مكان التحكيم من المسائل المهمة التي يجب اختيارها بعناية ودقة عند وضع اتفاق التحكيم وذلك لأهمية الآثار القانونية التي تترتب على اختيار مكان التحكيم.
وقبل أن نعرض للآثار القانونية التي تترتب على مكان التحكيم يجب ملاحظة التفرقة بين المكان المادي للتحكيم الذي تنعقد فيه جلسات التحكيم ، ومكان التحكيم كفكرة قانونية أي مقر التحكيم.
فمقر التحكيم هو الذي تترتب على اختياره الآثار التي سنعرض لها وأهمها اختصاص الجهات القضائية للدولة التي يكون فيها مقر التحكيم بالنظر في الطعن في حكم التحكيم بالبطلان ، أما المكان المادي للتحكيم الذي تنعقد فيه جلسات التحكيم أو مكان توقيع حكم التحكيم فهو مجرد موقع جغرافي يختاره الأطراف أو المحكمون لسهولة الوصول إليه وعقد جلسات التحكيم فيه ولا يستتبع أية آثار قانونية تتطبق
على قضية التحكيم ولذلك فإن جلسات التحكيم يمكن أن تكون في أكثر من دولة أو مدينة وفي أماكن مختلفة ، أما مقر التحكيم كفكرة قانونية فيبقي واحدة.
أما الآثار التي تترتب على اختيار مكان التحكيم فأهمها : 1- أن كثيرا ما يتوقف
علي مكان التحكيم تعيين القانون الواجب التطبيق علي بعض مسائل التحكيم. وما يتبعه من تحديد لقواعد النظام العام التي يجب مراعاتها في اتفاق التحكيم.
٢- أن معرفة مكان التحكيم هو الذي يحدد وصف التحكيم بأنه تحيكم وطني أو تحكيم أجنبي ، وهي مسألة تبدو أهميتها عند طلب تنفيذ حكم التحكيم ، ومن ثم يكون حكمة أجنبية إذا صدر في الخارج وقد يترتب على ذلك صعوبة تنفيذه في الداخل.
يكون الطعن ببطلان الحكم أمام المحكمة المختصة بمكان التحكيم وللاسباب
الواردة في قانون دولة مقر التحكيم وهي أسباب تختلف اتساعة وضيقة من دولة إلى أخرى.
- تخضع إجراءات التحكيم لقانون الدولة التي بها مكان التحكيم ، ولاسيما الأحكام الأمرة بهذا القانون ، وإذا كان قانون دولة مكان التحكيم يجيز أن تصدر أحكام التحكيم دون تسبيب فقد يصدر حكم التحكيم غير مسبب ويكون حكمة صحيحة وإن أدي ذلك إلى صعوبات في تنفيذه في الدول الأخرى. - معرفة مكان التحكيم يحدد المحكمة التي يتم الرجوع إليها في حالات معينة التقديم العون اللازم لهيئة التحكيم في المسائل التي تخرج عن اختصاصها۔
ونظرا للآثار السابقة يجب أن يتفق طرفا التحكيم صراحة على مكان التحكيم وأن يدققا في اختيار ذلك المكان بعد دراسة القوانين واللوائح التي تطبق على اتفاق التحكيم ، فلا يصح أن يقوما باختيار مكان التحكيم لمجرد قربه من أحد الطرفين وانما يجب مراعاة الأسباب الأتية عند اختيار مكان التحكيم :
1- يجب استبعاد الدول التي تسمح قوانينها بالتدخل القضائي المكثف
أثناء سير التحكيم ، كما كان الحال في القانون الإنجليزي قبل تعديلاته الأخيرة أو تلك التي يسمح تشريعها للقضاء بعزل المحكمين في بعض الحالات أو بوقف إجراءات التحكيم.
٢- يجب استبعاد الدول التي تحدد المسائل القابلة للتحكيم بشكل ضيق وتلك
التي تكثر في تشريعاتها القواعد الآمرة بشأن إجراءات التحكيم مما لا يدع
مجالا كافية لاختيار النظام الإجرائي للتحكيم.
3- يجب استبعاد الدول التي تجعل بعض المسائل المتصلة بالموضوع من قبيل
المسائل الإجرائية الخاضعة لمكان التحكيم ، فمثلا القانون الإنجليزي يجعل مسألة الفوائد من مسائل الإجراءات بالرغم من أن التشريعات العربية تجعلها من المسائل المتعلقة بالموضوع ، وكذلك الحال بشأن مدة التقادم فإنها تعد من مسائل الإجراءات في القانون الإنجليزي قبل تعديله وفي القانون القبرصي ، رغم أنها تعد من القواعد الموضوعية في التشريعات العربية ، (" وقد يؤدي تطبيق القانون الإجرائي في مكان التحكيم إلى سقوط الحق بتقادم قصير وارد في هذا التشريع ، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق كلية.
4 - يجب استبعاد الدول التي يفرض قانونها قيودا على حرية اختيار المحكمين أو المحامين ، إذ توجب بعض الدول مثل اليابان وكوريا والصين أن يكون المحكمون من رعاياها إذا كان التحكيم يجري في إقليمها ، كما تقصر المحامين أمام هيئة التحكيم علي رعاياها مثل اليابان وتركيا بعض الدول والبرتغال.
