الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / متى يكون التحكيم دولياً / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / تعريف التحكيم الدولي في قانون التحكيم المصرى الجديد

  • الاسم

    نريمان عبدالقادر
  • تاريخ النشر

    1994-01-01
  • عدد الصفحات

    542
  • رقم الصفحة

    182

التفاصيل طباعة نسخ

تعريف التحكيم الدولي في قانون التحكيم المصرى الجديد

   يسهل المشرع المصرى مسألة الوقوف على "دولية" التحكيم التجاري حيث انهـا مـن المسائل الصعبة والمعقدة. و تأتي هذه الصعوبة وتلـك التعقيدات - في واقع الأمـر – مـن تداخـل المصطلحات مثل التحكيم الداخلي، والتحكيـم الوطني، والتحكيـم الأجنبي، والتحكيم التجاري "شبه الدولي"، فضلا عن مصطلح التحكيم التجاري الدولي. وليس الوقوف على دوليـة التحكيم التجاري من الأمور النظرية التي قد يبدو فيها الجهد ضائعا. وأنما هي من المسائل الأساسية التي يترتب عليها نتائج بالغة الأهمية لا سيما عند معرض تنفيذ قرارات هذا التحكيم.

   وبعد أن حدد المشرع المصرى تعريف التحكيم التجاري وأعطى له ضوءا خاصا. وعلى غرار مصطلح "التجارية" فإن مصطلح "الدولية" أثار ويثير اشكالات عديدة تتعلق مجملها في تحديد متى يكون التحكيم "دوليا" فيطبق قانون التحكيم المصرى الجديد، ومتى لا يكون ذلك. ولم يترك المشرع المصرى هذا التساؤل دون الاجابة عليه، بل حدد أكثر من معيار على سبيل الحصر يعتبر فيه التحكيم دوليا وفقا لأحكامه ممـا يسمح باتساع نطاق مفهـوم التحكيم التجـاري الدولي، وذلك بنص المادة الثالثة من هذا القانون.

   وسوف نعرض المعايير والحالات التي يعد فيها التحكيم "دوليا" وفقا لأحكـام قـانون التحكيم الجديد تباعا كما يلي:

أولا: ارتباط التحكيم بالتجارة الدولية "معيار يتعلق بطبيعة النزاع"

   تبدأ المادة الثالثة من هذا القانون وتقول "يكون التحكيم دوليا في حكـم هـذا القانون اذا كـان موضوعه نزاعا يتعلق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال الآتية": ثم تسرد معايير وحالات هي حلول احتياطية لاتساع معيار الدولية.

   ويتبنى المشرع المصرى معيار ارتباط النزاع بالتجارة الدولية حيث يشترط المشرع لكي يكون التحكيم دوليا في حكم هذا القانون أن يكون متعلقا بالتجارة الدولية، وهو أيضـا مـا يستفاد صراحة من نص المادة الأولى من قانون التحكيم الجديد والسابق ذكرها، ومعنى ذلك أن المشرع يربط بين المفهومين "التجاري و الدولي". أي يجب أن يكون موضوع (محل التحكيم) علاقة ذات طابع تجاري وطبقا للمفهوم الحديث الذي أتى به قانون التحكيم الجديد علاقة تجارية ذات مدلول اقتصادی بصرف النظر عما اذا كانت هذه العلاقة طبقا للمعيار التقليدي مدنية أو تجارية – كما سبق القول – حتى يعتبر التحكيم دوليا. وهذا هو المعيار الاقتصادي الذي تبناه المشرع المصرى أي معيار طبيعة النزاع، ارتباط النزاع بالتجارة الدولية، وهو ما استقر عليه الفقه الحديث والقضاء الفرنسي على نحو ما عرضنا سابقا.

ثانيا: المعايير التي وضعها المشرع المصرى لدولية التحكيم

   يتميز المشرع المصرى بأنه أورد أكثر من معيار يكون فيه التحكيم دوليا وفقا لأحكامه، كما يسمح أيضا باتساع نطاق مفهوم التحكيم التجاري الدولي وفقا للقانون الجديد، فهو يضـع دائما حلـولا احتياطية لمعيار الدوليـة كـمـا فـعـل نظيره القانون النموذجـى"Model Law" (المـادة الأولى /۱) منه، الا أن هذه المعايير والحالات غالبـا مـا تخضع لاجتهادات وتفسيرات مختلفة والحالات والمعايير الواردة في قانون التحكيم الجديد هي كما يلي:

