي تقـديم المحـرر المطلوب. وهنا تبرز أهمية كاتب الجهة المختصة بالفصل في النزاع عندما أوجب النظام أن يكون سكرتيرا لهيئة التحكيم. إذ عليه أن يكون حلقة وصل في مثل هذه الحالات مهمته الإسراع وتسهيل استصدار مثل هذا الأمر من الجهـة المختصـة أصلا بالفصل في النزاع وكذلك متابعة تنفيذه. وما يؤكد ما ذهبنا إليه في ذلـك أن المنظم بنصه على تعيين كاتب الجهة المختصة أصلا بالفصل في النزاع سكرتيرا لهيئة التحكم أراد أن يضفي على العملية التحكيمية نوعا من الرسمية وكذلك نوعا من الرقابة القضائية على إعمال تلك الهيئة بالقدر الذي يحمي معه المحتكمين.

ب. اتخاذ وسائل التحقيق المناسبة

   كذلك أعطت المادة التاسعة والعشرون من اللائحة التنفيذية لنظـام التحكيم، لهيئة التحكيم الحق في اتخاذ أية وسيلة من وسائل التحقيق المنتجة في الدعوى بشرط أن تكون الوقائع المراد إثباتها متعلقة بالنزاع ومنتجة فيها وجائزا قبولهـا . وغنى عن البيان القول إن هيئة التحكيم لا تصدر حكما باتخاذ أيـة إجـراء مـن إجراءات التحقيق ويكفي أن تصدر قرارا باتخاذ الإجراء المناسب وتشعر الخصوم بقرارها لكي يتم تنفيذه. وإذا لم يتم تنفيذه فلها صلاحية استنتاج القرائن التي تراها من هذا الامتناع كاعتماد صحة صورة المستند الذي قدمه الخصم، أو أن تطلـب من الجهة المختصة أصلا بالفصل في النزاع إصدار الأمر إلى الجهات التنفيذيـة المختصة لتنفيذ ذلك الأمر إذا رأت أن ذلك ضروري للفصل في النزاع.

ج ـ سماع الشهادة

   أجازت اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم لهيئة التحكيم أن تسمع شهادة الشهود كإجراء من إجراءات الإثبات. فقد أجازت المادة الحادية والثلاثون للخصم الـذي يطلب إثبات ما لديه بشهادة الشهود أن يقوم بذلك بعد أن يبين الوقائع المراد إثباتها لهيئة التحكيم كتابة أو شفاهية. وعليه في حالة موافقة هيئة التحكيم علـى سماع الشهادة أن يصطحب الشهود الذين طلب سماع أقوالهم في الجلسـة التـي تحـد لهذا الغرض.

   كما نصت المادة نفسها على أنه "...  يتم قبول الشهود وسماع أقوالهم أمـام هيئة التحكيم حسب الأصول الشرعية ". ويقتضي ذلك من الهيئة أن تتحقـق مـن توار الشروط التي تطلبها الشريعة الإسلامية في الشهادة وفي الشهود أنفسهم. فيجب أن تكون الشهادة في مجلس الحكم، وأن يكون مضمونها إخبارا بحق لغيره وأن يكون أداؤها شفاهية، وأن تكون مكتملة النصاب وأن تكون موافقة للدعوى.

   ويمكن للطرف الآخر، وفقا لنص المادة المشار إليها أعـلاه، نفـي الوقائع بالشهادة أيضا وبنفس وبالأسلوب نفسه ووفقا للشروط المقررة لإثبات هذه الوقائع بالشهادة.

   ومتى قبلت هيئة التحكيم سماع الشهود فإنها يجب أن تتقيد بما تـنـص عليـه أنظمة المرافعات من إجراءات مقيدة للقاضي بخصوص تنظیم حضور الشـهود. وبما أنه لا يوجد نظام للمرافعات في المملكة العربية السعودية حتى الآن فإنـه يعول على ما ورد في المادة الخامسة والثلاثين من نظام تنظيم الأعمال الإداريـة في الدوائر الشرعية بهذا الخصوص. وبناء عليه إذا حددت هيئة التحكيم موعـدا لحضور الشهود ولم يحضروا أو حضروا، وكان من بينهم من لا تقبـل شـهادته لعدم توافر شروط الشاهد فيه فإن الخصم يجب أن يعطى مهلة ثانيـة . فـإذا لـم يحضر الشهود، أو أحضرهم، ولم تقبل شهادة بعضهم في الجلسة الثانيـة ، تنـذره هيئة التحكيم بأنه سيكون عاجزا إذا لم يحضر الشهود فـي الجلسـة الثالثـة ، أو حضر منهم من لا تقبل شهادته فعلى هيئة التحكيم أن تعده عاجزا وتفصـل فـي الخصومة، إذا توفرت أسباب الحكم ما لم يكن له عذر كغيبة الشهود مثلا بسـبب خارج عن إرادتهم، وذلك لكي لا تعطى فرصة لخصم في إطالة أمد الفصل في النزاع.

د- استجواب المحتكمين

   نصت المادة الثانية والثلاثون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكــم علـى أن الهيئة التحكيم استجواب المحتكمين بناء على طلب أحدهم أو بمبادرة منها). ولـم يبين المنظم الكيفية التي يتم بها هذا الاستجواب، ولا حتـى المـهـل التـي يجـب إعطاؤها للخصم المستجوب، في الرد. وليس أمامنا في هذه الحالة إلا الرجوع إلى القواعد العامة التي يطبقها القاضي عند استجوابه لأحد الخصوم ، لأن هذه القواعد يجب اعتمادها باعتبارها من النظام العام. كما أن في اعتمادها حماية للخصم الذي يتم استجوابه من عدم تفهم هيئة التحكيم في بعض الأحيان لما يرتبه الاستجواب من نتائج قانونية. وبناء عليه فإنه يجب أن يتم استجواب المحتكمين وفقا للقواعـد التالية:

