الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الدولي / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / تطبيق المحكم الدولي لعادات وأعراف التجارة الدولية / دور التحكيم في خلق وإقرار قواعد القانون التجارى الدولى

  • الاسم

    أحمد حسنى سيد محمد
  • تاريخ النشر

    2013-01-01
  • عدد الصفحات

    382
  • رقم الصفحة

    173

التفاصيل طباعة نسخ

دور التحكيم في خلق وإقرار قواعد القانون التجارى الدولى

   من المعلـوم والمقرر أن التحكيم الدولي يعتبر وبحـق بمثابـة القضـاء الخاص بفض المنازعات الناشئة عن عقود ومعاملات التجارة الدولية، فهو يعتبر وبحق الأداة الفاعلة التي أسهمت في تكوين العادات التجارية الدولية وتطبيقها.

   ونظراً لأن التحكيم الدولي نظام قضائي ذو طبيعة خاصة. تختلف هذه الطبيعة بصورة كبيرة عن الأنظمة القضائية الوطنية التي تنظر في منازعات متعلقة بعقود ومعاملات تختلف بصورة كبيرة عن تلك المتعلقة بالتجارة الدولية. فكان لابد للمحكمين الذين يقومون بدور قضاة المعاملات الدولية البحث عن قواعد وأنظمة قانونية تختلف أيضاً عن الأنظمة القانونية الوطنية.

    وبالطبع فلقد وجد المحكمون ضالتهم في عادات وأعراف التجارة الدولية. فهي وكما سبق القول وليدة تلك المعاملات والعقود. وقد إرتضى بها كافة المتعاملين في هذا الحقل.

    إذا فإنه ومن الواضح أن التحكيم كقضاء له دور هام وفعال في إيجاد وإستخلاص القواعد القانونية التي تصلح لأن تحكم علاقات ومنازعات وعقود التجارة الدولية. فهو يعد وبحق الماكينة التي تنتج وتفرز القانون الخاص بالمعاملات التجارية الدولية.

  وحقاً فإن المحكم الدولي هو قاضي مستقل تماماً عن أية قيود مثل التي يتكبل بها القاضي الوطني. فهو يستطيع أن يختار القواعد التي يرى فيها أنها الأصلح لكي يحكم في النزاع المثار أمامه على أساسها.

   وفـي رأيـنـا الخاص: أن التحكيم الدولي كقضاء مستقل وخاص بعلاقات وعقود التجارة الدولية . وبما له من طبيعة خاصة فإنه ومن الممكن أن نقول أنه يقوم بالدورين معاً.

فمن ناحية فإنـه وبالنظر إلى طبيعة الدور الذي يلعبه المحكـم فـي التحكيم الذي يكون مفوضاً فيه بالصلح، فإنه يستطيع في مثل هذه الحالات أن يتجرد من الإستعانة بأي من القوانين الوطنية. وأيضـاً مـن أيـة قواعد أخرى مستمدة من العادات والأعراف التي قام التجار بإبتداعها. وفي هذه الحالة يقوم المحكم بإبتكار حلولاً يرى فيها أنها تقوم بتحقيق العدالة بين الطرفين هذه الحلول تصبح وتفرد فيما بعد سوابق قضائية يأخذها المحكمون الذين تعرض عليهم منازعات مماثلة ويجعلوا منها قواعد وسوابق قضائية ليقيموا عليها أحكامهم. ومن هنا تصبح قواعد متعارف عليها وتسمى بـ قواعد العدالة.

   أما من الناحية الأخرى فإن المحكمون أيضاً يستعينون بما يسمى بعادات وأعراف التجارة الدولية. ومن المعلوم مسبقاً أن مثل هذه العادات والأعراف هي من خلق أطراف التجارة أنفسهم وفي مثل هذه الحالات يستعين المحكم الدولي بمثل هذه العادات والأعراف. ويقوم بإستخلاص القاعدة العادلة التي تصلح أساساً ليقضى فيما عرض أمامه من نزاع على هديها لتصل به إلى قرار حاسم وعادل يفض به النزاع المعروض عليه.

