الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / القانون المطبق لحسم النزاع / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / مدى تقيد حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق بوجود تحكيم دولي

  • الاسم

    هشام محمد ابراهيم السيد الرفاعي
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    332
  • رقم الصفحة

    102

التفاصيل طباعة نسخ

إذا كان المستقر عليه في القانون الدولي الخاص، أن إشكالية تنـازع القوانين في مجال العقود لا تثور إلا في مجال العقد الدولي، أي العقد الـذي يتضمن عنصر الصفة الأجنبية، فهل هذا ينطبق أيضاً على التحكيم؟

وبصيغة أخرى.. إذا كانت حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق في مجال العقود تتقيد بوجود عقد دولي. فهل حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق فـي مجـال التحكيم تتقيد بوجود تحكيم دولي؟

إن الإجابة على هذا السؤال تعتمد بشكل أساسي على مـا يرصـده البحث من اختلاف بين العلة التي تبرر للأطراف حريتهم في اختيار القانون واجب التطبيق على العقود بصفة عامة وبين تلك العلة في مجـال التحكــم بصفة خاصة.

فهي في مجال العقود حاجة المعاملات الدوليـة إلـى الاستقرار القانوني؛ نظراً لوجود العنصر الأجنبي في العلاقة التعاقدية، وهذه العلـة لا توجد إلا في العقد الدولي، ومن ثم فلا تثور حاجة أطراف العقد الوطني إلـى اختیار قانون آخر غير القانون الوطني الداخلي، وعلى هذا الأساس كان حق الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق مقرراً في العقـود الدوليـة دون العقود الوطنية.

أما العلة التي تبرر للأطراف حريتهم في اختيـار القـانون واجـب التطبيق في مجال التحكيم، فتتمثل في الفلسفة التي يقوم عليها نظام التحكيم والتي تقوم بشكل أساسي على مبدأ "الرضائية".

ومبدأ الرضائية في مجال التحكيم، هو مبدأ عام لا يخص نوعاً معيناً من أنواع التحكيم، وإنما يقوم عليه التحكيم الوطني كما يقوم عليـه التحكــم الدولي على حد سواء.

ومن هنا تبرز التفرقة بين حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق في مجال العقود عامة عنه في مجال التحكيم بصفة خاصة.

ومن ثم يجد السؤال المطروح إجابته في مـدى تبنـي التـشريعات المنظمة للتحكيم للفلسفة التي يقوم عليها والتي تتجلى في مبدأ "الرضائية"

وهو المبدأ الذي يجب أن يسود التحكيم الوطني والتحكيم الدولي معاً.

وإذا كان المشرع المصري قد انتهج منهج وحدة التنظيم التشريعي للتحكيم، سواء كان تحكيماً وطنياً أم تحكيماً تجارياً دولياً. وذلك فـي قـانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤، والذي اعتبر "الشريعة العامة التي تحكم شئون التحكيم في مصر أيـا كـانـت طبيعة المنازعة التي يدور بشأنها التحكيم وأيا كان أطراف تلك المنازعة".

فإنه تجدر الإشارة إلى أن مشروع هذا القانون حينما عـرض فـي صورته الأولى على مجلس الشعب، كان ينظم قواعد "التحكيم الدولي" فقـط

حيث كان عنوانه "مشروع قانون في شأن التحكيم التجاري الدولي" ولم يكـن يشمل "التحكيم الوطني الذي عبر عنه بالمذكرة الإيضاحية لمشروع هـذا القانون بمصطلح "التحكيم الداخلي".

إلا أن اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس الشعب.. قد عدلت عنوان مشروع القانون المعروض كما عدلت في نصوصه بحيث تسري أحكامه على التحكيم سواء كان داخليا أي وطنيا ، أو دوليا، حيث جاء بتقرير هذه اللجنة:

أحال المجلس بجلسته المنعقدة في ١٠ مايو سنة ١٩٩٣ إلـى لجنـة مشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتـب لجنـة الـشئون الاقتصادية، مشروع قانون في شأن التحكيم التجاري الدولي، فعقدت اللجنـة ثلاثة اجتماعات لنظره، وفي ضوء ما دار في اجتماعات اللجنة من مناقشات وما أدلت به الحكومة من إيضاحات وضعت عنه تقريراً لم يتسن عرضـه على المجلس، وفي بداية دور الانعقاد العادي الرابع أعيد عـرض مـشروع القانون على اللجنة فعقدت لنظره ستة اجتماعات.