   ـ يجب على هيئة التحكيم أن تسأل المدعي عن دعـواه، ومـا هـو مطلوب فيها وما هي المستندات الثبوتية التي يتمسك بها في مواجهة المدعى عليه لإثبات حقه الذي يدعى به، ثم تستجوب المدعى عليـه، وذلك لأنه ليس لهيئة التحكيم الحق في تصحيح دعـوى المـدعي أو حتى الحق في ردها لتصحيحها، وهذا لا يمنع أيضا هيئة التحكيم من أن تستجوب من قراء من الخصوم

   - يجب على الخصم الذي يتم استجوابه أو سؤاله من قبل هيئة تحكيم أن يجيب في الحال عما سئل عنه. وإذا كان يصعب عليه ذلـك في حينه لأن الأمر يتطلب مراجعة دفاتره الحسابية مثلا، أو بعـض الوثائق والمستندات التي بحوزته فيجب عليه أن يوضح ذلـك لهيئـة التحكيم التي عليها أن تمهله المدة التي تراها كافية للرد على ذلـك.

   وفي غير هذه الحالة يجب على الهيئة ألا تعطي الخصم أيـة مهلـة زمنية للرد على ما وجه إليه من أسئلة منعا لإطالة أمد النزاع .

   ـ أما إذا امتنع الخصم عن الجواب كليا، أو أنه أجاب بجواب غير لائق أو غير ملائم للدعوى، فإن هيئة التحكيم يجب أن تكرر عليه طلـب الجواب الصحيح ثلاث مرات متتالية في الجلسة نفسها، فإذا أصر على جوابه السابق فيجب اعتباره تاكلا بعد أن يتم إنذاره بذلك، ومن ثم تقرر هيئة التحكيم النتائج المترتبة شرعا على هذا النكول، ومنها أن تؤكد هيئة التحكيم صحة ما طلب الخصم توجيهـه مـن سـؤال للخصم الآخر .

  ـ كذلك في حالة دفع أحد الخصوم بدفع صحيح، وطلب الجواب مـن الخصم الآخر فلا يعطى هذا الأخير. مهلة إلا في حالة ما إذا كانـت هيئة التحكيم ترى ضرورة إمهاله لأسباب جدية .

- كقاعدة عامة لما سبق لا يجوز المهلة المعطاة لخصم لجواب واحد لما يتم مساءلته عليه، سواء أكان ذلك الجواب لمساءلة أو استجواب أو لدفع دفع به هذا الخصم .

   وما تجدر ملاحظته أنه يجب أن تتم إجابة الخصم المستجوب في حضـور طالب الاستجواب أو وكيله .

   وإذا كان للخصم المطلوب استجوابه عذر مقبـول يمنعه من الحضور بنفسه لاستجوابه فإن لهيئة التحكيم أن تنتقل إلى محل إقامته لاستجوابه أو تطلب من الجهة المختصة أصلا بالفصل في النـزاع استخلاف القاضي المختص بالقيام بهذه المهمة إذا كان الخصم يسكن في مكان لا يقع تحـت دائرة الجهة المختصة بالفصل في النزاع .

هـ . الانتقال للمعاينة :

   أجازت المادة الخامسة والثلاثون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكـوم لهيئـة التحكيم أن تقوم من تلقاء نفسها بالانتقال لمعاينة بعض الوقائع أو الوسائل المنتجة في الدعوى والمتنازع عليها. كما أن لهيئة التحكيم أن تقوم بهذا الإجراء، إذا طلب أحد الخصوم منها ذلك.

  وبناء عليه فإنه يقصد بها مجرد المشاهدة والاطلاع، ولا كن القيام بالتفتيش لمحاولة العثور على أدلة غير تلك التي يمكن استنتاجها بالمشاهدة العقلية للعين المجردة .

   ومتى ما تمت المعاينة فإن لهيئة التحكيم سلطة تقديرية واسعة في تقدير القوة الثبوتية للدليل المستنتج من المعاينة. فلها أن تأخذ به أو تتركه إذا رأت أن هنـاك أسبابا جدية لذلك على أن تذكر نتيجة المعاينة في محضر الجلسة.

و ـ الاستعانة بالخبرة :

   يجوز لهيئة التحكيم أيضا وعند الاقتضاء سواء من تلقاء نفسـها أو بنـاء على طلب الخصوم أو أحدهم ـ الاستعانة بخبير أو أكثر لأخذ رأيه أو لتطلب منه عمل تقرير فني بشأن بعض المسائل أو الوقائع الفنية أو الماديـة المنتجـة فـي الدعوى. والخبرة بهذا المفهوم تعد نوعا من أنواع المعاينة، التي لا تتم بواسـطة هيئة التحكيم وإنما بواسطة خبير متخصص في المسألة أو الواقعة المراد طرحها على الخبير.

   قد أعطت المادة الثالثة والثلاثون، من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، هيئـة التحكيم هذا الحق. فلها من تلقاء نفسها أن تستعين بالخبرة ولا يتوقف ذلك على طلب أحد الخصوم ذلك. كما أن لها سلطة رفض طلـب أو أحـدهم بالاستعانة بالخبرة فلها وحدها سلطة تقرير جدوى الخصـوم الاستعانة بالخبرة.

   فإذا رأت هيئة التحكيم أن تستعين بالخبرة فيجب عليها أن تتخذ قرارا ب- ذلك          تبين فيه بشكل دقيق طبيعة مأمورية الخبير وكذلك التدابير العاجلة، التي يؤذن له في اتخاذها، وكذلك الموعد المحدد لبدء وانتهاء مهمته. كما نرى أن يتضمن هـذا القرار أيضا تعيين الخبير وتحديد أتعابه وكذلك تحديد المبلغ الذي يودع لحسـاب مصروفات الخبير. كما يحدد الخصم أو الخصوم الذين يتحملون تكاليف الخبيـر وحصة كل منهم في هذه التكاليف. كذلك فإن هيئة التحكيم في حالة تعدد الخبـراء يجب عليها أن تبين طريقة عملهم منفردين أو مجتمعين وفي حالـة عـدم إيداع مصروفات الخبير من قبل الخصم أو الخصوم المكلفين بذلك، ويسقط فـي هـذه الحالة حقهم في التمسك بالقرار الصادر بتعيين الخبير، إذا وجدت هيئة التحكيم أن الأعذار التي ابدوها في ذلك غير مقبولة .

