التحكيم / متى يكون التحكيم دولياً / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تنفيذ أحكام التحكيم التجارية الأجنبية في القانون العراقي / معيار التمييز بين حكم التحكيم الوطني والاجنبي
الاسم
هات محيي الدين يوسف اليوسفي
تاريخ النشر
2010-01-01
اسم دار النشر
جامعة الدول العربية - معهد البحوث والدراسات العربية
تعد مسألة تحديد معيار واحد للتفرقة بين أحكام التحكيم الوطنية والأجنبية من المسائل المعقدة وغير المستقرة، حيث انقسم الفقه حيالها إلى مذاهب شـتی، وقـد برزت العديد من المعايير التي حاول الفقه من خلالها أكـساء الحكم التحكيمـي بالصبغة الوطنية أو الأجنبية حسب المعيار المتبنى، ومن هذه المعايير مـا يقـوم على الأخذ بعين الاعتبار بجنسية الخصوم، ومنها ما يأخذ بالمكان الذي صدر فيه القرار، ومنها ما يتبني معيار القانون الواجب التطبيق. وقد ظهر مؤخرا المعيـار الاقتصادي الذي يجعل من طبيعة النزاع حدا فاصلا بين ما يعتبر حكـم تحكــم أجنبي أم وطني، وأيا كانت هذه المعايير فإن تحديد جنسية حكـم التحكــم تـجـد أهميتها في أن غالبية الدول تتجه إلى التفرقة في المعاملة بين حكم التحكيم الوطني حكم التحكيم أو طرق الطعن فيه،
تتأثر مسألة تنفيذ أحكام التحكيم بوصف الحكم كونه وطنيا أو أجنبيا بسبب أنه وعند التقدم لتنفيذ حكم التحكيم الوطني تطبق عليه مجموعة القواعد القانونيـة الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، بعكس ما إذا كان هذا التحكيم أجنبيـا فأنـه ستطبق عليه الأحكام الخاصة المتعلقة بتنفيذ الأحكام الأجنبية. فمثلا في العراق إذا كان حكم التحكيم وطنيا أي صادرا في داخل حدود الجمهورية العراقية فإن أحكام - قانون المرافعات العراقي تكون هي واجبة التطبيق عليه – أما إذا اعتبر هذا الحكم حكما أجنبيا فتطبق عليه القواعد الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبي الواردة في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم (8) لسنة 1952. وذلك في حالة عـدم وجـود اتفاقية دولية في مجال التحكيم تكون واجبة التطبيق كاتفاقيـة الريـاض للتعـاون القضائي مثلا . فهي بهذه المثابة تسمو على القانون الداخلي.
ثالثا:- من حيث أعمال مبدأ المعاملة بالمثل:
تظهر أهمية التفرقة بين ما يعتبر حكما وطنيا وما يعتبر حكما أجنبيـا فـي مدى تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل والمأخوذ به في غالبية القوانين الوطنية، حيث أنه متى كان حكم التحكيم وطنيا فلا تبرز الحاجة للاحتجاج بهذا المبدأ، أما في حالـة ما إذا كان حكم التحكيم المراد تنفيذه حكما أجنبيا فإن القضاء الوطني سيقوم بتدقيق هذا الحكم فيما إذا كانت هذه الدولة – التي ينتمي إليها هذا الحكم – تنفـذ أحكـام التحكيم الصادرة في البلد المراد التنفيذ فيه لأن هذه الأخيرة لن تقوم بتنفيذ هـذا الحكم الأجنبي احتجاجا بأن الدولة التي ينتمي إليها هذا الحكم المراد تنفيذه لا تنفذأحكامها التحكيمية، فمثلا في الأردن فقد نصت المادة (2/7) مـن قـانون تنفيـذ الأحكام الأجنبية على اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل عند تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، وكذلك جاء نص المادة (405) من قانون المرافعـات الليبـي ، كمـا أن اتفاقيـة نيويورك قد نصت هي الأخرى على إعمال هذا المبدأ، في المادة (3/1). والتـي نصت على أنه "لكل دولة عند التوقيع علـى الاتفاقيـة أو التصديق عليهـا أو الانضمام إليها أن تصرح على أساس المعاملة بالمثل أنها ستقصر تطبيق الاتفاقية على الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة على إقليم دولة أخرى متعاقدة...".
تقوم فكرة هذا المعيار على أن جنسية حكم التحكيم تعتمـد علـى القـانون الإجرائي الذي أجري التحكيم طبقا لأحكامه، فحكم التحكيم يكون وطنيا إذا طبـق على عملية التحكيم القانون الوطني حتى لو صدر هذا الحكم خارج حدود الدولة، وعلى العكس من ذلك يعتبر الحكم أجنبيا إذا تم التحكيم وفقا لأحكام قانون أجنبـي غير القانون الوطني حتى ولو صدر هذا الحكم في داخل الدولة نفسها، حيـث أن القاضي الوطني سيعتبره حكم تحكيم أجنبي، فمثلا يكون حكم التحكيم عراقيا ولـو كان صادرا خارج حدود الدولة العراقية متى كان القانون العراقي هو المطبق على إجراءات هذا التحكيم، أما إذا كان القانون المطبق على إجراءات التحكيم القـانون الأردني، فإن حكم التحكيم الصادر يكون أردنيا ولو تم التحكيم داخل حدود الدولة العراقية.