   على أن دور التحكيم قـد يـبـو أكثر وضوحاً إزاء النقص المشاهد في قواعد القانون التجاري الدولي، والتي لم يصل تطورها بعد إلى حد تكوين نظام قانوني متكامل، فقد اضطر المحكمـون إزاء هذا النقص إلى خلـق الـحلـول الواجبة الإتباع والتي تناسب ظروف التجارة الدولية ومتطلباتها، وذلك تحت ستار فكرة العدالة أو المبادئ القانونية المشتركة.

    بل أن للتحكيم دوراً لا يقل أهميـة فـي إستخلاص المبادئ القانونيـة المشتركة بما يتفق وواقع الأسواق الدولية، بالإضافة إلى دوره الحاسم- كقضاء متخصص - في تفسير العادات والأعراف المهنية والتجارية السائدة في مجتمع البائعين والمشترين العابر للحدود، والإسهام فـي إستقرار هـذه القواعـد الموضوعية ذات النشأة التلقائية بما يزيد من إحساس الكافة بإلزامها وضرورتها لتنظيم هذا المجتمع وإدراك أهدافه.

    لذلك يمكننا أن نقول ونؤكد أن التحكيم الدولي كقضاء خاص بمنازعات العلاقات التجارية الدولية هو الماكينة التي تضخ المبادئ والقواعد القانونية بعد إبتكارها. ليهتدى بها المحكمون لاحقاً في النزاعات المعروضة عليهم.

  ولكن هنا ثمة تساؤل هام يثور ألا وهو هل يختلف تفسير القاعدة العرفية من محكم إلى آخر؟ وإذا كان هناك إختلاف ما هو تأثيره على مدى إمكانية وجود قانون جاد لحكم علاقات التجارة الدولية؟

   في الحقيقة أننا نرى أنه من المؤكد أن تختلف رؤية كل محكم عن الأخر بالنسبة للقاعدة العرفية الواحدة. فهذا رأى ومن الوارد أن يختلف فيه كل محكم عن الآخر. فبالنظر إلى طبيعة القاعدة العرفية فهي قاعدة تواتر العمل عليها بين التجار العاملون في هذا المجال. تختلف إختلافاً جذرياً عن القاعدة القانونية بصورتها السليمة فالأخيرة تكون واضحة القصد والمعالم وتكون محددة بدقة لما تهدف إليه وأيضاً تحديد التزامات المعنيون بها.. وأيضاً يكون جزاء مخالفتها معلوماً للكافة.

   أما القاعدة العرفية فهي من خلق وإنشاء أفراد عاديون لا يتصفون بأية صفة رسمية. وأنهم عند إبتكارهم وإبتداعهم لمثل هذه القاعدة لا يقصدون من وراء ذلك أن تكون مثل هذه القاعدة ملزمة لكل من جاء بعدهم بنفس العملية أو ما شابهها لذلك ولعدم خبرة ودراية هؤلاء لأشخاص بإعداد القواعد القانونية فإنهم يقومون بإنتاج هذه القواعد العرفية غير متضمنة صفات القواعد القانونية بالمفهوم والشكل الصحيح السابق توضيحه.

   إذا فإنه ومن الواضح أنه يمكننا أن نقول أنه ومن الممكن أن يتم تفسير القاعدة العرفية تفسير يختلف كل منهما على الآخر. ومن المعلوم أن هذا التفسير لمثل هذه القاعدة هو الذي ينتج عنه إستخلاص أحد المبادئ التي تعد فيما بعد مبدأ قانونياً أو قل سابقة قضائية تسير عليها أحكام محاكم التحكيم اللاحقة.

   لذلك أنه ومن البين أن هذه الجزئية قد تؤثر على صحة وتوافق السوابق القضائية التي قد يأتي بها التحكيم لتدعيم ما يسمى بـ قانون التجارة الدولية .