وفي ضوء ما دار في اجتماعات اللجنة من مناقشات وما أدلـت بـه الحكومة من إيضاحات، تبين لها أن مشروع القانون استغرق إعداده ثمـانـي سنوات تقريباً بعد الانضمام إلى الاتفاقية الخاصة بأحكام المحكمين الأجنبيـة وتنفيذها في 8 يوليو سنة 1959 والتي أقرها مؤتمر الأمم المتحدة الخـاص بالتحكيم التجاري الدولي المنعقد في نيويورك في المدة من ٢٠ من مـايو - 10 من يونيو سنة 1958 وقد جاء مشروع قانون التحكيم التجاري الدولي مواكباً للجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة من أجل تهيئة مناخ صالح للاستثمار متمشياً مع سياسة الإصلاح الاقتصادي الذي قطعت فيه الدولة شوطاً كبيـراً لجذب رؤوس الأموال المستثمرة لا سيما بعد أن تبين لها أن القـوانين التـي رضعت في مجال الاستثمار لا تكفي وحدها لتحقيق هدف زيادة الاستثمارات، من ذلك القانون رقم ٢٣٠ لسنة ١٩٨٩ بإصدار قانون الاستثمار، والقـرار بقانون رقم ٢٠٥ لسنة ١٩٩٠ في شان سرية الحسابات بالبنوك وغيرها (تـم إلغاؤه وأصبح باباً في قانون البنوك والائتمان رقم 88 لسنة ٢٠٠٣).

ذلك أن نظام التحكيم من شأنه أن يتيح السبيل إلى سرعة الفصل في المنازعات التي تنشأ عن العلاقات التجارية الدولية، فضلاً عن أنـه يعطـي الطمأنينة والثقة للمستثمرين حيث أنه يتسق مع القواعد الدولية السارية فـي هذا الشأن كما يستهدف التغلب على بطء إجراءات الفصل في الدعاوى الذي يعرقل العمل التجاري بصفة عامة مع ملاحظة أن قواعد التحكيم المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجاريـة لا تحقـق الهـدف المنـشود باعتبارها وضعت للتحكيم الداخلي، ومن ثم لا تغني بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي لما له من طبيعة خاصة.

وقد رأت اللجنة أنه من الأفضل من وجه السياسة التشريعية أن يكون هناك قانون تحكيم عام في المواد المدنية والتجارية يطبق على نوعي التحكيم الداخلي والدولي بدلاً من وجود نوعين من قواعد التحكيم (تحكــم داخلـي) تنص على أحكامه المواد من 501 إلى 513 من القانون رقـم ١٣ لسنة 1968 بإصدار قانون المرافعات المدنية والتجارية، و(تحكيم دولـي تـنـص على أحكامه مواد المشروع المطروح على اللجنة ومن هذا المنطلق تم تعديل نصوص المشروع المطروح وتعديل عنوانه إلى مشروع قانون التحكيم فـي المواد المدنية والتجارية حيث تسري أحكامه على التحكيم سواء كان داخلياً أودولياً.

وقد اقتضى ذلك النص على إلغاء المواد من 501 إلـى ٥١٣ مـن قانون المرافعات المدنية والتجارية.

ويشمل مشروع قانون التحكيم في المواد المدنية والتجاريـة سـبعة أبواب بعد مواد الإصدار.

فبالنسبة لمواد الإصدار رأت اللجنة تعديل المادة الأولى بحذف عبارة "تجاري دولي" ليصبح النص كالآتي: يعمل بأحكام القانون المرافق على كـل تحكيم قائم وقت نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه ولو استند إلى تحكيم سبق إبرامه قبـل نفاذ هذا القانون.

وقد عدلت اللجنة هذه المادة بعد أن رأت أن يصبح هذا القانون هـو القانون العام الذي ينظم قواعد وإجراءات التحكيم سواء أكان تجارياً أو غيـر تجاري، داخلياً أو دولياً ومن ثم فقد حذف من نص المادة الأولـى وصـف تجاري دولي" الواردة بعد عبارة (يعمل بأحكام القانون المرافق على كل حكم تحكيم) كما استبدلت عبارة "أو يبدأ بعد نفاذه بعبارة "أو يجري بعد نفاذه".

هذا ماورد بتقرير اللجنة المشار إليها ووفقاً لذلك صدر القانون علـى النحو المعمول به حالياً وقد تضمنت مادته رقم (۱) تقرير سريان أحكامـه على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو الخاص، أيا كانـت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع وذلك في حـالتين: إحـداهما مطلقة غير مقيدة باتفاق الأطراف والأخرى مقيدة باتفاق الأطراف .