الحالة الأولى: اختلاف مكان المركز الرئيسي لأعمـال طرفي التحكيم وقـت ابـرام اتفـاق التحكيم"

   يكون التحكيـم دوليـا اذا كـان المركـز الرئيسـي لعمـل أمـراف التحكيـم "Place of business" يقع في دولتين مختلفتين وقت ابرام اتفاق التحكيم. فالعبرة اذن لاختلاف مكان عمل الأطراف من جهة، ووقت ابرام اتفاق التحكيم من جهة أخرى. فلو كانت هذه الأماكن تقع في دولة واحدة وقت ابرام ذلك الاتفاق لا يكون التحكيم دوليا، حتى ولو كانت هذه الأمكنة مختلفة قبل ابرام الاتفاق أو أصبحت كذلك بعده. كما أن العبرة باختلاف الدول وليس لاختلاف مراكز العمل فحسب. فاذا كانت مراكز عمل الأطراف في دولة واحدة بمفهومها السياسي والقانوني، فلا يكون التحكيم دوليا مهما كبرت الدولة وتباعدت بالتالي مراكز العمل. والعكس صحيح، يكون التحكيم دوليا مهما صغرت الدول التي يوجد فيها مراكز العمل المختلفة، ومهما تفاوتت هذه المراكز عن بعضها.

   لا عبرة لاختلاف الجنسية أو اتفاقها. فقد يكون الطرفان من جنسية واحدة ويكون التحكيم دوليا ويسرى عليه قانون التحكيم الجديد. وقد يكونان من جنسيتين مختلفتين، ومع ذلك لا يطبق هذا القانون. فالمهم في هذه الحالة اختلاف مراكز الأعمال بصرف النظر عن جنسية أصحـاب الشأن.

ـ ثم جاء بالنص أيضا واذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمـال فالعبرة بالمركز الأكثر ارتباطا بموضوع اتفاق التحكيم. والمسألة هنا اجتهادية تخضع لتقديـر هيئة التحكيم، أو المحكمة اذا رفع النزاع أمامها لأي سبب. ومثال ذلك أن يكون للسيد عمـر مـكـان عمـل فـي مصر، ومكان عمل آخر في السعودية ويكون للسيد شريف المقيم بالسعودية مكان عمـل فـي مصر أيضا، فيبرم للسيد عمر عن طريق مركز أعماله في السعودية عقـدا . مع السيد شريف لانشاء مبنى في السعودية. وينص العقد على احالة النزاع الى التحكيم. في هذه الحالة يمكـن القول ان هذا التحكيم دولي فيسرى قانون التحكيم الجديد، لأن مكان عمل السيد عمـر فـي السعودية هو أكثر ارتباطا باتفاق التحكيم من مكان عمله في مصر.

ـ وجاء بالنص أيضا واذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم مركز أعمال، فالعبرة في هذه الحالة بمكان اقامته المعتاد ( Habitual Residence) وقت ابرام اتفاق للتحكيم، وهو ما يعبر عنه في قوانيـن بعـض الـدول العربية بالموطن، أي المكان الذي يقيم فيـه الشخص عـادة (المادتين 40 و41 من القانون المدني المصري) نفي مثالنا السابق، لـو لـم يكـن للسيد عمـر مكان عمل في مصر ولا في السعودية، ولكنه كان مقيما في السعودية، فلا يكون التحكيم دوليا ولا يسرى بالتالي قانون التحكيم الجديد حتى ولو كانت جنسية السيد عمر مصرية وكان السيد شریف سعوديا اذ لا عبرة لاختلاف الجنسية كما ذكرنا.

الحالة الثانية : اللجوءالي منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم

    يعتبر في هذه الحالة اتفاق التحكيم دوليا اذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء لمنظمة تحكيـم دائمة أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر أو خارجها وعلى سبيل المثال خـارج مصر غرفة التجارة الدولية بباريس والمعروفة "ICC" أو جمعية التحكيم الأمريكية. "AAA " أو مركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري أو مركز التحكيم التجـاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالبحرين أومركز تسوية منازعات الاستثمار"ICSID" في واشنطن أو جمعية التحكيم الأمريكية وغيرها من المراكز.

   وداخل مصر مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي.

   هكذا يعتبر اللجوء الى منظمة أو مركز تحكيم وتطبيق نظـامـه القـانوني على اجراءات التحكيم معيارا لدولية التحكيم على أساس أن هذا اللجوء يفيد اتصال النزاع بالتجارة الدولية مما يعد معه تطبيقا للمعيار القانوني لتحديد دولية التحكيم .

