الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / انواع التحكيم الدولي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36 / التحكيم والطرق البديلة لتسوية النزاعات

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    31

التفاصيل طباعة نسخ


I- التحكيم:

أ- التشريع:

   منذ سنة، وفي الاحداثيات ذاتها، ومن خلال الإطّلاع على الأعمال البرلمانية والفقهيّة، توقّعنا أن يكون عام 2016 "ناجحاً جداً" للتحكيم، وتحقّق ذلك من خلال القانون المسمّى "قضاء القرن الحادي والعشرين"، إنّ قانون التحكيم وحتّى قانون الطرق البديلة لتسوية النزاعات قد تحسّن إلى حدّ كبير. بالتأكيد، هذا القانون المؤلّف من 115 مادة و135 صفحة من صفحات الجريدة الرسمية  يعالج مواضيع أخرى متعلّقة بالقانون الإجرائي. لكنّه يتضمّن الباب الثاني بعنوان "تشجيع الطرق البديلة لتسوية النزاعات"، ومن الواضح أنّه يطبّق.

دون أن يكون ممكناً هنا معالجة كلّ المسألة (سوف نعود إلى دراستنا، التحكيم، الطرق البديلة لتسوية النزاعات والمصالحة في قانون "قضاء القرن الحادي والعشرين"، JCP 2016. 1295، وإلى دراسة D. Mouralis، إصدار قانون قضاء القرن الحادي والعشرين: ما هو تأثيره على التحكيم؟ النشرة الإخبارية CMAP، بتاريخ 28 نوفمبر 2016)، بإمكاننا رغم ذلك ذكر النقاط الأكثر أهميّة. في ما يتعلّق بالتحكيم، تكون من حيث الشكل والأساس.

في الشكل، المادة 11 من القانون تجري تعديلاً بسيطاً حيث أنّ الأخطاء يعود تاريخها إلى النص الالهي في العام 1804. تتعلّق الأخطاء بمادتين من القانون المدني 1592 و2412 (المادة 2123 قديماً). المادة الأولى تشير إلى "تحكيم" الشخص الثالث من أجل تحديد السعر في عقد البيع، ممّا يتناسب مع وظيفة التقدير وليس وظيفة الحكم، وهذا يعني عندما لا يتدخّل الشخص الثالث إلاّ كطرف في إتمام العقد. باستخدام كلمة "تحكيم" للشخص الثالث المكلّف بتحديد السعر، كان قانون نابوليون يخلط بين هاتين المهمّتين. ودام هذا الخلط قروناً، ولكن تمّ استبعاده بعد ذلك

التعديل البسيط الثاني الذي تمّ إجراؤه يتعلّق أيضاً بنصّ مصدره القانون المدني، حتّى ولو كان يحمل آنذاك رقماً آخر، وهو المادة 2412 فقرة 2 (المادة 2123 فقرة 2 سابقاً). هذه المرّة، لم يكن يتعلّق الأمر بلُبس في مفهوم التحكيم، إنّما بمقاربة في المصطلحات. منذ العام 1804، كان النص أنّه بإمكان الأحكام التحكيمية أن تؤدّي إلى رهن قضائي. للأسف، بدلاً من التكلّم على "أحكام تحكيمية"، كان القانون المدني ينصّ على عبارة غريبة وهي "قرارات تحكيمية"، مّما كان يفرض تقارباً لأنّه كان الإعتقاد ممكناً أنّه من المحتمل أن يبرّر الأمر الإجرائي البسيط وجود رهن. كذلك، عوضاً عن ذكر عبارة "الأمر بالتنفيذ"، فضّلت المادة الأصلية عبارة "الأمر القضائي بالتنفيذ". بالتالي، فإنّ قانون "قضاء القرن الحادي والعشرين" يعيد التقليدية القانونية حول هذه النقطة عن طريق إستبدال أخيراً العبارة الغريبة "القرارات التحكيمية المُكتسية بالأمر القضائي بالتنفيذ" بالعبارة التقليدية "الأحكام التحكيمية المُكتسية بالأمر بالتنفيذ".

وأيضاً من حيث الشكل، تمّ إجراء تعديل أخير، إنّما هذه المرّة بشأن الهيكلية. بخلوّها منذ 22 يوليو 1867 وإلغاء المواد المتعلّقة بالإكراه البدني في المجال المدني (المواد القديمة 2059 و2070)، تلقّت الأرقام 2059 حتّى 2061 في العام 1972 نصوصاً حول إتّفاقية التحكيم، الواردة تحت الباب السادس عشر في الكتاب الثالث، المسمّى "إتّفاق التحكيم"- والتي استوحيت من خطة Domat في القوانين المدنية وفقاً لترتيبها الطبيعي والصادر بعد ثلاثة قرون. لكن، في ما يخصّ هذه المواد الثلاث، تتعلّق أوّل مادتين بأهليّة الخضوع للتّحكيم، والثالثة تتعلّق بالبند التحكيمي. بكون هذا الأخير مختلفاً عن إتّفاق التحكيم، فكان هناك أساساً تناقض بين باب ("إتّفاق التحكيم") وما يشمل (إتّفاق التحكيم وبند التحكيم)، مّما هو إستغلال لباب مؤلّف فقط من ثلاث مواد.

هذا الإختلاف ما بين الحاوية والمحتوى لم يعد معتمداً، خاصّةً أنّ التعديل الذي جرى من خلال المرسوم رقم 2011-48 الصادر في 13 يناير 2011 المتعلّق بالتحكيم قد أعاد صياغة المادة 1442 فقرة 1 من قانون المرافعات المدنية التي نصّت على أنّه "يجوز لاتّفاقية التحكيم أن تأخذ شكل بند التحكيم أو اتفاق التحكيم". بالتالي، استبدل قانون قضاء القرن الحادي والعشرين بكلّ صراحة عنوان الباب السادس عشر المسمّى "إتّفاق التحكيم" بعبارة "إتّفاقية التحكيم"، فسمح بذلك مضاهاة القانون المدني مع قانون المرافعات المدنية، حيث أنّ نصوصه سواء في المسائل الداخلية أو الدولية، تنصّ مرّتين على "إتّفاقية التحكيم".

 تأتي هذه التعديلات الرسمية الثلاثة لتكمّل ما قد سبقّ أن تحقّق في ما يخصّ المادة 1644 من القانون المدني المتعلّق بإعادة جزء من السعر في البيع، التي كانت تنصّ على أنّه يجب أن "يُحكّم" من قبل خبير. بكونه نصّاً أصلياً أيضاً، بقي هذا الخطأ سنة على الأقلّ بما أنّه أُلغي بقانون لإختصار القانون الذي يعود تاريخه إلى 16 فبراير 2015 (L. n° 2015-177)، الذي ببساطة، ألغى نهاية الجملة في المادة التي تضمّنت الإستخدام غير الصحيح لعبارة "تحكيم".

في الحاصل، هذه التعديلات الرسمية قد تبدو ثانويّة. يكون الأمر في هذه الحالة خاطئاً، لأنّها تعيد الى التحكيم تمايز مفهومه ووحدته. هذا الأخير، لن يتلطّخ بعد الآن باستخدامات طفيلية قد تخلط معناه. إنّ التحكيم هو قضاء ولا شيء غير ذلك. هذا ما انتهى إلى تأكيده توّاً قانون "قضاء القرن الحادي والعشرين". ولكن بقول ذلك، نكون قد انتقلنا إلى الأساس.

في الأساس إذاً، إنّ قانون "قضاء القرن الحادي والعشرين" أجرى تعديلاً جذرياً للمادة 2061 من القانون المدني بشأن البند التحكيمي في المسائل الداخلية. هذه الحالة هي نادرة بشكل كافٍ لأن يشدّد عليها. منذ العام 1804، إنّها فقط المرّة الثالثة التي تعدّل فيها هذه المادة: في العام 1972 عندما طُرح منع مبدأ البند التحكيمي من المشرّع الذي استند إلى قراءة خاطئة لقرار Prunier للعام 1843؛ وفي العام 2001، عندما عكس المشرّع نفسه القاعدة مقرّراً شرعيّة مبدأ البند التحكيمي، حتّى ولو كانت مصحوبة باستثناءات، واليوم بهذا التعديل المهمّ.

المادة الجديدة 2061 تتضمّن فقرتين: الأولى هي عامّة، والثانية مخصّصة للحالة الخاصّة لغير المهني. الفقرة الثانية تنصّ على الآتي: "يجب أن يكون البند التحكيمي مقبولاً بصراحة من الطرف الذي يُحتجّ فيه بوجهه، إلاّ إذا كان هذا الأخير يخلف حقوق وواجبات الطرف الذي كان قد قبله في البداية". ما ينتج من هذه الصياغة أنّه لم يعد وارداً هنا، كما في النسخة السابقة، وضع قواعد الشرعيّة، إنّما فقط ضمانات القبول. فأصبحنا نستند إلى القبول وليس إلى الشرعيّة. هذا التغيير في الركن مهمّ بشكل خاص. منذ زمن طويل، لم يكن يُنظر في البند التحكيمي إلاّ في ما يخصّ شرعيّته. كانت هذه هي الجدلية المفروضة في الصياغتين السابقتين للمادة 2061. ولكن البند التحكيمي أصبح يتمتّع، كما باقي العقود، بمبدأ صحّة راسخ لدرجة أنّه لم يعد ضرورياً لفظه.

في العام 2001، كان نطاق شرعيّة البند التحكيمي قد امتدّ من المسائل التجارية إلى المسائل المهنية، التي هي أكثر اتّساعاً. اليوم، لم يعد السؤال إذا كان مُبرماً لأسباب مهنية، إنّما التأكّد من أنّ الشخص الذي نحتجّ فيه بوجهه قد وافق عليه. إذاً، إنّ ذلك يمدّ مجال تطبيقه بشكل كبير. تتضمّن هذه الصياغة الجديدة، بشكل غير متنازع فيه، تطوّراً وعلامة متجدّدة لصالح التحكيم Favor arbitrandum الذي هو عصب كلّ قانون التحكيم الفرنسي.