   وفي الموعد المحدد لبدء المهمة يقوم الخبير بما كلف بـه، ولـه أن يدعو الخصوم أو غيرهم لسماع أقوالهم، كما عليه أن يقدم تقريرا بما قام به، وكذلك رأيه فيما تم عرضه عليه في الميعاد المحدد له لإنهاء المهمـة. ويجـوز لهيئـة التحكيم تكليف الخبير بتقديم تقرير تكميلي؛ لتدارك أي نقص أو قصور في تقريره السابق. كما يكون للخصوم أن يقدموا تقارير استشارية لهيئة التحكيم مـن قبـل خبراء آخرين. وفي كل الأحوال لا تكون هيئة التحكيم قيدا برأي الخبير. فرأيه يعد رأيا استشاريا لها أن تأخذ به ولها أن تتركه إذا لم تطمئن له وتقتنع بأسبابه .  

    ولها في هذه الحالة أن تتخذ إجراء آخر للإثبات أو تعيد المأموريـة نفسها على الخبير مع ما يوجد على تقريره السابق من ملاحظات تراها هيئة التحكيم، أو قدمها الخصوم طالبة منه إعادة النظر في ضوء هذه الملاحظات.

   كما أن لهيئة التحكيم أن تأخذ برأي الخبير وفي هذه الحالة لا يكون للخصـم الاعتراض على الحكم بأنه استند إلى تقرير الخبير الذي بدوره لم يكن صحيحا أو معيبا من وجهة نظر الخصم. فتقرير الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات يكـون لهيئة التحكيم أن تعتمد عليه في إصدار حكمها بناء على سلطتها التقديرية وحدها ودون اعتراض من الخصوم.

ح - سلطة هيئة التحكيم بالنسبة لإجراءات الإثبات :

   أعطت المادة الثلاثون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم هيئة التحكيم الحـق في أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات، وذلك بشرط أن تبـين أسباب العدول في محضر الجلسة. كذلك في حالة قيام الهيئة باتخاذ أيـة إجـراء مـن إجراءات الإثبات فإن لها ألا تأخذ نتيجة هذا الإجراء، إذ إن لها سلطة تقديريـة كاملة بخصوص تقدير مدى حجية وقوة وسائل الإثبات. ولكن يجب عليها في هذه الحالة أن تبين فقط أسباب عدم أخذه نتيجة إجراء الإثبـات فـي الحكـم الـذي تصدره .

رابعاً: تأجيل نظر الدعوى:

    نظرا لحرص المنظم على أن يؤدي نظام التحكيم الفائدة المرجوة منه فيمـا يتعلق بسرعة الفصل في النزاع وعدم إطالة أمد الدعوى والقضاء على المماطلة والكيد بين الخصوم. ولتلافي التأجيل الذي قد يحصل للـدعوى التحكيمية دون مبررات قانونية، وحرصا على صدور الحكم في الوقت الذي حدده النظام أو الذي اتفق عليه الخصوم فقد أوجبت المادة الحادية والعشرون، من اللائحة التنفيذية لهذا النظام، على هيئة التحكيم ألا تقوم بتأجيل نظر الدعوى إلا لعذر مقبـول يقدمـه الخصم طالب التأجيل ولا يجوز لهيئة التحكيم أن تؤجل القضية أكثر من مرة لسبب واحد يرجع إلى أحد الخصوم.

   كما أكد ذلك نص المادة السادسة والعشرين من اللائحة عندما نص على حق كل خصم في طلب تأجيل القضية مدة مناسبة يرجع في تقديرها إلى هيئة التحكيم وذلك لتقديم ما لديه من مستندات أو أوراق أو ملاحظات أو أية دليل آخر يكون منتجا في القضية ومؤثرا فيها. وللهيئة تكرار التأجيل لمدة أخرى إذا وجـدت أن هناك مبررات قوية ومقنعة لتكرار التأجيل.

خامسا: وقف الدعوى التحكيمية:

   يقصد بوقف الدعوى عدم إكمال السير في الفصل بالنزاع أمـام المحكـم أو هيئة التحكيم. ووقف الدعوى بهذا المفهوم قد يكون اتفاقيا كما قد يكون قانونيا أي بقوة القانون، وأخيرا قد يتم وقف الدعوى بناء على حكم المحكم.

   1-الوقف الاتفاقي:

    رأينا فيما سبق أن اتفاق التحكيم يمكن أن يتم انقضـاؤه بموجـب اتفـاق الأطراف على التنازل عنه في أي لحظة سواء قبل بدء عملية الفصل في الدعوى التحكيمية أو حتى أثناء قيام المحكم أو هيئة التحكيم بالفصل في النزاع ويعبر عنه في هذه الحالة الأخيرة بالوقف الاتفاقي للدعوى التحكيمية.

    ويستند حق الخصم في إمكانية الاتفاق على وقف الدعوى التحكيمية بعد بدء النظر فيها إلى أن اتفاق التحكيم يعد من العقود الرضائية التـي تنشـأ وتنقضـي وتعدل بموجب اتجاه إرادة الخصوم وحدهم إلى ذلك. وقد يكون وقف الدعوى الاتفاقي مؤقتا كأن يتفق الخصوم على وقف الدعوى لمدة معينة يتم بعدها استئناف نظر الدعوى. وفي هذه الحالة يجب على المحكم أو هيئة التحكيم أن تسجل في محضر الجلسة هذا الاتفاق، وفقا لنص المادة الرابعـة والعشرين ونص المادة السابعة والعشرين من اللائحة التنفيذية لنظـام التحكيم. وفي هذه الحالة يوقف الميعاد المقرر لصدور الحكم ويمدد بمقدار مدة الوقـف الاتفاقي لخصومة التحكيم.

