الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الدولي / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 2 /       التحكيم في مواجهة نزاع الثقافات 

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 2
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    17

التفاصيل طباعة نسخ

  This article was originally presented on 4 December 2008 as the 2008 Annual School of International Arbitration Lecture, sponsored by Freshfields Bruckhaus Deringer LLP. The original version is published in Arbitration International 

   قدمت هذه الدراسة اساساً إلى المدرسة العليا لمحاضرات التحكيم، برعاية شركة فرشفيلدز بروکهوس ديرينغر. وقد تم نشرها بصيغتها الاصلية باللغة الانكليزية في مجلة "التحكيم الدولي Arbitration International 

   1- إن عبارة "ثقافة" تعني في إطار هذه المحاضرة مجموعة الضوابط والمعايير والقواعد التي ترعى السلوك، سواء كانت ذات مصدر قانوني أو أخلاقي أوديني ، كما تعني أيضا المعتقدات والمؤسسات. إن كلامي هذا ليس كلاماً أيديولوجياً، ومن خلاله أود فقط أن استحضر بعض الحالات المعروفة في التحكيم الدولي والتي يستشف منها وجود سوء فهم متبادل فيما بين الأنظمة القانونية، والتساؤل حول ما إذا كان بالإمكان إزالته. 

   بدا التحكيم في مرحلة أولى وكأنه يشغل موقعا ثانويا إلى جانب القضاء النظامي (الذي تؤمنه الدولة) ومن ثم كبديل عنه ، وذلك قبل أن يخطو قدما ليصبح أفضل وسيلة لحسم منازعات التجارة الدولية. ويستند هذا التطور إلى الانفتاح المتزايد باتجاه التحكيم الدولي من جهة، وباتجاه الدول الأخرى من جهة ثانية. والقرار الصادر عن مجلس اللوردات بتاريخ 17 تشرين الأول/أكتوبر 2007 في قضية Premium Nafta Products Ltd. V. Fili Shipping '.company Ltd إنما يشكل تعبيرا مشجعا عن هذا التطور بما ينطوي عليه من اهتمام واضح بتحديث طريقة تفسير الشروط التحكيمية عبر التحرر من الألفاظ التي تتكون منها وذلك من اجل أن تتمكن هذه الشروط التحكيمية من أداء الغايات التي يسعى رجال الأعمال لتحقيقها عبر اللجوء إليها. كما نجد في القرار المذكور أيضا رغبة واضحة على التأكيد أن القانون الإنكليزي ليس في معزل عن التوجهات الحالية في إطار القانون المقارن.

   2 - وعليه، فقد حان الوقت للتساؤل عما إذا لم يكن هناك من ضرورة للحد من التعارض الحاصل في طرق مقاربة التحكيم المعتمدة في مختلف الدول. لقد أنجز حتى الآن الكثير عن طريق المعاهدات الدولية والأونسترال UNICITRAL (لجنة قانون التجارة الدولية في الأمم المتحدة) والعديد من القوانين المأخوذة من القانون النموذجي، وكذلك عن طريق أنظمة مراكز التحكيم. كما أنه قد حصل تقارب أيضا بين وجهات نظر المحاكم العليا (في مختلف الدول) لجهة الاعتراف الواسع الانتشار بمبدأ استقلالية الشرط التحكيمي والذي ينتج عنه مبدأ اختصاص-الاختصاص. ومع ذلك، فانه لا يزال هناك العديد من المسائل التي تشهد اختلافا في وجهات النظر.