إنّ التغيير في النموذج الذي يتضمّن تفضيل معيار القبول على معيار الشرعية، يمكن أن يكون له تأثير على مسألة تطبيق الإختصاص الشخصي ratione personae على البند التحكيمي، بما أنّ، كما نعلم، الإجتهاد يعترف منذ وقت طويل، أنّ البند التحكيمي يجوز أن ينسحب من عقد إلى آخر، وأن ينتقل أو يمتدّ، بما في ذلك إلى غير الموقّعين. في الواقع، حتّى لو تمّ التشديد على ضرورة "القبول"، إنّ ذلك لا يغيّر، بحسب رأينا، القانون الموضوعي، إذ حتّى لو كنّا تحت وطأة الصياغة السابقة، لا وجود للتحكيم إلاّ إذا قُبل به. إنّه تفسير القبول الذي يتطوّر لأنّ يبدو أحياناً أنّه دقيق كثيراً، حتّى لا نقول أنّه غير موجود، حتّى لو كان على الأرجح لا سبب لتعديل الحلول المعتمدة اليوم .

ومع هذه الصياغة الجديدة، أصبح بالإمكان إخضاع قسم كامل من النشاط التعاقدي للتحكيم: كلّ العقود المدنية الكلاسيكية، وخاصّةً عقود التأمين، والإيجار وبشكل عام كلّ العقود المُبرمة بين الأفراد أصبح جائزاً إدراج بند تحكيمي فيها. ندرك حجم هذا التطوّر إذا تمّ تطوير البند التحكيمي في العلاقات بين الأفراد عبر الإنترنت وفي المسائل العقارية (أنظمة الملكية المشتركة، إتّفاقيات الشيوع، وأيضاً أنظمة الشركات المدنية العقاريّة)، أي في القانون الذي ينظّم الملكية العائلية. على هذا النحو، ومن خلال هذا التعديل، لم يعد البند التحكيمي إمتيازاً للتّجار والمهنيين والأغنياء والأقوياء، إلخ.، بل أصبح مُتاحاً للجميع، دون أن تُعتبر المادة 2060 وكأنّها تضع حدوداً بما أنّها لم تعد مطبّقة منذ زمن طويل. لا يوجد سبب لاعتبار أنّ تعديل المادة 2061، لأنّه لم يطل في أثره المادة 2060، يجوز أن يجدّد هذه المادة، التي كما بعض النجوم البعيدة، هي في الأصل ميتة، حتّى ولو لا نزال نرى بعض الومضات.

لكنّ الفقرة 2 من المادة الجديدة 2061 تضع حداً في العقود المبرمة مع غير المهنيين: "عندما لا يتعاقد أحد الأطراف في إطار نشاطه المهني، لا يجوز الإحتجاج بهكذا بند بوجهه".

إنّ القراءة السريعة للفقرة 2 الجديدة من المادة 2061 قد توحي بأنّه تمّ تكرار معنى النسخة السابقة للمادّة ذاتها بعبارة مُرادفة. من المؤكّد، أنّ الأمر يتعلّق بإدراج تطبيق البند التحكيمي في العلاقات بين المهنيين. ولكن، في حين أنّ المادة 2061 القديمة تبطل في المسائل الداخلية البنود المبرمة خارج هذا الإطار، تكتفي الصياغة الجديدة بجعلها غير قابلة للإحتجاج بها بالنسبة للطرف الذي لم يتعاقد لأهداف مهنيّة. بعبارة أخرى، إن البند التحكيمي مصون، إنّما لا يمكن أن يحتجّ به في وجه غير المهني.

في الواقع، إنّ العقوبة مختلفة كلّياً. بالتالي، يكون لغير المهني إمكانية المقاضاة أو قبول البند إذا أراد ذلك، وهو لم يكن الحال سابقاً في المسائل الداخلية. أصبح المستهلك يتمتّع بخيار في الإختصاص، بعكس المهني الذي يجب أن يخضع للبند التحكيمي، دون أن يستطيع إستعماله إذا إحتجّ به خصمه بوجهه. وهكذا، ثُبّت عدم التوازن بين الاطراف في العقد ذاته، الذي لا يمكن إلاّ الموافقة عليه. في الواقع، كان هذا الحلّ موجوداً منذ وقت طويل في عقد العمل الدولي ، الذي كانت المحكمة قد وافقت على صحّة بنده التحكيمي بجعله غير قابل للإحتجاج به ضد الأجير اذا كان يفضل في نهاية المطاف المحكمة القضائية. وقد تم توسيع القاعدة بعد ذلك، إلى عقد العمل الداخلي . إنّ هذا الحلّ هو الذي أصبح معتمداً بالنسبة لكلّ غير المهنيين. في الحقيقة، بقدر ما هو مهم أنّ غير المهني لا يمكن أن يحرم عنوةً من التقاضي أمام التحكيم، بقدر ما كان غير مقبول أنّه بتفضيله التحكيم، وتكراره لرضاه عند نشوء النزاع، يمنع من ذلك.

ماذا عن العقود المُبرمة بين طرفين غير مهنيين؟ تبعاً للمعنى الضيّق للفقرة 2 الجديدة من المادة 2061، وإذا اقتضى الأمر، يجوز ألاّ يُحتجّ بالبند التحكيمي في وجه الإثنين. بالتالي يكفي القول أنّه لن يكون له تأثير كبير في هذه الحالة. بالأحرى، يجب تفسير عدم الحجيّة على أنّها ليست مشمولة إلاّ في العلاقات غير المتوازنة، أي بين المهني وغير المهني. إنّه عدم التوازن بين الأطراف الذي يبرّر القاعدة. بمجرّد أن تصبح هذه العلاقات على قدم المساواة، فإنّ سبب وجود هذه القاعدة غير المتوازنة يضمحل ويكون البند التحكيمي قابلاً للإحتجاج به في مواجهة جميع الموقّعين الذين وافقوا عليه. من أجل تعزيز هذا التفسير، يجوز الإستناد إلى الفقرة الأولى التي، كما سبق وذكرنا، جعلت الرضا معياراً لتفسير البند التحكيمي.

في نهاية المطاف، حتّى ولو اقتصر على التحكيم الداخلي، وهو ما يتبقّى التأكّد منه، فإنّ تعديل البند التحكيمي هذا هو مهمّ. من خلال تحوّلات المادة 2061، نكون قد انتقلنا من صحّة البنود المبرمة بين التجّار (في العام 1972) إلى صحّة البنود المبرمة بين المهنيين (نسخة العام 2001)، من ثمّ إلى البنود التحكيمية المُتاحة للجميع (نسخة العام 2016). منذ ذلك الحين، كان من المنطقي أنّ الحدود لم تعد في نطاق الصحّة، إنّما في نطاق الرضا. إنّ التحكيم لم يعد، نوعاً ما، قضاء الأقوياء، إنّما أصبح قضاء للجميع.

إنّ تعديل المواد المتعلّقة بالتحكيم في القانون المدني يجب أن يُقارن مع تعديل مواد أخرى في القانون ذاته ومواد في قوانين أخرى. في ما يتعلّق بالأول، سوف نذكر بالتأكيد الأمر رقم 2016-131 الصادر بتاريخ 10 فبراير 2016 بشأن تعديل قانون العقود والنظام العام وإثبات الإلتزامات، الذي دخل حيّز التنفيذ بتاريخ 1 أكتوبر 2016 (JO 11 févr., texte n° 26). هذا التعديل الأساسي يؤثّر بشكل مباشر في التحكيم في ثلاث طرق على الأقلّ.

أوّلاً، إنّها المادة 1230 الجديدة من القانون المدني التي تطرح مبدأ إستقلالية البنود المتعلّقة بنظام المنازعات في حال إنهاء العقد. إذا استبعدنا المادة 1447 من قانون المرافعات المدنية بشأن البند التحكيمي، تكون المرّة الأولى التي تُكرّس فيها إستقلالية البنود المتعلّقة بالنزاعات في القانون. من الطبيعي أنّ نظام البنود المتعلّقة بالنزاعات هذه مستوحى من نظام البنود التحكيمية التي تشكّل فئة واحدة. إنّ الفكرة البسيطة التي هي أساس هذا المبدأ، هي أنّ البند المتعلّق بالنزاع لا يمكن أن يُفسد بالعيب الذي يمسّ بالعقد، ولو كان لمجرّد حلّ إشكال تبعاً لتعليمات البند المتعلّق بالنزاع هذا، وبالتالي يكون هو الموضوع. نحن نأسف أنّه في حين لم يؤخذ بأمر تعديل قانون العقود إلاّ في حال الفسخ، ولم تُكرّر القاعدة بالنسبة للعقوبات الأخرى كالإبطال أو الإلغاء، في حين أنّه كانت أُثيرت المسألة في وقت صياغة العقد. ويمكن لهذا التباين أن يوجد عدم توازن بين البند التحكيمي الذي يتمتّع، بالمعنى الوارد في المادة 1447 السابق ذكرها، بإستقلالية في حال "عدم فعالية" العقد- وهذه عبارة وُسّعت عن قصد لكي تشمل كلّ العيوب المعقولة-، والبنود الأخرى المتعلّقة بالنزاعات. ولكن في الحقيقة، حتّى ولو لم تكن استقلالية البنود المتعلّقة بالنزاع مُكرّرة في القانون المدني، يكون بدون شكّ من المناسب الذهاب إلى أقصى حدّ لنموذج البند التحكيمي ومدّه إلى كلّ عيوب العقد الرئيسي بالنسبة لكلّ البنود المتعلّقة بالنزاع.