الحالة الأولى: إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر :

وهذا التحكيم يمكن أن يكون "وطنياً" وذلك إذا لم تتوافر فيـه كما يمكن شروط التحكيم الدولي المنصوص عليها في القانون، أن يكون "تجارياً دولياً" وذلك إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلـق بالتجارة الدولية، وتوافرت فيه إحدى الحـالات المنصوص عليها بالمادة (3) من قانون التحكيم.

وسواء كان التحكيم الذي يجري داخـل مـصـر "وطنيـاً" أم "تجارياً دولياً" فإن أحكام قانون التحكيم المصري تسري عليه مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بهـا فـي جمهورية مصر العربية. بغير حاجة إلى اتفاق الخصوم على ذلك .

الحالة الثانية: إذا كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري خارج مصر:

وفي هذه الحالة فإن سريان القانون المصري على هذا التحكيم يكون مقيداً باتفاق الأطراف، أي أنه لا يسري إلا إذا اتفـق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون.

ولم يكن منهج المشرع المصري في وحدة التنظيم التشريعي لكل من التحكيم الوطني" و "التحكيم التجاري الدولي" بحائل بينه وبين المغايرة بينهما في الأحكام.

فقد فرق قانون التحكيم المصري بين "التحكيم الـوطني" و"التحكــم التجاري الدولي" في العديد من أحكامه التفصيلية على النحو المشار إليه سلفاً على نحو من التفصيل.

إلا أنه يحمد للمشرع المصري أنه في الوقت الذي غاير فيـه بـين "التحكيم الوطني" و "التحكيم التجاري الدولي" في عدد من الأحكام فقد وحـد بينهما بشأن حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق.

ومن ثم أصبحت حرية الأطراف في اختيار القانون واجب التطبيق لا تتقيد بوجود تحكيم دولي.

إذ أن لأطراف التحكيم الـوطني كـذلك - وفقـاً لقـانون التحكــم المصري- الحق في اختيار القانون واجب التطبيق على التحكيم.

وقد بدا واضحاً تبني المشرع في قانون التحكــم المـصـري لمبـدأ "الرضائية" بشكل موحد على كل من التحكيم الـوطني والتحكــم التـجـاري الدولي، وعدم التفريق بينهما في شأن تطبيق هذا المبدأ.

وقد أفصحت عن ذلك المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون الأصـلي في صدد بيانها للأسس التي قام عليها المشروع إذ بينت في البند ثالثاً "احترام إرادة طرفي التحكيم بإفساح الحرية لهما لتنظيمه بالكيفية التي تناسبهما، هذه الحرية هي عماد نظام التحكيم إذا فقدها فقد هويته، وكلما زاد مقدار الحريـة التي يهيئها التشريع لطرفي التحكيم، زادت ثقتهما فيه، وزاد اطمئنانهما إلـى الحكم الذي ينتهي إليه ويقوم المشروع على هذا المبدأ  الأصولي".

وقد تجلى تطبيق هذا المبدأ بشأن حرية أطراف التحكيم سواء كـان وطنياً" أو "دوليا" في اختيار القانون أو القواعد الواجبة التطبيق على ثلاث مسائل:

المسألة الأولى: حرية الأطراف في اختيار القواعد التي تخضع لها العلاقـة القانونية بينهما

وهذا الحكم تضمنته المادة (6) : التي أوجبت العمل بأحكام أي وثيقة أو عقد نموذجي أو اتفاقية دولية يتفق طرفا التحكيم على إخضاع العلاقـة القانونية بينهما لأحكامها حيث نصت على أنه: "إذا اتفق طرفا التحكيم علـى إخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أيـة وثيقة أخرى وجب العمل بأحكام هذه الوثيقة بما تشمله من أحكـام خاصـة بالتحكيم".

المسألة الثانية: حرية الأطراف في اختيار القواعد التي تحكـم الإجـراءات التي تتبعها هيئة التحكيم

وهذا الحكم تضمنته المادة (٢٥) : التي أجازت لطرفي التحكــم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم. بما في ذلـك حقهـا فـي إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم سـواء كان في مصر أو خارج مصر.

حيث نصت على أنه: "لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعـد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة".

المسألة الثالثة: حرية الأطراف في اختيار القانون واجـب التطبيـق علـى موضوع النزاع

وهذا الحكم تضمنته المادة (٣٩) : والتي أوجبت في البنـد (۱) على هيئة التحكيم أن تطبق على موضوع النزاع القواعد التي يتفق عليهـا الطرفان، وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية في قانون هذه الدولة دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين، مـا لـم يتفـق الطرفان على غير ذلك، فإن اتفقا على غير ذلك أتبع ما اتفقا عليه، حيـث نصت على أنه: "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعـد التـي يتفق عليها الطرفان، وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين مالم يتفق على غيـر ذلك".