   وفي الدول الإسلامية بشكل عام ميل واضح لإجراء التسويات على قاعدة لا غالب ولا مغلوب بحيث أن هذه المجتمعات قد اتجهت تاريخياً نحو تفضيل التوفيق على التحكيم بالرغم من أنها لم تكن تفرق تفريقا جليا بينهما. إن تسمية المحكمين من قبل الأطراف من شأنه الإبقاء على اللبس وتخفيف الضغط النفسي الذي تتسبب به إجراءات المحاكمة، الأمر الذي قد يفضي في بعض الحالات إلى انحراف في إدارة عملية التحكيم”. إن الدور الذي تلعبه المحاكم النظامية يفتقر إلى التنسيق. ففي بعض الدول يفسح "القاضي المساند" المجال لحصول التحكيم، وفي دول أخرى يجاز، شريطة التقيد ببعض القواعد، التفلت من رقابة المحاكم النظامية. ولكن، وفي بعض الدول أخرى، يعتبر اللجوء إلى هذه المحاكم بمثابة أمر مكرس. إن القانون الانكليزي، الذي تطور بشكل كبير، قد أقر في نظام التحكيم العائد لسنة 1996 إمكانية الطعن استنادا لأسباب قانونية، مع إمكانية التنازل عن ذلك. أما النظام المعمول به في المملكة العربية السعودية، وهو اقل ليبرالية ، فهو ينص على إمكانية التقدم بطعن شامل أمام ديوان المظالم، وهو المحكمة النظامية صاحبة الاختصاص في القضايا التجارية منذ العام 1987، والدور الأساسي لهذه هو التثبت من مطابقة الحكم التحكيمي مع أحكام الشريعة.

  3- قد ينطوي البحث عن حل لتضارب الآراء في حقل التحكيم الدولي أو حتى مجرد محاولة إيراد تعداد شامل لكل هذه الآراء المتضاربة على اعتداد بالنفس. ولذا فقد اخترت ثلاث مسائل تبدو لي وكأنها مرتبطة بصراع الثقافات وهي قابلة للنقاش من الزاوية القانونية لا من الزاوية السياسية. وقد لعبت هذه المسائل وما زالت تلعب دوراً هاماً في تضارب وتباعد الحلول. 

وهذه المسائل هي: 

   أ – تطبيق الشريعة من قبل القضاة الغربيين، الأمر الذي يشكل نقطة خلاف بين الشرق والغرب. 

  ب- مسألة ذات خصوصية فرنسية: الاعتراف بالأحكام التحكيمية رغم إبطالها في بلد وهذه المسألة تعبر عن اختلاف أساسي في كيفية التطلع إلى الحكم التحكيمي المنشأ. وأخذه بعين الاعتبار.

  ج- وأخيرا مسألة الإثبات، وعلى نطاق أوسع مسألة الإجراءات، التي تشهد تباينا في التطبيق فيما بين الدول التي تعتمد القانون العرفي Common Law، الدول التي تعتمد القوانين المدنية ودول الشرق الأوسط. 

   وسوف أحاول من خلال هذه الأمثلة الثلاث أن أعرض بعض الأفكار حول إمكانيات التقارب. 

أولاً- تطبيق الشريعة الإسلامية

  4 -  إن هذا الموضـوع، كما هو معلوم، في غاية الحساسية في الشرق الأوسط، بالرغم من أن الدور الفعلي للشريعـة محـدود جـدا. في الواقع، فأن النزاع لا ينبع من رفض تطبيق حلول تقنية محددة، بل من ذلك الشعور برفـض ثقافة أخرى على صلة وثيقة بالدين.

    فمنذ البداية، عكرت ثلاثة أحكام تحكيمية شهيرة الأجواء. في تلك الحقبة كان موضوع القوانين المحلية في المستعمرات متروكاً لعلماء الاتنولوجيا. وقد كرست تلك الأحكام التحكيمية الثلاثة بشدة في أذهان رجال القانون ورجال الأعمال العرب فكرة أن الغرب يرفض شريعتهم. والحقوقيون العرب كما القضاة ليس لديهم إمكانية الأخذ بأكثر من قرار واحد. وعندما يرسخ هذا الأمر تصبح المحاولات الرامية إلى تغيير رأيهم في أغلب الحالات دون جدوى.