   وبعد أن تنتهي مدة الوقف الاتفاقي لا يحبذ أن يقوم المحكم بمتابعة إجراءات الفصل في النزاع من تلقاء نفسه، وذلك لاحتمال أن تكون الخصومة قد انتهـت باتفاق الأطراف على ذلك أو بالصلح وبذلك لا يكون لحكمه لو أصدره في غيبتهم أي أثر قانوني، بل على العكس من ذلك فقد يكون سببا في اضطراب العلاقـة القانونية بين الخصوم ونشوء نزاع آخر.

2-الوقف القانوني :

    ويقصد به أن يتم وقف الدعوى التحكيمية بقوة القانون، ويكون ذلـك الحالات التي حددها القانون ونص عليها. ويمكن وقف الدعوى التحكيميـة بهـذه الصفة في حالة رد المحكم عن نظر النزاع. فقد رأينا أنه في هذه الحال ـة يوق ـف نظر الدعوى التحكيمية ابتداء من تاريخ تقديم طلب رد المحكم إلى تاريخ تعيين محكم جديد ويقاس على هذا الحكم أيضا جميع الحالات التي ينكر فيها الخصـم أو الخصوم سلطة المحكم لسبب يتعلق بشخصه مثل حالات عزل المحكم.

     كذلك يتم الوقف القانوني للدعوى التحكيمية فـي حالـة تمسـك الخصـوم أو أحدهم ببطلان اتفاق التحكيم لأي سبب. ونرى أنه لا يجب أن يقتصـر هـذا التمسك بمجرد الادعاء أمام المحكم ببطلان اتفاق التحكيم، فالمحكم ليست له سلطة الفصل في مثل هذا الادعاء. وبناء عليه يجب أن يتم وقف الدعوى التحكيمية في هذه الحالة، إذا قام من يدع في البطلان رفع دعوى بطلان اتفاق التحكــم أمـام الجهة المختصة بذلك. فمن تاريخ رفع هذه الدعوى يجب إيقاف الدعوى التحكيمية إلى أن يصدر الحكم بصحة هذا الاتفاق فتستأنف مرة أخرى. أو أن الحكم يصدر ببطلان هذا الاتفاق وفي هذه الحالة ليس هناك مجال للقـول باستمرارية نظر الدعوى التحكيمية البتة.

3-الوقف بناء على حكم المحكم :

   يجوز أن يتم وقف الدعوى التحكيمية بناء على حكم من المحكم أو من هيئـة التحكيم بذلك. فقد نصت المادة السابعة والثلاثون من اللائحـة التنفيذيـة لنظـام التحكيم على أنه " إذا عرضت خلال التحكيم مسألة أولية تخرج عن ولاية هيئـة التحكيم أو طعن بتزوير في ورقة أو اتخذت إجراءات جنائية عن تزويرها أو عن حادث جنائي آخر أوقفت الهيئة عملها، ووقف الميعاد المحدد للقرار إلى أن يصدر حكم نهائي من الجهة المختصة بالفصل في تلك المسألة العارضة".

    وبناء عليه إذا ظهرت لهيئة التحكيم مسألة أولية لا بد من الفصل فيها قبـل بدء الفصل في النزاع أو قبل إنهائه وكانت هذه المسألة لا تدخل في اختصـاص هيئة التحكيم. إما لكون النظام لم يعطها صلاحية الفصل في مثل هذا النوع مـن المسائل كأن تكون المسألة من المسائل التي لا يجوز فيهـا التحكيم، وإمـا لأن الأطراف لم يتفقوا على عرض هذه المسألة على التحكيم. فإنه يجب علـى هيئـة التحكيم أن تصدر حكمها بوقف الدعوى إلى أن يتم الفصل في هذه المسألة مـن قبل الجهة المختصة بالفصل في النزاع، مما يعني أن وقف الدعوى هنـا يكـون بصفة مؤقتة وليس بصفة نهائية إلا إذا اتفق الخصوم بطبيعة الحال علـى وقـف الدعوى نهائياً وصرف النظر.

  ويجب على الجهة المختصة قبل أن تصدر حكمها بإيقاف الدعوى أن تتأكـد من ضرورة الفصل في هذه المسألة الأولية قبل البدء في نظر النزاع  عن طريـق التحكيم أو قبل إصدار الحكم فيه. بمعنى أن صدور الحكم في هذه المسـألـة يعـد لازما لبدء الفصل في النزاع واستمراره.

    ويرجع تقدير مدى ضرورة الفصل في المسألة الأولية إلى تقدير هيئة التحكيم فلها في ذلك مطلق الحرية. فإذا رأت أن هذه المسألة واضحة بشكل قاطع. فإنها تواصل نظر النزاع خصوصاً إذا بدا لها أن إثارة الخصم لهذه المسألة مقصود به إعاقة الفصل في النزاع وتأخيره أو التنكيل بالخصم الآخر والكيد به.

    وكذلك إذا تم الطعن بالتزوير في ورقة من أوراق الدعوى أو مسـتند من مستنداتها، أو قام أحد الخصوم باتخاذ أي إجراء بخصوص الطعن التزوير أو أي إجراء يتعلق بأي حادث جنائي آخر. فيجب على هيئة التحكيم أن توقف النظر في النزاع إلى حين انتهاء الفصل في ذلك. وما يلاحظ هنا أن هيئة التحكيم ليس لهـا سلطة تقديرية في ذلك فهي ليست مختصة بالنظر في أصلاً تلك المسائل التـي تتعلق بجرائم تتصل بالحق العام، ومن ثم لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهلهـا أو تجاوزها؛ لتعلقها بالنظام العام. وإذا ما تم وقف الدعوى، فإن الميعاد المحـدد لصدور الحكم يقف بمقدار المدة التي تطلبها الفصل في المسألة الأولية وصـدور الحكم فيها.