    ويلاحظ على هذا النص أنه لم يوضح ما اذا كان المقصود بهذا اللجوء هو احالة النزاع للتحكيم وفق قواعد المنظمة أو المركز أم أنه يتضمن أيضـا حـالـة رعايـة أيـا منهـمـا لاجراءات التحكيم دون تطبيق لوائحها، وهل لها ممارسة سلطة تعيين هيئة التحكيم (المحكم الفرد أو المحكم المرجح) اذا طلب ذلك طرفا التحكيم؟ وعلى ايـة حـال النـص يتضح منه أن المقصود هو حالة لجوء طرفي التحكيم للمنظمة أو المركز لتسوية النزاع بينهما وفق النظام القانوني لأى منها. ولكن هذا لا يمنع من اعتبار أن رعايـة منظمـة أو مركز دولي أو اقليمي أو اللجوء لأى منها بتعييـن المحكم يستدل منه أيضا على اتصال موضوع النزاع بالتجارة الدولية.

   وهذه الحالة قد أضافها وانفرد بها قانون التحكيـم الجـديـد فـلا يوجد مثيل لها في القانون النموذجي"Model Law".

الحالة الثالثة: ارتباط موضوع النزاع بأكثر من دولة

   وهي الحالة التي يكون فيها موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة واحدة. وهذا المعيار معيار موضوعي أيضاً اذ لـم يـترك المشرع المصرى تحديد صفة الدولية مرهونة بارادة الأطراف فيقرر اسباغ صفتها لحالة لا يتعلق وجودها باتفاق أو اختلاف على هذا الوجود. ولعلها أكثر الحالات وضوحا لبيان الصفة الدولية للنزاع.

   ويتحقق ارتباط موضوع النزاع في هذه الحالة بأكثر من دولة واحدة كـأن يكون موضـوع النزاع نفسه يشتمل على علاقات تتضمن إنتقال الأموال أو السلع أو الخدمات . عبر الحـدود الجغرافية للدول ، فإذا نشأ نزاع بسبب علاقة من هذه العلاقات أو بمناسبتها فإن موضوعه سوف يرتبط بدرجة أو بأخرى ، بأكثر من دولة تعتبرها هذه العلاقة سواء عند نشأتها أو عند تنفيذها ، فهذا العبور يعني تعدد الأماكن التي يمكن أن ترتبط بها علاقة التجارة الدولية المطروح النزاع بشأنها أمام التحكيم

   ويختلف القانون المصري مع نظيره القانون النموذجي "Model Law" بالنسبة لهذه الحالة حيث يجعل القانون الأخير أيضا التحكيم دوليا اذ اتفق فيـه الأطراف صراحة على أن موضوع (محل) اتفاق التحكيم يتعلق بأكثر من دولة وهو معيار شخصى ويشترط أن يكون هذا الاتفاق صريحا فلا يجوز استخلاصه ضمنا من ارادة الأطراف وهذا بخلاف الحالة المتعلقة بتحديد مكان التحكيم وفق ما تضمنه هذا القانون، في حين يشترط القانون المصرى لذلك كما سبق القول أن يكون موضوع النزاع مرتبطا بأكثر من دولة، بصرف النظر عن اتفاق الأطراف في هذا الشأن.

   وهذا الحكم الوارد في القانون النموذجي قد يفتح مجالا واسعا لأطراف النزاع، للتحايل على أحكام معينة في القانون الوطني، كانت ستطبق عليهـم لـو كـان التحكيم وطنيا. في هذه الحالة، يمكنهم تجنب ذلك بالنص صراحة في اتفاقهم بأن موضـوع التحكيم يتعلـق بـأكثر من دولة. وقد ناقشت لجنة قانون التجارة الدولية هذا الاحتمال وقررت الابقاء على النص، ، مع اضافة نص جديد في محاولة للحيلولة دون هذا التحايل، (المادة الأولى/5) من القانون النموذجي.

   ومن ثم، نستطيع القول ان المشرع المصرى قد أصاب في هذا الخصوص حيث تدارك مباشرة ثغرات هذه الحالة في القانون النموذجي ما دامت العبرة بواقع الأمر وليس للاتفاق الذي قد ينص على أن موضوع النزاع أو التحكيم يرتبط بأكثر من دولة، في حين أن الواقع يقول غير ذلك. 