ويعتبر المعيار المكاني – إن جاز لنا التعبير - هو أكبر المعايير انتشارا أو قبولا، وذلك بسبب تبنيه من قبل غالبية القوانين الوطنيـة والمعاهدات الدوليـة المنظمة المسائل التحكيم التجاري الدولي ،كما أن المشرع الأردني (١٠) قـد تنـي المعيار المكاني وذلك في نصوص قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية في المادة (2) منه، والتي نصت على أنه تعني عبارة الحكم الأجنبي الواردة في هذا القانون كل حكم مسر من محكمة خارج المملكة الأردنية الهاشمية، أما بالنسبة للاتفاقيات الدولية فإن اتفاقية نيويورك قد نصت في مادتها (1/1) على تبني المعيار المكاني لتحديـد جنسية حكم التحكيم، حيث جاء فيها تطبق الاتفاقية الحالية للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة على إقليم دولة غير التي يطلب إليها الاعتراف وتنفيذ هذه الأحكام على إقليمها..." وهذا نص صريح تبنت بموجبه هذه الاتفاقية معيار مكان التحكيم، وإن كانت هذه الاتفاقية قد أعطت الدول الأطراف فيها مكنة اعتبار بعض الأحكام الصادرة على أراضيها أحكاما أجنبية متى اعتبرتها هذه الدول كذلك. وفي إطار الحديث عن المعيار المكاني لصدور حكم التحكيم نود إثارة تساؤل مهم في هذا الصدد هو هل العبارة بالمكان الذي تمت في جميع إجراءات التحكيم الله أم بالمكان الذي وقع فيه حكم التحكيم؟ فعلى سبيل المثال حالة ما تم التحكيم بكامل إجراءاته على الأراضي العراقية إلا أن لحظة توقيع حكم التحكيم قد تمـت فـي مصر، فهل يعتبر هذا الحكم وطنيا عراقيا أم أجنبيا مصريا؟
وللإجابة عن هذا التساؤل نقول ومن واقع فهمنا للنصوص القانونية الواردة في القوانين محل الدراسة – أن المشرع بتبنيه للمعيار المكاني قد قصد من تلك المكان التي تمت فيه جميع إجراءات العملية التحكيمية، ولم يقصد -حسب اعتقادنا - المكان الذي تم فيه التوقيع على هذا الحكم، لأن التوقيع على الحكم فـي مكان معين قد يكون مجرد صدفة أو بسبب ظروف معينة أحاطت بهيئة التحكيم جعلتها توقعه خارج حدود الدولة التي تمت فيها إجراءات التحكيم. فلا تعتقد من جانبنا أن المشرع قد أهمل جميع المراحل ذات الأهمية في التحكيم والتـي تمـن داخل حدود الدولة وانصب قصده على مجرد مرحلة أخيرة والتي قد تحـي بها ظروف معينة.
الفرع الثالث: المعيار الاقتصادي (معيار التجارة الدولية)
يعتبر المعيار الاقتصادي من أحدث المعايير التي قيل بها لتحديد جنسية حكم التحكيم، ويقوم هذا المعيار على فكرة تحديد طبيعة النزاع المنظور أمام التحكيم ومدى تعلقه بالمعاملات التجارية الدولية، بحيث يعتبر حكم التحكيم دوليا كلما كان مرتبطا بمعاملات التجارة الدولية، فمثلا إذا كان النزاع بين أشخاص عراقيين وجري التحكيم على الأراضي العراقية وكان موضوع النزاع ناشئا عـن معاملـة تجارية دولية، يكون حكم التحكيم في هذه الحالة دوليا.
حيث تبنى هذا القانون وبشكل صريح لمعيار التجارة الدولية،وأمـا بالنسبة لاتفاقية نيويورك واتفاقية عمان واتفاقية الرياض فإن هذه الاتفاقيات لم تتبنى هـذا المعيار، وكذلك القوانين محل الدراسة، وذلك بعكس الاتفاقية الأوروبية للتحكــم الدولي لسنة 1961م، والتي تبنت هذا المعيار من المادة (1/أ) حيث جاء فيهـا تطبق هذه الاتفاقية على اتفاقيات التحكيم التي تتم لتسوية الخلافات الناشئة أو التي قد تنشأ عن عمليات التجارة الدولية من الأشخاص الطبيعة أو المعنوية.." كما يفهم تبني المعيار الاقتصادي من نص المادة (25) من اتفاقية واشنطن لسنة 1965، والتي حددت نطاق اختصاص مركز تسوية منازعـات الاستثمار بالخلافـات القانونية التي تنشأ مباشرة عن استثمار بين دولة طرف في الاتفاقية وبين مـواطن من دولة أخرى متعاقدة مما يفهم منه تعلق هـذه المنازعـات بمـصالح التجـارة الدولية.
وتجدر الإشارة في نهاية هذا المطلب إلى أن جانبا من الفقه يحاول التميز بین اصطلاح أجنبية حكم التحكيم واصطلاح دولية حكم التحكيم، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة اللبس عند تفسير كلا المصطلحين اللذين يتداخلان بشكل يجعل منهم معني واحدا، وفي اعتقادنا أن اصطلاح الأجنبية أكثر مرونة واتساعا، ونفضل استعماله بدلا من اصطلاح الدولية - التي تبنته بعض القوانين والاتفاقيات الدولية على النحو الأنف الذكر - . حيث أن الدولة المراد تنفيذ حكم التحكيم غير الوطني لديها فأنها لن تقف لتكييفه، هل هو حكم تحكيم أجنبي أو دولي، وإنمـا ستعتبره حكما أجنبيا لأنه غريب عن نظامها الداخلي، فمثلا في العراق وعند تنفيذ أي حكم غير عراقي فإنه سيخضع لقانون تنفيذ الأحكام الأجنبية – ما لـم يكـن خاضعا لأحكام اتفاقية دولية – سواء أطلق عليه صفة الأجنبية أو الدولية، وبالتالي فإننـا نرى بأنه لا ضرورة عملية لهذه التفرقة وليس لها أي أثر على تنفيذ حكم التحكيم مما يفضل معه استخدام اصطلاح الأجنبي.