فإذا كان المركز الرئيسي لأعمال طرفي التحكيم يقع في دولة واحدة وقت إبرام اتفاق التحكيم ، وكان مكان إجراء التحكيم يقع في دولة أخري غير تلك الدولة كــــــان هـــذا التحكيم دوليا .
ومكان إجراء التحكيم يتحدد إما طبقا للتعيين الوارد في اتفاق التحكيم أي كما اتفق عليه في اتفاق التحكيم .
وكذلك يتحدد مكان إجراء التحكيم طبقا لما أشار اتفاق التحكيم علي كيفيه تحديده أو تعينـه. وذلك بأن يكون اتفاق التحكيم لم يحدد مكان إجراء التحكيم بل اكتفي بالنص أو بتحديـــد الطريقة التي علي أساسها يتم تحديد أو تعيين مكان إجراء التحكيم . وعلي أي الأحوال فإذا كان مكان إجراء التحكيم واقعا في دولة أخري غير الدولة التي بها مركز أعمال طرفي التحكيم كـــان تحكيما دوليا
مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية بين الطرفين :-
ففي حالة اتحاد دولة مراكز أعمال طرفي التحكيم ، أي أن مراكز أعمال طرفي التحكيم توجد في دولة واحدة ، ولكن المكان الذي يتم فيه تنفيذ جانب جوهري من التزامــــات الطرفين الناشئة عن العلاقة التجارية فيما بينهما يقع في دولة أخري ، كان هذا التحكيم دوليا ، ولم يحدد المشرع المصري في هذا الشأن المقصود بالجانب الجوهري ومتي يعتبر هذا الجانب جوهريا عن غيره ، فقد ترك المشرع المصري المسألة خاضعة للسلطة التقديرية لهيئة التحكيم فيما يعرض عليها من نزاع ، وقد تكون المسألة مختلفة من حالة لأخري ولا يمكن وضع معيار جامع مانع لما هو المقصود بالجانب الجوهري من تلك الالتزامات ، فالمسألة إذا نسبية تختلف باختلاف ظروف كل حالة .
٣. المكان الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع :-
فعندما يكون مركز أعمال كل من طرفي التحكيم واقعا في دولة واحدة بينما المكان الذي يكون أكثر ارتباطا بموضوع التزاع واقعا خارج هذه الدولة أي في دولة أخري ، كان هذا التحكيم تحكيما دوليا .
فالفرض هنا أن طرفي التحكيم يوجد مركز أعمالهما في دولة واحدة وكان قد أبرم فيما بينهما عقد تم إبرامه في هذه الدولة ولكن تم تنفيذه في دولة أخري ، فهنا تكون الدولة التي تم فيها تنفيذ العقد المكان الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع الذي ثار بين الطرفين وبذلك يكون المكان الأكثر ارتباطا بموضوع التزاع خارج الدولة التي بها مركز أعمال الطرفين فنكون إذا أمام تحكيم دولي .
التحكيم التجاري الدولي في القانون الفرنسي :-
وبالنسبة لتحديد دولية التحكيم في القانون الفرنسي فنجد أن المشرع الفرنسي اكتفى بالمعيار العام لتحديد دولية التحكيم وذلك بأن نص في المادة ١٤٩٢ من قانون المرافعات علي أن :- (( يكون دوليا التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية ))
(EST international l'arbitrage qui met en cause Des inteêts du commerce international)
موقف الفقه والقضاء الفرنسيين من معيار دولية التحكيم :-
وقد تناول الفقه العديد من الضوابط أو المعايير التي يمكن أن تتخذ لتحديد دوليــة التحكيم كجنسية المحكم أو جنسيه الخصوم فيعتبر التحكيم دوليا إذا اختلفت جنسية المحكم عـــــن جنسية الخصوم أو إذا اختلفت جنسية الخصوم فيما بينهم ، وكذلك . يعتبر المكان الكائن به المركز الرئيسي للمنظمة التي تقوم بالتحكيم فيكون التحكيم دوليا إذا كان يجري في دولة غير الدولـــة التي بما مركز المنظمة ، وكذلك يمكن الاعتماد علي المكان الذي توجد به المحكمة المختصة بنظـــــر النزاع في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم فإذا كان التحكيم يجري في دولة غير الدولة التي هذه المحكمة أعتبر التحكيم دوليا .
ويري بعض الفقهاء التقليديون أن أي. من هذه الضوابط لا يصلح -عند عدم وجود النص - لتحديد معني الدولية . ويرون أن القانون الواجب التطبيق علي إجراءات التحكيم هو الذي يصلح لذلك ، فإن كان قانون الدولة التي يجري فيها التحكيم هــو القانون الواجب التطبيق كان التحكيم بالنظر إليها (وطنيا ) .