    يمكن للمرء أن يعتقد، بعد انقضاء عقود من الزمن أن هذا النزاع قد طوته الأيام كغيره من الأمور التي كانت تاريخيا موضع سوء تفاهم. ولكن مع الأسف، فان أحكاما حديثة قد أظهرت أن الموضوع لا يزال مطروحا. لذا يتوجب علينا إجراء تقييم جديد بغية التوصل للإحاطة بالموضوع بصورة دقيقة.

    5 - سوف أبدأ باستعراض الأحكام التحكيمية الثلاثة التي تعتبر أحكاما "مستنكرة" والتي صدرت في منتصف القرن المنصرم.

 الحكم التحكيمي الصادر بقضية شيخ أبو ظبي ضد شركة Petrolium Development 

 .Ltd الصادر سنة 1951 عن اللورد Asquith of Bishopstone.

    بعد أن أشار القرار المذكور إلى أنه إذا كان هناك من نظام قانوني وطني ينبغي تطبيقه فانه من المفترض أن يكون قانون أبو ظبي، عاد ليشير بما يلي:

    " لكن لا يمكن القول منطقيا بوجود مثل هذا القانون، فالشيخ يدير قضاءا محض استنسابي مستعينا بأحكام القرآن، والقول بوجود مجموعة مبادئ قانونية مكرسة يمكن تطبيقها في هذه المنطقة الجد بدائية على تفسير العقود التجارية الحديثة قد يكون من باب الخيال".

    هذه هي الجملة التي تثير الاستياء . فهي تتضمن عبارة "منطقة بدائية"، التي تتعارض مع عبارة "أمم متحضرة"، وهي من المصطلحات العائدة للقرن التاسع عشر، كما تشير إلى الافتقار إلى نظام قانوني متطور بصورة كافية لكي يتم تطبيقه على العقود التجارية الحديثة، إضافة إلى إحالتها إلى القرآن. لو اكتفى اللورد Asquith بالقول إنه لم يتم تزويده بالإثبات على مضمون قانون أبو ظبي (وهو الأمر الصحيح إذا أخذنا بعين الإعتبار موقف الطرفين) لكان حكمه التحكيمي عاديا. ولكن الرأي التقييمي الشامل الذي اعتمده قد شهد تفاقما في خطورته نتيجة للاستناد إليه تكرارا بعد ذلك.

    • الحكم التحكيمي الصادر بقضية حاكم قطر ضد International Marine Oil

 .Company Ltd سنة 1953 عن Sir Alfred Buchwill5

     استند هذا الحكم التحكيمي على الحكم السابق للقول بوجوب استبعاد القانون القطري الواجب التطبيق مبدئيا بحجة أن:

    " هذا سبب مقنع للقول بأن قانونا كهذا لا يتضمن مجموعة مبادئ قانونية يمكن تطبيقها على عقد تجاري حديث".

   • وفي مرحلة لاحقة، رفض الحكم التحكيمي الشهير الصادر سنة 1958 بقضية شركة ارامكو ضد الحكومة السعودية عن محكمة تحكيمية رئسها جورج سوزر هول Sauser Hall تطبيق القانون الإسلامي لأن المحكمة التحكيمية لم تكن في موقع يخولها تطبيق قواعد الفقه ولأن قواعد المذهب الحنبلي المعتمد في المملكة العربية السعودية "لا تتضمن قواعد تفصيلية حول امتيازات المناجم كما لا تتضمن بشكل أولى قواعد دقيقة حول امتيازات النفط". 

   في هذه القضايـا الثلاث، خسر الطرف العربي. وقد تكرس سريعا في أذهان الناس الربط بين النتيجة التي توصلت إليها الأحكام الثلاثة واستبعاد تطبيق قانون الدولة العربية ذات العلاقة.

     كان لهذه الأحكام التحكيمية نتائج سلبية على تطور التحكيم الأوروبي العربي خلال عقود من الزمن بحيث تراجعت فيها الثقة بهذه الوسيلة لحسم المنازعات وتم النظر إليها وكأنها تتعارض مع مصلحة الطرف العربي ولا تحترم قوانينه.

