الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / انواع التحكيم الدولي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 47-48 / بانوراما التحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات أكتوبر 2019 - ديسمبر2020

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 47-48
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    25

التفاصيل طباعة نسخ

 

I. التحكيم

أ. تحكيمات محددة

    1- التحكيم في مسائل الإستثمار

    2- التحكيم في المسائل الرياضية

    3- التحكيم في المسائل الإقتصادية

ب. إتفاق التحكيم

ج. هيئة التحكيم

     1- الإختصاص

     2- الإستقلالية

     3- المهمة

د. مركز التحكيم

هـ . الإجراءات القضائية

     1- قاضي الأمور المستعجلة

     2- القاضي المساند

     3- الجائحة

و. حكم التحكيم

     1- الشكل

     2- الطعن

     3- الرقابة

      4- الصيغة التنفيذية

      5- التنفيذ

II. الوسائل البديلة لحل النزاعات

    لقد تحدثنا عنها كثيراً دون أن نراها لدرجة أننا أصبحنا نشك بوجودها! ولكن، هـا هـي: الغرفة التجارية الدولية في محكمة استئناف باريس، أي الغرفة 16 في القسم 5، أبصرت النـور وبدأت العمل. الغرفة، المشكلة من قضاة ذوو خبرة، أصدرت ما لا يقل عن 13 قراراً هذه السنة، بعضها قرارات أرست مبدأ (Dommo، 25 فبراير 2020)، منذ أول قرار أصدرته في 7 يناير 2020 (جمهورية الكونغو) وصولا إلى القرارين اللذين أصدرتهما في الأول من ديسمبر 2020 (حكومة قطر؛ حكومة الجزائر) ومروراً بقراريها المدويين الصادرين فـي 17 نوفمبر 2020 (دولة ليبيا). كانت التشكيلة الجديدة لمحكمة استئناف باريس حازمة وواضـحة ونحـن بانتظـار بعض القرارات المهمة في يناير 2021، لا سيما حول مبدأ المساواة بين الأطراف في التحكـيم. هذه القرارات يتم الإعلان عنها بشكل تشويقي لن تبدي ستوديوهات هوليوود التي استثمرت فـي أفلام حققت نجاحاً ورواجاً كبيرين استياءاً منها. القرارات المهمة ليست إذا إلا أفلاما حققت نجاحاً ورواجاً كبيرين في صالات عرض قانون التحكيم. نظراً إلـى أهميـة خـصائص الإجـراءات التحكيمية في الإجراءات القضائية، لا سيما مع طريقة طبعا مبسطة لاستجواب الشهود، إن الغرفة التجارية الدولية هي في صدد تعديل الممارسات القضائية لتتأقلم مع المنازعات القضائية الكبرى. القرارات بحد ذاتها مصاغة بطريقة يسهل فهمها للغاية، مما يسهل تأثيرها وترجمتها – وهذا مهمّ جدا في التحكيم الدولي.

   في الواقع، من المؤسف أن هذه الغرفة المتخصصة لم تضع تحـت جانحهـا المنازعـات القضائية المرتبطة بالتحكيم الداخلي التي تركت للغرفة 1 - القسم 1 الشهيرة. على الرغم من أن هذه الغرفة الأخيرة لم تخسر إعتبارها، وهذا بعيد كل البعد، إلا أن توزيع الإختصاصات بـين هاتين الغرفتين هو مصدر تناقضات في الإجتهادات بقدر ما أن قانون التحكيم الـداخلي وقـانـون التحكيم الدولي متقاربين. أضف إلى ذلك أن الغرفة 1 - القسم 1 لا تزال تصدر قرارات مرتبطة بالتحكيم الدولي، مما يزيد من الإلتباس. وهو ما قامت بـه مـع القـرار الجديـد فـي قـضية Tecnimont، القرار السابع في هذه الملحمة (باريس، الأول مـن ديـسمبر 2020)، الـذي لا يتمحور هذه المرة حول استقلالية المحكم بل حول الغش الإجرائي. في الواقـع، هـذه بالـضبط المشكلة ذاتها التي واجهتها محكمة التمييز عندما نظرت الغرفة المدنية الأولـى فـي الطـعـون المرتبطة بالتحكيم الدولي في حين أن تلك المرتبطة بالتحكيم الداخلي كانت تنظر فيهـا الغرفـة المدنية الثانية. هذا أدى إلى عدم تناسق الإجتهادات في مسائل مطابقة لم يكن من المفترض أن تحصل على إجابات مختلفة بحسب طبيعة التحكيم. في إطار الإختلالات الرمزية، يمكننا أن نذكر قرار Rado الصادر عن الغرفة المدنية الأولى في 30 مارس 2004 حول شرط تحكيمي مدرج في عقد إستهلاك دولي والذي ألغي للتو – أخيراً ! – في قرار Landwell الصادر بتـاريخ 30 سبتمبر 2020 (راجع ما يلي)، أي بعد مرور 16 عاما. بعد صدور قرار Rado المشؤوم هـذا بالتحديد، الذي سنمحصه في ما بعد، دمجت محكمة التمييز كل المنازعـات القضائية المتعلقـة بالتحكيم لتصبح ضمن اختصاص الغرفة المدنية الأولى. على محكمة استئناف باريس أن تفعـل الشيء نفسه، حتى لو اضطرت لتغيير اسمها من أجل ذلك .

    تماماً كخروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي ( Brexit) والعزم علـى إعـادة جـزء مـن المنازعة القضائية في لندن إلى باريس اللذين كانا الدافع وراء تأسيس الغرفة التجارية الدولية في محكمة الإستئناف بقيادة اللجنة القانونية العليا للسوق المالي في باريس التي كانت الأولى بتوصية ذلك، فإن وضع إجراءات تحكيمية مبسطة، لا سيما في المسائل المالية، يمكن أن يكون لـه أثـر مماثل، بحسب اللجنة العليا ذاتها التي قدمت تقريراً بهذا الصدد بتاريخ 31 يناير 2020. يتعلـق الأمر هنا أيضاً بالإستفادة من خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي (Brexit) لجذب جزء مـن المنازعات القضائية التي تتمحور حول المصارف والمسائل المالية إلى باريس، في حين أنهمـا قطاعين لم يتطور التحكيم فيهما كثيراً. هذه المبادرة، وأيضاً هذه الرغبة، لا يمكـن إلا الإشـادة بهما. مما لا شك فيه أن توطيد الإجتهاد وقانون التحكيم الفرنسي، اللذين اتسما هذه السنة أيـضاً بصدور قرارات مهمة، سيسهمان في جعل باريس مكانا أكثر جذباً.

I. التحكيم:

أ. تحكيمات محددة:

1- التحكيم في مسائل الإستثمار:

    لطالما وجد التحكيم في مسائل الإستثمار صعوبة في إيجاد مكانه، أكـان علـى المـستوى المعنوي أو على المستوى الجغرافي، إن العداء الأوروبي الذي كرسه قرار Achmea الـشهير الصادر في 6 مارس 2018 قوبل بلامبالاة جلية من محاكم التحكيم التي، الواحدة تلو الأخـرى، ترفض تطبيق هذا الإجتهاد الذي تعتبره غير شرعي لمحاكم ليس لديها قانون محكمة (lex fori كما هو الحال مع محاكم التحكيم. هذه المقاومة أدت إلى تصلب الإتحاد الأوروبي الذي، بتاريخ 5 مايو 2020، أقر الـ "إتفاق حول إنهاء معاهدات الإستثمار الثنائية الأطراف بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي" الموقع من 23 دولة عضو، من بينها فرنسا ( JOUE L 169/1, 29 mai 2020 ; D. 2020. 1687, obs V. Korom, et 1970, obs. S. Bollée ; D. actu. 21 juill. 2020, obs. C. Collin ; JDI 2020. 855, obs. J. Cazala ; Europe 2020. .(Alerte 47, obs. L. Idot

    أيضاً، في تتمة قضية "جمهورية مولدوفا"، التي سبق ذكرها في هـذا "البانورامـا" الـسنة الماضية (2436 .D. 2019. 2435, spéc)، التي بشأنها سألت محكمة إستئناف باريس "محكمة العدل التابعة للإتحاد الأوروبي" عن تطبيق إجتهاد Achmea على "معاهدة ميثاق الطاقة"، وكان بإمكانها الإمتناع عن ذلك بشكل مناسب، هناك حتى الآن أربع دول من الإتحاد الأوروبي، مـن بينها فرنسا، طلبت، في 17 نوفمبر 2020، من "محكمة العدل التابعة للإتحاد الأوروبي" أن تبدي رأيها. الهدف هو طبعاً الحصول، على المدى القصير، على استبعاد جديد للتحكيم فـي مـسائل الإستثمار. مما لا شك فيه أن المؤرخين الذين يدونون تاريخ التحكيم سيكتبون، يوماً مـا، عـن أسباب هذا الإضطهاد. فلنأمل أن التحليل الذي سيستعيد الأحداث الماضية سيمكنهم مـن إيجـاد الأسباب لأنها اليوم تبدو غير موجودة في أفضل الحالات وعقائدية في أسوأ الحالات. #

2- التحكيم في المسائل الرياضية:

على الأرجح، سيكون الإحتراز ذاته هو الذي سيتناوله المؤرخون عندما سيحللون التحكـيم المسائل الرياضية. في قضية أثارت ضجة كبيرة، رفع نزاع أمام "المحكمة الأوروبية لحقوق في الإنسان" يتعلق بقرار صادر عن "المحكمة الفدرالية السويسرية" ردت فيه الطعـن المقـدم مـن Michel Platini ضد حكم التحكيم الصادر عن "محكمة التحكيم الرياضي الذي قـضـى ضـده لصالح "الإتحاد الدولي لكرة القدم" ("الفيفا") (FIFA)، مما خلق خيبة أمل لدى الموقع أدناه الـذي كان يقدم المشورة القانونية للاعب السابق. إعتبر Michel Platini، من جهة، أنـه لـم يـحـظ بمحاكمة عادلة بمفهوم المادة 6، 5 1، من "الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" ومن جهة أخرى، أن تعليق كل النشاطات المتعلقة بكرة القدم لمدة أربع سنوات كان مبـالغ فيـه ويمــ بحياتـه الشخصية. مسألتان مثيرتان للإهتمام لم تنظر فيهما "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنـسان"... إذ قضت بعدم قبول الطعن للسبب الأساسي المتمثل في أنه كان يتوجب إثارة الـدفوع فـي وقـت سابق... ( ,321 .2020 CEDH 5 mars 2020, n° 526/18 , Platini c/ Suisse , JCP obs. B. Haftel ,8 $). إذ نأسف على تخاذل "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" هذا، لنـضع أنفسنا مكانها ونبت المسائل التي رفضت نظرها، مع التحيز الكامل للشخص الذي كان منذ فتـرة ليست ببعيدة معنيا بالتحكيم إلى جانب المستدعي.

     في ما خص النقطة الأولى، هناك صعوبة اللجوء إلى القاضي. المسألة هنا كانت تتمحـور حول صحة عقد شفهي، وذلك في القانون السويسري، مبـرم بـين Michel Platini والفيفـا (FIFA). في الواقع، لن يصار البتة إلى معالجة هذه المسألة في نهاية المطاف، لا أمام "محكمة التحكيم الرياضي"، التي تطبق مدونة أخلاقيات الفيفا وليس القانون السويسري، ولا أمام المحكمة الفدرالية، التي لا تعيد النظر في الأساس، ولا أمام "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، الت استبعدت الطعن دون النظر فيه. هناك إذا مخالفة حق جوهري، وهو حق اللجوء إلى القاضـي بما أن الإدعاء لن يعرف أبداً قاض لبته.

  في ما خص النقطة الثانية، وبعبارة بيزنطية، إعتبرت المحكمة الفدراليـة أن العقوبـة علـى Michel Platini فرضت بشكل "واسـع أكثـر مـن الـلازم" ( 2017 TF suisse, 29 juin spéc. $ 3.7.3, JCP 2020. 544, $ 6, obs. B. Haftel ,600/2016_44)، وهذا يعني بـأي حال "أكثر من اللازم". على الرغم من ذلك، لم يتم إبطال قرار "محكمة التحكيم الرياضي". ختامـاً في ما خص هذه القضية، نسلم بأن الإدعاء الأساسي لم يجد قاضياً لبتهـا وأن العقوبـة اعتبـرت كبيرة جداً دون أن تعتبر لا المحكمة الفدرالية ولا "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان" نفسها قادرة على تخفيفها. هذا يدعو إلى التساؤل حول الضمانات التي يعطيها هذا التحكيم الرياضي.

3- التحكيم في المسائل الإقتصادية:

   إن القرارات التي تصدر بانتظام في النزاعات التجارية، وهي الأرض المفضلة الطبيعيـة والأصلية للتحكيم، مثيرة للإهتمام أكان في ما خص قانون الشركات أو في مـا خـص قـانون الإجراءات الجماعية.

    في ما خص قانون الشركات، أولا، نذكر قراراً قضت بموجبه محكمة إستئناف باريس بـأن شرطاً تحكيمياً مدرجاً في النظام الأساسي لشركة ويحصر نطاق تطبيقـه بالنزاعـات المتعلقـة بمسائل متصلة بالشركة غير قابل للتطبيق بشكل واضح على عقد تنازل عن حصص مبرم بـين شريكين ( , . Comm115 .Paris, 2 juill. 2020, n° 19/21120, Dr. . Commsociétés 2020. note R. Mortier). يتسق هذا القرار مع سابقة تم القضاء فيها بأن شرطاً تحكيمياً مدرجاً فـي النظام الأساسي لشركة ينحصر تطبيقه فقط بالنزاعات المتعلقة بمسائل متصلة بالشركة كان غير قابل للتطبيق على عقود مبرمة بين مساهمين وأطراف ثالثين ( °Civ. 1°, 19 déc. 2012, n 11-27.199). بالتالي، فإنه من باب الصواب أن تعتبر المحكمة التجارية نفسها مختصة عمـلاً بالمادة "ل. 721-3" (3-721 .L) من القانون التجاري التي تشير إلى المنازعـات "المرتبطـة بالشركات التجارية"، والتنازل عن حصص شركة محدودة المسؤولية هو بالضبط من ضمنها.

   ثم في ما خص قانون الإجراءات الجماعية، تم إصدار ثلاثة قرارات خـلال المـدة التـ يغطيها هذا "البانوراما". في القضية الأولى، رفع دائن دعوى أمام هيئة تحكيميـة ضـد شـركة خاضعة لإجراءات جماعية. لم يعد هناك حاجة بعد الآن لبرهان قابلية التحكيم في ظـل قـانون الإجراءات الجماعية، رهناً باحترام المحكم لقواعد النظام العام ولأوجه الإختـصاص الحـصري للقاضي الناظر بالإجراءات الجماعية. في حال عدم احترام هذه القواعد، لا يمكن لحكم التحكـيم أن ينتج آثاراً. هذا ما ذكرت به محكمة استئناف باريس عندما قضت بأن "مبدأ وقـف الـدعاوى الفردية الذي هو في الوقت عينه من النظام العام الداخلي والدولي يمنـع، بعـد بـدء الـدعوى الجماعية، رفع النزاع أمام هيئة التحكيم من دائن يعود دينه إلى ما قبل قرار بدء الدعوى دون أن يكون قد خضع، سابقاً، لإجراءات تحقيق الديون وفي كل الأحوال، أن يكـون القـرار الـصـادر توصل إلى حكم، نظراً إلى أن تحديد الدين وحده هو المقبـول" ( °Paris, 15 sept. 2020, n D. actu, 19 oct. 2020, obs. J. Jourdan-Marques ,19/09580). إلا أن الحكـم، مـن هيئة التحكيم، على الشركة الموضوعة تحت التقويم القضائي أن تدفع مبلغاً معيناً يناقض بـشكل مباشر "مبدأ المساواة بين الدائنين ووقف الدعاوى الفردية" الذي هو من النظام العام الدولي. يجب إذا إبطال القرار الذي منح الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم.

   هذا في الواقع هو الحل ذاته الذي اعتمد في القضية الثانية التي صدر فيها قرار، عن محكمة التمييز هذه المرة، أيد رفض الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي صدر بالمخالفة لمبدأ وقف الدعاوى 2 الفردية (2286 .2020 .Com. 12 nov. 2020, n° 19-18.849, Bull. civ. I; D).

