يعكس تزايد التبادلات التجارية بين الشركات والأمم في الوقت الراهن الحاجة إلى التحكيم التجاري الدولي. وتزداد الحاجة يوماً تلو الآخر بالرغم من المشكلات التي تعترضها بشكل منتظم، ولكن لم تدرس هذه المشكلات بصورة كافية. وتنطبق هذه الحال على المشكلات التي تتعلق باللغة والترجمة. فالتحكيم التجاري الدولي يمثل مغامرة عبر الحضارات، وتشكل الحاجة الى رأب اختلافات اللغة جزءاً من العملية، فيجب أن تكون إجراءات المحكمة التي تلي صدور الحكم مطابقة أيضا للتحديات التي تتعلق باللغة. فاللغة والترجمة يمثلان اعتباراً مهماً في صياغة إستراتيجيات الأطراف والمحكمين. وغالبا يجب اتخاذ القرارات المتعلقة باللغة والترجمة في كل حالة على حدة. وهناك المزيد من الحالات التي تظهر فيها أوجه قصور إجرائية مزعومة متعلقة باللغة كمسألة التحكيم وإجراءات المحكمة التي تلي التحكيم.
فالمشكلة اللغوية ليست غريبة عن العالم العربي، والعديد من التشريعات يحتوي على أحكام مشابهة أو مختلفة تماما حول خيار اللغة في الإجراءات التحكيمية.
ويأخذ القانون الأردني الجديد في الاعتبار اللغة العربية كلغة اختيارية للتحكيم ما لم يحدد الأطراف أو هيئة التحكيم لغة / لغات أخرى. وفي حالة استخدام لغات متعددة أثناء الإجراءات، يمكن لهيئة التحكيم أن تقصر الترجمة على بعض منها. وهكذا، فقد أقر المشرعون المصريون والعمانيون القواعد نفسها وخاصة تلك التي تسمح للأطراف بتحديد لغة دون تمييز.
تشترط المادة (17) من ميثاق نيويورك أن اللغة التي تحددها هيئة التحكيم وفقا لاتفاقية بين الأطراف تستخدم في الإجراءات وتنطبق على بيان الدعوى ومذكرة الدعوى وأية بيانات مكتوبة
أخرى، وإذا كانت هناك جلسات استماع، تطبيق هذه اللغة على اللغة أو اللغات المستخدمة في هذه الجلسات.
وتعكس تلك المرونة في استخدام اللغة قاعدة واحدة وهي تسهيل الإجراءات على الأطراف
وتقليل التكلفة والوقت لإصدار الحكم. ولذا، فإنه يمكن للأطراف أن يحددوا بحرية اللغة التي تصاغ بها اتفاقية التحكيم، ما لم يكن العقد المنصوص فيه ذلك، تمت صياغته في لغة لا تفرض
نفسها وفقاً لنظام لغوي معين.
وهذه هي الحال بالنسبة الى بعض الدول العربية التي لا تظهر مرونة في ما يتعلق بلغة التحكيم وبالتحديد المملكة العربية السعودية التي تتخذ من اللغة العربية لغة رسمية لهيئة التحكيم دون أن تسمح للهيئة بأن تستخدم لغة أخرى. وطبقا لميثاق نيويورك، فإنه لا ينبغي لهيئة التحكيم أن تطبق بعد الآن المادة (25) التي تنص على أن اللغة العربية هي لغة هيئة التحكيم. بالإضافة إلى ذلك، يضع ميثاق نيويورك على عاتق المدعي الالتزام بإصدار ترجمة معتمدة للحكم ولاتفاقية التحكيم بلغة البلد الذي يبتغى فيه الحكم. ولذا، سيكون من الضروري تقديم ترجمة للحكم واتفاقية التحكيم للتنفيذ في المملكة العربية السعودية وذلك وفقاً للبند (25) من المرسوم السعودي المؤرخ 27 مايو 1985، والذي ينص على أن تكون اللغة العربية اللغة الإلزامية على الإجراءات. وتعطي قوانين التحكيم المشابهة قدراً كبيراً من الاهتمام للأطراف الذين لا يقبلون لغة التحكيم.
يجري
يمكن للأطراف تحديد لغة الإجراءات في اتفاقية التحكيم ويجب نصحهم بأن يختاروا اللغة الأقرب إليهم، لكي يحموا حقوقهم بشكل أكثر فعالية. والاستخدام المتعدد للغة خلال الإجراءات التحكيمية مضمون للأطراف كافة، بمن في ذلك المحكمون أنفسهم ومعرفتهم لما بالضبط خلال الإجراءات، وذلك بدون تفضيل طرف على الطرف الآخر. ومع ذلك فانه لا ينصح بالاستخدام المتعدد للغة خاصة للصعوبات الفنية والعملية التي قد تنشأ مثل الحاجة على الإحالة على محكم. في ما يتعلق بفريق التحكيم، فأنه من المنبه إليه بشكل جيد ترشيح محكمين ممن يفهمون لغة التحكيم. ومن ثم فأنه إذا كانت اللغة العربية هي لغة التحكيم، فيوصي أن يكون الترشيح لمحكمين عرب، وهذا ضروري للوصول إلى حكم بشكل سريع وعادل، وخاصة إذا كان القانون المعمول به هو قانون عربي؛ ناهيك عن الحاجة الى محكم عربي يفهم القوانين العربية بلغتها الأصلية بشكل أفضل، بدون امرار الوقت واستهلاكه في إجراء الترجمة، وأتعاب تلك الترجمة التي ستتحملها هيئة التحكيم. وعلى أية حال، فان الأطراف بإمكانهم أن يحددوا لغة حكم التحكيم في اتفاقية التحكيم. وعلى الرغم من ذلك فان اختيارهم للغة لن يؤخذ في الاعتبار إذا احيل الطلب على المحاكم العادية لترشيح محكم على سبيل المثال، أو في حالة واقعة إجرائية أو لطلب تنفيذ. ففي هذه الحالات، يجب احترام لغة مكان التحكيم.
ونلاحظ هذه الأيام أن مسألة اللغات تعود بشكل متصاعد ومتكرر، وفي بعض الأحيان يكون أكثر ملاءمة، لتقديم الشكاوى بالكورية أو الصينية أو الألمانية ...الخ وبينما يكون مقر مقدم الطلب في العالم العربي.
والقاعدة أن لغة الإجراءات لغة نيات الأطراف، وقد تتصور لغة مختلفة، وبعد ذلك لغة العقد، أو حتى يترك الاختيار لمقدم الطلب من بين لغات عديدة. ويمكن لمراكز التحكيم أيضاً أن تفرض لغة أخرى وفقاً لجنسية الأطراف على سبيل المثال أو وفقاً للمستندات المقدمة. وللمحكم أيضاً سلطة طلب ترجمة للأجزاء الواردة بلغة غير لغة الإجراءات. وقد لوحظ أن مراكز تحكيم معينة تكون صارمة في تسجيل الإجراءات وترفض أية لغة شبة نظامية غير تلك التي في العقد (فيما عدا اتفاق صريح بين الأطراف).
ويجب أن نكون بسطاء أو غير واعين، أن نرى في لغة حية أداة تواصل فقط. وفيما وراء الحواجز الاجتماعية وكعمل لا حصر له لخبير فسيولوجية الجهاز العصبي وخبير نفسي لإظهاره، ولا ينخفض ليكون شيفرة بسيطة لتبادل المعلومات، لكنه يمثل جوهر هوية كل منا. وكما ذكر ريجيس ديبريه "اللغة ليست أداة بل ركيزة حياة فهي الحبل الذهبي ملهمة طويلة وفردية".