 6 - إن هذه المشاعر المتأججة من شأنها أن تخبو إذا حللنا الوضع عن بعد وبشمولية. فانه من الظريف أن يأتينا من باب القانون العرفي Common Law القائم على فصل المشكلات واحدة واحدة من يقول أن شرط تطبيق قانون معين هو أن يتضمن هذا القانون "مجموعة مبادئ مكرسة". فحين ظهرت النزاعات الجديدة تطور القانون العرفي Common Law قضية تلو قضية بحيث نشأت قواعد قانونية عصرية يمكن تطبيقها على عقود الإمتيازات الحديثة، تماماً كما فعلت الشريعة الإسلامية. كان بإمكان المحكمين الذين نظروا بهذه النزاعات التذرع بصعوبة التعرف إلى مضمون الشريعة الإسلامية أو فحواها، بالرغم من انه كان قد تم جمعها في مجلتين: مجلة الأحكام العدلية العثمانية وفقاً للمذهب الحنفي، ومجلة الأحكام الشرعية في المملكة العربية السعودية وفقاً للمذهب الحنبلي. كما كان بإمكانهم القول انه لم يتم تفسيرها بصورة صحيحة في المنازعات الثلاث التي اشرنا إليها أعلاه. فهل أن تطبيق الشريعة الإسلامية كان قد أدى إلى نتيجة مختلفة ؟ ليست هناك در اسات وأبحاث حول هذه النقطة حسب علمي. 

   في القضية الأولى المتعلقة بامتياز في المجال البحري، كان بالإمكان تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية المتعلقة بعدم تحديد محل العقد بغية إلغاء العقد بسبب الغرر. أما في القضيتين الأخريين فقد كان الأمر يتعلق حصرا بتفسير العقود. ودون الغوص في التفاصيل، يمكنني القول أن قواعد الشريعة الإسلامية تجيز للمحكمين الوصول إلى نفس النتيجة. إضافة إلى ذلك، فان المحكمين في القضايا الثلاث قد درسوا بدقة ملفات القضايا. فليس هناك من مأخذ على حيادية المحكمين. ففي قضية أرامكو كانت أكثرية أعضاء الهيئة التحكيمية من العرب. 

 7 - قد يكـون من الحكمـة أن نتعامل اليوم مع كل ذلك على اعتبار أنه من التاريخ.ولكن مع الأسف، فقد صدرت أحكـام حديثـة جاءت تحيي تقليد رفض تطبيق الشريعة الإسلامية.

    لقد ورد البند التالي في عقد تمويل إسلامي:

 "دون الإخلال بأحكام الشريعة، يخضع هذا الاتفاق ويفسر وفقا لقوانين انكلترا." 

  وبعبارة أخرى، فأن القانون الانكليزي هو الواجب التطبيق، شريطة احترام الشريعة الإسلامية. 

    إلا أن محكمة الاستئناف الانكليزية في قرارها الصادر في 28 كانون الثاني/يناير 2004

(Beximco Pharmaceuticals Ltd. and Alii- v. Shamil Bank of Bahrain E.C ) 

   والذي صادقت بموجبه على قرار صادر عن القاضي موريسون High -Morison )

 Court of Justice - Queen's Bench Division

    قد حيدت الإحالة إلى الشريعة الإسلامية مستندة الى الأسباب التالية: 

- يجب أن يخضع العقد لقانون واحد وليس لعدة قوانين:

 من الأمور المعترف بها في مجال الامتيازات إنه من غير الممكن أن يخضع العقد لنظامين قانونيين مختلفين ".

-هذا القانون يجب أن يكون قانونا نظاميا صادرا عن دولة معينة، الأمر الذي لا ينطبق على الشريعة:

-"لا يوجد في معاهدة روما أية أحكام تتعلق باختيار أو تطبيق نظام قانوني غير وطني كقوانين الشريعة ".