   القضية الثالثة كانت تتمحور حول مسألة مختلفة قليلاً: أقام مصف قضائي دعـوى بطـلان و/أو فسخ عقد امتياز (وتعويض) يتضمن شرطاً تحكيمياً أمام محكمة باريس التجارية التي قضت بأن الشرط غير قابل للتطبيق بشكل واضح على النزاع. قضت محكمة استئناف باريس، بناء على اعتراض، بأن المصفي كان يمارس أعمال المدين الذي كفت يده سنداً للعقد وبالتالي، بأن شـرط التحكيم لم يكن غير قابل للتطبيق بشكل واضح. ردت محكمة التمييز الطعن المقدم من المصفي – الذي كان يصر جداً وبشكل واضح على اختصاص المحكمة التجارية – على أساس أن النـزاع كان يتمحور في الأساس حول إبطال العقد بسبب الغش أو الخطأ، ومن بـاب الإحتيـاط، حـول فسخه إضراراً بصاحب الإمتياز فقط، وأن طلب التعويض كان نتيجة هذه الإدعاءات. كان يجب إذا تطبيق شرط التحكيم ( ,2020 Com. 26 févr. 2020, n° 18-21.810, D. actu. 4 mai  obs. J. Jourdan-Marques ; Gaz. Pal. 13 juill. 2020, p. 35, obs. D. Bensaude, et 13 oct. 2020, p. 68, obs. S. Farhi). مارس المصفي إذا حقوق وأعمال المدين الـذي ش كفت يده وذلك سندا لعقد الإمتياز (راجع قرار محكمة الإستئناف؛ °Paris, 26 juin 2018, n 17/11231, Gaz. Pal. 2018, n° 38, p. 28, obs. D. Bensaude ; L'Essentiel Droit .(de la distribution et de la concurrence 2018, n° 9, p. 3, obs. A.-C. Benoit

ب. إتفاق التحكيم:

  ضـمن سيان عدم الوجود وعدم إمكان الإثبات (Idem est non esse et non probari). الكـل يعرف هذه الحكمة التي تطبق أيضاً على اتفاق التحكيم: لا إثبات، لا شرط تحكيم. طرحت هـذه المسألة بمناسبة نزاع نشأ بين محامين. كان "اتفاق ممارسة مهنة المحاماة بصورة مجموعة من المحامين" المبرم بين محام مسجل في نقابة "فـال دو مـارن" (Val de Marne) وشركة محاماة مسجلة في نقابة باريس يتضمن شرطاً تحكيمياً يمنح الإختصاص، في حال نشوء نزاع، لنقيب محامي باريس. إلا أن هذا الإتفاق لم يوقع البتة من الطرفين، وهذا ما يميـز هـذه الدعوى. فتبعا لانسحاب المحامي من مكتب المحاماة الذي يمارس فيه المهنة بـصورة ولكن ضمن مجموعة من المحامين، وبسبب نزاع مالي في العام 2005، قدم كـل طـرف مـن الطرفين طلب تحكيم أمام نقيب المحامين للنقابة المسجل فيها. في العـام 2014، عـين رئـيس "المجلس الوطني لنقابات المحامين" نقيب محامين محكماً ثالثاً، هو نقيب محـامي "أو-دو-سـان" (Hauts-de-Seine). قضى هذا الأخير بأن الدعوى سقطت بالتقادم علـى أسـاس أن شـرط التحكيم، نظراً إلى أنه لم يكن موقعاً، لم يكن صحيحاً وأن رفع النزاع أمام نقيب محامي باريس لا يمكن أن يشبه بمطالبة قضائية لقطع التقادم بمفهوم المادة 2244 القديمة مـن القـانون المـدني. بالتالي، كان التقادم مكتسباً. بموجب قرار صادر بناء على قرار النقض بإحالة الـدعوى علـى محكمة أخرى للفصل فيها من جديد، إعتبرت محكمة استئناف "فرسـاي" (Versailles)، هـي أيضاً، أن طلب شركة المحاماة كان ساقطاً بالتقادم على أساس أن رفع النزاع أمام نقيب محـامي باريس لم يكن له أثر موقف للتقادم في غياب شـرط تحكيمـي مـوقـع ( Versailles, 25 mai 16/05613 °n ,2018). بالنسبة إلى القضاة في "فرساي"، المصادق على صحة استدلالهم القرار المعلق عليه هنا ( .Civ. 1re , 15 janv. 2020, n° 18-20.102, D. actu. 27 févr 2020, obs. J. Jourdan-Marques ; Gaz. Pal. 13 juill. 2020, p. 34, obs. D. Bensaude)، لم يتم إبرام أي إتفاق بين الطرفين ليحيلا نزاعهما أمام نقيـب محـامي بـاريس بصفته محكمة تحكيمية: ليس فقط لم يتم البتة توقيع "اتفاق ممارسة مهنة المحاماة بصورة مستقلة ضمن مجموعة من المحامين" المتضمن شرطاً تحكيمياً بل لم يتمسك أي منهما بهذا الشرط عندما رفع كل واحد منهما نزاعه أمام نقيب المحامين للنقابة المسجل فيها كما لم يتمسكا به في رسائلهما اللاحقة الموجهة إلى السلطات النقابية. إذا، إن رفع النزاع أمام نقيب محامي باريس كان مجـرداً من الأثر الموقف للتقادم وذلك لأنه لم يأت تنفيذاً لشرط التحكيم المنصوص عليه في العقد الـذي وحده كان بإمكانه أن يمنحه الإختصاص لبت النزاع.

   الحل قاس، لا سيما لأنه بت النزاع بالاستناد إلى قرار سابق كان قد أقر أن مبدأ إستقلالية شرط التحكيم سمح بإكمال الدليل الناقص لوجود إتفاق التحكيم بغية إثبـات الإلتـزام التعاقـدي باللجوء إلى التحكيم ( .Civ. 1, 14 mai 2014, n° 13-15.827, D. 2014. 2541, obs. T Clay ; RTD civ. 2014. 641, obs. H. Barbier ; RTD com. 2015. 63, obs. E. Loquin ; Rev. arb. 2014. 937, note D. Bureau ; Procédures 2014. 207, note L. Weiller ; JCP 2014. Doctr. 857, $ 1, obs. C. Seraglini ; Gaz. Pal. 21-22 # nov. 2014, p. 21, obs. D. Bensaude). طبعا، بموجب المادة 1443 من قانون المرافعات المدنية، يكون إتفاق التحكيم مكتوباً تحت طائلة اعتباره باطلاً وذلك في التحكيم الداخلي، ولكـن التوقيع لا يدخل ضمن مقتضيات هذه المادة، زد على ذلك أن تتمة المادة 1443 تثبت غياب هذا المقتضى المتمثل بتوقيع الطرفين. في الواقع، ينشأ إتفاق التحكيم إذا كان شرط التحكيم وارداً في مستند ملحق تتم الإحالة إليه في العقد ولكن أيضاً في مستند موقع من طرف واحد، مع الإشـارة إلى أن تبادل المستندات هو مثال على حالة من هذا القبيل. ما دام أنه من المسلم بـه أن "اتفـاق ممارسة مهنة المحاماة بصورة مستقلة ضمن مجموعة من المحامين" كان موضوع تنفيذ جزئـي، نجد صعوبة في فهم أن التوقيع أصبح أحد مقتضيات صحة شرط التحكيم. بفرض قبول منفصل لشرط التحكيم بموجب "إستقلاليته القانونية"، يطالب نقيب المحامين بشكل غيـر مباشـر بتوقيـع منفصل لهذا الشرط، وهذا مخالف للمقتضيات القانونية وحتى، بالضبط، لمبدأ الإستقلالية...

   في ما خص التقادم، لا يمكننا إتباع تعليل نقيب المحامين ومحكمة الإستئناف ومحكمة التمييز الذين يعتبرون، بالاختصار، أن رفع النزاع أمام محكمة تحكيمية "مجرد من الأثر الموقف للتقادم وذلك لأنه لم يأت تنفيذاً لشرط التحكيم المنصوص عليه في العقد الذي وحده كـان بإمكانـه أن يمنحه[ا] الإختصاص لبت النزاع." بموجب مبدأ الإختصاص بالإختصاص، يعود إلى المحكـم أن يحكم بصورة أولية في ما يتعلق باختصاصه وعند الإقتضاء، أن يقضي بعدم اختصاصه حتـى يتمكن الأطراف من رفع نزاعهم أمام المحاكم النظامية. حكم التحكيم هذا الـذي قـضى بعـدم الإختصاص المبني على شرط تحكيمي غير موجود أو باطل أو غير قابل للتطبيق هو في الواقع مطالبة قضائية بمعنى المادة 2241، الفقرة الأولى، من القانون المدني، مرفوعة أمـام "محكمـة غير مختصة" بمعنى الفقرة 2 من المادة ذاتها.

   في الواقع، إن السبب وراء هذا الحل من الممكن أن يكون غير ذلك، وهو أن شركة المحاماة التي رفعت نزاعها أمام نقيب محامي باريس لم تحتج البتة بشرط التحكيم الوارد في الإتفـاق لا عند رفع النزاع أمام النقيب ولا خلال إجراءات المرافعات اللاحقة (شأنها في ذلك شأن المحامي الذي رفع نزاعه أمام نقیب محامي "فال دو مارن" (Val de Marme)). هذا التصرف وحـده لا شك كان كافياً لإستنتاج التنازل المحتمل عن شرط التحكيم. من المؤسف أن ذلك لم يقـل بـشكل واضح أكثر.

    أحياناً، إن شرط التحكيم ذاته هو الذي لا يكون واضحاً. الأمر ينطبق هنا على شرط التحكيم الذي أحال إلى مركز تحكيم مكتوب بطريقة خطأ أو غير موجود. السؤال الذي يطـرح إذا هـو معرفة من هو المختص ليحكم أي مركز تحكيم هو الصحيح. أهو القاضي المـساند؟ أهـو أول مرکز تحكيم يرفع إليه النزاع؟ أهي هيئة التحكيم؟ هذه كانت المعضلة التـي واجهتهـا محكمـة إستئناف باريس في ما خص شرط تحكيم يشير فقط إلى "التحكيم: محكمة تحكيم باريس" ( ,Paris 25 févr. 2020, n° 17/18001, D. actu. 4 mai 2020, obs. J. Jourdan-Marques; Rev. arb. 2020. 207, note D. المدعي دعوى أمام محكمة التحكيم المنبثقة عن غرفة التجارة الدوليـة، بغيـة رد الـدفـع بعـدم الإختصاص، قضت محكمة الإستئناف، مستندة إلى المادة 1466 من قانون المرافعات المدنيـة، بأن "الطرف الذي شارك بفعالية في التحكيم يجب أن يعتبر أنه تنازل في وقت لاحق عن التمسك بالمخالفات التي امتنع، عن سابق دراية، عن إثارتها أمام المحكم". في الواقع، هذا الطـرف لـم يعترض البتة أمام المحكمين على اختصاصهم، بل أكثر من ذلك، إعترف، بنـاء علـى دعـوة المحكمين لإبداء رأيه حول هذه المسألة، بعدم اعتراضه على اختصاصهم. هذا الحل الإجرائـي الذي بني على حسن النية هو بالطبع الأفضل. في ما مضى، إعتمدت محكمة إستئناف بـاريس مقاربة أخرى واعتبرت، في ظل مثل هذه الظروف، أن غرفة التجارة الدولية هي المختصة لأنها مركز التحكيم الأكثر شهرة في باريس ( 7 ,V. en faveur d'une telle orientation: Paris Bureau; JDI 2020. 1315, note E. Gaillard). أقـام févr. 2002, RTD com. 2002. 659, obs. E. Loquin ; Rev. arb. 2002. 413, note P. Fouchard)، وهو ما لا يبدو أنه يشكل حجة قوية جدا.

   أحياناً ينشأ الغموض، ليس من شرط التحكيم ذاته، بل من عدم قابلية التوفيـق بينـه وبـين شروط أخرى واردة في عقود مختلفة عائدة للعملية ذاتها. هذه الحالة المتكررة تستمر في تغذيـة المنازعة القضائية كما تشهد عليه قرارات حديثـة صـادرة عـن محكمـة إسـتئناف بـاريس Paris, 30 oct. 2019, n° 18/27504, D. actu. 6 janv. 2020, obs. J. Jourdan-) 26 nov. 2019, n° 18/20873, D. actu. 6 janv. 2020, obs. J. Jourdan- Marques ; Marques) وعن محكمة التمييـز ( 6 .Civ. 1, 6 nov. 2019, n° 18-10.395, D. actu janv. 2020, obs. J. Jourdan-Marques). لكن الحل هو دائماً ذاته: ما إن يقع النزاع ضمن نطاق إتفاق التحكيم حتى تصبح هيئة التحكيم مختصة على الرغم من وجود شروط الإتفاق علـى قبول إختصاص محكمة معينة في عقود أخرى مبرمة بين الأطراف. تضيف هذه القرارات أنـه في حال كان من الممكن تطبيق الشروط المختلفة بطريقة توزيعية، لا يكون شرط التحكيم إذا غير قابل للتطبيق بشكل واضح ولا ينجم عن الإبرام المسبق للعديد من الشروط غير المتوافقة المتعلقة بالنزاعات التنازل عن شرط التحكيم.

   إلا أنه في قرار آخر، إختارت الغرفة المدنية الأولى موقفاً مخالفاً بوجود مجموعـة تعاقديـة تربط أطراف مختلفـة ( ,2020 .Civ. 1, 4 déc. 2019, n° 18-23.395, D. actu. 6 janv obs. J. Jourdan-Marques ; Rev. arb. 2020. 537, obs. P. Giraud; Gaz. Pal. 10 mars 2020, p. 30, obs. D. Bensaude). في هذه القضية، كان عقد تفرغ أول مبــرم بـين شركة متفرغة وشركة متفرغ لها يتضمن شرطاً تحكيمياً في حين كان عقد ثلاثي الأطراف مبـرم بين الشركتين المذكورتين آنفاً وطرف متفرغ له من الدرجة الثانية ينص على شرط الإتفاق علـى قبول إختصاص محكمة معينة. بالنسبة إلى محكمة التمييز، من اللحظة التي كان فيها النزاع يتعلق بالعلاقات بين الطرف المتفرغ والطرف المتفرغ له من الدرجة الثانية، أصبح شرط التحكيم المدرج في عقد التفرغ غير قابل للتطبيق بينهما بشكل واضح. هذه فقط المرة الخامسة عشرة التي تقـضي فيها محكمة التمييز بأن شرط التحكيم باطل بشكل واضح أو غير قابل للتطبيق بشكل واضـح. إلا أنه يبدو لنا أنه كان بإمكانها هنا الإمتناع عن زيادة هذا المجموع لأن وجود شـرطين متناقضين متعلقين بالإختصاص ضمن مجموعة تعاقدية مبرمة بين أطراف مختلفين لا يؤدي بطبيعة الحـال إلى عدم التطبيق الواضح لأي منهما على أساس أن أطراف النزاع ليسوا أطراف العقد الذي يـرد فيه شرط التحكيم، ما دام أن النزاع يتمحور حول العقد الذي يرد فيه شرط التحكيم، هـذا الـشرط ليس فقط يجب أن يطبق بل من الواضح أيضاً أنه بالطبع ليس غير قابل للتطبيق بوضوح.