فالأمر إذا يتوقف علي إرادة الخصوم إذا اختاروا إجراء التحكيم في دولة معينه طبقــــا لقانون هذه الدولة فالتحكيم يكون وطنيا ، أما إذا اختاروا اتباع إجراءات قانون أجنبي أو قواعد أجنبية فالتحكيم يكون دوليا ولا عبرة بالقانون الواجب التطبيق علي موضوع النزاع . وعند اختيار الخصوم إجراء التحكيم في دولة ما دون بيان الإجراءات الواجب اتباعها في التحكيم ، ففي هذه الحالة يرجع إلى القانون الذي تشير إلية قواعد الإسناد في القانون الدولي الخاص لتحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات فإذا أشارت إلي قانون هذه الدولة اعتبر التحكيم وطنيا وان أشارت إلي قانون أجنبي اعتبر التحكيم دوليا .
وقد لقي هذا الحكم تأييدا من الفقهاء الذين يرون أن الدولية فكرة جغرافية أكثر منها قانونية ، وأنه يكفي لتوافرها أن يشتمل التراع أو التحكيم علي عنصر يخرجه عن النطـــــاق الوطني البحت كاختلاف جنسية المحكم أو الخصوم أو اختلاف مراكز أعمال الخصوم أو أجنبيــــة القانون الواجب التطبيق علي إجراءات التحكيم أو علي موضوع النزاع . وعلي ذلك لما كانت التجارة الدولية تشتمل دائما علي عنصر خارجي ، فالتحكيم في المنازعات المتعلقة بها يعتبر دائمــا تحكيما دوليا
أما التحكيم الدولي " فينبغي أن يفصل عن سلطان القوانين الوطنية لتحكمه المبادئ العامة السائدة في التجارة الدولية وهي مبادئ يمكن استخلاصها من الأعراف التجارية والاتفاقيات الدولية والعقود النموذجية والشروط العامة ولوائح المنظمات الدولية.
معيار دولية التحكيم وفقا للقانون النموذجي Model law“
فقد حددت المادة الأولي في فقرتيها الثالثة والرابعة من القانون النموذجي الحالات التي يعتبر فيها التحكيم دوليا وذلك علي النحو التالي :-
يكون التحكيم دوليا :-
1- إذا كان مقر عمل طرفي اتفاق التحكيم وقت عقد ذلك الاتفاق واقعين في دولتين مختلفتين .
2- إذا كان أحد الأماكن التالية واقعا خارج الدولة التي يقع فيها مقر عمل الطرفين :
أ- مكان التحكيم إذا كان محددا في اتفاق التحكيم أو طبقا له .
ب- أي مكان ينفذ فيه جزء هام من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية
أو المكان الذي يكون لموضوع التراع أوثق الصلة به .
3- إذا أتفق الطرفان صراحة علي موضوع اتفاق التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة .
وأضافت تلك المادة في فقرتها الرابعة أنه
1- إذا كان لأحد الطرفين أكثر من مقر عمل فتكون العبرة بمقر العمل الأوثق صلة باتفاق التحكيم .
2- إذا لم يكن لأحد الطرفين مقر عمل فتكون العبرة بمحل إقامته المعتاد.
ويتضح من المعايير التي أوردها القانون النموذجي لتحديد دولية التحكيم أنهـا ذات المعايير التي تبناها المشرع المصري في قانون التحكيم الجديد ، بل أن المشرع المصري قد أضـاف إليها معيارا عاما وهو ارتباط موضوع النزاع بالتجارة الدولية وهو الأمر الذي لم يفعله القانون النموذجي ، هذا وقد أضاف المشرع المصري كذلك حالة أخري لم ترد في القانون النموذجي
وهي الحالة الثانية من الحالات التي تعرضنا لها سلفا وهي أن يكون التحكيم دوليا إذا اتفـق أطراف التحكيم علي اللجوء إلي منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل أو خارج جمهورية مصر العربية .
وينتهي إلي أن قانون التحكيم المصري الجديد هو بمثابة نموذج تشريعي للدول العربية ويقول أستاذنا الدكتور محسن شفيق أن قانون التحكيم المصري الجديد مبني علي فلسفة جديدة هي الأسس التي يقوم عليها التحكيم في كل بلاد العالم المتمدين . هذا القانون نقــل التحكيم المصري من تحكيم متخلف ، متخلف جدا إلي تحكيم حديث يطبق فيه كل الأسس المحترمة وكل الأسس المأخوذ بها في البلاد المتقدمة فسرنا بالقانون المصري في ركـــب
التشريعات الحديثة ، وأخذنا بما تضمنته قواعد قانون الانسترال ، قانون هيئة الأمم . وإذا كان هذا القانون يشترط أن تأخذه تشريعات الدول كما هو من حيث الموضوع ومن حيث الألفاظ ، إلا أننا خالفناه بعض الشيء فيما يتعلق تقاليدنا وتاريخنا وأسلوبنا في وضع النصوص القانونية . أخذنا بمعظم الحديث الذي أتي به القانون النموذجي ونقلناه إلي قانوننا المصري لكي لا يشعر المستثمر أجنبيا كان أو مصريا أو عربيا أنه يحاكم في أنظمة مغايرة لما هو موجود في غير مصر ، معني ذلك أننا جعلنا المستثمر أيا كانت جنسيته يطمئن إلي القضاء الذي سيحكم في المنازعات المتعلقة بالمعاملات التي يقوم بها .