- "في أي حال، إن مبادئ الشريعة ليست فقط مبادئ قانونية، إنما مبادئ تطبق على أوجه العيش والسلوك الأخرى ".

 "حتى لو اعتبرنا أن مبادئ الشريعة هي بمثابة مبادئ قانونية، فإن تطبيق هكذا مبادئ في میدان العلاقات التجارية والمصرفية هو موضع خلاف ومناقشة ". 

   في هذه الحالة يبدو الاستثناء للوهلة الأولى وكأنه امراً تقنياً، غير أن الأسباب الثلاثة الأولى ليست مقنعة على الإطلاق. 

   أ - خلافاً للرأي الذي اعتمدته المحكمة الإستئنافية التي استندت إلى معاهدة روما تاريخ 19 حزيران/يوليو 1980 حول القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية، فإن العقد يمكن أن يخضع لأكثر من قانون واحد. 

  ب – حين يحيل قانون دولة ما إلى الشريعة، تصبح هذه بمثابة قانون الدولة. هكذا هو الوضع بالنسبة للسعودية وبالنسبة لدول أخرى. وكون الشريعة سارية المفعول في أكثر من بلد لا يقلل من شأنها. 

  ج - صحيح أن الشريعة الإسلامية لا تحتوي فقط على قواعد قانونية، بل هي تتضمن أيضا قواعد دينية وأخلاقية. ولكن الأمر بالنسبة إلينا ينحصر في تطبيق الشريعة في شقها القانوني. فالشريعة تفرق بشكل واضح بين "العبادات" (العلاقة مع الله تعالى) والمعاملات (الإتفاقات والتسويات). يحصل في بعض الدول أن يخضع كل واحد من هذين الحقلين لمدرسة فقهية مختلفة. فجامعة الأزهر في مصر تطبق المذهب الشافعي في المجال الديني، ، بينما تطبق الدولة المصرية على غرار السلطنة العثمانية، في مجال القانون، قواعد الفقه الحنفي. يفرق الفقهاء المسلمون المعروفون ولاسيما الشيباني وهو من أتباع أبي حنيفة، بوضوح بين ما هو قانوني وما هو ديني. 

   د- إن التذرع بانتفاء قابلية الشريعة للتطبيق على المعاملات والاتفاقات التجارية أو المصرفية يتنافى مع تطور القطاع المالي الإسلامي. 

    8- يجب إذا أن تتوقف هذه الـ "Capitis deminutio التي بموجبها يتم اعتبار الشريعة الإسلامية غير قابلة للتطبيق على العقود الحديثة. السبب الوحيد الذي قد يبرر عدم تطبيق الشريعة يكمن في صعوبة تحديد مضمونها أحيانا. ولكن هذا الأمر ينطبق أيضا على الكثير من الأنظمة القانونية ! فكيف يمكن للمرء أن يتوقع أن تكون الشريعة كاملة وشاملة وهي القائمة على الحلول التي وضعها الفقهاء للمسائل الواحدة تلو الأخرى؟ 

    في الوقت الحاضر، جرى وضع غالبية قوانين دول العالم العربي (باستثناء السعودية وسلطنة عمان) على شكل نصوص مستوحاة من القوانين الغربية المدنية مع قدر من الشريعة الإسلامية. إن مسألة تحديد مضمون القانون لم تعد مطروحة، وهي بحسب علمي، لم تعد تطرح واقعياً في التحكيمات.

   9- إن التبايـن الأساسي مع الشريعة الإسلامية يتعلق بحظر الربا، علما أن مفهوم "الربا" هو أوسع نطاقاً من الفائدة، إذ أن الربا تتعلق بالزيادة الآلية التي تحدد سلفاً. إن القوانين الحديثة تلحظ تطبيق فائدة قانونية، ولكن اتفاق الأطراف لا يمكن أن يتعدى نسبة هذه الفائدة خارج إطار العلاقات التجارية. إن هذه المواقف تعبر عن نظرة إلى النقود كانت سائدة في القرون الوسطى. 