سادساً: حضور الخصوم وغيابهم

   يحضر الخصوم بأنفسهم أو من ينوب عنهم أو عن أحدهم في اليوم المحـد للجلسة الذي تم إبلاغهم به. وفي حالة توكيل أحد الخصوم لشخص آخر يحضـر عنه يجب أن يكون هذا التوكيل خاصاً صادراً من كاتب العدل ولا يكتفي بالتوكيل العام بل يجب أن يذكر فيه حق الوكيل في مباشرة الدعوى نيابة عـن الموكـل. كذلك من الممكن أن يكون التوكيل صادرا من أية جهة رسمية ولم تحـد المـادة السابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم نوع هذه الجهة، والتي يجب أن تكون في نظرنا مماثلة لكتابة العدل في اختصاصاتها .

   كذلك أجازت تلك المادة إمكانية كون الوكالة مصدقة مـن إحـدى الغـرف التجارية والصناعية، مما يعني أن المنظم قد أعطى الخصـوم إمكانيـة تحرير الوكالات على أوراق خاصة ومصادقتها من قبل الغـرف التجاريـة الصـناعية، إمعانا منه في الإسراع بتنفيذ عملية التحكيم. ولكن ما تجب ملاحظته أنه في حالة عدم قبول الجهة المختصة بالفصل في النزاع لمثل هذا النوع من الوكالات، وهذا هو الذي يتم عادة، فإنه يجب التقيد بالإجراءات التي تطلبها تلك الجهة. فإذا كانت تتطلب وجود وكالة شرعية فلا بد من الالتزام بذلك ولا يستطيع الخصم أن يدفع بما ورد في المادة السابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، وذلك لأن نظام التحكيم يجب أن يتم تطبيق إجراءاته بشكل مكمل للإجراءات المتبعـة في الجهة المختصة بالفصل في النزاع وبالشكل الذي لا يتعارض معها. وفي جميـع الأحوال نرى أنه من الأفضل أن يكون مع الوكيل وكالة شرعية خاصة بالتحكيم منعاً لفتح الباب لأي دفع قد يعوق تنفيذ اتفاق التحكيم أو يبطل الحكم الصادر فيه.

   ولابد أن يقوم المحكم أو هيئة التحكيم بالاطلاع على أصل الوكالة ويجب أن يتم إيداع صورة منها بملف الدعوى. ولم تستوجب المادة السابعة عشرة أن تكون هذه الصورة مصدقة من جهة رسمية ويكتفي بالصورة العادية التي من الأفضـل أن يتم التأشير عليها بما يفيد مطابقتها للأصل من قبل المحكم أو المحكم المـرجح رئيس هيئة التحكيم .

   وإذا كانت المادة السابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم قد أعطت الخصوم الحق في توكيل من يرونه لمباشرة الدعوى التحكيمية نيابة عنه، فإنهـا أعطت أيضاً المحكم أو هيئة التحكيم الحق في طلب حضور الخصوم أو أحـدهم شخصياً، إذا رأت أن ذلك ضروري لوجود ما يبرره. وبناء عليه ليس للخصـم الذي يطلب حضوره الامتناع عن الحضور وإلا كان لهيئة التحكيم أن تعده غائبـا ويكون لها أن تتخذ في حقه ما حدده النظام من إجراءات في هذه الحالة.

   وبعد أن أوجبت المادة السابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم على الخصوم ووكلائهم حضور جلسات التحكيم جاءت المادة الثامنة عشرة من هذه اللائحة مبينة أحكام غياب الخصوم أو أحدهم عن حضور الجلسات .

   وبناء عليه إذا غاب أحد الخصوم سواء أكان مدعياً أو مـدعى عليـه عـن الجلسة الأولى وكان قد تم إعلانه لشخصه فلهيئة التحكيم أو المحكم أن يبدأ بنظر النزاع كما أن له أيضاً إصدار الحكم في الدعوى شريطة أن يكون الخصـوم قد أودعوا في ملف التحكيم مذكرات بطلباتهم ودفوعهم ومستنداتهم. ويعد حكمهم في هذه الحالة حضورياً بنص النظام متى ما كانت المدعى جاهزة للحكم بناء على ما قدمه الخصوم، ولكن ما يلاحظ هنا أنه في حالة عدم إيداع أحد الخصـوم ملف التحكيم مذكرة أو مذكرات بطلباته ودفاعه، أو أنه لم يتم إعلان الخصـم الغائـب لشخصه، كما لو كان إعلانه قد تم وفقاً لإحدى الطرق التي حددتها المادتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم، فإنه لا يجـوز لهيئـة التحكيم أن تنظر في النزاع أو أن تصدر حكمها فيه، ويجب عليها أن تؤجل نظر النزاع إلى جلسة تالية يتم فيها إعلان الخصم الغائب. ولم تحـد المـادة الثامنة عشرة ما إذا كان الإعلان يجب أن يتم لشخص الخصم الغائب أم أنه من الإمكان أن يكون وفقاً لإحدى الطرق التي أقرتها المادتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم. ونرى أنه في هذه الحالة لا فرق في أن يتم إعلان الخصم الغائب عن الجلسة الأولى لشخصه أو أن يتم وفقا لإحدى الطـرق التي حددتها المادتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة. ولو قيل بوجوب إعـلان الخصـم الغائب لشخصه، لأصبح نص المادتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة من اللائحـة التنفيذية لنظام التحكيم لغواً لا فائدة منه.

   وكذلك نظمت الفقرة الثانية من المادة الثامنة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم حالة غياب كل أو بعض المحتكمين المدعى عليهم في حالة تعددهم وكان بعضهم قد أعلن لشخصه والبعض الآخر لم يعلن لشخصه وتغيبوا جميعاً أو تغيب من لم يعلن لشخصه، حيث قررت أنه في غير حالة الاستعجال يتم تأجيـل نـظـر موضوع النزاع إلى جلسة تالية يعلن بها من لم يتم إعلانه لشخص من الغائبين. ويكون الإعلان في هذه الحالة إما لشخصه أو وفقاً لإحدى الطرق التـي حـددتها المادتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة من اللائحة التنفيذية. ومتـى تخلـف أحـد المحتكمين المدعى عليهم بعد إعلانه بموعد الجلسة التالية فإن الحكم في موضوع النزاع يعد حضورياً في حق المتخلفين عن الحضور جميعاً. أما إذا رأت هيئـة التحكيم ضرورة الاستعجال والفصل في النزاع وإصدار الحكم في الجلسة الأولى فإن لها ذلك، ويخضع تقدير سبب الاستعجال لها وحدها.