الحالة الرابعة: جغرافية: التحكيم أو العلاقة التجارية أو النزاع

     والحالة الرابعة والأخيرة والواردة بالمادة الثالثة والتي نحن بصددها هي معيار جغرافی لاعتبار موضوع النزاع موضوعـا دوليا وهي حالة تختلف تماما عن الحالات الثلاث السابق ذكرها فهي تواجه الفرض الذي يكون فيه المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في نفس الدولة وقت ابرام اتفاق التحكيم وكان أحد الأماكن التالية واقعا خارج هذه الدولة:

( أ ) مكان اجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكيم أو أشار الى كيفية تعيينه

   تعالج (الماده ۲۸) من قانون التحكيم الجديد مسألة مكان التحكيم بقولها أن للأطراف في مصر أو خارجها الحرية في تحديد مكان التحكيم. فاذا لم يتفقوا عليه، تحدده هيئة التحكيم أخذه في الاعتبار كافة الظروف الميحطة بالقضية بما في ذلك ملاءمة المكان لأطرافه.

   وعلى ذلك، فانه في حالة النص في الاتفاق على مكان التحكيم صراحـة، فان المكان يجب أن يستخلص من الاتفاق ذاته، أو بمعنى آخر من ارادة الأطراف الضمنية.

   واذا كان ذلك متعذرا لأي سبب، فقد وضع المشرع حلا آخر احتياطيا في هذه الحالة عندما وردت عبارة "أو أشار الى كيفية تعيينه فعبارة أشار عبارة هامة تعنى أنه يجوز لهيئة التحكيـم أن تعين مكان اجراء التحكيم وهو ما يتفق مع ما جاء (بالمادة ٢٨) من هذا القانون والسابق الاشارة اليها.

   والعبرة في هذا المعيار بمكان جريان اجراءات التحكيم وليس بمكان صدور حكم التحكيم، اذ من المتصور أن : يصدر حكم التحكيم في مكان آخر غير المكان الذي جرت فيـه اجـراءات التحكيم أو جزء منها.

(ب) مكان تنفيذ جانب جوهرى من الالتزامات الناشئة عن العلاقات التجارية بين الطرفين

    والمعيار هنا، كما هو واضح، معيار موضوعي، في حين أن المعايير السابقة عليه (أماكن عمل الأطراف، محال اقامتهم، مكان التحكيم حسب الاتفاق) هي معايير جغرافية وشخصية مرتبطة اما بتواجد أطراف النزاع مكانيا، أو باتفاقهم. أمـا هـذا المعيار، فلا علاقة له بأشخاص النزاع، وأنما بجزء جوهرى من التزاماتهم أو بموضوع النزاع. فيكون التحكيم دوليا اذا كان جزء جوهرى من التزامات العلاقة التجارية، يجب أن ينفذ في دولة غير دول أماكن الأعمال، أو محـال اقامة أطراف النزاع.

   وتعد هذه الحالة مسألة تقديرية لهيئة التحكيم تقضى بها حسب الظروف المحيطة بها. وما يعتبر في نظر هيئة ما جزءا جوهريا من الالتزامات التعاقدية، قد لا يعتبر كذلك بالنسبة لهيئة أخرى.

   لذا يثور السؤال عن المقصود بالجانب الجوهري لهذه الالتزامات، هل المقصود حجمها، أو قيمتها أو دورها في تحقيق الغرض من العلاقة؟

   فالمسألة كما تبدو نسبية تختلف باختلاف ظروف كل حالة.

   ومثال ذلك، أن تبرم الشركتان ( أ ) و (ب) اللتان توجد أماكن أعمالهما في السعودية، عقدا واحـدا تقوم بموجبـة ( أ ) بانشاء محطتين كهرباء لـ (ب) أحدهما في مصر والأخـرى فـي السعودية، وتكون محطة الكهرباء في السعودية أكبر من المحطة في مصر بمرات عديدة، في حين أن تكلفة تجهيزات المحطة في مصر أكبر بكثير من المحطة في السعودية. ولو حصل نـزاع بين الشركتين حول المحطتين، واتفقتا على احالته الى التحكيم، فان هيئة تحكيم معينة قد تقضى بأن التحكيم ليس دوليا بالنظر الى كبر المحطة في السعودية، في حيـن أن هيئة تحكيـم أخـرى قـد تقضى بخلاف ذلك بالنظر إلى تكلفة تجهيزات المحطة في مصر.