من ثمّ، إنّ التحكيم الناتج من عقد، والذي يشمل عدّة عقود (إتّفاق التحكيم، عقد المحكّم، عقد تنظيم التحكيم، إلخ.)، من الطبيعي أن يكون معنياً بتعديل قانون العقود. وهكذا، بيّن أحد المؤلفين أنّه يمكن لعقد تنظيم التحكيم، الذي يربط بين المتقاضين في مركز التحكيم، أن يتأثّر بشكل خاص بهذا التعديل. وليس ذلك لأنّه يتعلّق بعقد بين غائبين بما أنّ المادة الجديدة 1121 تكرّس نظريّة الإستلام، التي كانت تُطبّق أصلاً في هذه الحالة، ولكن في ما يتعلّق بنظام التحكيم، الذي لا يجوز أن يخضع لشروط قاسية في توصيف عقد الإذعان والقيود المترتّبة على ذلك .

ثالثاً، إنّه منطق مجمل تعديل قانون العقود الذي يجوز أن يمنح المحكّم مهام جديدة، مقدّماً له "دوراً أكبر في تحديد التدبير التعاقدي المقضي به" . نشير بشكل خاص في النزاع المهمّ الذي من المؤكّد سيتطوّر في مسألة إعادة النظر في حالة الطوارئ التي أصبحت ممكنة في القانون الفرنسي. البروفيسور Philippe Stofel-Munck قد بيّن أخيراً كيف كان التحكيم المكان الطبيعي لازدهار إعادة النظر هذه، لأنّ المحكّم يتمتّع بالإختصاص التقني المطلوب، ولأنّ لديه الوقت .

في النهاية، أليس المحكّم، قاضٍ من خلال عقد، وقـاضٍ في العقد مستفيد، أكثر من غيره، من قانون العقود الجديد؟ بطريقة غير إرادية، يمكن أن يكون الرابح الأكبر من هذا التعديل التاريخي.

لن يكون هذا هو الحال في النهاية، بالنسبة لتعديل قانون المرافعات المدنية بشأن الإنفاذ، كما صوّت عليه البرلمان للتّو في القانون المسمّى "Sapin 2" . المادتان 59 و60 من القانون تضيفان ثلاث مواد إلى قانون المرافعات المدنية بشأن الإنفاذ (art. L. 111-1-1 à L. 111-1-3) التي من شأنها أن تجعل هذه التدابير أكثر تعقيداً عندما تكون الأموال عائدة إلى دول أجنبية محكوم عليها بقرار من قضاء الدولة أو بحكم تحكيمي. بالتأكيد ستكون هذه العقبة الأكثر تأثيراً بالنسبة للأحكام التحكيميّة، لأنّ الهيئات التحكيمية الدولية هي السلطات الطبيعية للدول عندما تتقاضى بصفتها قائمة بعمليات التجارة الدولية. إنّه أيضاً في هذا الإطار، الذي لا يشمل أي امتياز للسلطة العامة، نرى أنّ القانون الفرنسي أصبح يمنح حصانة التي هي في الواقع أكثر قوّة. بفرضه، في آن واحد، أن تكون كلّ تدابير التنفيذ الإجباري الممارسة على أساس الحكم التحكيمي المكتسي الصيغة التنفيذية (وليس فقط التدابير التحفظية المتّخذة قبل الحكم التحكيمي) مسموح بها من القاضي، وألاّ يمكن أن تتعلّق "بأموال مستخدمة لأغراض الخدمة العامة غير التجارية" إلاّ في حال التنازل الصريح، وحتّى في ما يتعلّق بأموال ديبلوماسية، وخاصّة الحصانة ضدّ التنفيذ، يكون المشرّع قد حرمها تقريباً من كلّ الفعاليّة لثلاثة أسباب على الأقلّ.

أوّلاً، لا يمكن الحصول على الإذن إلاّ بطلب مدعّم الذي سيأخذ وقتاً لتتمّ صياغته ودراسته من القاضي حتّى لو كان قُدّم بشكل عريضة، ممّا سيعرّض للخطر التدابير الطارئة. ثانياً، سيجرّد التدابير المرتقبة من أثر المفاجأة الأساسي، بما أنّه في حال إستئناف قرار رفض إعطاء الإذن يكون وجود النائب العام إلزامي. ثالثاً، أكثر الأحيان يستحيل عملياً التمييز قبل الحجز بين الأموال الناشئة عن النشاط التجاري من تلك التي تنتج من الخدمة العامة، بما أنّ الحجوزات تُقام بشكل عشوائي. وحتّى بعد الحجز، نعلم جيّداً أنّ الحسابات المصرفيّة للسفارة، بشكل خاص، تحتمي غالباً تحت أسماء عامّة، ما يثير ارتباكاً إرادياً في تعيين الأموال الموجودة فيها.

ولكن هناك أسوأ: هذا القانون يطيح قاعدتين قضائيتين مستحسنتين: الأولى تتعلّق بأثر إختيار التحكيم الذي يؤدّي إلى التنازل عن الحصانات القضائية والحصانات ضدّ التنفيذ، بما في ذلك من خلال الإنضمام إلى نظام تحكيم مألوف . الثانية، الأكثر حداثة، والمتعلّقة بالتنازلات الصريحة عن الحصانات ضدّ التنفيذ التي تتمتّع بها الدول التي ليست في حاجة الى أن تكون متميّزة.  ها هما قاعدتان ملغيتان بهذا القانون الجديد، الذي يبدو أنّ تعليلاته ودوافعه لا تستند إلى الأمر الواقع.

فرنسا، الأرض المؤاتية للّجوء إلى التحكيم، لا ينبغي أن تصبح الملاذ الحامي للدول المحكوم عليها، وأن تقارب الأموال المكتسبة على نحو غير صحيح، الأحكام التحكيمية عديمة الفائدة.

 

B- إتّفاق التحكيم:

كما رأينا للتّو، إنّ قانون قضاء القرن الحادي والعشرين قد أقام تعديلين للمادة 2061 من القانون المدني بشأن البند التحكيمي الذي يتعلّق في آنٍ واحد بقابلية التحكيم والحجيّة تجاه الأطراف الضعيفة. هناك مسألتان فصلت محكمة التمييز فيهما بفارق أسبوع واحد بقرارين في 6 و13 يوليو 2016.

في القرار الأوّل ، كانت المسألة تتعلّق بقابليّة التحكيم لنزاع ناشئ عن عقد يتضمّن بنداً تحكيميّاً، إنّما الدعوى أُقيمت من وزير الإقتصاد إستناداً إلى المادة L. 442-6 III، من قانون التجارة. نعلم بناءً على هذا النصّ، أنّه بإمكان وزير الإقتصاد أن يقضي بإبطال بعض البنود التعاقدية التي يعتبر أنّها مقيّدة للمنافسة. لكن عندما يتضمّن العقد، إضافةً إلى ذلك، بنداً تحكيمياً ينصّ على أنّ كلّ النزاعات التي يمكن أن تنشأ ستتمّ تسويتها عن طريق التحكيم، هل يكون الوزير، هو أيضاً، ملزم باللّجوء إلى التحكيم؟ مفهوم التساوي في الدعوى والمهيمن في التحكيم قد يشجّع على التفكير بهذه الطريقة. في الواقع، من أراد أن يطعن في عقد عليه أن يحترم البند المتعلّق بالنزاع المُدرج في هذا العقد، وذلك يطبّق على الجميع، سواء كان طرفاً أو وزيراً. لكن هذا الحلّ مفرط. أوّلاً، لأنّ الوزير ليس طرفاً في العقد، وبإمكاننا حتّى القول أنّه يتدخّل بوجه أطراف العقد، وهما هنا Apple وOrange. وثمّ، لأنّه يقاضي في إطار مهمّته الوزارية في تنظيم السوق وكونه القيّم على الحفاظ على النظام العام الإقتصادي (J.-C. Roda, préc.). وهذا هو ما قرّرته محكمة التمييز في القرار المعلّق عليه، وحتّى أنّها ذهبت أبعد من ذلك بإعتبارها أنّه كان هناك إحدى الحالات النادرة لعدم التطبيق الصريح للبند التحكيمي. تضيف محكمة التمييز أنّ الدعوى الوزارية هي مستقلّة ومخصّصة لقضاء الدولة، ويضيف الفقه أنّها تساوي القواعد الإلزامية (L. d’Avout, préc.).

هذا الحلّ، الذي لا يمكننا إلاّ الموافقة عليه، يجب أن لا يُخلط مع قرار آخر لذات الغرفة الأولى المدنية لمحكمة التمييز الصادر قبل بضعة أشهر في ما يتعلّق بذات المادة L. 442-6 III، من قانون التجارة التي سمحت بإمكانية إخضاع دعوى للتحكيم بسبب فسخ العلاقات التجارية القائمة .  الفرق بالنسبة القرار المعلّق عليه هو بالتحديد أنّ الدعوى كانت مُقامة من طرف وليس من وزير. هذا هو إذاً معيار التمييز: عندما تنشأ الدعوى عن طرف، يُطبَّق البند التحكيمي؛ وعندما تنشأ عن وزير الإقتصاد، لا يطبّق. وبعد كلّ شيء، إنّه منطقي، بما أنّه لم يوقّع عليه. هذا ليس إلاّ التأثير النسبي للعقود.

أيضاً، إنّه ما كرّرته بعد أسبوع محكمة التمييز باعتبار أنّ ذات المادة L.442-6 من قانون التجارة لا تمنح الإختصاص الحصري في المسائل المتعلّقة بالممارسات المقيّدة للمنافسة عندما يضع النزاع طرفين في المواجهة . إنّ الإختصاص الحصري لمحاكم الدولة، يعود للدولة. من الواضح أنّها منزعجة من هذا السبب وترغب ألاّ يعرض عليها، كان جواب محكمة التمييز مختصراً ولاذعاً: "حيث أنّ الإعتراض ليس من شأنه أن يؤدّي إلى التمييز بشكل واضح". نقطة على السطر!