كما خولت في البند (4) لهيئة التحكيم "إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويضها بالصلح أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى قواعـد العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون".

ولم يفرق المشرع في تطبيق أحكام كل النصوص المتقدمـة بـين التحكيم الوطني والتحكيم التجاري الدولي. بل وحد بينهمـا بـشأنها فجعـل أحكامها تشمل التحكيم الوطني، كما تشمل التحكيم التجاري الدولي.

على أنه يجب أن يلاحظ من ناحية أخرى، أنه إذا اتفق الأطراف في التحكيم الذي يجري داخل مصر، سواء كان التحكيم "وطنيا" أم "تجارياً دولياً" على إخضاع موضوعه أو إجراءاته لغير القانون المصري .

ونخلص من ذلك إلى أن المشرع قد خول الأطـراف فـي التحكــم الوطني إمكانية الاتفاق على اختيار قانون أجنبي لتسوية النزاع، وهذا الأمـر يعد غريباً على القواعد التقليدية في نظرية تنازع القـوانين فـي مجـال العقود.. إذ أن حرية الأطراف في هذا المجال تتقيد بوجود عقد دولي.

مما جعل بعض الفقه يذهب إلى أن حق الأطراف في اختيار القواعد الحاكمة لمسائل الإجراءات، واختيار القانون واجب التطبيق على موضـوع النزاع، المقررة بموجب المواد السابق الإشارة إليهـا مـن قـانون التحكــم المصري، ينفرد بها التحكيم الدولي ولا تنطبق على التحكيم الوطني. وسندهم في ذلك أنه لا يعقل في منازعة وطنية بحتة معروضة على التحكيم أن يختار الأطراف قانوناً أجنبياً ليحكمه، لأن حق اختيار القانون واجب التطبيق المقرر

رأي الباحث

إلا أن الباحث يرى خلاف ذلك. لأن النص على سريان أحكام القانون على كل تحكيم يجري في مصر، أي سواء كان وطنياً أو دوليا، هـو نـص صريح لا يحتمل التأويل. كما أن النصوص التي قررت حرية الأطراف فـي اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع التحكيم أو إجراءاته، لم تفـرق بين التحكيم الدولي والتحكيم الوطني.. فهي سارية على كل منهما.

ويبرر الاختلاف بين عدم تقيد الأطراف في اختيار القانون واجـب التطبيق على موضوع التحكيم وإجراءاته بوجود تحكيم دولـي، بينمـا تقيـد حريتهم في هذا الشأن في مجال العقود بكون العقد دولياً، أن العلة في تقرير هذه الحرية في العقد الدولي هي العمل على استقرار المعاملات الدوليـة وتحقيق الأمان القانوني لها خشية من تطبيق قانون وطني علـى غيـر إرادة الأطراف، ولا يثور ذلك إلا بصدد العقد الدولي.

أما العلة في تقرير هذه الحرية في التحكيم سـواء كـان "وطنيـا أم مبدأ "الرضائية" الذي تقوم عليه فلسفة نظام التحكيم ككل، وهذه دوليا".. وهذه الفلسفة تجد صداها فيما يلي:

أولا: أن التحكيم في جوهره عدالة رضائية، وبالتالي يرغب المشرع في إعطاء الأطراف مساحة كبيرة من الحرية، لتسوية هـذا النزاع، بدون فرض قيود قانونية قد تكبل هذه الحرية، وتمنعها من الوصول إلى الغاية المنشودة، لاسيما وأن المعاملات التجارية تحكمها اعتبارات متميزة، وتحتاج إلى قدر أكبر مـن المرونة في كل من التحكيم الوطني أو الدولي.

ثانيا: الأحكام المتواترة للمحكمة الدستورية العليا، التي قررت عـدم دستورية التحكيم الإجباري، وأكدت أن التحكيم فـي جـوهره عدالة رضائية، لا ينبغي أن تفرض فيها القيود التـي تجبـر الأطراف على الخضوع لقواعد إجرائية لا ترضى بها ويستوي في هذا المفهوم "التحكيم الوطني" مع "التحكيم الدولي".