   بالأخص أنه وفقاً لقرار صدر حديثاً عن محكمة التمييز، لم يكن شرط التحكيم المدرج فـ عقد إستشارات هندسية يربط بين شركتين، التي كانت المخالفات المزعومة المتعلقة بـه أسـاس الدعوى التي أقامتها شركات هي أطراف ثالثة بالنسبة إلى أطراف العقد، غيـر قابـل للتطبيـق عليهما بـشكل واضـح ( .Civ. 1, 24 juin 2020, n° 19-12.701, D. actu. 29 juill obs. J. Jourdan-Marques ,2020). إن التشكيلة ذاتها في محكمة التمييز عابت أيضاً علـى محكمة الإستئناف عدم بحثها عما إذا كانت دعوى المنافسة غير المشروعة التـي أقامهـا أحـد أطراف عقد بين مساهمين ضد أطراف ثالثين وأطراف في ̈ العقد غيـر متصلة بعـدم التنفيـذ المزعوم لموجب عدم المنافسة الموضوع على عاتقهم بموجب العقد بين المساهمين، مما كان من شأنه أن يستبعد الطابع الواضح لعدم قابلية تطبيق إتفاق التحكيم ( °Civ. 1re, 4 déc. 2019, n ، 18-26.809, D. actu. 6 janv. 2020, obs. J. Jourdan-Marques ; Gaz. Pal. 10 .(mars 2020, p. 35, obs. D. Bensaude; Procédures 2020. 64, note L. Weiller "يجب أن يكون من الممكن إستنتاج بطلان أو عدم قابلية تطبيق إتفاق التحكـيـم بـشكل بشكل واضـح ووحدهما من شأنهما أن يحولا دون أن يحكم المحكم بصورة أولية في ما يتعلق باختصاصه، من خلال نظر شامل موجز يقوم به القاضي النظامي، نظراً إلى استبعاد أي رقابة جوهرية ومعمقة". هذا ما قالته محكمة التمييز في قرار آخر كانت قد أصدرته قبل شهر محددة أن واقع أن يـدعي المؤمن له أنه يحل محل الضحية في حقوقها لا يجعل شرط التحكيم غير قابل للتطبيـق بـشكل واضـح ( .Civ. 1, 6 nov. 2019, n° 18-18.292, D. actu. 6 janv. 2020, obs. J Jourdan-Marques; JCP E 2020. 1171, note P. Casson; Procédures 2020. 65, note L. Weiller)، زد على ذلك أن قضاة الموضوع ذكروا بعد بضعة أيام في دعوى أخـرى أن "المؤمن الذي دفع تعويضاً للمؤمن له، بموجب البوليصة التي تربطه به، يحل قانوناً محله في كل حقوقه، نظراً إلى أن حق الدائنية ينتقل إليه مع كـل توابعـه أو شـروطه أو إسـتثناءاته أو تقييداته، لا سيما مع شرط التحكيم، والذي مذاك له أسباب وجيهة لأن يتمسك به والذي يفـرض عليـه ( .Paris, 26 actu. 6 janv. 2020, obs. J 18/20873, nov. 2019, n° D. Jourdan-Marques). هذا القرار مهم لأنه، إن كان يذكر بالمبدأ المستقر الخاص بامتداد شرط التحكيم الذي أقره القرار الشهير الصادر في قضية ABS بتاريخ 27 مارس 2007، فإنه يضيف إليه معيار المعرفة المقترضة بوجود شرط التحكيم هذا ونطاقه: "في قانون التحكيم الدولي، تمتـدّ آثار شرط التحكيم إلى الأطراف المشاركين بشكل مباشر في تنفيذ العقـد مـا دام أن وضـعهم ونشاطهم يجعلنا نفترض أنهم كانوا على علم بوجود هذا الشرط وبنطاقه". نذكر أن قرار ABS لم يطرح إلا معيار المشاركة دون أي إضافة أخرى. هناك إذا تطور مهم، إذا تم تثبيته، سيـضيف إلى معيار المشاركة معيار المعرفة. لمتابعة هذا التطور إذا.

   بالإضافة إلى ذلك، قضت محكمة التمييز، في قرار آخر حديث ( 2019 .Civ. 1°, 4 déc ، n° 18-23.176, D. actu. 6 janv. 2020, J. Jourdan-Marques; JCP E 2020. 1318, = note P. Casson; Gaz. Pal. 10 mars 2020, obs. D. Bensaude)، بأن شرط التحكـيم الوارد في عقد سمسرة مبرم في العام 2011 يطبق على المتعاقد الآخر الجديد في العـام 2013، لأنه "نظراً إلى أن العقد المبرم في العام 2013 كان مجرداً من كل جوهر لولا إحالته إلى مجموع نصوص العقد المبرم في العام 2011، كانت Priosma بالضرورة على علم بهذا الأخير الـذي وحده كان يحدد حقوق وإلتزامات الطرفين؛ وأن بإظهارها إذا قبول Priosma، عند إبرام العقد، بشرط التحكيم المدرج في العقد المبرم في العام 2011، تكون محكمة الإستئناف بررت قرارهـا وفقا للقانون."

    إن العلم بوجود شرط التحكيم والفهم الحقيقي لنطاقه هو بالضبط على المحك في حال إختلال التوازن بين الأطراف. قضية Subway كانت مثالاً جيداً على ذلك من خلال قـرارين جديــدين غير متوافقين.

   في القرار الأول، قدم مستفيد من الإمتياز طعناً ضد القرار الذي منح الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي صدر ضده على أساس أن شرط التحكيم حرمه، بسبب إعساره، من حق الحصول على محاكمة عادلة وأن شروطاً عديدة، من بينها شرط التحكيم، ساهمت باختلال التوازن بين حقـوق الأطراف وإلتزاماتهم. ردت محكمة الإستئناف طلبه مذكرة أولاً أن "وجود شرط تحكيم لا يحمـل في طياته الحرمان من اللجوء إلى القاضي وإلى محاكمة عادلة بمفهـوم المـادة 6، 5 1، مـن "الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان" ( 29 .Paris, 2 juin 2020, n° 17/18900, D. actu juill. 2020, obs. J. Jourdan-Marques; L'Essentiel Droit de la distribution et de la concurrence 2020, n° 10, p. 2, obs. O. Zakharova-Renaud). ثم، مثيرة مبدأ إستقلالية شرط التحكيم بالنسبة إلى العقد، إعتبرت المحكمة أن "الإختلال المهم في توازن العلاقة الإقتصادية الذي قد ينتج عن التوازن المالي لعقد الإمتياز لا تأثير له على صحته ولا يستبعد اللجوء إلى التحكيم، حتى لو افترضنا أنه مخالف للنظام العام الدولي وحتـى إذا اعتبـر وزيـر الإقتصاد (...) أنه يجب إبطال شرط التحكيم الذي ساهم باختلال التوازن هذا عملاً بالمـادة "ل. 6-442، L. 442-6, III) ،"II) من القانون التجاري". بذلك، أيدت المحكمة قراراً سابقاً صـ حول سلسلة المحلات ذاتهـا Paris, 11 sept. 2018, n° 16/19913, D. 2018. ) Subway 2448, obs. T. Clay; AJ contrat 2018. 491, obs. J. Jourdan-Marques ; RLDA 2019, n° 145, p. 35, obs. J. Clavel-Thoraval ; Gaz. Pal. 6 nov. 2018, p. 25, obs. D. Bensaude; CCC 2018. Comm. 192, note N. Mathey ; L'Essentiel Droit de la distribution et de la concurrence 2018, n° 10, p. 7, obs. M. Celaya)، كان سبق أن رفض السبب المبني على حق اللجوء إلى القاضي بسبب إعسار المستفيد من الإمتياز، غير المسند في الدعوى الحالية، والإختلال المهم المزعوم في التوازن الذي خلقـه عقد الإمتياز، فبقي دون أثر على شرط التحكيم المستقل بالنسبة إلى العقد المدرج فيه.

   ولكن، بالتوازي مع هذا القرار، أقام وزير الإقتصاد والمالية، بموجب الصلاحيات المخولـة له في المادة "ل. 442-6، L. 442-6, III) ،"III) من القانون التجاري، دعوى تدخل فيها العديد من المستفيدين من الإمتياز ومستفيدين سابقين من الإمتياز لإبطال شروط التحكيم الـواردة فـى عقود الإمتياز الخاصة بـ Subway. قبلت محكمة باريس التجارية هذه الدعوى في قرار مـن 48 صفحة يفصل كل نظام عقد الإمتياز هذا ويبطل شرط التحكيم ( .T. com. Paris, 13 oct 2017005123 °n ,2020). في الواقع، إعتبر قضاة المحكمة التجارية، من جهة، أنه لا يمكـن لتاجر فرنسي، "إلا في حالة إستثنائية نادرة جدا"، أن يقبل تلقائياً الخضوع للقـانون الهولنـدي أو لقانون دولة "ليختنشتاين"، "وهو بلد يجهل لغته، ناهيك عن قانونه"، ومن جهة أخرى، أن شـرط التحكيم "مستبعد من النطاق القانوني الذي يعمل ضمنه تجار المفرق فـي فرنسا" وأخيـراً، أن الإختلال في التوازن غير معوض عنه في بنود أخرى من العقد. باختصار: لا يجب على التاجر أن يختار قانوناً أجنبياً لعقده، فالتحكيم غير موضوع للتجار وشـرط التحكـيم بطبيعتـه مخـتـل التوازن. لا نعرف ماذا يجدر قوله أمام تعليل يجهل إلى هذا الحد القـانون ومزاولـة التحكـيم. الإدلاء الأول ينشأ من جهل العمليات الدولية التي يستتبعها عدم التمكن دوماً من فـرض طـرف لقانونه الوطني. الإدلاء الثاني ينسى أن شرط التحكيم، منذ القانون المـؤرخ فـي 31 ديسمبر 1925، أي منذ ما يقارب القرن، المدمج في قانون التجارة (المـادة ل. 721-3) (3-721 .L) إبتكر قبل كل شيء للعلاقات بين التجار. أما في ما يتعلق بالإدلاء الثالث، فإنه يتناقض مـع مـا قضت به محكمة الإستئناف في القرارين المذكورين أعلاه الصادرين في القضية ذاتها. سيكون إذا من المثير للإهتمام ترقب ما ستقضي به محكمة إستئناف باريس في حال تم الطعن في هـذا الحكم، وهو ما نأمله.

ج. هيئة التحكيم:

1- الإختصاص:

   من الممكن أيضاً التذرع بالإختلال في التوازن بين المتعاقدين في مرحلة إختصاص هيئـة التحكيم وذلك لأنه يخفي خطر غياب الرضا. إن السؤال الذي يطرح إذا هو معرفة ما إذا كـان الإختلال في التوازن يبرر إستبعاد مبدأ الإختصاص بالإختصاص المقدس. ولا يوجد حقل لتجربة إختلال التوازن أفضل من عقد الإستهلاك الذي من المفترض أن يكون مبرماً بين طرف محترف ومستهلك. إلا أنه يجب أحياناً التحقق مسبقاً مما إذا كان الأمر يتعلق فعلاً بمثل هذا العقد، وهـي ليست الحالة عندما أبرمت شركة مدنية عقارية، مع أنها تدير عقاراً واحداً فقـط، عقـد إيجـار تجاري يتضمن شرطاً تحكيمياً، بما أن الشركة المدنية العقارية كانت تتصرف بـصفة محترفـة، يكون شرط التحكيم قابلاً للإحتجاج به ضدها (المادة 2061، الفقرة 2، من القانون المـدني) وإذاً ليس متعذراً التطبيق بشكل واضح، كما تقول لنا محكمة إستئناف بـاريس ( .Paris, 27 oct 20/09005 °n ,2020). وينسحب ذلك أيضاً على شرط التحكيم المدرج في شـروط التـسليم العامة والمتمسك به ضد الشركة التابعة ومؤمن الطرف الموقع على العقد ( .Civ. 1°, 30 sept n° 19-15.728, D. actu. 19 oct. 2020, obs. J. Jourdan-Marques ,2020)، كما قالته محكمة التمييز قبل ذلك بشهر. إضافة إلى ذلك، نلاحظ، في هذا القرار، أن محكمة التمييز نقضت جزئياً قرار محكمة الإستئناف الذي عيّن محكمة التحكيم المنبثقة عن غرفـة التجـارة الدوليـة بالمخالفة للمادة 81 من قانون المرافعات المدنية في حين أنه كان يتوجب عليها أن تكتف بـأن تأمر الطرفين بإحالة نزاعهما إلى محكمة أكثر إختصاصاً. هذا النقض الجزئي جرى دون إحالـة كما تسمح به المادة "ل. 411-3" (3-411 .L) من قانون التنظيم القضائي.

   في اليوم ذاته، 30 سبتمبر 2020، صدر أحد أهم القرارات في الفترة المشمولة فـي هـذه الدراسة، حتى لو لم نصل إلى إعطائه الدور التاريخي الذي أعطاه إياه عدد من المعلقين الأوائل، قدر ما كان الحل مرجوا وينتظر الفرصة ليتم تأكيده. هنا أيضاً، يتعلق الأمر بعقد استهلاك، ولكن دولي هذه المرة. نعرف أن قرار Jaguar الشهير المؤرخ في 21 مايو 1997 كـان اعتـرف بصحة شرط التحكيم المدرج في عقد استهلاك دولي، وهو ما كان مبرراً في هذه الدعوى الفريدة جدا حيث لم يكن للمستهلك فيه غير إسمه. كما نعرف أيضاً أنه في العام 2004، طبقت محكمـة التمييز هذا الإجتهاد ذاته بشكل تلقائي في قضية Rado، الذي لم يكن مبرراً البتة بما أن الأمـر كان يتعلق بشخص مسن تم الإتصال به في منزله للترويج لسلعة وتم الإحتيال عليه، مما أظهـر عدم جدوى هذا الحل. كنا إذا ننتظر تغييراً شاملاً.

   هذا حصل للتو مع قرار تم تخصيص نشره للـ Bulletin سبق أن استرعي انتبـاه ألمـع الفقهـاء ( Civ. 1°, 30 sept. 2020, n° 18-19.241, Bull. civ. I; D. 2020. 1949, et re 2501, note D. Mouralis; AJ contrat 2020. 485, obs. D. Mainguy; JDI 2020. 1327, note E. Gaillard; JCP 2020. 1311, note M. de Fontmichel; Gaz. Pal. 2020, note S. Bollée, à paraître; LPA 2020, note S. Akhouad-Barriga, à paraître; D. actu. 19 oct. 2020, obs. J. Jourdan-Marques). نشأت هذه الدعوى عن مشاكل نجمت عن سوء إدارة أعمال تجارية عائلية وعن رفع دعوى من أحد أفراد العائلة ضـد مكتب المحاماة الإسباني PWC Landwell الذي كان يساعده في الدفاع عن مصالحه. تغيـرت وجهة النزاع ليصب على مكتب المحاماة وعلى عقد تقديم خدمات قانونية كان يتـضمن شـرطا تحكيميا يحيل إلى تحكيم مؤسسي برعاية "محكمة التحكيم المدنية والتجارية ( Corte civil y (mercantil de arbitraje (CIMA) في مدريد. بموجـب القـرار الـصـادر عـن قاضـي الإجراءات التمهيدية فـي "بونتـواز" (Pontoise) بتـاريخ 2 مـايو 2017، رد الـدفـع بعـدم الإختصاص لصالح المحكمة التحكيمية. أيدت محكمة الإستئناف هذا القرار فـي 15 فبرايـر 2018. تم تقديم طعن لا سيما للإعتراض على إعادة النظر في الأثر السلبي لمبدأ الإختصاص بالإختصاص من قضاة الموضوع الذين كان يتوجب عليهم أن يرفضوا إصدار قرار طالمـا أن المحكمة التحكيمية لم تصدر قرارها بعد، إلا إذا كان شرط التحكيم باطلاً بوضوح أو غير قابـل للتطبيق بشكل واضح وكانت المحكمة التحكيمية لم تشكل بعد. كما يشدد الطعـن علـى الطـابع التعسفي لشرط التحكيم الذي يحيل إلى تحكيم مؤسسي في مدريد، بمعنى التوجيه CEE/93/13. السؤال الأساسي يتمحور إذا حول تطبيق مبدأ الإختصاص بالإختصاص للبت في نزاع ناشئ عن عقد استهلاك دولي.