هذا القرار يشمل فائدة ثانية. إنّها المرّة الأولى التي تفصل فيها محكمة التمييز في فعالية اتّفاق التحكيم المحتج بها أمام طرف مفلس. لكن المسألة تُطرح على نحو متزايد . إنّ الإفلاس المزعوم يعود لتصفية الشركة المدّعية؛ حيث أنّ المصفّي يزعم أنّه لا يستطيع التصدّي لتكاليف التحكيم ويدعو إلى الإمتناع عن الحكم. بالتالي، السؤال هو سواء يجب الحفاظ على البند التحكيمي مهما كلّف الأمر أو إذا كان باطلاً؟

نعلم أنّ قضاة الأساس قرّروا فعلاً في الماضي أنّ إفلاس طرف ليس من شأنه أن يسقط التحكيم  ولكنّهم قرّروا أيضاً العكس . في القانون المقارن، الحلّ ليس متجانساً، ومثال على ذلك، في ألمانيا، إنّ عدم الملاءة المالية لطرف في إتّفاقية التحكيم يجعلها مباشرةً "غير قابلة للتنفيذ". 

إحدى خصائص القضية المعلّق عليها تعود أيضاً إلى حقيقة أنّها المرّة الأولى، بعلمنا، يتّخذ فيها الإفلاس المزعوم شكل تصفية. وبالتالي، كان هناك خطر بأن تزعم في المستقبل كلّ الشركات التي هي قيد التصفية، أي قيد التقويم، أنّها بحِلّ من إتّفاقية التحكيم. تمّ استبعاد هذا الخطر بجواب واضح وصريح من محكمة التمييز: عدم قابلية التطبيق الواضح للبند التحكيمي لا يمكن استنتاجه من الإستحالة المزعومة للمصفّي (...) للتصدّي لتكاليف دعوى التحكيم".

من هذا الحلّ بإمكاننا استنتاج ثلاث تعليمات: أوّلاً، إنّ التدقيق في الإفلاس ليس من

ضمن الرقابة الصريحة لتطبيق إتّفاقية التحكيم، يجب أن تكون هناك رقابة أكثر، وتكون وحدها الهيئة التحكيمية مختصّة للقيام بذلك. ثانياً، لا يكفي أن يكون المرء في حالة التصفية، أي معسّراً، كي يتهرّب من اتّفاقيّة التحكيم، بل أيضاً عليه إظهار بشكل محدّد أنّه لا يمكن التصدي فعلياً للتكاليف التي التزم تسديدها. أيضاً، إنّ محكمة التمييز أعلنت الحلّ ذاته في قرار صدر منذ وقت قريب . لكن، حتّى في هذه الحالة، ليس بالإمكان التملّص من مبدأ إختصاص- اختصاص، لأنّ التعثر المالي لطرف لا يسمح بأن يكون ميزة لعدم قابلية التطبيق الواضح لإتّفاقية التحكيم، ما لم يتمّ التمييز بين الإفلاس المزعوم والمثبت . ثالثاً، يتوجّب على المعسر العثور على الموارد كي يفي بإلتزامه اللّجوء إلى التحكيم. لكن يجب إذاً أن يكون له سبيل الوصول إلى حلول وقتية. أمّا في السنوات الأخيرة تحديداً، نرى مضاعفةً في الحلول التمويلية الجديدة المخصّصة لهذا النوع من الحالات.  نفكّر بشكل خاصّ بتدخّل الشخص الثالث المموّل، في تطوير المعونة القضائية الخاصّة بالتحكيم (إنّ غرفة التجارة الدوليّة هي في طور وضع هكذا آلية)، أو في المهام المتعلّقة بالمصلحة العامّة التي يقوم بها محامون، وأحياناً بالتعاون مع الجامعات.

 

C- الهيئة التحكيمية:

1- مبدأ الاختصاص بالاختصاص:

منذ عدّة سنوات ومسألة تطبيق البند التحكيمي متعلّقة بمسألة إختصاص الهيئة التحكيمية. بالدفاع عن القاضي العدلي بإبداء رأيه إذا كانت قد رُفعت القضية أصلاً إلى الهيئة التحكيمية أو إذا لم تكن إتّفاقية التحكيم باطلة أو غير قابلة للتطبيق بشكل صريح، يكون للقانون الموضوعي تأثير في الخلط بين الإعتراضات المتعلّقة بإتّفاقية التحكيم وبين الإختصاص. نرى ذلك أيضاً في قرار حديث لمحكمة التمييز التي تأخذ مرّة أخرى بتفسير ضيّق جداً للصفة الباطلة بشكل واضح للبند التحكيمي. حتّى ولو كان مدرجاً في وثيقة غير موقّع عليها، فإنّ ذلك غير كافٍ لإعتباره باطلاً بشكل واضح لاستبعاد إختصاص الهيئة التحكيمية . كما سبقت وقرّرته محكمة التمييز، إنّ العقد غير المبرم – الذي يختلف عن العقد غير الموجود– يخضع للبند التحكيمي الذي يتضمّنه .

إنّه مجدداً اختصاص الهيئة التحكيمية الذي كان موضوع قرار صادر منذ وقت قريب . في هذه القضية، نادي كرة القدم سوشو قدّم دعوى مسؤولية مدنية أمام المحاكم القضائية الفرنسية ضدّ الإتّحاد الأمريكي لكرة القدم بسبب ضرر أصيب به أحد لاعبيه جرّاء حادث سيّارة في حين كان هذا الأخير في الولايات المتّحدة للعب مباراة دولية مع منتخبه. احتجّ الإتّحاد الأمريكي ضدّ البند التحكيمي المُدرج في نموذج طلب المشاركة في استحقاق كأس العالم لكرة القدم الذي وقّع عليه نادي كرة القدم سوشو والذي يحيل إلى إختصاص محكمة التحكيم الرياضية أن "تبتّ النزاعات (المتعلّقة بشكل خاص في النموذج الحالي لطلب النوادي) الناشئة بين النادي والفيفا و/أو الإتّحادات". هل يدخل التعويض عن الضرر المتعلّق بحادث السير هذا ضمن هذه الفئة؟ إنّ قضاة الأساس، ومن ثمّ محكمة التمييز أجابوا أنّ في كلّ الأحوال، إنّ البند التحكيمي، على أقلّ تقدير، ليس غير قابل للتطبيق بشكل واضح. ويكون بالتالي على المحكّم أن يقول ذلك. إنّ إمتداد الإختصاص التحكيمي إلى المسؤولية المدنية التقصيرية ليس بأمر جديد ويمكن القبول به. وسيكون أكثر من ذلك في هذه الحالة، ولا سيّما أنّ نصّ البند واسع جداً، وخاصّةً بإستخدام عبارة "خصوصاً".

لكن، كلما كان الإختصاص التحكيمي واسعاً، أصبح من الضروري التأكّد من حقيقة الرضا. والحالة أنّه في أغلب الأحيان في المسائل الرياضية، لا يقدّم الطعن أمام محكمة التحكيم الرياضية بإختيار حرّ وواضح. هكذا، وكما بيّن شخص منذ وقت طويل بشأن انضمام رياضي إلى النظام التحكيمي الخاصّ بالإتّحاد الرياضي التابع له: "إذا لم يكن يريد ممارسة رياضته بكلّ صلابة وحدّة، في حديقته، دون منافسة ولا شركاء، لن يكون لهذا الرياضي الخيار بكلّ بساطة". 

هذا النهج الذي أصبح كلاسيكياً في مراقبة إختصاص المحكّمين يتضاعف بجيل جديد من المسائل منذ وصول الأحكام الصادرة في مسائل التحكيم الإستثماري أمام المحاكم القضائية. في حين أنّها كانت في أغلب الأحيان محصورة في شكل مراقبة داخلية، خاصّةً في وسط المركز الدولي لتسوية النزاعات المتعلّقة بالإستثمارات (CIRDI)، فإنّنا نرى أكثر فأكثر هذه الأحكام بنوع مختلف خاضعة لمحكمة الإستئناف في باريس بشكل خاصّ، ولا يمكننا إلاّ أن نُسرّ بذلك. لطالما كان مستبعداً من التحكيم المتعلّق بالإستثمار، يُدعى القاضي العدلي، حسب الطعن، أن يراقبه بصورة منتظمة، كما يفعل في التحكيم التجاري الدولي – الأمر الذي يعطيه كلّ قوّته. هذا التطوّر دقيق للغاية في الفترة الممتدّة ضمن الإطار الزمني للبانوراما التي أصدرت محكمة الاستئناف في باريس خلالها ثلاثة قرارات، فقط بشأن مراقبة تطبيق معاهدات الاستثمار الثنائية. أيضاً، هذا "الإجتهاد" التحكيمي الذي تطوّر في إطار المفاهيم الرئيسية للتحكيم في النزاعات الاستثمارية كمفهوم "المستثمر" و"الاستثمار" و"الأجنبي"، الخ، الواردة اليوم أمام محكمة الاستئناف التي سوف تقوم بتحديد تفسيراتها.

كذلك، ستقوم بذلك في مسائل مراقبة الإختصاص، كما ذكرته في إحدى القرارات المُثارة، فتمارس بالتالي، حسب إجتهاد Abela  رقابة "تسمح لها بالبحث في كلّ الأدلّة القانونية والواقعية التي تمكّنها تقدير نطاق إتّفاقية التحكيم. وأضافت محكمة الإستئناف: "الأمر ليس مختلفاً عندما يعيّن المحكّمون بالإستناد إلى معاهدة".  بالتالي، أصبح كلّ شخص يعلم ما يلتزم به.