     إذا فإنه من الواضح والجلى أن مثل تلك الإشكالية سوف تؤثر وبالتأكيد على مصداقية مصدر هام من مصادر القانون التجارى الدولى ألا وهو المبادئ القضائية المستمدة من نظام التحكيم بإعتباره النظام القضائي المختص بالنظر في منازعات التجارة الدولية.

   وعلينا الآن أن نبحث في حل لمثل هذه الإشكالية كي نتفادى مثالبها السابق عرضها. وفي الحقيقة أننا لا نجد حلاً مثالياً في هذا الصدد إلا أن نقول بضرورة أن يتصدى المتخصصـون مـن القـانونيين في هذا المجال لتفسير وتوضيح مثل هذه القواعد العرفية وأفرادها لكي تصبح قواعد قانونية صالحة وثابتـة لكي يطبقها المحكمـون دون التصدى لتفسيرها على حسب أهوائهم الشخصية.

   سيما وأن مثل هذه الإشكالية سوف تكون أكثر وضوحاً في الحالات التي يكون فيها المحكمون من غير القانونيين المتخصصين ففي هذه الحالة سوف يكون الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص العاديين أكثر من الأشخاص القانونيين.

    وفي الواقع فإن هذا الأمر جد هو من الأمور التي تؤثر على نظام التحكيم كما سبق توضيحه من قبل- وهو أمر توليه غير المتخصصين قانونياً الفصل في المنازعات التجارية القانونية- مما يؤثر على نظام التحكيم شكلاً وموضوعاً. وبصورة أوضح في الجزئية التي نحن بصددها ألا وهي إستخلاص المبادئ القانونية التي قد تؤثر في تنمية نظام التحكيم وإتجاه أكثر المتعاملين إليه لفض نزاعاتهم. وأيضاً صياغة الأحكام وإخراجها بالشكل القانوني الصحيح والذي يجنبها البطلان لمخالفتها قواعد النظام العام في بلد التنفيذ. وهذا أمر لا يلحظه إلا المتخصصين قانونياً. وفي رأينا الشخصى أن حلاً أمثل لمثل تلك الإشكالية ألا وهو ضرورة وضع إتفاقية دولية موحدة تلمم شتات القواعد التي تنتمى إلى القانون التجاري الدولي. وذلك بمعرفة المتخصصين من القانونيين ليتم بلورتها وصياغتها وإكسابها صفات القواعد القانونية في شكلها السليم ليمكننا القول وبكل صراحة وقوة أن هناك قانوناً موحداً لحكم علاقات وعقود التجارة الدولية.

توثيق هذا الكاتب

من المسلم به وكما سبق القول أن التحكيم الدولي هو نظام قضائی خاص بالمعاملات التجارية الدولية التي هي أيضاً معاملات من نوع خاص تختلف إختلافاً جذرياً عن المعاملات التجارية الداخلية التي تحكمها القوانين الوطنية ويختص بنظر منازعاتها - الأنظمة القضائية الوطنية الداخلية.

   ولما كان ذلك فكان لابد وحتماً أن يكون لهذا القضاء وهذه المعاملات ذات الطبيعة الخاصة قانونه الذي يحكمه ويتلاءم طبيعته هذه الطبيعة الخاصة لمثل هذه المعاملات.

   وأيضاً علينا أن نعترف أن لمثـل هـذا النظام القضائي ذو الطبيعة الخاصة مثالبه والتي تؤثر بصورة كبيرة في إنتشاره والإطمئنان إليه من جانب مریدى التعامل من خلاله. فعلينا أن نعترف أن هذا النظـام لـم يـتم تنظيمـه بالصورة المكتملة وأن من يتعاملون من خلاله الآن يحسب لهم جرأتهم لأنهم يتعاملون بنظام قد يؤدي بهم إلى المصير المجهول أو ما لا يحمد عقباه. حيث أن الحكم الصادر من هيئة التحكيم قد لا يلقى نصيباً في تنفيذه ومن ثم فسوف الجـدوى فكيف يكون "حكمـاً قضائياً ولا ينفذ، بـأوامر عليم يصبح تحكيماً . قضائية" صادرة من جهة قضائية أخرى.