   استبعدت محكمة التمييز هذا المبدأ أنه أساسي. يمكننا رؤية تدمير لوحدة أحـد مبـادئ التحكيم الأساسية، ستكون نتيجته إضعاف التحكيم، في الحقيقة، الأمر ليس كذلك وهذا الحل يجب الموافقة عليه سواء من وجهة نظر قانون المجموعة الأوروبية أو من وجهة نظر قانون التحكيم. :

   بالنسبة إلى قانون المجموعة الأوروبية، يبدو من الطبيعي، في نزاع ما بين أطـراف المجموعة الأوروبية، أن يتمكن المستهلك الأوروبي من التمسك بالتشريع الخـاص بالـشروط التعسفية الناتج عن التوجيه CEE/93/13 الذي يفرض تلقائيا على القاضي الوطني وفقا لاجتهاد مستقر من إجتهادات المجموعـة الأوروبيـة ( .CJCE 26 oct. 2006, aff. C-168/05, D 2006. 2910, obs. V. Avena-Robardet, 3026, obs. T. Clay, et 2007. 2562, obs. S. Bollée; RTD civ. 2007. 113, obs. J. Mestre et B. Fages, et 633, obs. P. Théry; 4 juin 2009, aff. C-243/08, D. 2009. 2312, note G. Poissonnier, 2010. 169, obs. N. Fricero, et 790, obs. E. Poillot; Rev. prat. rec. 2020. 17, chron. A. Raynouard; RTD civ. 2009. 684, obs. P. Rémy-Corlay; RTD com. 2009. 794, obs. D. Legeais; 6 oct. 2009, aff. C-40/08, D. 2009. 2548, 2959, obs. T. Clay, et 2010. 790, obs. E. Poillot; RTD civ. 2009. 684, obs. P. Rémy-Corlay; RTD eur. 2010. 113, chron. L. Coutron, et 695, chron. C. Aubert de Vincelles; CJUE 17 mai 2018, aff. C-147/16, D. 2018. 1068, et 2019. 607, obs. E. Poillot; AJ contrat 2018. 333, obs. V. Legrand; 13 sept. 2018, aff. C-176/17, D. 2019. 607, obs. E. Poillot; 7 nov. 2019, aff. C- 2132 .2019 .D ,419/18). في الواقع، بعد أن بينت الطابع المتعلق بالنظام العام العائد للمادة 6 من التوجيه، فرضت محكمة التمييز على القاضي النظامي واجب النظر تلقائيا في هذه القاعدة التي لا يمكن حرمانها من الأثر بموجب نص إجرائي. في هذا الصدد، يجب على الدول الأعضاء أن تنص على وسائل ملائمة وفعالة بغية إيقاف إستخدام الشروط التعسفية، بأتبـاع نـصوص إجرائية معادلة على الأقل للنصوص الداخلية تجعل من الممكن ممارسة الحقوق الممنوحة بموجب قانون المجموعة الأوروبية. إلا أنه نظراً إلى أن المادة 1448 من قانون المرافعـات المدنيـة وضعت قاعدة بشأن الأولوية الممنوحة للمحكم، فإن استبعادها كان واجباً هنا سواء مـن وجهـة نظر مبدأ التكافؤ أو من وجهة نظر مبدأ الفاعلية لسببين. من جهة، إن رفع النزاع حصرياً أمـام "محكمة التحكيم المدنية والتجارية" في مدريد أقل مؤاتاة من الحل الداخلي حيـث عـدم إمكانيـة الإحتجاج بشرط التحكيم هي القاعدة (القانون المدني، المادة 2061، الفقرة 2) ويزيـل مفعـول المادة 1448 من قانون المرافعات المدنية. من جهة أخرى، إن عدم تحمل الطـرف المحتـرف تكاليف التحكيم والمسافة الجغرافية تجعل ممارسة الحقوق الممنوحة بموجب قـانون المجموعـة الأوروبية صعب أكثر. وعليه، بوجود مستهلك، يخضع النظر في إمكانية تطبيق شرط التحكـيم، مع الأخذ بالإعتبار كل عناصر الواقع والقانون الضرورية، لاختصاص القاضي النظامي الـذي يتوجب عليه إستبعاده في حال كان تعسفيا.

    بالنسبة إلى قانون التحكيم، يجب أيضاً أن تتم الموافقـة علـى الحـل. فهـو فـي الواقـع منطقي حيث أنه متوافق مع الحل الذي أخذت به الغرفة الإجتماعية لمحكمة التمييز، في ما خص عقد العمـل الـداخلي، فـي قـرار Deloitte الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 2011: مبـدأ الإختصاص بالإختصاص لا يطبق على الأجير. صحيح أنه سيبدو من غير الطبيعي أن يـضطر الطرف الضعيف أن يشارك في تحكيم للإدعاء بعدم وجود تحكيم، بالأخص إذا عرفنـا أن لديـه الوسائل القانونية لرفضه منذ البداية، سواء من خلال عدم إمكانية الإحتجاج بشرط التحكيم الوارد في عقد العمل الداخلي أو الدولي أو من خلال الطابع التعسفي لشرط التحكيم الوارد فـي عقـد الإستهلاك. إن اللجوء إلى التحكيم بالقوة لاستخلاص أنه لا يوجد ما يدعو لإقامة دعوى تحكيمية لا معنى له.

   هذا الحل يشكل في الحقيقة رأياً معاكساً لامتداد نطاق صحة التحكيم. فلا يمكننا في الوقـت نفسه أن نأمل، كما نحن نأمل، تطور التحكيم بشكل واسع وعدم الأخذ بالإعتبار خصائص بعض المجالات التي تجبر على تكييف القواعد لجعلها ملائمة ( M. de Fontmichel, Le faible et .(l'arbitrage, préf. T. Clay, Economica, 2013, spéc. n° 433 s. et n° 510 s.

   نشهد بذلك توافقا وإذا تجانسا مع النظام القانوني في ما خص الإعتراض على شرط التحكيم بوجود طرف ضعيف. هذه المواءمة وجدت تكريسا لها مع الصياغة الجديدة للمادة 2061 مـن القانون المدني، كما هي صادرة بموجب قانون "العدالة في القرن 21" المؤرخ فـي 18 نوفمبر 2016، التي تنص الفقرة 2 منها على أن شرط التحكيم صحيح ولكنه غير قابل للإحتجـاج بـه بمواجهة المستهلك. هذا النص، الذي لا يطبق إلا في التحكيم الداخلي، هو نفـسـه الـذي يطبـق بمواجهة الموظف، سواء في التحكيم الداخلي أو الدولي هذه المرة.

    في الختام، يبقى إجراء مواءمة أخيرة لأن نظام شرط التحكيم في عقد الإستهلاك لا يـزال غير واضح تماما بين المادة 2061، الفقرة 2، من القانون المدني، التـي تجعلـه غيـر قابـل للإحتجاج به بمواجهة المستهلك في التحكيم الداخلي، والمـادة "ر. 212-2، 10°" ( ,2-212 .R 10°) من قانون الإستهلاك، التي تجعل منه شرطاً تعسفياً بالقوة، ولكـن لـيـس تـعـسفياً بـشكل منهجي، قابلا للتطبيق في التحكيم الداخلي كما في التحكيم الـدولي، كقـانون آمـر، والتوجيـه CEE/93/13 بشأن الشروط التعسفية، الذي يمكن أن يعنيه، دون التمييز بين التحكـيم الـداخلي والدولي، نظراً إلى أن النظام القانوني لا يزال غير محدد بالكامل ويستحق أن يتم توضيحه فوراً.

2- الإستقلالية:

   إن أول قرار مهم جدا أصدرته الغرفة التجارية الدولية في محكمة إستئناف بـاريس كـان بمناسبة الإعتراض على استقلالية محكم وهو قرار Dommo. تحديداً، لم يكن قراراً واحداً بـل خمسة قرارات مطابقة صادرة في هذه الدعوى في اليوم ذاتـه ( °Paris, 25 févr. 2020, n 19/07575, D. actu. 27 avr. 2020, obs. C. Debourg, et 4 mai 2020, obs. J. Jourdan-Marques; JCP 2020. 551, note M. de Fontmichel; Procédures note L. Weiller ,2020.109). نعرف، منذ سنوات – ومهما كان رأينا -، أن الإجتهاد يعفي من الإفصاح عما هو معلوم لدى الجميع. ولكن لا يزال يتعين تحديد تعريف ما هو معلوم لـدى الجميع، لا سيما وأن ما هو معلوم لدى الجميع له حدوده: موجب الفضول من جهة الأطراف. إن التمييز بين ما يجب الإفصاح عنه وما هو معفى من الإفصاح يقع ضمن الجدلية بين ما هو معلوم لدى الجميع والفضول. باختصار، كل شيء يدور حول مفهوم ما هو معلوم لدى الجميع المتقلّب والمتغير هذا. يجب إذا الترحيب بقرار محكمة الإستئناف هذا الذي أعطى تعريفاً لهـ لهـذا الظـرف الذي يعفي من الإفصاح.

   في المقطع 45 من القرار، وبعبارة مصقولة، ذكرت محكمة الإستئناف ما يلـي: "وحـدها المعلومات العلنية التي يمكن الولوج إليها بسهولة، التي لا محال ألا يكون الأطراف قـد اطلـعـوا عليها قبل بداية التحكيم، من شأنها أن تميز علانية حالة قابلة لأن تعدل محتوى موجب الإفصاح الملقى على عاتق المحكم". طبعاً، لا يزال هناك بعض الإرتياب إذ أننا لا نزال لا نعرف ما هـي المعلومات "التي يمكن الولوج إليها بسهولة" وتلك التي لا يمكن الولوج إليها بسهولة، ولكن هـذا التعريف يشكل بالتأكيد تقدماً. كما أنه يقدم توضيحين مهمين. من جهة، إن علانية واقع ما تعفيـه من الإفصاح فقط قبل بدء الدعوى وليس خلال الدعوى. كان هناك ارتياباً حول هذه النقطة بعـد قراري Volkswagen و Tecnimont (هذا البانوراما، 2442 .D. 2019. 2435, spéc). من جهة أخرى، إن العلانية "من شأنها أن" تعدل محتوى موجب الإفصاح ولكـن لا تعفـي منـه بعبارات أخرى، وهو توجه لطالما دافعنا عنه، إن موجب الإفصاح يتمحور أيضاً حـول وقـائع معلومة لدى الجميع حتى لو، حيال هذه الوقائع، عندما لم يتم ذكرها، هناك نوع من التسامح، من التساهل، فرصة ثانية تقريبا.

   وتضيف محكمة الإستئناف أن الولوج، في هذه الدعوى، إلى المعلومات المنتقدة "لـم يكـن ممكناً إلا نتيجة تفحص معمق ومعاينة دقيقة لموقع الإنترنت الخاص بالمحكم تتطلب الولوج إلـى كل الروابط المتعلقة بالمؤتمرات التي شارك فيها ومعاينة محتوى المنشورات التي ساهم بكتابتها واحد تلو الآخر (...) فإجراءات التحقيق هذه (...) لا يمكنها أن تميز معلومات يمكن الولوج إليها بسهولة، بحيث أنه لم يكن ممكناً إعتبار أن المعلومات المتنازع فيها هي معلومة لـدى الجميـع كان وبالتالي أنه يتوجب على المحكم أن يفصح عنها منذ تصريحه الأول".

     في الموضوع، كانت المسألة تتمحور حول عدم الإفصاح عن الصلات القديمة والسابقة بين أحد المحكمين وليس طرف، بل مكتب المحاماة الذي ينتمي إليه أحد محامي الطرف الذي كـان أحد موكليه هم المساهمين في أحد الأطراف في النزاع. ردت محكمة الإستئناف الطعن بالإبطال على أساس أن "عدم الإفصاح من جهة المحكم لا يكفي لأن يشكل عدم إستقلالية أو عدم حيـاد. كما يجب أن يكون من شأن هذه العناصر أن تثير شكوكاً معقولة لدى الأطراف حول حياد المحكم واستقلاليته"، حيث أن النشاط غير المعلن لم يكن أساس أي "صلة مباشرة أو غير مباشرة، مادية أو فكرية، مع هؤلاء المساهمين أو الشركات التابعة لهم"، وأنه "لم يكن يوجد أي تيار من الأعمال بين المحكم وهؤلاء المساهمين" وفي حين أن هذا النشاط كان علاوة على ذلك قد "توقف قبل بدء التحكيم بسنتين ونصف السنة". ختاما: إن الصلة المتنازع فيها لم تكن معلومة لدى الجميع. لقـد كانت معلومة ولكن، في الحقيقة، كانت تافهة. لهذا السبب لم يكن من الضرورة الإفصاح عنهـا. كل ذلك من أجل هذا!

   أحد الأسباب الأخرى المثارة في الدعوى كان التأخر في الإعتراض على استقلالية المحكم. في ما خص هذه النقطة، إكتفت محكمة الإستئناف بالرد قائلة أن هذا السبب لم يعـد ذكـره فـي خلاصة ما ورد في اللائحة وإذا أنه لم يرفع أمامها إجرائياً بموجب المادة 954، الفقرة 3، مـن قانون المرافعات المدنية. الحل قاس ولكنه مطابق للنصوص. ثمة حاجة إذا للشمولية في خلاصة ما ورد في اللائحة دون نسيان تضمين أسباب عدم القبول.

  الجدير بالذكر أنه في اليوم ذاته، هذه الغرفة بالذات بنت تحديداً المسألة مبينة أنها لم تتنصل ن بتها نظراً إلى أنها كانت مطروحة عليهـا ( .Paris, 25 févr. 2020, n° 16/22740, D من actu. 4 mai 2020, obs. J. Jourdan-Marques; Rev. arb. 2020. 501, note L. Jaeger). مطبقة إجتهاد Tecnimont في تحكيم برعاية "منظمة تنسيق قـانون الأعمـال فـي أفريقيا" (OHADA)، ردت المحكمة عن حق هذه المرة الطعن بسبب التأخر على أساس أنه لا يمكن تعويض تقصير الأطراف الذين لم يمارسوا حقهم برد المحكم في المهل ووفقـاً للوسـائل المنصوص عليها في قواعد التحكيم التي اتفقوا على الخضوع إليها (في هذه الحالة قواعد تحكيم "محكمة العدل والتحكيم المشتركة"، المادة 2.4).

  في قرار آخر، صدر قبل هذا القرار بشهرين، تم أيضاً رد الطعن المبني على عدم إستقلالية المحكم. فقد أعاب الأطراف على المحكمين سلوكهم ومعنى حكم التحكيم الذي أصـدروه. ردت المحكمة الطعن على أساس أنه ينظر في الإستقلالية على ضوء وقائع "دقيقة ويمكن التحقق منها من شأنها أن تخلق شكوكاً معقولة حول هذا الحياد" وأن "محتوى تعليل حكم التحكـيم لا يخـضع لقاضي الرقابة على صحة حكم التحكيم" ( .Paris, 17 déc. 2019, n° 17/23073, D. actu 27 févr. 2020, obs. J. Jourdan-Marques, et 6 avr. 2020, obs. W. Brillat- Capello). إذا كان صحيحاً أنه يتوجب على المحكمين التصرف بطريقة تكون في مـأمن مـن الإنتقاد أو من إعطاء إنطباع بوجود تحيز، وفي هذا السياق نرحـب بمشروع قـانون قواعـد السلوك الخاص بــ "المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار" (الإكسيد) / لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) المتعلق بـالمحكمين ( ,Global Arbitration Review mai 2020, obs. C. Sanderson et T. Jones "1°)، فإنه صحيح أيضاً أنه يتوجـب قبـول إمكانية أن يكون حكم التحكيم غير مؤات لأحد الأطراف دون أن يكون المحكم الذي أصدره يفتقر إلى الإستقلالية. التحكيم عدالة. يمكننا أن نربح أو أن نخسر، وهذا ليس بالضرورة خطأ المحكم.