وهكذا، بممارسة رقابتهم، لم يتردّد القضاة الباريسيون بإبطال الحكم التحكيمي الصادر لصالح الشركة الأوكرانية ضدّ جمهورية مولدوفيا بإعتبار أنّ الهيئة التحكيمية غير مختصّة، لأنّه لم يكن هناك استثمار بالمعنى المنصوص عليه في معاهدة الإستثمار المطروحة، معاهدة ميثاق الطاقة TCE. في الواقع، إنّ الديون، التي تعتبر الشركة الأوكرانية أنّها حرمت منها بمخالفة لمعاهدة ميثاق الطاقة TCE والتي بموجبها تطالب بتعويض، لم تكن متعلّقة باستثمار، في حين أنّه كان مفترضاً أن تكون كذلك بموجب تفسير معاهدة ميثاق الطاقة TCE المعترف به من محكمة الإستئناف . بممارستها مراقبة دقيقة لنظرية الإستثمارات، في خمس مراحل ، اعتمدت المحكمة مفهوماً موضوعياً لهذه النظرية، منضمّةً بذلك إلى رئيس الهيئة التحكيمية الذي كان المحكّمون الآخرون يفوقونه عدداً، إلى حدّ أنّه كتب رأياً مخالفاً، وهو نادر بما فيه الكفاية لإثارته.

بالعكس، وبممارستها الرقابة ذاتها، ردّت محكمة باريس طلب إبطال الحكم التحكيمي بسبب عدم اختصاص الهيئة التحكيمية المشكّلة من قبل الجمهورية الأوكرانية، رافضةً اعتبار أنّ جمهورية تتارستان هي بذاتها وراء شركة ناشئة حسب قانون هذه الدولة المدّعية، ممّا كان سيستبعد تطبيق معاهدة الإستثمار الروسي-الأوكراني. المستثمر لا يستطيع في الواقع أن يكون دولةً أو عضواً في الدولة (هنا، تتارستان هي عضو في فدرالية روسيا) المتعاقدة في معاهدة لحماية الإستثمار، إنّما فقط من رعايا إحدى الدول بالنسبة للإستثمارات الحاصلة على أرض الدولة الأخرى المتعاقدة.

أخيراً، سوف نشير إلى قرار آخر صادر عن محكمة الإستئناف في باريس في مسألة التحكيم في قضايا الإستثمار الذي، إذا لم يكن متعلّقاً بالإختصاص، يبيّن الدور الجديد للقاضي في مراقبته هذا النوع من التحكيم المختلف عن التحكيم التجاري التقليدي، الذي يبطل حكماً تحكيمياً صدر ضدّ جمهورية مدغشقر لمخالفة مبدأ الوجاهية، لسبب كلاسيكي وهو أنّ الهيئة التحكيمية قد استبدلت سبباً للتعويض بآخر.

 

2- إختصاص القاضي المساعد:

إنّ شروط تدخّل القاضي المساعد معروفة ومنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية ومفسّرة بشكل واسع في الإجتهاد. وبسبب سخاء زائد، أُحيل قرار صادر عن القاضي المساعد إلى محكمة الإستئناف في باريس. ودون إعادة سرد هنا كلّ وقائع القضية الشاذة من عدّة نواحٍ والملخّصة في خانة السنة الماضية ، نذكّر أنّ القاضي المساعد قد ألزم مركز التحكيم إعادة إجراءات التحكيم التي كانت قد انقطعت بسبب عدم سداد الطلب الجديد للأتعاب وإعادة وضع طلبات الطرف المعسر. باستناده إلى حقيقة أنّ الطالب كان قد أصبح معسراً، وكان قد دفع أموالاً طائلة، اعتبر القاضي المساعد أنّ هناك خطراً من الإمتناع عن المحاكمة الذي يبرّر تدخله على الرغم من اختيار الأطراف في التحكيم المؤسّساتي الذي في المبدأ يستبعد القاضي المساعد. إذاً، فإنّ المسألة كانت معرّفة إذاً بإمكان القاضي المساعد تأسيس إختصاص على الإمتناع عن المحاكمة، كما فعل في القضية المشهورة Nioc   حيث تم تكريس الحلّ في قانون المرافعات المدنية في المادة 1505,4°، ولكن هذه المرّة بوجود مركز تحكيم.

إنّ "تجاوز حدود السلطة" يعيب محكمة الإستئناف التي تبطل المرسوم الرئاسي . كانت العقبة الأولى التي على المحكمة أن تتجاوزها تلك المتعلّقة بإختصاصها بما أنّه ليس هناك، في المبدأ، أي طعن ضد قرارات القاضي المساعد، إلاّ عندما يرفض تعيين محكّم (المادة 1460 فقرة 2)، ممّا لم يكن المشكلة هنا. إذاً، إستخدم المدّعي بصورة ملائمة الطعن بالإستئناف والإبطال الذي كان الإجتهاد قد سمح به في حالة تجاوز حدود السلطة . وبالتالي كنّا في هذا الإطار.

ومن المثير للاهتمام أن نذكر أن أساس تجاوز حدود السلطة ليس، كما قد يعتقد المرء، أن يكون مركز التحكيم في المبدأ وحده مختصّ في حلّ المسائل المتعلقة بالأتعاب، إنّما أن لا يكون القاضي المعيّن هو القاضي المطلوب. في الواقع، إنّ تحديد القاضي صاحب الإختصاص لم يكن واضحاً. إضافةً إلى قاضي الأمور المستعجلة الكلاسيكية، هناك حلان لمواجهة ما كنّا نعتبره أنّه يتعلّق قبل كل شيء بمشكلة في تشكيل الهيئة التحكيمية أو بمشكلة في تنفيذ العقد التنظيمي للتحكيم. إنّ القاضي المساعد قد اختار الإجابة الأولى، في حين أنّ محكمة الاستئناف اعتمدت الثانية. إذاً إنّها تحيل إلى قاضي عقد تنظيم التحكيم، أي قاضي القانون العام.

وهكذا تكون محكمة الإستئناف قد غلّبت الطابع التعاقدي للعلاقة بين المتنازعين ومركز التحكيم على الطابع الإجرائي الخاص بالدعوى التحكيمية التي يرعاها مركز التحكيم. هذا الحلّ له الفضل في جعل عقد تنظيم التحكيم أكثر استقلالية وتكثيف الإلتزامات التي تتضمنّه. لكنّه يظهر مساوئ إيقاف الدعوى التحكيمية وإلزام الطرف بالتقاضي إستناداً إلى المسؤولية المدنية التعاقدية ضدّ مركز التحكيم – ولم تكن النيّة هكذا هنا-، وانتظار صدور حكم في هذه الدعوى، ومع استئناف ربّما، من أجل تأكيد الطابع المزعوم أنّه مفرط للأتعاب التي كان قد التزم بها مقابل الخدمة المقدّمة، قبل إمكانية أمل مواصلة الدعوى. في هذه الأثناء سيكون الوقت قد مرّ.

إحدى تفسيرات هذا الحلّ تتمسّك بدون شكّ بالطابع الغيابي بشكل جزئي للدعوى القائمة أمام القاضي المساعد. صحيح أنّه قد يبدو غير عادي ألاّ يُسمع الطرف الآخر، المعنيّ بشكل مباشر بإعادة الدعوى التحكيمية وقبول طلبات خصمه. من جهة أخرى، أنّه ما يبيّنه في الأخير القرار المعلّق عليه الذي يعتبر هنا، على نحو صحيح، إنتهاكاً لمبدأ الوجاهية. ربّما هذا هو السبب الوحيد الذي يبرّر هذا القرار.

 

3- إستقلال المحكّم:

في كلّ بانوراما، ترافقها مجموعة من القرارات حول المسألة التي ما زالت معقّدة والمتعلّقة باستقلالية المحكّم. لكن منذ بضع سنوات، شهدنا تغيّراً في ناحية معالجة المشكلة. نعلم

أنّ الإفصاح قد أخذ مكاناً غالباً في تحليل الإستقلالية، حتّى ولو في النهاية، لم يحلّ محلّه

تماماً بما أنّه في القانون الوضعي، وكي يُبطل الحكم التحكيمي، عدم الإفصاح عن الوقائع الفرعية يجب أن يمتد بتبيان أثره في حلّ النزاع، حتّى ولو أنّ هذا الدليل من شبه المستحيل الحصول عليه.

لكن الآن إنّه معيار الإفصاح بذاته الذي أصبح على شفير أن يتمّ تجاوزه بدوره. إنّ المسألة هي أقلّ فأقلّ معرفة ما إذا كانت الوقائع المتنازع فيها تمّ الإفصاح عنها، وأكثر التساؤل إذا كان تفاعل الطرف الذي يتمسّك بها حصل في الوقت المناسب. إنّ موجب التفاعل يبدو بالفعل أنّه يمتدّ تدريجياً، إذا لم يكن قد حلّ محلّ موجب الإفصاح. هناك عدّة قضايا حديثة تبيّنه. تدور هذه القضايا حول القاعدة، التي نُصّ عليها في المادة 1466 من قانون المرافعات المدنية، التي تقضي أنّه عندما لا تُثار مخالفة إجرائية في الوقت المناسب، فإنّ ذلك يؤدّي إلى التنازل عن التمسّك بها لاحقاً. وأيضاً، محكمة الإستئناف في باريس ذكرت ذلك بشكل متكرّر في سلسلة من القرارات في اليوم ذاته بشأن لجنة التحكيم للصحافيين في ملف متعلّق بالمجلّة اليومية  La Provence. 