    وأخيراً حددت الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة عشرة أن حكم المحكـم يعـد حضورياً إذا حضر الخصم سواء أكان مدعياً أم مدعى عليه أو من يمثله جلسـة من الجلسات، كما أنها اعتبرت إيداع الخصم مذكرة بدفاعه في الدعوى أو مستنداً متعلقاً بها بمثابة الحضور. وما يبرر مثل هذه القاعدة هو أن هيئة التحكيم لا تملك بصفة عامة اعتبار أن الخصومة كأن لم تكـن، أو أن تحكـم بشـطـب الـدعوى التحكيمية في حالة غياب أحد الخصوم وعدم حضورهم أمامها. ومن ثم فإن من حقها أن تصدر حكمها في النزاع في الجلسة التالية إذا لم يحضر المدعى عليـه أو غاب المدعي عن هذه الجلسة؛ لكونه قد قدم ما يطالب به في الجلسة الأولـى، وبناء عليه يتم الحكم من خلال هذه المطالبات ويعد الحكم بالنسبة له حضورياً. كما أرست تلك الفقرة مبدأ مهما من مبادئ التقاضي فيما يتعلق بحضور المحـتكم الغائب قبل انتهاء الجلسة، حيث اعتبرت أن صدور أي حكم في هذه الجلسة يعـد كأن لم يكن؛ لأن من حق الخصم الغائب في هذه الحالة أن يبدي دفاعه وأن يـتم سماع أقواله وفق القواعد التي نص عليها نظام التحكيم ولائحته التنفيذية.

    وتأكيداً لما نصت عليه المادة الثامنة عشرة من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم بخصوص حضور وغياب المحتكمين اشترطت المادة التاسعة عشرة مـن هـذه اللائحة أن يتم إعلان المحتكمين بالشكل الصحيح، ويكون الإعلان صحيحاً متى ما توافرت فيه الشروط التي حددتها المادة الثانية عشرة من اللائحة، ومتى ما تم بالكيفية التي حددتها المادة الثالثة عشرة والرابعة عشرة من نفس اللائحة.

   وبناء عليه إذا ما تبين لهيئة التحكيم أن غياب أحد الخصوم، بسبب أن إعلانه قد تم بطريقة باطلة، فإنه يجب عليها أن تؤجل نظر الدعوى إلى جلسـة تاليـة، وتقوم بإعلانه بها إعلاناً صحيحاً طبقاً لما هو محدد. وإذا لم يتم ذلك فـإن هـذا يكون سبباً قوياً ومباشراً للطعن في الحكم، الذي يصدر دون مراعـاة للشـكل والكيفية التي يجب أن يتم من خلالها إعلان الخصوم.

سابعاً: قفل باب المرافعة في الدعوى:

    يقصد بانتهاء نظر الدعوى قفل باب المرافعة فيها. حيـث يتم قفـل بـاب المرافعة عندما يقدم كل خصم ما لديه من دفاع وملاحظات ومستندات كما يتم قفل باب المرافعة عندما ترى هيئة التحكيم أن الخصوم لم يعد لديهم ما يقدمونه فتقرر من تلقاء نفسها قفل باب المرافعة منعاً لإطالة أمد النزاع وغالباً ما تقـرر هيئـة التحكيم قفل باب المرافعة، عندما ينتهي الخصوم من تقديم ما لديهم أو عنـدما ينتهي المدعي من تقديم ما لديه، ويستمر الخصم الآخـر فـي تقـديـم دفـوع أو مستندات ليست لها إنتاجية في الدعوى، وإنما الهدف منها إطـالـة أمـد الفصل بالنزاع لكسب الوقت أو للمماطلة بالخصم الآخر. ويكون ذلك بقرار يصدر من المحكم أومن هيئة التحكيم بذلك.

   وقد نصت المادة الثامنة والثلاثون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم على أنه " متى تهيأت الدعوى للفصل فيها، تقرر هيئة التحكيم قفل باب المرافعـة ورفـع القضية للتدقيق والمداولة وتتم المداولة سراً لا يحضرها سوى هيئة التحكيم التـي سمعت المرافعة مجتمعة، وتحدد الهيئة عند قفل باب المرافعة موعـداً لإصـدار القرار أو في جلسة أخرى مع مراعاة أحكام المواد (9)، (13)، (14)، (15) من نظام التحكيم ".

    وبناء عليه يجب على هيئة التحكيم أن تحدد عند قفلها لباب المرافعة موعـداً لإصدار القرار أو في جلسة أخرى. ونرى أن المقصود بذلك هو أن هيئة التحكيم يجب أن تحدد في قراراتها موعداً محدداً لإصدار الحكم، أو أن تحدد فـي هـذا القرار موعد جلسة أخرى يتم فيها تحديد موعد إصدار الحكم.

   وعند تحديد موعد إصدار الحكم يجب على هيئة التحكيم، أن تتقيد بالمواعيد النظامية التي حددها نظـام التحكــم التـي تضمنتها المـواد المشار إليها أعلاه من النظام. وبناء عليه يجب أن يتم إصدار الحكم في الميعاد المحدد في وثيقة التحكيم لإصداره وفي حالة تمديد هذا الميعاد يتم إصـدار الحكـم فـي الميعاد الجديد. كذلك يجب أن يتم إصدار الحكم في حالة عدم تحديـد الخصـوم موعدا لإصداره في وثيقة التحكيم خلال تسعين يوماً من تاريخ صدور القـرار باعتماد وثيقة التحكيم. ويجب أن تأخذ هيئة التحكيم في الاعتبار ما قد يطرأ على هذه المواعيد التي حددها النظام لإصدار الحكم من تمديد قد يطرأ عليهـا بسـبب وفاة أحد الخصوم أو بسبب عزل أو اعتزال المحكم أو بسبب تمديد هيئة التحكيم من تلقاء نفسها لهذه المواعيد نتيجة لظروف تتعلق بطبيعة موضوع النزاع.