5- يجب استبعاد الدول التي لا تسمح بالطعن في أحكام التحكيم ، كما هو الحال في القانون البلجكيي الصادر في ۱۹۸۰/۳/۲۷ الذي لا يسمح بالطعن في أحكام التحكيم إذا لم يكن أحد الطرفين مقيمة في بلجيكا.
6- يجب استبعاد الدول التي يخشى أن يعد اتفاق التحكيم باطلا طبقا لقانونها
إذ إن أحد أسباب رفض تنفيذ حكم التحكيم طبقا لأحكام اتفاقية نيويورك هو
عدم صحة اتفاق التحكيم طبقا لقانون دولة مكان التحكيم.
۷- يفضل استبعاد الدول غير الموقعة على اتفاقية نيويورك الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين وذلك لضمان تنفيذ الحكم بعد صدوره.
8- يجب أن يكون مكان التحكيم متاحة للمحكمين والشهود والخبراء وأن تتوافر وسائل الاتصال والنقل الداخلية والخارجية والاستعدادات اللازمة لسير خصومة التحكيم.
موقف القوانين الوطنية من مكان التحكيم :
نص المشرع المصري بالمادة 38 من قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة . ۱۹۹۶ على أن " لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في مصر أو خارجها ، فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملاءمة المكان لأطرافه ، ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم کسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الاطلاع على المستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك ".
ويلاحظ من هذا النص أن المشرع المصري أطلق حرية الأطراف في الاتفاق على مكان التحكيم ، وإذا لم يتم الاتفاق فإن هيئة التحكيم هي التي تتولى مهمة تحديده ، كما أجاز لهيئة التحكيم عقد جلساتها في أي مكان يقتضيه التحكيم وتراه مناسبة للقيام بمهمتها.
أما المشرع اليمني فقد نص بالمادة 7 من قانون التحكيم اليمني الصادر عام ۱۹۹۲ على أنه " مع عدم الإخلال بأحكام هذا القانون يجوز لطرفي التحكيم إذا كان أحدهما أو كلاهما غير يمنيين الاتفاق على القانون الذي يخضع له التحكيم شكلا وموضوعة وعلي لغة التحكيم ومكانه".
وكذلك فإن المشرع التونسي قد نص بالفصل 65 من قانون التحكيم التونسي
الصادر عام ۱۹۹۳ على أن " للأطراف أن يتفقوا علي مكان التحكيم داخل تراب الجمهورية أو خارجها ، فإن لم يتفقوا تولت هيئة التحكيم تعيين هذا المكان مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف القضية بما في ذلك راحة الأطراف مع
مراعاة أحكام الفصل 47 من هذه المجلة".
• وقد نص المشرع العماني بالمادة ۲۸ من قانون التحكيم العماني الصادر بالمرسوم السلطاني الصادر عام ۱۹۹۷ علي ذات النص الوارد بقانون التحكيم المصري وبالصيغة الواردة به.
" يجري التحكيم في المكان الذي يتفق عليه أطراف النزاع ، وإذا تعذر ذلك فلهيئة التحكيم أن تعين مكانا أخر مع مراعاة ظروف الدعوى وملائمة المكان أطرافه ، وفي جميع الأحوال الهيئة التحكيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا السماع الشهود أو لمعاينة البضائع أو لفحص المستندات وفي هذه الحالة يجب ابلاغ الأطراف قبل وقت كاف من موعد الاجتماع ليتسنى لها الحضور".
أما المشرع البحريني فقد نص بالمادة ۲۰ من قانون التحكيم البحريني الصادر عام ۱۹۹4 علي أن (۱- للطرفين حرية الاتفاق على مكان التحكيم فإذا لم يتفقا علي ذلك تولت هيئة التحكيم تعيين هذا المكان علي أن تأخذ في الاعتبار ظروف القضية بما في ذلك العمل على راحة الطرفين.
۲ - استثناء من أحكام الفقرة السابقة من هذه المادة ، يجوز لهيئة التحكيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبة للمداولة بين أعضائها ولسماع الشهود والخبراء أو طرفي النزاع أو معاينة البضائع أو غيرها من الممتلكات أو فحص المستندات أو غير ذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك).
بينما نص المشرع الهولندي بالمادة ۱۰۳۷ من قانون المرافعات المدنية الهولندي الصادر عام 1986 علي أن ( 1- يحدد مكان التحكيم في اتفاق الأطراف وفي حالة عدم النص على ذلك يكون التحديد من قبل المحكمة التحكيمية، وأن تحديد مكان التحكيم يحدد أيضا مكان صدور الحكم التحكيمي.
۲ - إذا كان مكان التحكيم لم يحدد في اتفاق الطرفين ولا من قبل المحكمة التحكيمية فيكون صدور الحكم المذكور في الحكم التحكيمي مكان التحكيم.
٣- يجوز للمحكمة التحكيمية أن تعقد جلسات للنزول أو تسمع الشهود
والخبراء في أي مكان تراه مناسبة في هولندا أو في الخارج ).
• اما المشرع الفرنسي فلم يتعرض قانون المرافعات الفرنسي سواء في تنظيمه.