في حين أنّه، لنكون أكثر دقّة بعد، لا يجوز الإتّهام بعدم وجود أي تفاعل إلاّ إذا كانت الوقائع المتنازع فيها معروفة من الطرف المشتكي. إلاّ أنّ هذا الأخير سيكون من مصلحته التظاهر بأنّه لا يعلم بها. لذلك، بتصفية المشكلة أكثر، أصبحت المسألة تدور حول معرفة، ليس إذا كانت هذه الأدلّة معروفة، بل إذا كان من الواجب معرفتها، إمّا لأنّها كانت معلومة، أو لأنّها كانت من السهل الوصول إليها. إذاً يتعلّق الأمر بعدم التساؤل إلاّ عن مدى سهولة الوصول إلى الوقائع المتنازع فيها ونظراً لحداثة العصر، فالجواب يتوقّف تقريباً على عدد الكبسات للوصول إلى المعلومة. وبالتالي، نشهد عملية بحث على الموقع الإلكتروني غوغل Google عن مسألة استقلالية المحكّم.

مع ذلك، في قرار متوقّع صدوره، ذكّرت محكمة التمييز، بعد محكمة الإستئناف  أنّ "الواقعة ليست معلومة لأحد أطراف التحكيم"، "إنّ موجب الإنخراط في تحقيقات بشأن استقلالية المحكّم لا يقع على عاتق هذا الطرف، نظراً للضمانات التي قدّمها المحكّم عند إفصاحه" . في هذه القضية الحسّاسة، والتي سبق أن تمّ التعليق عليها في هذه الخانة، إنّ الوقائع غير المفصح عنها تتعلّق بالشركاء في مكتب محاماة المحكّم الفرد. لم يكن هناك أي سبب لعدم اعتبار أنّ تصريح الإستقلالية هو غير مكتمل. وكان الإستقصاء الإضافي تقريباً ضدّ الطبيعة.

إنّه النوع ذاته للعلاقات الذي نجده في القضية Tecnimont، القرار الخامس في هذه المسألة التي تمّ إصداره. هنا أيضاً، نبتعد خفيةً من موجب الإفصاح إلى موجب التفاعل. وهكذا صدر في القرار المعلّق عليه، حكم تحكيمي، أبطلته منذ تسع سنوات محكمة الإستئناف في باريس، حيث نُقِض القرار، قبل أن تتشبّت محكمة الإستئناف في ريمس، وأن ينقض قرارها أيضاً. إنّ الإفصاح المتقن للمحكّم في هذه القضية لا يهم في نهاية المطاف، وهذا ما قالته لنا محكمة الإستئناف في باريس، لأنّ "المعلومات المزعومة التي تدعم طلب الردّ كانت عامّة وبمتناول الجميع، إذ أنّه كان من السهل الوصول إليها والأبحاث المزعومة من أجل اكتشافها كان من الممكن البدء فيها بوقت سابق".  إذاً، كان من واجب الأطراف التحرّي. حظاً موفقاً لهم...

أما بالنسبة الى حقيقة أن العناصر التي لم يكشف عنها قد ظهرت في وقت لاحق لتعيين المحكم"، "ليس من شأنها أن تؤدّي إلى تفاقم الشكوك بشكل كبير حول استقلالية ونزاهة المحكّم". هذه الجملة الأخيرة لا تترك مجالاً لأي مفاجأة: بما أنّ الطرف لم يتفاعل في الوقت المناسب، لا يمكنه أن يثير بعد ذلك حتّى الأدلّة الأقلّ أهميّة، حتى لو لم تكن قد كُشفت ولم يكن من السهل الوصول إليها. إنّ عدم التفاعل بالنسبة الى الوقائع التي كان يجب أن تُعرف -على الرغم من أنّه تم تجاهلها- يبدو أنّه يغربل وينقي الوقائع اللاحقة الأقل خطورة، ولكن التي كان بالإمكان اكتشافها. بتحدّيه قوانين الفيزياء، يُعتبر الجمود هنا أنّه بقوة عشرة أضعاف.

وأيضاً، إنّ الحلّ معتمد في قرار آخر أقلّ أهميّة صدر عن محكمة التمييز  ينصّ بشكل صريح أنّ "التصفّح البسيط لمواقع الإنترنت التي يمكن الوصول إليها بحريّة" تسمح "بمعرفة كافّة العلاقات (...) بين المحكّمين والمستشارين"، وأنّ "الوضع معروف". إضافةً إلى ذلك، سوف تهمّ هذه القضية الجامعيين الذين يساهمون في دعاوى تحكيمية كالمحكّم مثلاً، أو الهيئة أو المستشار وفي بعض الأحيان مع الزملاء في الجامعة ذاتها. في هذه القضية، كتب عميد أكاديمية دولة القانون في الأورال استشارة مقدّمة من أحد الأطراف. في حين أنّه في الهيئة التحكيمية، جلس أحد زملائه الذي كان مديراً لمعهد قانون الأعمال في هذه الأكاديمية. إدّعى مقدّم الطلب أنّ هذه الصلة لم يفصح عنها في حين أنّ المستشار لديه سلطة تراتبية لعزل زميله. وبالتالي، كانت إستقلالية المحكّم معرّضة للخطر لأنّه كان يلزمه بعض الشجاعة للدفاع ضدّ هذه الإستشارة. في الحقيقة، إنّ الحجّة ليست مجرّدة من الأهميّة. ولكنّ تمّ استبعادها من محكمة التمييز، ليس بالإستناد إلى الأساس، إنّما بسبب أنّ الإنتماء إلى ذات الأكاديمية كان وارداً على الموقع الإلكتروني الخاص بها. وهنا أيضاً، كان على الأطراف الإستعلام. وهذا ما يجب أن يُطمئن الجامعيين العاملين في دعاوى تحكيمية.

قرار آخر لمحكمة التمييز يوضح واجب الإستعلام الواقع على عاتق الأطراف . إذا كان من الممكن الإستنتاج من قرارAGI  (النظر أعلاه) أنّه بسبب تصريح الإستقلالية لا يوجد سبب لإجراء تحقيقات إضافية، فماذا عن حالة عدم وجود هكذا تصريح؟ هذا هو السؤال الذي طُرح على محكمة التمييز في القضية المتعدّدة الجوانب Nykcool. في هذه القضية، إنّه مركز التحكيم الذي قدّم إعتراضاً ضد القرار القاضي بردّ إعتراض الغير ضدّ القرار المبطل للحكم التحكيمي الصادر بموجبه. تمّ إبطال هذا الحكم لأنّ المحكّمين لم يقدّموا أي تصريح عن الإستقلالية . زعم مركز التحكيم أنّ الدعوى كانت متأخرة جداً بالنسبة للمهل الواردة في نظام التحكيم الخاص به (خمسة عشر يوماً). لكن محكمة التمييز أجابت على نحو صحيح أنّه بعدم وجود إعلان عن الإستقلالية، لا تبدأ المهلة بالسريان. التفاعل لا يؤخذ بعين الإعتبار إلاّ ابتداءً من الإفصاح عن الواقعة المتنازع عليها أو من الوقت الذي تصبح فيه المعرفة ممكنة. فسيكون إذاً خطأً أنّ السكوت يحمي. بالعكس: إذا لا شيء لدينا للافصاح عنه، فإنّ ذلك لا يعني أننا يجب أن نسكت.

 

د- الحكم التحكيمي:

1- الرقابة:

اقترب كثيراً هذا البانوراما أن يستعفي من الفقرات التالية. في ليل 18 حتّى 16 مايو 2016، في الجمعية الوطنية، وفي جلسة علنية، وخلال مناقشة حول قانون قضاء القرن الحادي والعشرين، قدّم مقرّر النصّ تعديلاً صيغ كالآتي:" في نهاية المادة L. 311-11 من قانون التنظيم القضائي أُضيف: 4º: "الأحكام التحكيمية الدولية أو ضدّ الأوامر بتنفيذ الأحكام التحكيمية الدولية، بصرف النظر عن موضوع النزاع، القواعد التي تطبّق عليها ومقر الهيئة التحكيمية التي أصدرت الحكم التحكيمي المطروح". ولكن في حين كانت جميع الجهات الفاعلة موافقة، وزير العدل ورئيس لجنة القوانين ومقرر النص ومن صاغ التعديل، فإنّ تدخلاً إلهياً أو جمهورياً لا يستطيع منع هذا التبسيط الذي يترقّبه الجميع، أو تقريباً الجميع.

لذلك علينا أن نعود إلى حالة القانون السابق حيث نواجه مفهومين للتحكيم الدولي المتعلّق بالعقد الإداري. المفهوم الخاص بالنظام القضائي لأن التحكيم دولي، ومفهوم النظام الإداري لأنّ العقد إداري. ورغم الجهود التي تبذلها محكمة تنازع الإختصاص في محاولة تقسيم هذه الدعوى، فإن الحالة لا يمكن فصلها مع تعارض في قرارات الاختصاص في بعض الأحيان. حتى وقت قريب، في ذات القضية، Ryanair، فإنّ محكمة التمييز  ومجلس الدولة  اعتبرا ذاتهما مختصّين أيضاً في ما يتعلّق بأمر تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي ذاته الصادر في إنكلترا، والمتعلّق بعقد إداري، ومحكمة الإستئناف في باريس، الناظرة في استئناف لأمر بالتنفيذ، قد أحالت الدعوى من جديد إلى محكمة تنازع الإختصاص  في حين أنّ المحكمة الإدارية في بوردو قرّرت أنّ القضاء الإداري غير مختصّ .