ثالثا: إذا كان المشرع قد منح الأطراف بموجب التحكيم حق اللجوء في حسم نزاعاتهم (الوطنية والدولية) إلى غير قضاء الدولـة، فلا مسوغ لتقييد حريتهم في اختيار القانون واجـب التطبيـق إذاكان نزاعهم وطنياً، طالما أن نظام التحكيم بصفة عامة يحده إطار عدم الخروج عن القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام.

رابعا: أن المشرع قد أتاح للأطراف في التحكيم الوطني أو الـدولي الاتفاق على حل النزاع بدون قانون أصلاً (التحكيم بالصلح) وفقاً لقواعد العدل والإنصاف، فلا غرابة في منحهم الحق فـي اختيار أي قانون أجنبي، ولو كان التحكيم وطنياً مادام لا يسمح بمخالفة القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام.

ومن هنا تتضح العلة في مسلك المشرع في قانون التحكيم المصري من عدم التفرقة بين "التحكيم الوطني" و "التحكيم التجاري الدولي" بشأن حـق الأطراف في كل منهما في اختيار القانون واجب التطبيـق علـى موضـوع التحكيم وعلى إجراءاته أيضاً.

وتطبيقاً لذلك فإنه ليس هناك ما يمنع الأطراف في "التحكيم الـوطني من الخروج على التشريعات الوطنية تحت مظلة التحكيم.

ويمكنهم بذلك اختيار أي قانون أجنبي ليكون هو القـانون واجـب التطبيق، سواء بشأن موضوع النزاع أو إجراءات التحكيم.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل يسري ذلك أيضاً على "اتفاق التحكيم" فلا تتقيد حرية أطرافه في اختيار القانون واجب التطبيق عليه بوجود تحكيم دولي؟

وبصيغة أخرى هل يجوز لأطراف التحكيم الوطني اختيار القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم، كما لهم هذا الحق على موضوع التحكيم وإجراءاته؟

الإجابة قولاً واحداً أنه ليس لأطراف التحكيم الوطني الحق في اختيار القانون واجب التطبيق على "اتفاق التحكيم" في حكم قانون التحكيم المصري، بالرغم من أن لهم الحق في اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع التحكيم وإجراءاته، وإن كان التحكيم وطنياً، وعلة ذلك أن المشرع في قانون التحكيم المصري لم ينظم القانون واجب التطبيق على "اتفاق التحكيم" أصلاً.

لا بشأن التحكيم الوطني ولا بشأن التحكيم الدولي. مما يتطلب إعمال القواعد العامة بشأن تنازع القوانين في العقود الدولية والمقررة بالمادتين ۱۹، ۲۰ من القانون المدني.

ولما كانت قواعد تنازع القوانين في مجال العقود لا تسري إلا بشأن العقد الدولي، فإنها لا تسري كذلك على اتفاق التحكيم باعتباره عقداً، إلا إذا كان "اتفاق التحكيم دولياً".

وهنا يرصد البحث قصوراً تشريعياً كبيراً تسبب في العديد من الإشكاليات التي تثور بشأن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم.  وبيانذلك ما يلي:

أولا: أن المشرع في قانون التحكيم المصري أهمل كلية، تنظيم القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم وذلك بعكس مسلكه بشأن موضوع التحكيم وإجراءاته التي تقل كثيراً في درجة أهميتها بالمقارنة مع اتفاق التحكيم الذي هو دستور العملية التحكيمية وقانونها. وقد أدى ذلك إلى اختلاف الحلول لدى إثارة الإشكاليات الخاصة بالقانون الذي يحكم الاتفاق سواء أمام قضاء الدولة أو هيئات التحكيم.

ثانياً: أن إهمال المشرع في قانون التحكيم المصري لتنظيم القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم، أدى إلى وجوب إعمال القواعد العامة المقررة في القانون المدني بشأن تنازع القوانين في العقد الدولي. وهذا يتنافى مع ما استهدفه المشرع لدى سنه قانون التحكيم من أن يجمع مسائل التحكيم كلها في تنظيم تشريعي واحد.

وذلك مراعاة لما يتسم به التحكيم من خصوصية قد تتأثر بتناثر أحكامه بين عدد من القوانين التي لا يراعى فيها هذه الخصوصية.

ثالثاً: أن إهمال المشرع في قانون التحكيم المصري للتنظيم القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم، ومن ثم العودة بشأن اتفاق التحكيم إلى القواعد العامة، قد أدى إلى نتيجة شاذة وغير مبررة، تمثلت في أن أطراف التحكيم الوطني يمكن لهم اختيار قانون أجنبي ليطبقوه على موضوع التحكيم وعلى إجراءاته، وليس لهم هذا الحق بشأن الاتفاق.