   وقد صدر حكم مؤخرا، حكم تحكيمي عن غرفة التجارة الدولية، يتعلق بعقد خاضع للقانون الانكليزي تم تنفيذه في مدينة مكة المكرمة. ومع ذلك أثيرت أمام الهيئة التحكيمية مسألة ما إذا كان يقتضي تطبيق القانون السعودي الذي يحظر الربا باعتباره بمثابة القاعدة الآمرة Loi de police. وقد استبعدت الهيئة التحكيمية تطبيق هذه القاعدة لأنها اعتبرت أن الغنم في الحالة المعروضة أمامها لم يكن بمثابة الفائدة وفقا للمعنى الذي تعتمده الشريعة، بل بمثابة ربح جائز شرعا.تجاوزت محاكم أخرى مسألة تحريم الفوائد عبر لجوئها إلى تجزئة dépesage العقد، بحيث أخرجت البند المتعلق بالفائدة من مجال تطبيق الشريعة الإسلامية التي طبقتها على بنود العقد الأخرى.ولكن هذه الأمثلة، إن دلت على شيء فهي لا تدل على جهل بأحكام الشريعة، وإنما بالعكس تماماً، تنم عن علم أكيد بالشريعة الإسلامية. 

   إن الوجه الأول من تنازع الثقافات هذا الذي نشأ عن رفض تطبيق الشريعة الإسلامية في الفترة الاستعمارية، ينبغي أن يزول الآن تماما. فالانفتاح على قوانين الدول العربية هو شرط أساسي لتطور التحكيم الدولي. 

   10- بالمقابل، فان على الدول العربية أن تبدي احتراماً أكبر للأحكام التحكيمية الصادرة ضدها أو ضد مواطنيها. إن إحراز تقدم ثقافي ملموس ما زال مطلوبا في هذا المضمار. وسوف أعود للإشارة إلى الأمر في الجزء الثالث من هذا البحث. 

    ثانياً- الإعتراف بحكم تحكيمي جرى إبطاله في بلد المنشأ

    11 - كانت البداية بالنسبـة لهـذا الموضـوع مـع قضية Norsolor. فقد تم إبطال حكم تحكيمي صادر عن غرفة التجارة الدولية على أساس أعراف القوانين Lex mercatoria من قبل محكمة الإستئناف في فيينا حيث كان مقر التحكيم. وكان سبب الإبطال قائما على عدم تقيد المحكمين بالمهمة التحكيمية. رفضت محكمة الاستئناف في باريس إعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي بسبب هذا الإبطال، مستندة إلى معاهدة نيويورك التي تجيز في هذه الحالة عدم إعطاء القرار التحكيمي الصيغة التنفيذية. نقضت محكمة التمييز الفرنسية في حكم أصدرته في 9 تشرين الأول/أكتوبر 1984 الحكم الصادر عن محكمة استئناف باريس معتبرة أن المادة السابعة من معاهدة نيويورك تجيز تطبيق نصوص القانون الفرنسي الأكثر ملاءمة لتنفيذ الحكم التحكيمي،. من هنا لا تكون معاهدة نيويورك هي المعنية، بل القانون الفرنسي. إن معاهدة نيويورك لا تفرض عدم الاعتراف وإنما تشير فقط، إلى الحالات التي يكون فيها عدم الاعتراف ممكناً.