بعد يوم واحد من هذا الحجز، أصدر مجلس الدولة قراراً جديداً يلغي بشكل جزئي حكماً تحكيمياً دولياً صدر تحت رعاية غرفة التجارة الدولية بين الشركات التجارية الفرنسية والأجنبية بسبب خطأ قانوني في ما كان يُعتبر قاعدة إلزامية في قانون المشتريات العامة . بذلك، حتّى لو قرّر عدم إعادة المحاكمة في القضية – ممّا هو أمر جيّد-، فتح مجلس الدولة مجالاً آخر لمراقبة الأحكام التحكيمية الدولية، وفقاُ لقواعده الخاصة، التي تختلف عن قواعد القضاء العادي. إضافةً إلى ذلك، وخاصّةً عن طريق مراقبة النظام العام الذي له مفهوم واسع، يراقب الأحكام التحكيمية في الأساس، وهو الممنوع بموجب الإتّفاقيات الدولية. يجب الإشارة إلى أنّه تمّ حضه على اتّخاذ هذا القرار من قبل محكمة تنازع الإختصاص التي لجأ إليها مجلس الدولة ، قد كرّر اجتهاده Inserm.  وبالتأكيد من الجدير التذكير بالإختصاص المبدئي للقضاء العدلي، ولكن المصحوب باستثناءات حيث تفسيرها بعمق من مجلس الدولة يفرّغه بشكل تدريجي. بإعتباره أنّ عقداً مبرماً بين مجموعتين خاصّتين، حيث إحداهما أجنبيّة، يتعلّق ببناء محطة للغاز الطبيعي المسال على شبه الجزيرة Fos Cavaou، ناشئ عن نظام إداري من النظام العام، يبدو أنّ محكمة تنازع الإختصاص لها تفسير واسع جداً بحجم القواعد الإلزامية لقانون المشتريات العامة. بالتأكيد، تضع نفسها في وقت إبرام العقد، في عصر Gaz de France، الذي كان في وقتها مؤسسة عامّة ذات طابع صناعي وتجاري. لكن في هذه الأثناء، من جهة، تحوّلت المجموعة إلى شركة مساهمة، ومن جهة أخرى، تمّ التّفرّغ عن العقد إلى شركة خاصّة. ولم يكن إلاّ بعد عدّة سنوات، أن تمّ إيراد بند تحكيمي في تعديل بين الشركات الخاصّة تماماً. بصرف النظر عن ذلك، أجابت محكمة تنازع الإختصاص أنّ ذلك هو من إختصاص القضاء الإداري. وهكذا يكون اختصاص مجلس الدولة مراقبة القرار من حيث الأساس.

غير ذلك هو التقدير الذي من الممكن أن ننسبه الى موضوع قضية

Broadband Pacifique بما أنّ المسألة ليست تحديد القضاء المختصّ من أجل بتّ حكم تحكيمي دولي، إنّما معرفة إذا كان بإمكان المدير الأعلى لجزر Wallis-et-Futuna إيراد بند تحكيمي في عقد تشغيل من قبل مشغّل خاص لشبكة الإتّصالات الإلكترونية. بقدر ما هو مؤاتٍ في التحكيم، نقع هنا تحت وطأة منع التحكيم في المسائل الداخلية، إلاّ في حالة المخالفة، في الأعمال الإدارية ذات الطرف الواحد التي تنطوي على إمتيازات السلطة العامة. بالتالي، إنّ محكمة تنازع الإختصاص قد أحالت إلى القضاء الإداري  ومجلس الدولة أبطل .

بربط بعضها البعض، من الواضح أن هذه القضايا تكشف: أنّ القضاء الإداري، والذي يمكن ربط محكمة تنازع الإختصاص به على قدر ما هي مشابهة له، هو أيضاً غير مريح في ما يتعلق بالتحكيم الدولي كونه في مكانه الطبيعي في المسائل الداخلية. بإستثناء المخالفات الإستثنائية، التحكيم لا علاقة له، وليس لأحد إلاّ القاضي الإداري أن يذكره بذلك. على العكس، في المسائل الدولية، وخاصّةً التجارية، فإنه ليس التحكيم الذي هو غير مرحّب به، إنّما المحكمة الإدارية.

 

2- الطعون:

في كثير من النواحي، تشكّل قضية Tapie نوعاً من مختبر لقانون التحكيم، ممّا يفسّر أيضاً الإنفعالات التي أثارها. هناك العديد من الأسئلة غير المسبوقة التي أثارتها هذه القضية. لإعطاء بعض الأمثلة: هل شركة تجارية مراقبة بشكل تام من قبل مؤسسة عامة إدارية لها أهلية التسوية؟ هل يمكن دعم الطعن بإعادة النظر بسبب الغش بمستندات ناتجة من تحقيق جنائي جارٍ؟ هل القرار الصادر بشأن إعتراض الغير مقدّم من رابطة دافعي الضرائب الذي لا يثير تلقائياً الطابع الدولي للتحكيم، يتمتّع بحجّية الأمر المقضي في هذه النقطة؟ هل اتفاق التحكيم الذي يدمج ثماني منازعات، حيث يتضمّن بعضها عنصراً أجنبياً، هو داخلي لأنّ موضوع الاتّفاق هو في المقام الأول توحيد النزاعات أو هو دولي لأنّ الطابع الدولي يصيب كلّ شيء؟ هل أنّ عقد البيع ووكالة البيع يتطوّران بالضرورة في ذات البيئة الداخلية أو الدولية؟ إلخ. وإذا أردنا تصوّر حالة عملية مع كل هذه الأسئلة فلن ننجح.

ولكن في ميدان الطّعون، فإنّ قضية Tapie قدّمت هذا العام مسائلها الأكثر أهمية. الأولى، المهمّة للغاية، قد سبق أن وردت في الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف في باريس التي ألغت الحكم التحكيمي القاسي بتهمة الاحتيال ، وتمّ رفض الطعن من محكمة التمييز . نذكر أنّ مسألة الطابع الدولي للتحكيم كانت حاسمة بما أنّه وفقاً للإجابة، بموجب النظام قبل تعديل عام 2011 المطبّق في هذه القضية، هل إنّ محكمة الإستئناف كانت مختصّة أم لا من أجل بتّ الطعن بإعادة النظر. بحث الـconsortium de réalisation بشأن اختصاص محكمة الإستئناف، في حين كان الشركاء Tapie يفضّلون هيئة تحكيمية. بتطبيقها إجتهادها التقليدي، أكّدت محكمة التمييز توصيف التحكيم الداخلي، فلم ترَ في النزاع في هذه القضية أيّ توريط لمصالح التجارة الدولية.

لتحقيق هذا الحل، أكّد القرار أنّ محكمة الاستئناف تموضعت خاصّةً في وقت ابرام إتّفاق التحكيم. والنتيجة المُثارة بشكل قليل في الفقه باستثناء حالة واحدة  هي حاسمة. ومن المعروف بالفعل أنّ اتفاق التحكيم قد ذكر بصراحة أنّ حجيّة الأمر المقضي به للقرارات السابقة هو مقبول. ولكن القرار الصادر في هذه القضية من قبل الهيئة العامة لمحكمة التمييز بتاريخ 9 أكتوبر 2006  قضى بتمييز جزئي، فإنّه يحافظ حتماً وبشكل جزئي على القرار المُحال  جاعلاً هذا الجزء نهائياً. هنا بالضبط يقع عنصر النزاع ذا الطابع الدولي. منذ أنّ بُتّ هذا الأخير بصورة لا رجعة فيها، وأنّ اتفاق التحكيم ذكر أن ما تمّ قبوله لا يدخل ضمن نطاق النزاع، فلم يبقَ سوى الجزء الداخلي، وبالتالي فإنّ التحكيم أصبح داخلياً ومنح محكمة الاستئناف اختصاصها.

لم يبقَ بعد ذلك إلاّ توصيف الاحتيال، والذي تمّ في الجزء الثاني من القرار. وتشير محكمة التمييز، في الواقع الى أنّ الحكم التحكيمي "مُعاب بالغش الحاصل بالتواطؤ بين المحكّم وطرف أو مستشاريه ". وهذا يبرّر، وإلى أي مدى، العدول النهائي عن هذا الحكم التحكيمي!

ولكن ليس هناك إلاّ المستفيد من الحكم التحكيمي الذي أغاظه هذا العدول. المحكّم المشارك في الغش التواطؤ والمُشار إليه من محكمة التمييز يُعتبر أيضاً متضرراً من هذا القرار. أيضاً، مع بعض الجرأة، قدّم اعتراض من الغير ضد القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في باريس التي عدلت عن الحكم التحكيمي. لقول الحقيقة، ليست هذه هي المرة الأولى يقدّم فيها محكّم مستاء إعتراض الغير ضدّ القرار الذي ألغى في ذات الوقت حكمه التحكيمي . وهناك أيضاً القاضي العدلي الذي فعل الشيء ذاته حديثاً.  

ولكن في كل مرة، إعتراض الغير غير مقبول، وفي هذه القضية، لم تخالف محكمة الاستئناف في باريس إجتهادها .

ومع ذلك، فمن الممكن التفكير في أن هذا الإجراء ليس غير شرعي تماماً، على الأقل من الناحية النظرية... لأنه، في الأساس، القرار الذي يبطل حكماً تحكيمياً لعدم استقلالية المحكّم، وهنا غش هذا الأخير، قد يسبب له ضرراً، وليس فقط من حيث الصورة، ولكن أيضاً على الصعيد المالي إذا قُدّمت دعوى لاسترداد الأتعاب أو دعوى بالإستناد إلى المسؤولية التعاقدية على أساس الإبطال. بالتأكيد، بإمكان المحكّم الدفاع عن نفسه ضد مثل هذه الدعاوى، ولكن الإعتراض موجود بشكل مستقل. لكن بوجود ظرف مشدّد، لا يسمع حتّى المحكم من قبل قاضي الاستئناف لإعطاء روايته للأحداث. هذا خيار في القانون الفرنسي لم يتم العثور عليه في كل مكان. وهكذا، في بعض القوانين الأخرى، مثل سويسرا أو اسبانيا، قد يضطر المحكّم لتقديم تفسيرات عند الطعون المقدّمة ضد الحكم التحكيمي الذي أصدره. لذا قد يبدو الحل الفرنسي قاسياً.