   ومن المعلوم أن هذا ليس عيباً راسخاً في نظام التحكيم ذاته بمعنى أنه أي ذلك العيب- لا يدور مع نظام التحكيم وجـوداً وعدماً.. ولكنـه وبـالمعنى الأحرى والأدق قلة تنظيم- أو سوء نظام.

   وفي الحقيقة أنه لا أحد يمكنه أن ينكر بوجود ما يسمى بالقواعد المعدة والتي تصلح لأن تصبح قانوناً للتجارة الدولية خاصاً بها وبالنظر في منازعاتها. ولكن لا يمكننا أن نقول بالمعنى الصريح والصحيح أن هناك قانوناً . معد بالفعل يصلح لحكم علاقات ومنازعات التجارة الدولية.

    فعلينا أن نفرق بين أمرين الأول هو وجود قواعد تصلح لأن تصبح قانوناً خاصاً بمعاملات التجارة الدولية وبين وجود قانون بالفعل خاص بمثل هذه المنازعات. فليس معنى وجود مثل هذه القواعد في حد ذاته يمكننا من القول بوجود قانون بالمعنى الصحيح والسليم للكلمة. فمن وجهة نظرنا أن ما يوجد من قواعد لا ترتقى إلى المفهوم الصحيح والسليم لكلمة قانون. لكنها تصلح أن تكون كذلك بعد تنظيمها ووضعها في إطار إتفاقيـة ملزمـة لكل الأطـراف المحكمون، الدول المناط بها تنفيذ الأحكام، الأطراف أنفسهم.

   نعم وبالفعل كل هذه إتفاقيات خاصة بالتحكيم التجاري الدولي لكنها وفي الحقيقة ومن وجهة نظرنا لم تقم بتغطية كافة المشكلات التي تواجه هذا النظام وتعيق تقدمه. هذا بخلاف قدم نشأتها فهناك العديد والعديد من المشكلات التي طرأت مؤخراً على الساحة. ويجب البحث لها عن حلول منطقية تؤسس وتساعد هذا النظام على التقدم.

  ونرى أنه على الأقل يجب مراجعة مثل هذه الإتفاقيات والبحث في مدى إمكانية ضمها مع بعضها البعض لتشكل كـلاً واحداً لمواجهة المشكلات أو يمكننا أن نقول الإنتكاسات التي تواجه وتعيق تقدم مثل هذا النظام.

    علينا أن نقر ونعترف بحاجة هذا النظام التحكيم التجاري الدولي وأيضاً حاجة المعاملات التجارية الدولية- إلى نظام قانونی موحد ومنظم وملزم للكافة وذلك من خلال إتفاقية دولية كبرى وموحدة يرتضى بها ويوقع عليها الكافة من خلال الكيان الدولي الأكثر إنتشاراً وهو الأمم المتحدة.

   إتفاقيـة دوليـة تقـدم حلولا جـادة وجذرية للمشكلات الأكثر أهمية مثل مشكلة القانون الواجب التطبيق- وتبحث في مدى إمكانية بلورة القواعد التي تصلح لأن تصبح قانوناً للتجارة الدولية والتي تأتي من مختلف الروافد – مثل السوابق القضائية لنظام التحكيم - الشروط العامة في العقود النموذجية أو ما إلى آخره هل تصلح لأن تكتسب القوة الإلزامية لأن تصبح قانوناً موحداً لمثل هذه المعاملات؟ أيضاً مشكلة التنفيذ وعوائقها، أيضاً مشكلة نشر الأحكام السابق الإشارة إليها، أيضاً مشكلة الإزدواجية في التفسير السابق الإشارة إليها.

   كل هذه مشكلات علينا أن نبحث في مدى تلافيها حتى نجد أنفسنا أمام نظام قضائي أمثل يصلح لأن يكون نظام يلجأ إليه الراغبون وهم مطمئنون ليستعينوا به في فض ما قد ينشأ بينهم من منازعات متعلقة بعقود تجارية دولية.