   ونظرا الى أنه يترتب على تطبيق هذا المعيار وصف التحكيم بالدولية من عدمه، فلصاحب المصلحة أن يقيم الدليل على استيفاء هذا المعيار حتى يمكن تطبيق وصف التحكيم بالدوليـة سـواء أثناء جريان التحكيم لتحديد المحكمة المختصة بمسائل هذا التحكيـم (المـادة ١/٩) مـن قـانون التحكيم الجديد أو بعد انتهاء اجراءات التحكيم وصدور الحكم فيه لتحديد المحكمة المختصـة بنظـر البطلان (المادة ٢/٥٤) من قانون التحكيم الجديد.

(ج) المكان الأكثر ارتباطا بموضوع ( محل) النزاع

   يكون التحكيم دوليا في هذا الفرض اذا كـان المكان الأكثر ارتباطا بموضـوع النزاع يقع خارج الدولة التي يوجد فيها المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم متى وقع هذا المركز الرئيسي في الدولة نفسها. وهذه الحالة لا تنظر الى الالتزامات التعاقدية. وانما تنظر الى موضـوع النزاع بغض النظر عن تلك الالتزامات وما اذا كانت جوهرية أو غير جوهرية. فلو فرضنا في مثالنا السابق أن نزاع الشركتين ينحصر في محطة الكهرباء في السعودية، كان التحكيم وطنيا، بخلاف الحالة الثانية حيث يكون التحكيم دوليا.

    وننوه أن الحالة الرابعة والأخيرة هذه تدرج ضمن الحالات الثلاث الواردة في القانون النموذجي، الفقرة ٢/ب من المادة الأولى/3، بينما أفرد لها القانون المصرى الجديد فقرة مستقلة فجاءت أكثر وضوحا.

وجدير بالذكر أن نص المادة الثالثة والتى نحن بصددها قد توسع فى مفهوم التحكيم الدولى وأصبح ليس هو التحكيم الذي يجرى خارج مصر، فيجوز أن يكون التحكيم دوليا بالرغم من أنه يجري داخل مصر شريطة أن يكون المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيـم يقع في دولتين مختلفتين وقت ابرام اتفاق التحكيم. فمن الأمور العملية والهامة التي أتي بها النص هو امکان طرفيين مصريين يتعاملان مع بعضهما في عملية تعتبر من التجارة الدولية أن يفيـدا مـن الاجراءات الخاصة بالتحكيم الدولي وفقا لأحكام هذا القانون.

هل اتفق القانون النموذجي مع القانون المصري الجديد في تحديد معيار الدولية؟

  أخذ المشرع المصرى بتحديده لمعنى "الدولية" ومعاييرها كما هو وارد بنص المادة الثالثة من هذا القانون بوجهة النظر التي اعتمدها القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي Model" "Law، بل يكاد يكون هذا النص مطابقا للمادة الأولى من القانون الأخير وكل الذي قام به المشرع المصري هو اعادة – بوجه عام – صياغة وتنسيق للمادة الأولى من القانون النموذجي، فجاء القانون المصرى أكثر وضوحا وتنسيقا عن القانون النموذجي.

   وقد أخذ قانون التحكيم المصري الجديد بالحالات التي أخذ بها القانون النموذجي، وأضـاف اليها في صدر النص عبارة أن يكون التحكيم دوليا في حكم هذا القانون اذا كـان موضوعه نزاعا يتعلق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال الآتيه....الى نهاية النص، بينما تجاهل القانون النموذجي تحديد طبيعة النزاع. وكذلك أضاف القانون المصرى حالة أخـرى لـم تـرد في القانون النموذجي وهي الحالة الثانية منه والتي تقضي أن يكون التحكيم دوليا اذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء الى منظمة تحكيم دائمة أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها.

   وعليه اتجه المشرع المصرى الى توحيد المفاهيم في مجال التجارة الدولية حتى يكون منسجما مع فكرة التحكيم التجاري الدولي. وسوف يعود ذلك بالنفع على الاستثمار في مصر.