3- المهمة:

   إحدى الموجبات الأساسية للمحكم هي احترام وقت مهمته وبالتالي الجدول الزمني للتحكـيم المحدد من الأطراف كي يصدر حكم التحكيم خلال المهلـة المحـددة. إذا أراد أحـد الأطـراف الخروج عما هو محدد يجب أن يحصل على الموافقة الصريحة أو الضمنية للطرف الآخر، وهذا ما جرى في قضية فصلتها محكمة الإستئناف قضت فيها أنه حتى في حالة تمديد المهلة إن "مـا ورد في حكم التحكيم (...) يكون صحيحا حتى إثبات العكـس" °Paris, 19 nov. 2019, n) 17/20392, D. actu. 6 janv. 2020, obs. J. Jourdan-Marques, et 14 janv. 2020, obs. V. Chantebout; Gaz. Pal. 10 mars 2020, p. 36, obs. D. Bensaude). فـي قرار آخر، تذكر المحكمة أنه في حال عدم توافق الأطراف، لا يجوز للمحكم أن يمـدد المهلـة وبأنه صاحب القرار وحده بالنسبة لقبول أو عدم قبول شهادة الشهود المبرزة بعد المهلة المحددة، مسألة غالبا ما تطرح أثناء الممارسة العملية ( ,19/11695 °Paris, 29 sept. 2020, n وهي D. actu. 19 oct. 2020, obs. J. Jourdan-Marques). في هذه الحالة، في إطار إجراءات معجلة، بعد طلب رأي الجهة المدعية، رد المحكم طلب المدعى عليه لتقـديـم شـهادات الـشهود خارج الإطار الملحوظ بالجدول الزمني للتحكيم. رفض المدعي أن يتم قبول هذا الطلب بحجة أنه احترم الجدول الزمني لإبراز شهادات الشهود وأن إبراز المدعى عليه هذه الشهادات بشكل متأخر لن يسمح له بالجواب عليها وجاهيا في غياب تبادل آية مذكرات كتابية أخرى بـين الأطـراف. أكدت محكمة الإستئناف على تحليل المحكم مشيرة إلى أن المدعى عليه لم يقدم أي "تفسير حـول طلبه المتأخر ولا حول الظروف التي منعته من احترام الجدول الزمني ولم يشر إلى إسم شـاهد محدد من قبل". وعليه، بالنسبة للقضاة، إن قرار المحكم استرشد "بالتواريخ الإلزامية الواردة في الجدول الزمني والذي يخضع أيضا لشروط الإجراءات المعجلة والتي لم يكن من مجال للخروج عنها بما أن الأطراف منحوا بالتساوي نفس الوقت والفرصة لتقديم شهادات الشهود ضمن المهل المتفق عليها".

   قيد من القيود الأخرى التي تثقل كاهل مهمة المحكم هي احترام القانون الـذي طلـب منـه الأطراف تطبيقه. وتطرح المسألة وفق ما إذا اختار الأطراف قانون وطني أو مبادئ الأونيـدروا أو الإنصاف.

   في ما يتعلق بتطبيق قانون وطني، اعتبرت الغرفة التجارية الدولية التابعة لمحكمة استئناف باريس، في قرارها الأول من عمرها الحديث، أن عدم تفسير محكمة التحكيم القانون الأجنبـي لا أنها لم تطبقه مضيفة أيضا أن التطبيق الخاطئ لا يعطي الحق بالطعن بالإبطال ( 7 ,Paris يعني .(janv. 2020, n° 19/07260, D. actu. 27 févr. 2020, obs. J. Jourdan-Marques القرار في ما يتعلق بتطبيق مبادئ الأونيدروا، كان السؤال الذي طرح يكمن في معرفة ما إذا كان المحكمين الذين طبقوا هذه المبادئ حكموا بالقانون كما طلب منهم الأطـراف. تُجيـب محكمـة الإستئناف في قرار مهم ذكر سابقا (2020 .Paris, 25 févr، مذكور سابقاً). بشكل أدق، يذكر أنه عند عدم اختيار الأطراف القانون المطبق على أساس النزاع، يكون الخيار للمحكمـين وفق نظام تحكيم CCI (المادة 21 من النظام) ووفق المادة 1511 من قانون المرافعات المدنيـة. لا يمكن توجيه اللوم للمحكمين الذين طبقوا مبادئ الأونيدروا على أساس أنهم تجـاهلوا مهمتهم وحكموا بالإنصاف كون الأطراف لم يختاروا القانون الهندي خلافا لما تدعيه الشركة الهندية. إذا، المحكمون حكموا فعلاً بالقانون.

   بعد عدة أشهر، قضت محكمة استئناف باريس نفسها ولكن ليس نفس الغرفة بـأن محكمـة التحكيم التي يجب أن تقضي وفق القانون الفرنسي ولكن التي تستأنس أيضا بقانون أجنبي، فـي هذه الحالة الأميركية، أو حتى بطريقة أجنبية، طريقة جمع الأدلة عبر مجموعة قـرائن المسماة red flags، لتسليط الضوء على ممارسة متعلقة بالرشوة، تحكم أيضا بالقانون وحتـى بـالقـانون الفرنسي ( .Paris, 15 sept. 2020, n° 19/09058, D. actu. 19 oct. 2020, obs. J Jourdan-Marques، راجع في ما يلي)

   إن التقارب بين هاتين القضيتين يذكرنا بالتفسير الواسع لمفهوم القانون المطبق المطروح في القرار الشهير Valenciana في العام 1991. في تلك الفترة، كان السؤال يكمن في معرفة ما إذا كان المحكم الذي يجب أن يحكم بالقانون والذي طبق القانون التجـاري حكـم بالقـانون بـشكل صحيح. كان الأمر يتمحور حول معرفة ما إذا كان قانون التجارة هو جزء من القانون وأتـى الجواب بالإيجاب. اليوم، نضيف أن مبادئ الأونيدروا يمكن أن تكون الأساس للحكم التحكيمى الذي يجب أن يصدر بالقانون بما أنه لم يتم اختيار أي قانون وطني وأنه حتى لو كانت تلك هـي الحالة يحكم المحكم دائما مطبقا هذا القانون المختار من الأطراف حتى عندما يضيف عناصـر مستمدة من قوانين أجنبية. إذا نطاق القرار الصادر بالقانون يتسع بشكل ملحوظ.

  هل يبقى إذا من مكان للقرار الصادر وفقا لمبادئ الإنصاف؟ نعلم أن المـادة 1512 مـن قانون المرافعات المدنية تجيز للأطراف أن يوكلوا إلى محكمة التحكيم مهمة التحكــم بالـصلح. تكمن اللعبة إذا في مراقبة احترام هذه المهمة من المحكمين. في قرار حديث، قضت محكمـة الإستئناف بمنهجية إرشادية أن "شرط التحكيم بالصلح يشكل تنازلاً متفق عليه عن مفاعيل وعـن الإستفادة من قاعدة القانون إذ يخسر الأطراف امتیاز فرض التطبيـق الـصـارم لهـا، ويكـون للمحكمين بشكل نسبي سلطة تعديل أو تخفيف نتائج الشروط التعاقدية كون مبادئ الإنصاف أو مصلحة الأطراف تفرض ذلك" ( .Paris, 16 juin 18/09616, D. actu. 29 juill obs. J. Jourdan-Marques ,2020). برفضها مراقبة عدالة الحل المعطـى للنـزاع مـن المحكمين، ذهبت محكمة الإستئناف بعيدا من خلال التأكد أن المحكمين مارسوا سلطتهم الإعتدالية جيدا من خلال عدم الإكتفاء بمراجع شكلية لمبادئ الإنصاف في حكمهم. علاوة علـى ذلـك، إن مهمة التحكيم وفقا لمبادئ الإنصاف لا تعفي من احترام قواعد النظام العام المتعلقـة بالمـصلحة العامة كما هو مذكور فـي القـرار Oc Via المثـار آنفـا ( °Paris, 19 nov. 2019, n 2020, n° 17/20392، المذكور سابقا).

د. مركز التحكيم:

   الصورة الرمزية الجديدة للبحث عن المدانين تكمن في تطور دعوى المسؤولية المدنية ضدّ مركز التحكيم كما يتبين من مثل حديث. قرت شركة غير راضية عن حكم تحكيم صـادر عـن محكم فرد معين من مركز التحكيم بسبب عدم وجود اتفاق بين الأطراف رفع دعـوى مـسؤولية ضد مركز التحكيم بسبب الأخطاء المزعوم ارتكابها، وفقا لها، من المحكم. دون أية مفاجأة، ردت محكمة الإستئناف دعواها (18/19033 °Paris, 10 nov. 2020, n). بعد أن ذكروا أن CCI بصفتها مركزا تحكيميا أبرمت عقد تنظيم التحكيم مع الأطراف وأنها لا تمارس أي دور قـضـائي وأن مسؤوليتها لا يمكن أن تختلط مع مسؤولية المحكم الفرد وفقا للمادة 13 من نظامهـا، قـرر قضاة الأساس أن CCI لا يمكن أن تكون مسؤولة. في الواقع إن المادة 22 من نظام التحكيم التي تنص على أنه "في كل الأحوال، تلتزم محكمة التحكيم الإنصاف وعدم الانحياز في إدارتها لسير الإجراءات وتحرص على الاستماع بشكل واف لكل طرف" لا علاقة لها بمركز التحكيم ولكـن فقط بمحكمة التحكيم عند ممارسة مهمتها القضائية. أيضا، إن المخالفة المزعومـة لموجـب الإستقلال والحياد ولمبدأ الوجاهية، التي لا تخضع لمراقبة محكمة التحكيم، تخضع فـي الواقـع لمراقبة قاضي مراقبة صحة الحكم التحكيمي الذي لم يتم اللجوء إليه هنا، علاوة علـى ذلـك، لا تتواني محكمة الإستئناف عن تحديد أن الدعوى المقامة ضد CCI لم تكن تهدف في الواقـع إلا للحصول على إدارة هذه الأخيرة للتعويضات التي حكم على الشركة بـدفعها فـي الإجـراءات التحكيمية. لم يحالفها الحظ.

هـ. الإجراءات القضائية:

   كما نعلم، في مجال التحكيم، يمكن اللجوء للقاضي في حالة الضرورة. تنشأ حالة الضرورة سواء بسبب تدابير مؤقتة أو تحفظية وهنا يكون قاضي العجلـة صـاحب الإختصاص، أو لأن تشكيل محكمة التحكيم تسوده معوقات، وهنا يتم اللجوء إلى القاضـي المـساند. يمكـن أيـضا، بالعكس، أن يتم إبطاء الدعوى بسبب عوامل خارجية كما عانينا هذا العام مع جائحة كورونا.

1- قاضي الأمور المستعجلة:

   في قرارين صادرين على التوالي عن محكمة استئناف فرساي ومحكمة استئناف أكـس أن پروفانس، ذكر القضاة على نحو مفيد بالشروط المطلوبة للحصول على تدبير إجرائي أو تـدبير مؤقت أو تحفظي. بالنسبة للتدابير الإجرائية، وفقا للمادة 145 من قانون المرافعات المدنية يجب أن يقدم الطلب قبل أية دعوى دون اشتراط العجلة أما بالنسبة للتدابير المؤقتة أو التحفظية كما هو منصوص عليها في المادة 1449 من قانون المرافعات المدنية تكون الضرورة أساسية وتضاف إلى شرط ألا تكون محكمة التحكيم قد تشكلت بعد. وعليه، في القضية الأولى ( 16 ,Versailles ،(2020, obs. J. Jourdan-Marques janv. 2020, n° 19/04609, D. actu. 27 févr. قضت محكمة الإستئناف أنه إذا كانت محكمة التحكيم تركت مهلة التحكـيم تنقـضي إذا يـستعيد القضاء اختصاصه في أمور العجلة طبقـا للمـادة 1449 وفـي القـضية الثانيـة (-Aix-en 19/12813 °Provence, 5 nov. 2020, n)، اعتبرت محكمة الإستئناف أن العجلة لم تتوافر بمجرد وضع الشركة المستأنف عليها قيد التصفية القضائية. لم يكن بإمكان قاضي الدرجة الأولى أن يستند فقط إلى واقع الطابع غير المنازع فيه جديا للموجب ليمنح تدبيرا مؤقتا، كان يجب عليه أن يحدد توافر العجلة كشرط إلزامي طالما أن محكمة التحكيم لم تشكل.

2- القاضي المساند:

   في ما يتعلق بالقاضي المساند، خضعت المادة 1460 من قانون المرافعات المدنية إلى تغيير مهم. تم تعديل النص مؤخرا بسبب عباراته المبهمة. في الواقع، كان يتم سابقا اللجوء إلى القاضي المساند وفق صيغة Canada Dry أي دون استيفاء الشروط لذلك "كما هو الحال فـي مـسائل الأمور المستعجلة" وكان يصدر أمرا غير قابل للطعن. بسبب طابعها الهجين وغير الواضح، أدت الإجراءات الموجزة "في الشكل" إلى صعوبات في التنفيذ بقدر ما أتاحت الحصول على قرار في الأساس، على الرغم أنه في العجلة تعتمد فضلاً عن ذلك المرونة في الإجراءات. بهدف توضيح الإجراءات الموجودة، تدخل المشرع بموجب قانون رقم 2019-222 تاريخ 23 مـارس 2019 مع وضع موضع التنفيذ إجراءات معجلة في الأساس تسمح بالحصول سريعا علـى قـرار فـي الأساس ولفعل ذلك، سمح للحكومة اتخاذ التدابير الضرورية لتعجيل هذه الإجراءات. إن الأمـر التشريعي رقم 2019–738 تاريخ 17 يوليو 2019 المتخذ إعمالاً للمادة 28 من القانون رقـم 222-2019 تاريخ 23 مارس 2019 حول البرمجة 2018-2022 والإصلاح من أجل العدالـة والمرسوم رقم 2019-1419 تاريخ 20 ديسمبر 2019 المتعلق بالإجراءات المعجلة في الأساس أمام السلطات القضائية (المادة 5، فقرة 18، أ) شرعا إذا في هذا الاتجاه وتم إيجاد المادة 481-1 من قانون المرافعات المدنية، والتي بموجبها لا تكون الإجراءات المعجلة في الأساس مسموحة إلا في الحالات التي ينص عليها القانون أو النظام، وجعلت المادة 1460 من قانون المرافعات المدنية  مع هذه التسمية بما أن فقرتها الثانية تنص الآن على أن "القاضي يقرر وفق الإجـراءات المعجلة في الأساس" وتضيف فقرتها الثالثة "بموجب قرار غير قابل للطعن"، إلا عنـدمـا يقـرر القاضي عدم لزوم التعيين لأحد الأسباب المنصوص عنها في المادة 1455، وفي هـذه الحالـة يكون الحكم قابلا للإستئناف (قانون المرافعات المدنية، المادة 1460، فقرة 3).

   إن هذا التغيير في الإسم يترافق مع تعديلات في النظام القانوني. إذا، إن القرار الصادر لـم يعد أمرا تشريعيا ولكن حكما (نفس المرسوم، المادة 5، فقـرة 18، ب). تخـضع الإجـراءات المعجلة في الأساس المتعلقة بالقانون العام للمادة 481-1 من قانون المرافعات المدنية الناشئة عن نفس المرسوم تاريخ 20 ديسمبر 2019، الأمر الذي يترتب عليه تقــديم الطلـب عـن طـريـق استدعاء لحضور جلسة تعقد في اليوم والساعة المحددين لهذا الغرض وأن اللجوء إلى القاضـي يتم عبر الإيداع في القلم لصورة الإستدعاء قبل تـاريخ الجلـسة تحـت طائلـة الـبطلان وأن الإجراءات هي دائما شفهية وأنه في الجلسة تتم مراقبة احترام فترة الإشعار وأن إمكانية الإرجاء إلى جلسة جماعية في تاريخ محدد قائمة مع تطبيق نفس الإجراء وأخيرا أن الحكم يكون معجـل التنفيذ بقوة القانون (قانون المرافعات المدنية، المادة 514-1 إلي 514-6). من جهـة أخـرى، يمكن أن يكون القاضي المساند دائما، إذا ما أراد الأطراف ذلك فعلاً، رئيس المحكمة التجاريـة، الذي سيطبق إذا نفس الإجراءات الجديدة حتى لو كان قانون المرافعات المدنية لا يمنحه سـوى جزء من سلطات القاضي المساند.

  إذًا، منذ الأول من يناير 2020، أصبح "رئيس محكمة البداية الكبرى الذي ينظر في الدعوى بصفة مستعجلة ويصدر الأوامر" "رئيس المحكمة القضائية الذي يصدر الأحكام وفق الإجـراءات المعجلة في الأساس". فلنعترف أن وراء الحنين لهذه العبارات التي كبرنا معها والتي تعلمنـا أن نحب رغم عدم وضوحها، أن الصيغة الجديدة أفضل بكثير لتعريف النظام القانوني لهذا القاضي الذي اكتسب بشكل نهائي إسم "القاضي المساند" منذ 10 سنوات ومنذ المرسوم تاريخ 13 ينـاير 2011 .