    وبعد أن يتم قفل باب المرافعة تبدأ عملية المداولة بين أعضاء هيئة التحكيم بقصد تكوين الرأي النهائي الذي يصلون إليه. وبطبيعة الحال إذا كـان النـزاع ينظر من قبل محكم واحد، فإن المحكم يصدر حكمه في هذه الحالة دون مداولـة مع أحد. فالمحكم في هذه الحالة لا يملك إشراك غيره معه في تكوين رأيـه فـي موضوع النزاع، فليس له أن يستشير شخصاً معيناً أو أشخاصاً آخرين أو حتـى يأخذ رأيهم؛ وذلك لأن مهمته لها طابع شخصي بحت، تتمثل في اختياره وحده من قبل الخصوم للفصل في النزاع الحاصل بينهم. وإذا ما حدث، وأن تجاوز المحكم هذه القاعدة، فإن حكمه يعد باطلاً ويتحمل وحده مسئولية الضرر الذي يسببه هذا البطلان بالنسبة للخصم أو الخصوم المتضررين من جراء هذا البطلان.

   ولا يشترط أن تتم المداولة في المكان الذي تمت فيه جلسات المرافعة فمن الممكن أن تتم في أي مكان تراه هيئة التحكيم. وما تجدر ملاحظته أنـه لا يتم تسجيل ما يحدث في اجتماعات المداولة في محاضر مثل جلسات المرافعة، كما لا يجب أن يحضرها سكرتير التحكيم. فالمداولة يجب أن تتم سراً ولا يحضرها إلا هيئة التحكيم التي سمعت المرافعة مجتمعة وذلك تطبيقا لما نصت عليـه المـادة الثامنة والثلاثون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم التي اعتمدت في ذلك على ما هو متبع بخصوص إصدار الأحكام القضائية.

   وبناء عليه إذا لم يحضر أحد أعضاء هيئة التحكيم جلسات المداولة وتغيـب عنها لأي سبب من الأسباب فيجب أن يتم إيقاف المداولة وتأجيلها إلـى أن يتم حضور جميع الأعضاء. وإذا كان سبب الغياب من الأسباب التي لا يرجى معهـا حضور العضو الغائب كوفاته أو عزله أو رده أو اعتزاله فإنه يجـب فـي هـذه الحالة فتح باب المرافعة مرة أخرى بعد تعيين من يخلفه.

   ولا يعني إعادة فتح باب المرافعة ضرورة إعادة عملية الفصل في النزاع من جديد واتخاذ جميع الإجراءات التي سبق وأن تم اتخاذها فـي المرافعـة السابقة كاستجواب الخصوم أو سماع الشهود أو الإحالة إلى الخبرة أو غير ذلك. ويكفي في هذه الحالة أن تقتصر المرافعة على تقديم الخصوم خلاصة لمطالباتهم التـي أبدوها في الجلسة أو الجلسات الختامية للمرافعة السابقة فقط مع بقـاء القـرارات التي اتخذتها هيئة التحكيم بتشكيلها السابق صحيحة ونافذة ومنتجة لآثارها. وبنـاء عليه لا يتم إعادة استجواب الخصوم أو الشهود أو إعادة ندب الخبير أو الانتقال للمعاينة إذا كانت هيئة التحكيم السابقة قد قررت مثل هذه الإجراءات أو غيرهـا وتم تنفيذ ما قررته. والقول بغير ذلك غير صحيح، لأنه يجعـل اللـجـوء إلـى التحكيم مخاطرة غير محسوبة العواقب وينهي فاعليته، ويجعل من وجـود نظـام للتحكيم مجرد لغو لا فائدة منه، وإتباع ما ذكرناه يتناسب مع ما تطلبه نص المادة الثامنة والثلاثين، الذي اشترط حضور جميع أعضاء هيئة التحكيم التي استمعت إلى المرافعة، ومن ثم لا يؤثر في صحة التحكيم.

   ومتى ما تم قفل باب المرافعة ورفعت الدعوى للتدقيق والمداولة فقـد نصت المادة الأربعون من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم على أنـه " لا يجوز لهيئـة التحكيم أثناء رفع الدعوى للتدقيق والمداولة أن تسمع إيضاحات مـن أحـد المحتكمين أو وكيله إلا بحضور الطرف الآخر، وليس لها أن تقبـل مـذكرات أو مستندات دون اطلاع الطرف الآخر عليها، وإذا رأت أنها منتجة فلها مـد أجـل النطق بالقرار وفتح باب المرافعة بقرار تدون فيه الأسباب والمبررات، وإخطـار المحتكمين بالميعاد المحدد للنظر في القضية ".

    وتفسير هذه القواعد التي نصت عليها المادة الأربعون رغبـة المـنـظم في تطبيق القواعد التي يجري عليها العمل في القضاء الرسمي، ولا شـك أن ذلك يؤدى إلى دعم التحكيم وزيادة ضماناته وتشجيع الثقة فيه لدى المتنازعين.

   وبناء عليه فإنه متى ما تقرر رفع الدعوى للتدقيق والمداولـة فليس لهيئـة التحكيم أن تسمع من أحد الخصوم أو وكيله أية إيضاحات أو تسمح له بتقديم أية مستندات أو أوجه دفاع وسواء كان ذلك شفهياً أو كتابيـاً. ولكـن إذا رأت هيئـة التحكيم بأن تسمح لأحد الخصوم أن يقدم ما لديه فيجب عليها في هذه الحالـة أن يكون مثل هذا التقديم بحضور الخصم أو الخصوم الآخرين. وأن تقوم باطلاعهم على ما يتم تقديمه من مستندات أو مذكرات. وإذا رأت الهيئة أن ما تم تقديمه في هذه الحالة منتجاً في الدعوى، فلها أن تقوم بفتح باب المرافعة مرة أخرى، وتمديد الأجل المحدد للنطق بالحكم ويكون ذلك بموجب قرار تصدره الهيئـة يتضمن الأسباب والمبررات، التي جعلتها تفتح باب المرافعة من جديد. كما يجب عليهـا أن تخطر الخصم بالميعاد المحدد للنظر في القضية، ويمكن للخصوم فـي هـذه الحالة أن يقوموا بالترافع من جديد، وتقديم ما لديهم من مذكرات ومستندات وفقا للقواعد التي رأيناها سابقا.