   وهنا يثور السؤال هل المشرع المصرى بتحديده لمعيار الدولية هذا قد حل هذه المشكلة؟

   يرى بعض الفقه المصري في نص المادة الثالثة من قانون التحكيم الجديد ما يلي : يثير بعض النته المصري هل نحن بصدد معيار واحد لدولية التحكيم أورد له قانون التحكيم الجديد تطبيقات خاصة؟ أم أن دولية التحكيم تتطلب توافر معيارين أحدهما رئيسي وهو في اتصال موضوع التحكيم بالتجارة الدولية والآخر هو تحقيق حالة من الحالات التي أوردها النص؟

   وحسب اجتهادنا المتواضع أن نص المادة الثالثة من القانون الجديد يشترط أولا أن يكون التحكيم تجاريا دوليا ، وهذه العبارة هي إطار أو غطاء في صدر هذا النص والمعايير والحالات الأربعة الواردة بالنص هـي حـالات واردة على سبيل الحصر وهي تفصيل لمعيار الدوليـة. ويكتسب التحكيم صفة الدولية في أي حالة من الحالات التي ذكرها النص باعتبار أن كل منها يحمل مؤشرا على اتصال النزاع بالتجارة الدولية أو على الأقل دليلا على دولية العقد الذي يجرى التحكيم في منازعته. فاذا انطبق أحد المعايير الأربعة على نزاع بشرط أن يكون موضوعه يتعلـق بالتجارة حسب المفهـوم الحديث والواسع لمعيار التجارية ذات الطابع الإقتصادي وقياسا على الأمثلة الواردة (بالمـادة ٢) من هذا القانون يكتسب التحكيم صفة الدولية ويسرى عليـه قـانون التحكيم المصري الجديد اذا جرى التحكيم في مصر أو خارجها واتفق أطرافه على اخضاعه للقانون المصرى.

   في الحقيقة وجوب أن يكون النزاع متعلقا بالتجارة الدوليـة مسألة صعبة لا تحل بدورها المشكلة الناشئة عن صعوبة تحديد الطبيعة الدولية للتحكيم ، فلكي نحدد متى تعتبر العلاقة دولية ؟ هذه مسألة ليست بالبساطة ولا السهولة التي قد تتصور لأنها مسألة تختلف من علاقة الى علاقة أخرى.

   فالاتفاقيات الدولية الموضوعية ـ وليست اتفاقيات تنازع القوانين ـ التي تعالج أوجه النشاط في التجارة الدولية، يختلف فيها مثلا معيـار دوليـة النقل البرى، عن معيار النقل البحرى، عن معيار البيع الدولي للبضائع، كل اتفاقية لها معيار لدولية العلاقة لذلك فالمسألة ليست سهلة وليس هناك معيار واحد لتحديد الطبيعة الدولية للعلاقة التجارية الدولية.

   واذا أرادنا أن نحدد متى تعتبر هذه العلاقة متصلة بقانون التجارة الدولية، يتعين علينا: أما أن نرجع الى الاتفاقية الدولية التي تحكم هذه العلاقة ووفقا للمعيار الذي تنص عليه هذه الاتفاقية. فـاذا كانت العلاقة الدولية تنظمها اتفاقية دولية موضوعية تكون بذلك المسألة سهلة، حيث يتبنى المعبـار الذي تبنته هذه الاتفاقية.

   بينما اذا لم يتحقق ذلك وكانت العلاقة تتعلق بالتجارة الدولية ولا تنظمها اتفاقية دولية، لأنه ايست كل العلاقات التجارية الدولية تنظمها اتفاقيات دولية فيما يتصل بتحديد دولية العلاقة، يترتب على ذلك أن ندخـل فـي هـذا الخلاف الذي لم يستقر على رأي محدد فيـه . هل نأخذ بالطـابع الاقتصادي الوارد في مفهوم (المادة ٢) من القانون المصرى الجديد أم نأخذ بمعنى التجارة الدولية بمفهوم المد والجذر عبر الحدود الذي تأخذ به محكمة النقض الفرنسية. وحول هذا الموضوع يرجح الدكتور سمير الشرقاوي معيار اختلاف المركز الرئيسي كمعيار موضوعي ثم يتعين أن يتحقق معيار آخر شخصي اذا توافرت احدى المعايير الآتية: اختلاف دولة الايجاب عن دولة القبول، اختلاف محل نقل البضاعة من دولة الى دولة أخرى وهذا المعيار أقرب لما جاء باتفاقيـة لاهای لسنة 1964.

   في الواقع مازالت مسألة تحديد الطبيعة الدولية للتحكيم محل صعوبة ويبدو أنه لا يوجد معيار واحد يمكن أن نستند اليه لأن المعايير تختلف ومازال هذا الموضوع مثار خلاف ونقـاش واجتهاد كثير.