3- الجائحة:

   أصيب العالم كله بجائحة كورونا وكذلك التحكيم. ومع ذلك، فإن التحكيم لم يبد طيعا إلى هذا الحد إلا في مواجهة هذه المحنة، من جهة، من خلال طابعه العالمي الخاص به في إدراك أزمـة عالمية؛ من جهة أخرى، لأن الوسائل الرقمية كانت معتمدة منذ وقت طويل في التحكيم الـدولي، مورس عن بعد دون مشكلة تعدد الثقافات، حتى لو لم يكن ذلك الحل هو الشافي ( R. Ziadé et C. Cavicchioli, L'impact du Covid-19 sur les contrats commerciaux, AJ contrat 2020. 176; B. Javaux et A.-M. Lacoste, Impacts du Covid-19 sur les 43 .contentieux et arbitrages commerciaux, RLDC 2020, n°181, p). نـشرت محكمة التجارة الدولية، التي سيحذو حذوها قريبا معظم مراكز التحكيم الكبرى في العالم، فـ أبريل 2020، مذكرة عملية حول تكييف إجراءات التحكيم مع الجائحة.

    لكن ما وراء هذه الأسئلة العملية، ظهرت تهديدات إجرائيـة خاصـة فـي مـا يتعلـق بالمهل التي يجب احترامها. غير أن الأمر التشريعي رقـم 2020-306 تـاريخ 25 مـارس 2020 حول تمديد المهل التي انقضت خلال فترة الطوارئ الصحية وحول تكييـف الإجـراءات خلال نفس الفترة كما والتعاميم الصادرة بتاريخ 26 مارس 2020 المتخذة إعمالا لهـذا الأمـر التشريعي، لم تأت على ذكر العدالة التحكيمية. هل ينطبق إذا هذا التكييف للمهل بحسب الواقـع على التحكيم؟

   للإجابة على ذلك، يجب دون أي شك التمييز بين المهل المعنية، أي قبـل وبعـد وخـلال التحكيم. قبل التحكيم، لحظت المادة 2 من الأمر التشريعي تـاريخ 25 مـارس 2020 المهـل المتعلقة بالدعاوى وتنص على تأجيل لمدة شهرين. بما أن التحكيم هو قضاء، يكون هذا التأجيـل للمهل برأينا مطبق على التحكيم الداخلي وحتى الدولي. بعد التحكيم، يـأتي دور طـرق الطعـن القضائية؛ إن إرجاء المهلة لشهرين يطبق إذا على كل قاض بما في ذلك الذي ينظر فـي حك تحكيمي. خلال التحكيم، الأمر أكثر تعقيدا بما أن الأمر التشريعي لم يأت على ذكر التحكيم. على الصعيد الدولي، في المبدأ، ما من مشكلة لأنه ما من مهلة مفروضة إلا إذا اشترط ذلك الأطراف. بالنسبة للتحكيم الداخلي، تنص المادة 1463 من قانون المرافعات المدنية على مدة ستة أشهر، ما لم يتم الخـروج عنهـا أو تمديدها ( V. D. Mainguy et D. Mouralis, L'arbitrage en  .(temps de pandémie, Le Monde du droit, 26 mai 2020

   هل يمكننا إذا التمسك بالقوة القاهرة في حال تجاوز المهلة سواء كانت تلك المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية المتعلقة بالتحكيم الداخلي أو المحددة من قبل الأطراف في التحكـيم الداخلي أو الدولي؟ يبدو الجواب سلبيا بما أن القوة القاهرة تلعب دورها بالنسبة للعقـود ولـيس بالنسبة للإجراءات. أيضا، في حال رفض أحد الأطراف الموافقة على التمديد، يمكـن للمحكـم بالتأكيد ترتيب الجدول الزمني ولكن لا يمكنه مد أجله. يمكن للمحكم بل يجب عليه اللجوء إلـى القاضي المساند وطلب التمديد تحت طائلة إعمال مسؤوليته المدنية التعاقدية. تكمن المشكلة فـ أنه نظرا لتباطؤ الإجراءات خلال الجائحة، يمكن للقاضي المساند أن يفصل بنفسه بعد انقـضاء المهلة. إذا، يمكن أن يكون المحكم ضحية جانبية غير متوقعة ومتأخرة للجائحة.

و. حكم التحكيم:

1- الشكل:

    ما هو حكم التحكيم؟ السؤال هو دائما سؤال دقيق. لهذا السبب يمكننا أيضا الإجابة بـالنفي: ليس حكما، يقول لنا القاضي المشرف على حسن سير الدعوى الذي يستبعد الطعـن بالإبطـال المستند الذي يبطل حكما قائما على اتفاق الأطراف، "حتى بعد البحث وجاهيا في ما تقـدم وفـي أساسه"، لأنه "لم يضع على وجه التحديد حدا للمحاكمة، لكن على العكس سمح بإجراء محاكمـة جديدة في النـزاع دون الحكـم مـسبقا علـى نتائجـه" ( °Paris, ord., 30 juin 2020, n D. actu. 29 juill. 2020, obs. J. Jourdan- Marques ,19/12440). "يمكـن فقـط أن تكون موضوع طعن بالإبطال القرارات التحكيمية الحقيقية الصادرة عن المحكمين الذين يفصلون بشكل نهائي النزاع المطروح أمامهم بكل أوجهه أو بجزء منـه سـواء فـي الأسـاس أو فـي الإختصاص أو في سبب متعلق بالإجراءات التي تؤدي إلى إنهاء الإجراءات"، بالنسبة للأحكـام الأخرى، طبقا للإجتهاد في قضيه Sardisud لعام 1994، لا يوجد طعن فوري ممكن.

   ما هو كلاسيكي أيضا الحل المتعلق بتعليل قرارات التحكيم الصادرة عن محكمة استئناف بـاريس ( .Paris, 3 n° 19/07261, D. 2020. 1970, obs. S. Bollée; D 2020, juin actu. 29 juill. 2020, obs. J. Jourdan-Marques; Gaz. Pal. 13 juill. 2020, p. 32, obs. D. Bensaude). بعد أن ذكرت بأنه لا يدخل ضمن مهمة القاضي الناظر بـصحة حكـم التحكيم مراقبة محتوى تعليل حكم التحكيم ولا طابعه المقنع ولكن فقط وجوده، قضت محكمـة الإستئناف أن المحكمين غير ملزمين بتبني حجج الأطراف بتفاصيلها بحيـث أن المحكمـيـن لـم يتجاهلوا مهمتهم بعدم البت في مسائل العقوبات الدولية وعلى تأثيرها على تنفيذ العقد إذ اعتبروا "ضمنا ولكن بشكل حتمي أن هذه الحجة لم تكن ذات صلة بالموضوع ولا ضرورية لحل النزاع".

2- الطعن:

   لا نرى ذلك بشكل متكرر لكي يتم تسليط الضوء على الموضوع: طرق الطعن بالإبطال تم تعديلها بموجب المرسوم رقم 2019-1333 تاريخ 11 ديسمبر 2019 المتعلق بتعديل الإجراءات المدنية. بالطبع، إن الأمر لا يلاحظ من الوهلة الأولى ويجب البحث في نصوص القانون العـام لفهم تأثيرها على قانون التحكيم. في الواقع، تم تعديل دور القاضي المشرف على حـسـن ســير الدعوى بموجب هذا المرسوم في المادة 789 الفقرة 6 من قانون المرافعات المدنية التي أصبحت تعطيه الإختصاص لفصل الدفوع بعدم القبول. غير أننا نعرف أن هذه المادة تطبق في إجراءات الإستئناف بما أن المادة 907 من قانون المرافعات المدنية تحيل إلى المواد 780 إلى 807 مـن نفس القانون وبالتالي، إلى المادة 789. وعليه، بالنسبة للدعاوى المرفوعة منذ الأول من ينـاير 2020 (طبقا لنص الإعفاء الوارد في المادة 55، II، من المرسوم تأريخ 11 ديسمبر 2019)، يكون القاضي المشرف على حسن سير الدعوى مختصا لفصل مسألة قبول الطعن، كما رأينا في المثل (المذكور سابقاً ,19/12440 °Paris, ord., 30 juin 2020, n)، في حين أن المحكمـة بأعضائها تبقى مختصة لفصل صحتها.

   هذا التوزيع الجديد للإختصاصات الذي صنفه البوفسور Jourdan-Marques بـ "الصراع الطعن بالإبطال" (2020 D. actu. 4 mai)، لم يلحظه بشكل ظاهر مشرعو المرسوم. عـدا عن أن هذا التوزيع ينقل الكثير من صلاحيات المحكمة بكامل أعضائها إلى القاضـي المـشرف على حسن سير الدعوى، إن الحدود ليست واضحة بين دفوع عـدم القبـول والـسبب المتعلـق بالأساس. بشكل خاص، فيما يتعلق بإجراءات الإبطال، لا يوجد على وجه التحديد أي سبب يتعلق بالأساس بالمعنى الكلاسيكي. إنه سبب يتعلق بالأساس لقانون التحكيم يندرج ضمن حالات الطعن بالإبطال. علاوة على ذلك، في كثير من الأحيان، لا يمكن النظر في دفع عدم القبول دون البحث أولا في أساس الطعن. هذا هو الحال، على سبيل المثال، في مسائل الإستوبل أو التنـازل عـن التمسك ببطلان الإجراءات، والتي تشكل مع ذلك أسبابا يزداد التذرع بها أكثر فأكثر. يجـب إذا طلب الإحالة. باختصار، الحل غير واضح وسيحتاج إلى توضيح في الممارسة، خاصـة أمـام الغرفتين المختصتين لدى محكمة استئناف باريس.

   بالنسبة للدفع بعدم القبول، ذكرت محكمة النقض عن حق في قرار مهم تم التعليـق عليـه كثيرا، بأن شرط التحكيم يجب أن يثار كدفع إجرائي وليس كدفع بعدم القبول ويجب إذا أن يثـار فـي البـدء (;1113 .2020 .Civ. 1re, 13 civ. I; D Bull. n° 18-25.966, mai 2020, D. actu. 12 juin 2020, obs. G. Sansone, et 29 juill. 2020, obs. J. Jourdan- Marques; LPA 2020, n° 196, p. 19, note S. Akhouad-Barriga; Gaz. Pal. 23 juin 2020, p. 35, obs. C. Berlaud, 13 juill. 2020, p. 29, obs. D. Bensaude, et 21 juill. 2020, p. 65, obs. S. Amrani-Mekki; LEDC 2020, n° 7, p. 3, obs. G. Guerlin; Procédures 2020. 147, obs. L. Weiller; RDC 2020. 79, obs. X. Boucobza et Y.-M. Serinet; JCP E 2020. 1459, note P. Casson). يتعلق الأمـر هنا بحل جيد يسمح بفرض حدود بتشبيه شرط التحكيم بشرط التوفيق وأيضا بطريقة ما لوجـود نظام موحد لكل البنود المتعلقة بالنزاعات. الفرق الأساسي هو في الواقع أن شرط التوفيق يـدمج في الإجراءات القضائية في حين أن شرط التحكيم يستثني الإجراءات القضائية. لهذا السبب إذا لم نتمسك به في البداية نكون قد تنازلنا عنه بشكل نهائي.

   ليس من السهل دائما تحديد التنازل. بسبب التسرع في اعتبار وجود تنازل عن التذرع بعدم تشكيل محكمة التحكيم على نحو صحيح، فإن قرار محكمة الإستئناف الذي منح الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي صادر في الهند يخضع للنقض ( ,22.019-18 °Civ. 1re, 4 mars 2020, n Bull. civ. I; D. 2020. 608; RTD civ. 2020. 617, obs. H. Barbier; D. actu. 4 mai 2020, obs. J.-J. Marques, et 3 juill. 2020, obs. L. Jandard; JCP E 2020. Actu. 195, et 1390, note P. Casson; Procédures 2020. 108, note L. Weiller; Gaz. Pal. 7 avr. 2020, p. 40, obs. C. Berlaud, et 13 juill. 2020, p. 30, obs. D. Bensaude). في الوقائع، لم تتنازل أبدا الجهة الطاعنة وادعت دوما أن التحكيم هو تحكيم حـر دون تدخل الـ CCI في تشكيل المحكمة، فشرط التحكيم ينص على إجراء التحكيم غالبـا وفقـا لقواعد الـ ICC أو الأونسيترال. إن واقع تذرع هذه الجهة أمام محكمة التحكيم بالطابع المعيوب لشرط التحكيم ينطوي حكما على منازعة في صحة تشكيل محكمة تحكيم الــــ CCI، حيـث أن الخيار البديل الذي يطرحه شرط التحكيم المتنازع عليه ينطوي على تحكيم حر ويستثني التحك المؤسساتي.

   بالنسبة للطعون ضد أحكام التحكيم، نذكر أيضا هذا الحكم الصادر في أواخر العـام 2019 Paris, 22 oct. 2019, n° 19/04575, D. actu. 6 janv. 2020, obs. J. Jourdan-) على Marques) الذي سمح بتنظيم الطعن بالإبطال الذي قدم بشكل غير صحيح استئنافي". تكمن الصعوبة في أن علامة التبويب الحاسوبية التي اختارها المودع أشـارت إلـى "إستحضار إستئنافي" وليس إلى "طعون أخرى بناء على طلـب الأطـراف". اعتبـرت محكمـة الإستئناف أن هذه الواقعة وحدها "لا يمكن أن يكون الرد عليها عدم قبول الدعوى دون المـس بشكل متفاوت بحق الطعن". إن الطعن بالإبطال يكون إذا مقبولاً على الرغم من الخطأ في اختيار الخانة على منصة RPVA الشبكة الإفتراضية الخاصة بالمحامين، الأمر الذي يشكل تغير اتجاه أنه "استحضار oct. 2014, n° 13/16871, D. 2014. 2541, obs حل عام 2014 بشكل جيد ( .Paris, 28 T. Clay) كما وحل عام 2018 (15/24612 °Paris, 30 janv. 2018, n ويؤكـد قـرارا ســـابقا ( Paris, 8 oct. 2019, n° 19/02239, D. 2019. 2435, obs. T. Clay ; JCP 2019. 1349, obs. J. Ortscheidt; Gaz. Pal. 19 nov. 2019, p. 25, obs. D. .(Bensaude

3- الرقابة:

   إن الرقابة على أحكام التحكيم من قبل قضاة محاكم الدولة يتأرجح دائمـا بـين الإعتـراف باستقلالية التحكيم الدولي وبين الرغبة في التأكد من أنه لن يكون ملاذا لممارسات تتعارض مـع المفهوم الفرنسي للنظام العام الدولي كما تم تعريفه من جديد في القرار الأول الصادر عن غرفة التجارة الدولية: "يفهم من النظام العام الدولي بحسب النظام القانوني الفرنسي، القيم والمبادئ التي لا يمكن له تجاهلها حتى في سياق دولي" (مذكور سابقا ,2020 .Paris, 7 janv)

   غير أنه منذ عدة سنوات، نلاحظ تحولاً لأن المشكلة تطرح أكثر فأكثر بالنسبة لمخالفـات جزائية وأقل بالنسبة للنظام العام الاقتصادي البحت. تسيطر الآن بشكل خاص ادعاءات الرشـوة على مسألة مراقبة مخالفة النظام العام الدولي، الأمر الذي يترتب عليه استبعاد النقاش حول نطاق المراقبة، لأنه في المسائل المتعلقة بالجرائم الجزائية، لا يمكن إلا أن تعمق هذه المراقبة. صدرت أيضا أربع قرارات حول الموضوع.