   وما تجدر الإشارة إليه أن إعادة فتح باب المرافعة من جديد في هذه الحالـة هو حق قرره النظام لهيئة التحكيم ولها في استخدام هذا الحـق سلطة تقديريـة واسعة. مما يعني أنه ليست مجبرة على إجابة طلب الخصم في نظر ما لديه من دفوع أو مستندات أثناء فترة المداولة، وفتح باب المرافعة من جديد فلها أن ترفض ذلك إذا اقتنعت بعدم جدية الأسباب التي يبديها الخصم.

   وتنتهي مرحلة التدقيق والمداولة في الموعد المحدد لهـا ويكـون انتهاؤهـا بصدور حكم المحكمين والنطق به في الجلسة التي تحدد لهذا الغرض.

 

دور القضاء في إجراءات التحكيم

   إذا شرع المحكم في نظر الدعوى التحكيمية فإنـه يسـري عليـه كافة الإجراءات القضائية اللازمة لنظر هذه الدعوى؛ لأن التحكيم نوع من القضـاء يشترك معه في طرقه وإجراءاته الموصلة إلى إظهار الحق، ويبدأ دور القضاء في رعاية إجراءات التحكيم منذ أول خطوة له فيتم إبلاغ وثيقة التحكــم بـعـد اعتمادها من قبل الجهة المختصة بنظر الخصومة أصلا ، من قبل هذه الجهـة ويتم تكليف أحد موظفي هذه الجهة بتولي كافـة الإخطـارات والإعلانـات المنصوص عليها في نظام التحكيم (1)، ويجب أن يكون هـذا التبليـغ باللغة العربية من نسختين أو أكثر حسب عدد المحتكمين ويتضمن هـذا الإخطار والتبليغ ما يلي:

ـ تاريخ اليوم والشهر والسنة والساعة التي حصل فيها التبليغ أو الإخطار.

- اسم طالب الإخطار أو التبليغ ولقبه ومهنته، أو وظيفته وموطنه واسم من يمثله ولقبه ومهنته أو وظيفته وموطنه كذلك إن كان يعمل لغيره.

- اسم المراسل الذي أجرى التبليغ أو الإخطار والجهة التي يعمل بها وتوقيعه على الأصل والصورة.

- اسم الشخص المطلوب إبلاغه أو إخطاره ولقبه ومهنته أو وظيفته وموطنه فإن لم يكن معلوم الموطن وقت الإعلان فآخر موطن كان له.

هـ - اسم ووظيفة من سلمت له صورة التبليغ وتوقيعه على الأصل بالاستلام أو إثبات الامتناع على الأصل عند إعادته للجهة المختصة.

    انظر المادة الثامنة من نظام التحكيم السعودي الصادرة ب- رقم م 46 في  1983/4/25م ـ وانظر المادة السادسة عشرة من اللائحة التنفيذية لهذا النظام الصادرة برقم 2012/7/م في 1985/5/27م.

   و ـ اسم هيئة التحكيم ومقرها وموضوع الإجراء والتاريخ المحدد له (1) وهذا بالنسبة لإبلاغ الشخصيات الذاتية، وأما ما عداهم فيتم التبليغ على الصفة التالية:

ـ ما يتعلق بالدولة يسلم للوزراء وأمراء الم ناطق ومديري الجهات الحكومية أو لمن يقوم مقامهم حسب الاختصاص.

ـ ما يتعلق بالشخصيات العامة للنائب عنها نظاما أو من يقوم .

ـ ما يتعلق بالشركات والجمعيات والمؤسسات الخاصة يسلم في مراكز إدارتها المبين في السجل التجاري لرئيس مجلس الإدارة أو المدير العام أو لمن يقوم مقامه من العاملين وبالنسبة للشركات الأجنبية التي لها فرع أو وكيل في المملكة يسلم لهذا الفرع أو الوكيل.

   وبعد حضور الخصوم لهيئة المحاكمة يتم سماع الدعوى والنظر فيها وتكون جلسات المحاكمة علنية لأن علنية جلسات التقاضي هي الأصل، ويمكن أن تكون هذه الجلسات سرية بناء على رأي هيئة المحاكمة، أو بناء على طلب أو الخصوم أحدهم. وتكون لغة الجلسات المعتمدة في الترافع هي اللغة العربية وإذا كان أحد أطراف الخصومة لا يحسنها فيلزمه إحضار من يتولى أعمال الترجمة له ويشترط في هذا المترجم أن يكون موثوقا به.

  ويتم ضبط وتوثيق جميع الأقوال والإجراءات التي تتم في جلسة المحاكمة وترصد في محضر خاص بهذه القضية يوقع عليه من قبل جميع المختصين بهذه الدعوى من الخصوم والمترجمين والكاتب والمحكم ونحوه.

ويراعي المحكم في أثناء المحاكمة ضبط الجلسة وإدارتها، وإذا حصل من أحد الحاضرين ما يخل بالأدب العام أو يتنافى مع أصول التقاضي فيتم رصد محضر بالواقع ويحال لجهة الاختصاص لاتخاذ ما يلزم بحقه .

وتجري المحاكمة على وفق الأصول القضائية المعتبرة شرعا ونظاما ويسري على التحكيم ما يتم العمل به في الجهات القضائية المختصة بنظر الدعوى ابتداء وفي حال تخطي هيئة التحكيم لشيء من هذه الإجراءات أو إهمالها فإن للجهة القضائية المختصة في نظر الدعوى تقرير ما يلزم حيال / توجيه توجيه هيئة المحاكمة إلى الصحيح من الإجراءات الشرعية والنظامية.