باستخدام كلّ شيء بحوزته، المحكّم السابق، الذي لم تستخدم تجاهه محكمة الاستئناف في باريس كلمات قاسية بما فيه الكفاية، يدعم دعواه من خلال الزعم العشوائي أنّ التحكيم لم تعيبه أيّة مخالفة، وأنّه لا يتمتع بأي علاقة وثيقة مع محامي أحد الطرفين، وأنه كان هناك انتهاك لمبدأ الوجاهية ومبدأ افتراض البراءة.

ليس من المستغرب أنّ إعتراض الغير هو غير مقبول على أساس أن "المحكم يمارس وظيفة قضائية تحظِّر عليه أن يطلب عدم إمكانية الإحتجاج تجاهه بقرار كان غرضه فرض رقابة على الحكم التحكيمي الذي كان قد شارك فيه". وأضافت محكمة الاستئناف، هنا أيضاً بشكل تقليدي، أنّ القرار المطعون فيه "لا يصدر أي إجراء في ما يتعلق بالطالب"، وأخيراً، ما هو أكثر إثارة للاهتمام، أنّ عدم القبول يُطبّق "بما فيه عندما يكون العيب الذي يطال هذا القرار من الممكن أن يشكّل أساساً لدعوى بالإستناد إلى المسؤولية المدنية. "وبذلك، المحكمة ترفض التمييز وفقاً لأسباب إبطال الحكم التحكيمي، سواء كانت خاصّة بالتحكيم أو لا، وتضيف، بطريقة سلسة بشكل خاص في هذه القضية أّنه "لا يمكن للمرء أن يكون القاضي والطرف سوياً".

 

3- تنفيذ:

في نوع مختلف، ملفّ آخر أصبح أحدوثة وأثار إهتمام المتخصصين في التحكيم: قضية يوكوس. ونحن نعلم أنّه في 18 يوليو 2014، ألزم حكم تحكيميّ الاتحاد الروسي بتسديد مبلغ قدره 50 مليار دولار أميركي لصالح المساهمين السابقين لشركة يوكوس. وقد تم إعطاء الصيغة التنفيذية لهذا الحكم التحكيمي في فرنسا في 1 ديسمبر 2014. وعلى الرغم من أنه أُبطل في 20 أبريل 2016 أثناء المحاكمة الإبتدائية في لاهاي لعدم اختصاص الهيئة التحكيمية، إلاّ أنّه يشكّل موضوع تدابير تنفيذية، ولا سيما في فرنسا حيث الإبطال في المقرّ لا يمنع التنفيذ. على وجه الخصوص، إنّ مساهمي شركة يوكوس، في يونيو 2015، حجزوا أموال المدينين من المؤسّسات الروسية، مثل شركة Arianespace التي كانت مدينة لشركة Roscosmos، وكالة الفضاء الروسية. ونظراً لموقع مقرها العالمي في إيفري، فإنّه يقع على عاتق قاضي التنفيذ للمحكمة العليا في إيفري بتّ طلبات رفع اليد. ومُنحت هذه الطلبات في قرارين للأسباب الرئيسية أنّ Roscosmos لم تكن جزءاً منبثقاً من الدولة، وأنّه لم يُثبت أنّ الغير المحجوز كان سيداعي في وقت إبرام العقود نيابة عن الاتحاد الروسي . بأعصاب هادئة، قدّم المساهمون السابقون لشركة يوكوس استئنافاً ضد هذه القرارات وأرفقوه بطلب وقف تنفيذ رفع اليد بإنتظار صدور القرار بشكل رئيسي (art. R. 121-22 c. pr. civ. exéc.). من خلال قرارين معللّين بشكلٍ وافٍ، أمر الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في باريس بوقف التنفيذ، ممّا أدى إلى الحرمان من مفاعيل قرارات رفع اليد الممنوحة في محكمة الدرجة الأولى، وبالتالي الحفاظ على تدابير التنفيذ على الغير المحجوز. أشار الرئيس الأول أنّ Roscosmos يبدو أنّها تتمتّع بتفويض لإلزام الاتحاد الروسي وأنّ ديونها هي على الأرجح جزء من الموازنة الاتحادية للدولة . وبالتالي إنّ الحاجزين قد قدّموا سبباً جدّياً للإبطال، ممّا يشكّل شرطاً لوقف تنفيذ الحكم المستأنف.

الحلّ يتقاطع مع ما اعتُمد بعد بضعة أسابيع من قبل الهيئة ذاتها التي رفضت، في ثلاثة قرارات، طلب تعليق قرارات رفع اليد بإعتبار أن الغير المحجوزين كانوا مدينين لمؤسّسات تتمتّع بشخصية معنوية مستقلة عن الاتحاد الروسي، وباستقلالية عضوية وقراريّة وبذمّة مالية خاصّة  على أن تتمّ متابعة هذه القضية.

 

II- وسائل بديلة لتسوية النزاعات:

في باب ثانٍ بعنوان "تشجيع الوسائل البديلة لتسوية المنازعات" إنّ القانون رقم 2016-1547 الصادر بتاريخ 18 نوفمبر 2016 لتحديث قضاء القرن الحادي والعشرين الذي سبق ذكره، لا يخفي طموحه. من خلال تعزيز النظر في الوسائل البديلة في السياسات المحلية للمعونة القضائية وتحسين النظام القانوني لمعظم الوسائل البديلة القضائية، فإنّ قانون قضاء القرن الحادي والعشرين سيحقّق بالتأكيد الهدف الذي وضعه.

أما بالنسبة الى الوساطة، فقد أصبحت إلزامية تحت طائلة عدم القبول، قبل الإحالة إلى المحكمة الإبتدائية على الأقل عندما يتمّ اللجوء إليها بإعلان لدى قلم المحكمة وليس عن طريق الاستحضار . هذه العقوبة هي من وحي العقوبة المترتّبة على مخالفة شرط التوفيق المسبق الإلزامي الذي يجعل الدعوى غير مقبولة. هذه العقوبة مرعبة الى درجة أنّه لا حاجة لإيراد تفاصيل في الشرط بشأن إطار التوفيق: قد تكون حتّى غير دقيقة، ذكرت محكمة التمييز في قرار جدير بالتقدير ، يبدو أنّه يشكّل تغييراً في إتّجاه الإجتهاد بالنسبة لقرار سابق ، بقضائه أنّ "الشرط التعاقدي الذي ينصّ على محاولة تسوية ودية، والذي ليس مرفقاً بشروط معيّنة للتنفيذ، ليس إجراءً توفيقياً إلزامياً مسبقاً للّجوء إلى المحاكم، حيث أنّ عدم احترامه يشكّل دفعاً بعدم القبول يُفرض عليه". وقد يكون أيضاً أنّنا نشهد جدلاً جديداً بين الغرفة التجارية والغرفة المدنية الثالثة لمحكمة التمييز. المستقبل سيخبرنا ما إذا كان ينبغي، للمرة الثالثة في هذا الموضوع،

إنشاء غرفة مختلطة. مثل كلمة "التحكيم" التي تعمل في بعض الأحيان كنوع من أحجية قادرة على جعل القاضي العدلي غير مختصّ، وكلمة "المصالحة" التي هي في طور أن تصبح الترياق لعدم القبول.

وتُقاس قوة الوسائل البديلة أيضاً بقدر ما يفرضها قانون قضاء القرن الحادي والعشرين هنا أو لا يتوقّع تطبيقها، وهذا يعني في المسائل الإدارية. الوساطة الإدارية الآن باتت واردة في قانون القضاء الإداري حتّى يكون بالإمكان الأمر بها، في أي مستوى من التسلسل الإداري، بما في ذلك مجلس الدولة.

كما يعزّز القانون الجديد الوساطة عندما تكون هناك دعوى مُقامة من مجموعة (المادة 75)، التي قد تمّ توسيعها، من جهة أخرى. في المقابل، يستبعد الوساطة الأسرية حيث تكون غير مناسبة، وهذا يعني في حالات العنف من قبل أحد الوالدين، التي كانت، في الواقع، غير ملائمة (المادة 6). وأخيراً، في الوساطة، نصّ القانون الجديد على وضع قوائم للوسطاء من قبل محكمة الاستئناف (المادة 8).

إنّ قانون قضاء القرن الحادي والعشرين يوسّع أيضاً اتّفاق الطرفين على المشاركة في إيجاد حلّ ودّي للنزاع القائم بينهما الذي يجوز متابعته حتى ولو كان القاضي قد أُحيل إليه النزاع، وهذا ما لم يكن عليه الحال في السابق (المادة 9). والفكرة هي أن نتمكن من الاستمرار في محاولة للتوصل إلى اتفاق، حتى لو كانت الدعوى قيد النظر. هذا التعديل يغيّر المنظور لأنّ اتّفاق الطرفين على المشاركة في إيجاد حلّ ودّي للنزاع القائم بينهما ليس المقصود به أن يكون إجراءً مسبقاً، إنّما كدعوى "أخرى"، وهي دعوى بالفعل "بديلة".

وأخيراً، كما هو متوقع، القانون الجديد يصحّح أخطاء قانون نابليون في مسائل المُصالحة. وكانت مواد القانون المدني حول عقد المصالحة، كما نعلم، فاشلة منذ البداية، وخاصّة بسبب شروط تكوينها. بإلغاء سبع مواد من أربع عشرة، وبإعادة كتابة أهمّ اثنتين، المادة 2044 لإضافة شرط التنازلات المتبادلة لتعريف المصالحة، والمادة 2052 لإنشاء دفع بعدم القبول محدّد بدلاً من حجيّة الأمر المقضي به في الملاذ الأخير غير المفهومة، فإنّ قانون قضاء القرن الحادي والعشرين يسيّر في القرن الحادي والعشرين، الوسائل البديلة، حتّى أكثرها قدماً، حيث أنّها موضع ترحيب خاص.