   في الأول، في القضية المعروفة جدا Gulf Leaders لجأ المساهم الأكبر في شـركة إلـى محكمة تحكيم طالبا تحرير الأسهم المرهونة متذرعا بوجود عقد تشوبه الرشوة. كـون محكمـة التحكيم لم تقبل بالرشوة، تم الطعن به على أساس المادة 1520، الفقرة 5 من قانون المرافعـات المدنية. بعد أن ذكر القضاة الباريسيين بأن المحكمة يجب "أن تبحث في القانون وفي الواقع كافة العناصر التي تسمح بفصل عدم مشروعية الإتفاقية المدعى بها و(...) تقدير ما إذا كان الإعتراف أو تنفيذ حكم التحكيم يخالف بشكل ظاهر وفعلي وملموس النظام العام الدولي" وأنه طبقا لإجتهاد Belokon لعام 2017 "لا يرتبط قاضي الإبطال في بحثه هذا باستنتاجات محكمة التحكـيم"، ردّ القضاة الطعن بالإبطال على أساس أن العناصر التي تميز الرشوة المزعومـة غيـر مـتـوافرة Paris, 30 juin 2020, n° 17/22515, D. 2020. 1970, obs. S. Bollée; D. actu. ) juill. 2020, obs. J. Jourdan-Marques 29). ما هي هذه العناصر؟ تجدر الإشارة إلى أن محكمة الإستئناف عرفت الرشوة بأنها الممارسة التي "تفترض أن يمنح، بشكل مباشـر أو غيـر مباشر، هبة أو وعد بمصلحة لشخص يمارس، في إطار نشاط مهني أو اجتماعي، وظيفة إدارية أو عمل لصالح شخص طبيعي أو اعتباري، بهدف القيام بعمل أو الإمتناع عن القيام بعمل يدخل ضمن نشاطه أو وظيفته، أو عمل مسهل عبر نشاطه أو وظيفته، بمخالفة لإلتزاماته التعاقديـة أو المهنية".

   هذا التعريف لا يتطابق تماما مع التعريف المعطى في قضية Paris, 28 mai ) Alstom 2019, n° 16/11182, D. 2019. 1956, obs. S. Bollée, et 2435, obs. T. Clay; RTD com. 2020. 283, obs. E. Loquin; D. actu. 7 juin 2019, obs. J. Jourdan- Marques; Rev. arb. 2019. 850, note E. Gaillard; Gaz. Pal. 2019, n° 24, p. 22, obs. D. Bensaude)، إذ حسب التعريف الأخير "تتمثل رشوة الموظـف العمـومي الأجنبـي في تقديم مصلحة غير مستحقة لهذا الأخير، بشكل مباشر أو غير مباشر، لنفسه أو لشخص آخـر أو لكيان، للقيام أو الإمتناع عن القيام بعمل ما أثناء ممارسة مهامه الرسمية، بهدف الحـصول أو الاحتفاظ بعقد عمومي أو مصلحة أخرى غير مصلحة أخرى غير مستحقة في ما يتعلق بأنشطة التجارة الدولية". يبدو هذا التعريف تعريفا أوسع وأضيق في نفس الوقت. فهو أوسع من حيث مجال التطبيق وأضـيق من حيث طرق الإثبات. في الواقع، خلافا لقرار Alstom، لا يكتفي القرار المعلق عليـه بأدلـة محتملة "ذات طابع جاد ودقيق ومتوافق بدرجة كافية" للتحقق مما إذا كان قد تم الحـصول علـى العقد عن طريق الرشوة، ولكنه يشترط أيضا ذكر مدى جسامة الرشوة. يمكـن أن يكـون هـذا الشرط مبررا في هذه الحالة، لأن الأمر يتعلق بعقد من عقود القانون الخاص وليس كالعـادة برشوة موظفين عموميين أجانب. إن التنديد بذلك هو الآن موضع إجماع على الصعيد العـالمي، في حين أنه لا يلقى بعد نفس المستوى من الرفض. ،

   يأتي دور القضية الثانية على وجه التحديد في ما يتعلق بموضوع إثبات الرشوة التي أثرناها في ما سبق أعلاه في موضوع آخـر يتعلـق بأحـد التحكيمـات الـشهيرة Airbus (مذكور سابقا,19/09058 °Paris, 15 sept. 2020, n). بغية بيع طائراتها الهيلوكوبتر في الـصين، لجأت Airbus إلى وسيط صيني. بعد رفض البائع تسديد أتعاب الوسيط لجأ هذا الأخيـر إلـى محكمة تحكيم. استنتجت محكمة التحكيم التي طبقت التقنية المعروفة الآن بـ red flags طريقة الأدلة عبر مجموعة قرائن، وجود عقد رشوة ورفضت تنفيذ العقود المبرمة بين المـشغل جمع والوسيط. بشكل أدق، ذكرت محكمة التحكيم سبعة مؤشرات تشكل وفقا لها "وسيلة من القـرائن الجادة والدقيقة والمتناسقة". معيبا استعمال هذه الطريقة، طعن الوسيط بالحكم التحكيمـي أساس أن هذه المقاربة غير موجودة في القانون الفرنسي الذي كان مطبقا. ردت المحكمة معتبرة أن الإستلهام من قانون آخر لا يعني عدم تطبيق القانون الفرنسي وصدقت حكم التحكيم أيضا عبر إعمال طريقة جمع الأدلة عبر مجموعة قرائن red flags

   العكس تماما حصل في القضية الثالثة التي نتج عنها قرارين مهمين في اليوم نفسه ( ,Paris 17 nov. 2020, n° 18/07347 et n° 18/02568, Global Arbitration Review, 18 صريح، جمع nov. 2020, obs. C. Sanderson). في هذه الحالة، حيث لم تكشف هيئة التحكيم، المؤلفة من ثلاثة محكمين متمرسين جيدا، أية رشوة، أبطلت محكمة الاستئناف حكمي التحكيم لهذا السبب. عند إجراء تحليل معمق لوقائع القضية، "بحثت المحكمة، كما تدعي هي نفسها، في جميع الوقائع المقدمة إليها، عن الأدلة التي من شأنها أن تميز عدم شرعية العقد ". إذا، من خلال تطبيق طريقة red flags بشكل ܪܟܠܦ طريقة عبر مجموعة قرائن، بحث القضاة أولا الـدلائل المأخوذة من الوضع السياسي الفوضوي في ليبيا ثم تلك الناتجة عن العقد نفسه وكان شكهم فـي محله، لإستنتاج أن هناك "مجموعة من المؤشرات الجادة والدقيقة والمتناسقة بما فيه الكفاية بـأنّ العقد كان غطاء لعلاقات أساسية (...) تسمح للمدعي بالحصول على منافع من العقد الـذي تـم الحصول عليه بشكل غير قانوني". إذا كان هذا الحل يستحق المصادقة عليه، إلا أنه يترك المجال مفتوحا لسؤالين. من جهة، حصلت دولة ليبيا هنا على إبطال حكم تحكيمي صـادر فـي غيـر مصلحتها بسبب أعمال رشوة مسؤولة عنها، بطريقة ما، بعد أن كان العقد مشوبا بالرشوة، عبـر أحد عملائها، حصلت ليبيا على إبطال العقد الناتج عن هذه الرشوة، مما سمح لها بالفوز في كـل مرة. لكن صحيح أن الإطار الجيوسياسي الخاص وتغير الأنظمة ممكن أن يفسر ذلك. من جهـة أخرى، إن ما تقدم يفسر دون شك ذلك، إذ إن الرشوة لم تثر أمام محكمة التحكيم التي لم تفـصل الموضوع. لكن كما تقول المحكمة عن حق، "إن احترام المفهوم الفرنسي للنظام العـام الـدولي يعني أن يكون القاضي المكلف بالمراقبة قادر على تقدير السبب المبني على مخالفة النظام العـام الدولي في حين أنه لم يثر أمام محكمة التحكيم". يا له من تغيير بالنسبة للقرار Thales! لم نعـد اقب ما حكم به القضاة ولكن حكم التحكيم ويمكن أن يثار شيء جديد في الطعن بالإبطال كون هناك خطر مخالفة النظام العام الدولي.

   هذا هو أيضا نفس الإتجاه الذي تتبعه محكمة الإستئناف في موضوع مراقبة الغش. ذكـرد بذلك في قرار حديث مضيفة أنه "إذا كان الغش في الإجراءات يمكن في الواقع أن يعاقب عليـه بالنظر إلى النظام العام الدولي، فهو يفترض بشكل خاص أن تكون قـدمت مـستندات مـزورة وشهادات كاذبة أو أن تكون مستندات مهمة بالنسبة لحل النزاع أخفيت عـن المحكمـين بطـرق التدليس بحيث أن القرار المتخذ منهم كان مفاجئـا" ( 19/09729 °Paris, 30 juin 2020, n D. actu. 29 juill. 2020, obs. J. Jourdan-Marques). غير أنه في القضية الحاضـرة جرت مناقشة وجاهية حول الطابع المزور لهذه المستندات خلال المحاكمة التحكيمية، بحيـث أن "قرار محكمة التحكيم لم يشبه التدليس لكنها انطلقت من تقييم لدقة ولنطاق المـستندات المقدمـة إليها، وهو تقييم لا يعود للمحكمة أن تعيد النظر به". اتخذ نفس الحل في قرار آخر أيضا في مـا يتعلق بموضوع ادعاء وجود مستندات مزورة وشهادات كاذبـة ( °Paris, 26 nov. 2019, n 17/17127). وهو أيضا نفس الحل الذي اعتمده القرار الجديد Tecnimont، القـرار الـسابع الذي ردّ الإدعاء بوجود غش في الإجراءات، الأمر الذي كانت محكمة التحكيم استبعدته، إذ رأت المحكمة أن ذلك يشكل مراجعة في الأساس لحكم التحكيم، الأمر غيـر الممكـن ( Paris, ler 17/22735 °déc. 2020, n). ما من شك أن هذا القرار لن يكـون موضـع تعليـق كثيـف كالقرارات الستة التي سبقته...

   أخيرا، دائماً في ما يتعلق بمراقبة حكم التحكيم، يجب أن يثار موضوع خاص وأكثر نـدرة: الحظر embargo. بالطبع، قضى حكم استئنافي تمت الإشارة إليه في هذه الدراسة ( 16 ,Paris janv. 2018, n° 16/05996, D. 2018. 2448, obs. T. Clay)، بأن الطعـن ضـد حـكـم التحكيم الذي قضى بعدم قبول طلبات وزير العدل العراقي المشمولة بالحظر هو أيضا مردود لأن الطلبات كانت مشمولة بنطاق تطبيق تدابير الحظر وأعطي الأطـراف فرصـة مناقــشـة مــدى العقوبات التي تبناها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (واللائحـة التنفيذيـة الأوروبية CCE 3541/92). استنتجت محكمة الإستئناف أن حكم التحكيم غير مشوب بعـدم إحقـاق الحـق ولا ينطوي على أية مخالفة واضحة وفعلية وملموسة للنظام العام الدولي. قـدمت الـوزارة طعنـا بالنقض معيبة على محكمة الإستئناف تبنيها تقدير المحكمين لحقوق الأطراف بالنظر إلى أحكـام النظام العام المثارة بدلاً من الآثار على الحل المعطى للنزاع. بسبب عدم البحث عما إذا كانـت الدولة العراقية حرمت من حق اللجوء إلي قاض لرفع طلب يتعلق بعيب في التنفيذ سابق لتـدابير الحظر، تكون محكمة الإستئناف جردت قرارها من أي أساس قانوني. اعتمدت محكمة النقض نفس التعليل معتبرة من جهة، أن حكم التحكيم لم يكن مخالفا للنظام العام الـدولي ومـن جهـة أخرى، أن الأطراف منحوا فرصة مناقشة مدى عقوبات الحظر وردت بذلك أي إنكار عن إحقاق الحق في مرحلة المحاكمـة التحكيميـة ( .Civ. 1re, 15 janv. 2020, n° 18-18.088, D . 2020. 1970, obs. S. Bollée; Rev. crit. DIP 2020. 526, note L. d'Avout; D. févr. acta. 27 2020, obs. J. Jourdan-Marques). بالتالي، وفقا لمحكمة النقض، لم تُحرم جمهورية العراق من حقها في اللجوء إلى قاض إذ أتيحت لها فرصة المناقشة الوجاهية في الواقع والقانون لنطاق تطبيق تدابير الحظر أمام المحكمـين. بغيـة تطبيـق اللائحـة التنفيذيـة CEE 3541/92، المتخذة طبقا لتدبير الأمم المتحدة الذي فرض الحظـر، قـرر المحكمـون أن هـذه النصوص تندرج ضمن قانون مكان التحكيم وهم بالتالي ملزمون باحترامها. إلا أنه بحسب الكاتب ( L. d'Avout, note مذکور، 7 °spéc. n)، اللائحة الأوروبية المتخذة إعمالاً للحظر المقـرر من الأمم المتحدة تعتبر في الواقع كقانون إجرائي ملزم وداخلي ينبغي على المحكمين أخذه بعين الإعتبار للقضاء برد الطلبات التي تدخل مباشرة في نطاق تطبيق تدابير الحظر.

   هذا ما جاء يوضحه بعد ستة أشهر قرار آخر صادر عن محكمة استئناف باريس ( ,Paris 3 juin 2020, n° 19/07261, D. 2020. 1970, obs. S. Bollée ; D. actu. 29 juill. 2020, obs. J. Jourdan-Marques ; Gaz. Pal. 13 juill. 2020, p. 32, obs. D. Bensaude). في هذه القضية الأخرى، قضى حكم تحكيمي بإعطاء عقد مفاعيلـه دون الأخـذ بعين الإعتبار تدابير الحظر المفروضة ضد إيران على الصعيد الدولي. يكمن السؤال في معرفة ما إذا كان مثل هذا الحكم يخالف النظام العام الدولي كما هو منصوص عليه في المـادة 1520، فقرة 5 من قانون المرافعات المدنية. أقيم الطعن على سببين: مخالفة موجب التعليـل ومخالفـة النظام العام الدولي بسبب عدم الأخذ بالإعتبار العقوبات الدولية ضد إيـران. بالنسبة للنقطـة الأولى، قام القرار بمراقبة معمقة جدا (ربما أكثر من اللازم) للقول بأن الحكم كان معللاً جيـدا. بالنسبة للنقطة الثانية، إن القرار غني بما يتضمنه. أولا، هنا أيضا، ليس لأن الـسبب المتعلـق بمخالفة النظام العام الدولي لم يثر أمام المحكمين، لا يقوم القاضي الناظر بالطعن ببحثـه. ثميـز المحكمة بين مختلف العقوبات الدولية المفروضة على إيران لمعرفة ما إذا كانت تشكل جـزءا لا يتجزأ من النظام العام الدولي الفرنسي. بالنسبة للقضاة، العقوبات الصادرة عن الأمـم المتحـدة "يمكن أن تكون مماثلة لقوانين أجنبية ملزمة و/أو قوانين ملزمة دولية بالفعل" والتي لا يمكـن أن يخضع تطبيقها من القاضي أو المحكم لأي استثناء وتندرج بالتالي ضمن المفهوم الفرنسي للنظام العام الدولي. العقوبات المفروضة من الإتحاد الأوروبي يمكن أيضا أن "تكون مماثلـة لقـوانين فرنسية ملزمة" وأن تكون جزءا من المفهوم الفرنسي للنظام العام الـدولي. بالمقابـل، بالنـسبة للعقوبات الصادرة عن السلطات الأميركية، تعتبر المحكمة عن حق أنها لا تندرج ضمن النظـام العام الفرنسي، كون هذه العقوبات ليست موضوع " إجماع دولي" (عبارة اعتمدها القـرار MK Group: Paris, 16 janv. 2018, n° 15/21703, D. 2018. 1635, note M. Audit, 966, obs. S. Clavel, 1934, obs. L. d'Avout, et 2448, obs. T. Clay; RTD com. 2020. 283, obs. E. Loquin; Rev. arb. 2018. 401, note S. Lemaire; JDI 2018. note S. Bollée, et 898, note E. Gaillard ,883) وبالتالي، لا يمكن التذرع بها على نحو مفيد لدعم سبب إيطال حكم التحكيم على أساس عدم الأخذ بالمادة 1520، فقـرة 5 مـن قـانون المرافعات المدنية. وعليه، وفقا للقرار، لكي تندرج ضمن المفهوم الفرنسي للنظام العام الـدولي أن يتضمن القانون الإلزامي الأجنبي قيم لا يمكن للقضاء الفرنسي تجاهلها وهذا ليس ما هو عليه الحال مع القانون الأميركي، الشكر للرب.

   هنا، في هذه القضية، اعتبر أخيرا القضاة الباريسيون أن حكم التحكيم لا يخالف بشكل "فعلي وملموس" النظام العام الدولي الفرنسي على أساس أن العقد المتنازع عليه يتعلق بقطـاع الغـاز وليس بالنشاط النووي، المعني الوحيد بقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وأنه لا يـدخل ضمن النطاق الزمني للتدابير التقييدية المنصوص عليها في اللائحة الأوروبية. قامت المحكمـة بالتالي بمراجعة شاملة لحكم التحكيم، إذ إن غياب الطابع "الظاهر" لمخالفة النظام العـام الـدولي تسمح بتأكيد ذلك، لكي تستنتج أن هذا الأخير لا يتعارض مع النظام العام الدولي الفرنسي.

   4- الصيغة التنفيذية:

   إن إجراءات الصيغة التنفيذية هي تلك التي بموجبها تقرر كل دولة إدخال أو عـدم إدخـال قرار قضائي وحتى تحكيمي في نظامها القانوني. إنه شكل مختصر جدا للتعبير عن سيادة الدولة، وبالتالي قد يواجه نفس القرار مصيرا مختلفا حسب البلدان التي يتم تقديمه فيها للحـصول علـى الصيغة التنفيذية. هذا ما حصل بالضبط في قضية Koot Food، بالنسبة لحكم تحكيمي صـادر في باريس، الذي كان في نفس الوقت موضوع طلب لتذييله بالصيغة التنفيذية في إنجلترا وطعـن بالإبطال في فرنسا. سنتمكن إذا من المقارنة...

    في القضية الحاضرة، أبرمت شركتين عقود تطوير امتیاز franchise في الكويـت وهـي عقود تخضع للقانون الإنجليزي وتلحظ التحكيم أمام الـ CCI في باريس في حال النزاع. عنـد انتهاء عقود الإمتياز، رفع صاحب الامتياز دعوى قضائية ضد الشركة القابضة التابعة لـشريكه التجاري الكويتي، غير الموقعة على هذه العقود، ولكنه اعتبر أن آثار هذه العقود تمتد إليها بسبب مشاركتها في تنفيذها. قضت محكمة التحكيم بالإجماع أن الشركة القابضة كانت طرفا في اتفاقات التحكيم المشترطة في عقود الإمتياز وألزمتها بدفع إتاوات الترخيص الشهرية غير المدفوعة كما وبتعويض عن خسارة الفرصة.

 

   طلب الطرف الذي صدر حكم التحكيم لمصلحته الصيغة التنفيذية في لنـدن فـي حـين أن الطرف الذي صدر حكم التحكيم ضده طلب الإبطال في باريس. كان الإنجليز أول من استنبطوا قرارا صادرا عن محكمة استئناف لندن تاریخ 20 يناير 2020 لرفض منح الصيغة التنفيذية على أساس أن القانون المطبق على التحليل المتعلق بامتداد شرط التحكيم هو القانون الإنجليـزي فـي حين أن العقد ينص على أن القانون الإنجليزي يطبق على كل شيء ولا يلحـظ قـانون مكـان التحكـيم ( .Global Arbitration Review, 24 janv. 2020, obs. J. Ballantyne et S Perry). غير أن القانون الإنجليزي لا يسمح بهذا الإمتداد. وفقا لمحكمة لندن، الشركة القابضة لم تصبح طرفا في عقد الإمتياز ولا في اتفاق التحكيم المتعلق بهذا العقد، لذلك يجب رفـض مـنـح الصيغة التنفيذية.

   إختلفت المقاربة التي اعتمدتها محكمة استئناف باريس بعد بضعة أشهر ( Paris, 23 juin 2020, n° 17/22943, D. actu. 29 juill. 2020, obs. J. Jourdan-Marques; Global Arbitration ذلك خلاف ثقافات تقريبا. للبحث عن القانون المطبق، استعادت المحكمة مبادئ القانون الفرنسي حول التحكيم الدولي: "وفقا لقاعدة جوهرية من قواعد القانون الدولي حول التحكيم، يستقل شـرط التحكيم قانونيا عن العقد الذي يتضمنه بشكل مباشر أو بالإحالة ويقدر وجود هذا الشرط وفعاليته، مع مراعاة القواعد الآمرة في القانون الفرنسي والنظام العام الدولي، وفقـا لـلإرادة المشتركة للأطراف، دون أن يكون من الضروري الإحالة إلى قانون دولة ما". وفقـا للمحكمـة، محكمـة التحكيم "ذكرت عن حق" أنه يتوجب عليها "تطبيق القانون الفرنسي لمعرفة ما إذا كانـت تتمتـع بالإختصاص تجاه المدعى عليه بما أن صحة الحكم التحكيمي في القضية الحاضرة تتوقف علـى القانون السائد في مكان التحكيم. كل دعوى مقامة من الطرف الخاسر بهدف إيطال حكم التحكيم هي من اختصاص محكمة استئناف باريس وتطبق هذه المحكمة القانون الفرنـسـي حـول هـذه النقطة، أي المبادئ التي أرستها محكمة النقض نفسها. تعتبر هذه المحاكم، كقاعدة أسـاس فـي التحكيم الدولي، أن وجود وصحة شرط التحكيم يجب أن يبحثا دون اللجوء إلى قـانون وطنـي معين، ولكن فقط بالإحالة إلى إرادة الأطراف بالنظر إلى مجموع ظروف القضية". Review, 25 juin 2020, obs. J. Ballantyne et S. Perry)، ورأينـا فـي یم

   إن الإختلاف في المقاربات والحلول بين المحكمتين هو رمز للمفـاهيم المختلفـة للتحك الدولي في القانونين، القانون الوطني وقانون مكان التحكيم. لأنه عند التحليل، لا تكمن المسألة في الواقع بين اختيار القانون الإنجليزي (قانون العقد) والقانون الفرنسي (مكان التحكيم) ولكن بـين قانون وطني (فرنسي أو إنجليزي) أو عدم اختياره. غير أن القانون الفرنسي، منـذ اجتهـاد Dalico/Zanzi، يفرض كقاعدة ألا يخضع شرط التحكيم وبالتالي امتداده لأي قانون تابع لدولة، ويستفيد من قاعدة موضوعية حول صحته. إذا، بالطبع، تكمن المسألة في وجوب المرور بالقانون الفرنسي لإستبعاد القانون الفرنسي (وكل القوانين الأخرى)، ولكن، هذا القانون يفـرض كقاعـدة عدم الأخذ بقانون البلد حيث أقيمت الدعوى. هذا هو تفوق القانون الفرنسي على القوانين الأخرى المطبوعة بقانون مكان التحكيم.

   بالنسبة لأساس القضية، أي امتداد أو عدم امتداد شرط التحكيم إلى الشركة القابضة، ذكرت محكمة استئناف باريس بأن "شرط التحكيم المدرج في عقد دولي له صحة وفعالية خاصتين بـه تفرضان امتداد تطبيقه إلى الأطراف المعنيين مباشرة في تنفيذ العقد وفي النزاعـات التـي مـن الممكن أن تنشأ عنها، ما إن يتم إثبات أن وضعهم التعاقدي وأنشطتهم تفرض أنهم قبلـوا شـرط التحكيم الذي يعرفون بوجوده وبمداه على الرغم من أنهم لم يوقعوا على العقد الـذي يتـضمنه". وفقا للمحكمة: "يعتبر قضاة الطعن أنهم يتمتعون بالسلطة لمراقبة اختصاص المحكمـين دون أن يكونوا مرتبطين بأستنتاجاتهم أو تفسيرات المحاكم الأجنبية"، غير أن القضاة صدقوا علـى مـا استنتجته محكمة التحكيم بأن مشاركة Kout في تنفيذ العقد "كانت أكثر من كافية" فـي القـانون الفرنسي لكي تكون طرفا في شرط التحكيم. أما بالنسبة إلى نقل الإلتزامات المتعلقة بالأسـاس، قضت المحكمة أن الأمر يتعلق بالمسؤولية التي لا اختصاص لها بشأنها عند النظر فـي طلـب الإبطال لأن ذلك يكون بمثابة مراجعة أساس القضية. إن التعليل هو في نفس الوقت واضـح ولا يمكن تجنبه. عند قراءة هذا القرار الذي صدر بعد عدة أشهر على صدور قرار لندن، لن نجـزم بأن قضاة باريس لم يحركهم الدافع لإعطاء درس في قانون التحكيم للقضاة الإنجليز.

   5- التنفيذ: ما إن يتم الحصول على الصيغة التنفيذية حتى يصبح من المتوجب أيضا تنفيذ حكم التحكيم، وهو الأمر غير السهل دائما عندما يكون المدين دولة. يشهد على ذلك مثلان حديثان. الأول هـو إحدى الإرتدادات العديدة لقضية Commisimpex التي تشغل وحدها كامل دوام عـدة مـحـامين ودون شك بعض القضاة. بموجب خمسة قرارات صادرة عن قضاة تنفيذ المحكمة القضائية فـ باريس رفعت الحجوزات عن المباني التابعة لجمهورية الكونغو بسبب الحصانة ضد التنفيذ التـى  تتمتع بها (16/00166 °TJ Paris, JEX, 25 juin 2020, n). بالنسبة لهذه العقارات هنـاك قرينة بأنها مخصصة للبعثات الدبلوماسية يقع على عاتق الحاجز دحضها، الأمر الذي لم يتـوافر في القضايا الخمس. بالإضافة إلى ذلك، إن الشرط الشهير لأن يكون التنازل عن الحصانة تنازلا خاصا الذي يفرضه القانون الوضعي لم يكن متوافرا. التتمة في العدد المقبل.

   كأكبر مصدر للإجتهاد، كانت روسيا هي المعنية في القضية الأخرى، في هذه القضية، تـم إلزامها بدفع مبلغ 1،1 مليار دولار لمصرف أوكراني ما دفعها لتقديم طعن بالإبطال. لكن كـون هذا الطعن لا يوقف التنفيذ، طلبت من القاضي المشرف على حسن سير الدعوى أن يوقف التنفيذ المؤقت لحكم التحكيم طبقا للمادة 1526 من قانون المرافعات المدنية على أساس أن ذلك قد يضر بشكل جسيم بحقوقها، بما أنه وفقا لروسيا، من الممكن أن يتابع الدائن تنفيذ حكم التحكيم في العالم بما في ذلك في بلدان لا تقدم الحماية الكافية بالنسبة للحصانة ضد التنفيذ. تم رد هذه الحجة لأنه، وفقا للقرار، إن الإعتراض على التنفيذ لا يمكن أن ينشأ عن "سبب عـام ومجـرد أو فرضـي" Paris, ord., 22 oct. 2019, n° 19/04161, D. actu. 6 janv. 2020, obs. J. ) note R. Dethomas). بعبـارة أخـرى، لا 477, 2020. Jourdan-Marques; Rev. arb. لزوم لوقف التنفيذ المؤقت عندما يكون خطر التنفيذ غير محقق بعد. غير أنه من المسموح التفكير بأن وقف التنفيذ المؤقت وضع لتفادي تحقق الخطر. بعد ذلك، يكون الأوان قد فات.

II. الوسائل البديلة لحل النزاعات: إن نظام بند التوفيق أصبح راسخاً الآن. هذا البند القانوني الذي هو "عبارة عن إجـراءات توفيق ملزمة وسابقة للجوء إلى القاضي، يؤدي إعمالها إلى وقف مرور الزمن إلى حين انتهائها، يشكل دفعا بعدم القبول ملزما للقاضي إذا ما أثـاره الأطـراف" (-19 °Soc. 4 nov. 2020, 13.923)، في ما يتعلق بذلك كما سبقنا وأشرنا سابقا، إن نظام بند التوفيق لا يتطابق مع نظام بند التحكيم الذي يجب أن يثار في الأول كدفع إجرائي (مذكور سابقا ,2020 Civ. 1re, 13 mai ,18-25.966 °n). ذكرت أيضا محكمة النقض أن الدفع بعدم القبول المبني على وجـود بنـد توفيق يمكن إثارته في أي حال من الأحوال، مع إمكانية أن يلزم القاضي الطرف الذي امتنع عن إثارته في وقت سابق بقصد المماطلـة بالعطـل والـضرر (-18 °Com. 24 juin 2020, n LEDC 1er oct. 2020, p. 4, obs. G. Guerlin ,15.249). غير أنه بالنسبة للمحكمة، عند إثارة هذا السبب للمرة الأولى في الإستئناف، "يكون طابع المماطلة لدفع إجرائي أثير خلال خمس سنوات ظاهرا جدا وتجب المعاقبة عليه من خلال الحكم بمبلغ 200,000 يورو كعطل وضرر". مع مثل هذه العقوبة، لا يمكننا أن ننصح المتقاضين إلا أن يثيروا هذا الدفع الإجرائي ما أن يكون ذلك ممكنا.

   إن الخط الفاصل بين البند الذي ينص على إقامة إجراءات توفيق مسبقة وإلزامية وبين البند الذي لا يفرض مثل هذا الموجب يكمن في شروط إعماله. إذا تضمن البند شروطاً خاصة حـول التنفيذ، يكون بالتأكيد بند توفيق إلزامي يؤدي إلى عدم قبول أية دعوى قضائية لا تضعه موضع التنفيـذ ( ;Com. 19 juin 2019, n° 17-28.804, D. 2020. 576, obs. N. Fricero .(RTD civ. 2019. 578, obs. H. Barbier; Civ. 1re, 4 déc. 2019, n° 18-15.848 لكن إذا كان البند مصاغا بإيجاز وبعبارات عامة جدا، تعتبر محكمة النقض أن الأمر يكون مجرد "بند لغوي" لا يشكل أساسا لإقامة إجراءات توفيق مسبقة وملزمة ولا ترد إذا الدعوى القضائية Civ. 3e, 11 juill. 2019, n° 18-13.460, D. 2020. 576, obs. N. Fricero; AJDI ) .(2019. 919; D. avocats 2020. 340, obs. M. Brault

  أخيرا، في قرار آخر، قررت محكمة النقض أن الإدارة لا يمكنها أن تصدر سندا تنفيذيا قبل أية محاولة توفيق منصوص عنها في العقـد ( ,26.789-18 °Civ. 1re, 11 mars 2020, n Bull. civ. I; D. 2020. 608, 1380, obs. A. Leborgne, et 2190, chron. V. Champ; Rev. prat. rec. 2020. 17, chron. D. Cholet, O. Cousin, I. Faivre, A.- I. Gregori, R. Laher et O. Salati, et 18, chron. O. Salati; RTD civ. 2020. 383, obs. H. Barbier, et 462, obs. N. Cayrol; JCP 2020. 939, obs. G. Virassamy; JCP E 2020. 1273, obs. P. Grignon; CCC 2020. 95, obs. L. Leveneur; LEDC 1er mai 2020, p. 3, obs. G. Guerlin; Gaz. Pal. 21 juill. p. 55, obs. T. Habu Groud ,2020). يعتبر القضاة أنه: "إذا كان الشرط التعاقـدي الـذي يخضع اللجوء إلى القاضي لإعمال إجراءات توفيق مسبقة، يمنع أن تلجأ الشركة مباشرة للقاضي في ما خص نزاع ما، فهو يمنع أيضاً أن تصدر المؤسسة العامة للإسكان بـشكل مباشـر سـند تنفيذي لسداد مبالغ متعلقة بتنفيذ العقد. وعليه، لا يمكن للطرف العام إصدار سند تنفيذي طالما أن إجراءات التوفيق المسبقة المنصوص عنها في بند التوفيق لم تطبق. قضى مجلس شورى الدولـة هذا الإتجاه أيضاً ( CE 28 janv. 2011, n° 331986, AJDA 2011. 194; Rev. CMP 119 .n° 4, Comm ,2011). هذه العقوبة الجديدة لعدم احترام بند التوفيق المسبق الإلزامـي تسمح بفهم إلى أي مدى يسعى الإجتهاد لإعطاء فعالية مدعمة لهذه العدالـة الوديـة. إذا اتفـق الأطراف التابعين للقطاع الخاص أو العام على إجراءات توفيق مسبقة إذا هم ملزمون باحترامها. فقط عند فشل التوفيق يمكن للإدارة ممارسة صلاحياتها وإصدار سند واجـب التنفيـذ ( 20 CE sept. 2019, n° 419381, AJDA 2019. 1841, et 2450, note L. Richer; AJCT 2020. 48, obs. G. Le Chatelier; RTD civ. 2020. 462, obs. N. Cayrol; JCP A n° 7, obs. N. Gabayet ,2024 .2020). ولكن مثل أي شخص آخر، لا يجب الـشـك بـأن الإدارة تعرف كيف لا تكون متشددة، وعندما يحين الوقت، أن تقدم تنازلات.