    12 اعتمد الاجتهاد الفرنسي هذا الحل مرارا ولاسيما في قضية هيلمارتون Hilmarton الشهيرة ومن بعدها في قضية بوترابللي Putrabali. في قضية هيلمارتون تم إبطال قرار تحكيمي في سويسرا بسبب التعسف arbitrariness (مفهوم قد تكون صفته الأساسية انه لا يتسم الوضوح)، إلا أن هذا القرار التحكيمي نال الصيغة التنفيذية بشكل نهائي في فرنسا. وفي الوقت نفسه حصل كل من حكم الإبطال والحكم التحكيمي الجديد على صيغة التنفيذ في فرنسا. وقد حسمت محكمة التمييز المشكلة بأن اعتبرت أن الصيغة التنفيذية الممنوحة للقرار التحكيمي الأول حائزة على قوة القضية المقضية وإنها تقف حاجزاً أمام الاعتراف بأي قرار معاكس. 

  13 - حصل الأمر نفسه في قضية كرومالوي Chromalloy حيث أعطيت الصيغة التنفيذية في فرنسا لحكم تحكيمي صادر في مصر ضد الدولة المصرية رغم إبطاله في مصر بداعي مخالفة القانون، كما تم الاعتراف أيضا بالحكم التحكيمي نفسه في الولايات المتحدة حيث رفضت محكمة مقاطعة كولومبيا الاعتراف بقرار الإبطال المصري. 

   وقد تبع ذلك قضية بكتل Bechtel، حيث اعترفت محكمة استئناف باريس بحكم تحكيمي صدر وأبطل في الإمارات العربية المتحدة، في حين أن معاهدة ثنائية بين البلدين تجيز الاعتراف بقرار الإبطال. وقد استبعدت محكمة الاستئناف في باريس الدفع بعدم وجوب الاعتراف بالحكم التحكيمي المذكور دون البحث في ما إذا كانت شروط الاعتراف متوفرة في قرار الإبطال، معتبرة أن للإبطال الحاصل مفعولا محض إقليمي.

   14 – وأخيرا جاءت قضية بوترابللي Putrabali المعروفة. تتعلق هذه القضية بعملية بيع للبهار الأبيض حيث أن البضائع لم تصل إلى المكان المرسلة إليه. وقد طالب البائع من المشتري الفرنسي بأن يدفع الثمن في إطار تحكيـم في لندن وفقـاً لنظـام حسـم المنازعـات العائـد لـ (International General Produce Association (IGPA الذي يلحظ درجتين للمحاكمة التحكيمية. الدرجة الأولى أمام محكم منفرد والدرجة الثانية أمام محكمة تحكيمية مكونة من خمسة محكمين. وقد قضى الحكم التحكيمي الصادر استئنافاً في 10 نيسان/ابريل 2001 بفسخ الحكم التحكيمي الأول واعفي المشتري من دفع الثمن. مـارس البائـع حـق الاستئناف المعـروف بـ "Appeal on point of law“ الذي تلحظه المادة 69 من قانون التحكيم الانكليزي الصادر سنة 1996. قررت المحكمة العليا في لندن إبطال الحكم التحكيمي الاستئنافي جزئياً واعتبرت أن الإمتناع عن دفع الثمن يشكل تلكؤا عن تنفيذ العقد. فصدر حكم تحكيمي جديد في 21 أب/أغسطس 2003 قضى بإلزام المشتري بالدفع. وفي الأسابيع اللاحقة، استحصل المشتري من رئيس المحكمة الابتدائية في باريس بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2003 على قرار يمنح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الصادر في سنة 2001 والذي يعفيه من الدفع. وقد صادقت محكمة الإستئناف في باريس على الأمر بقرار صادر في 31 آذار/مارس 2005 رافضة أن تأخذ بعين الاعتبار القرار القضائي الانكليزي القاضي بالبطلان. وفي مرحلة لاحقة رفضت المحكمة ذاتها في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2005 إعطاء الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الأخير لمناقضته قوة القضية المقضية. وقد صادقت محكمة التمييز الفرنسية على الحكمين الإستئنافيين مستندة إلى نفس الأسباب وتحديدا إلى أن الإبطال لا يمنع إعطاء الصيغة التنفيذية وان هذه الصيغة التنفيذية بمجرد حيازتها تمنع الاعتراف بأي قرار مخالف. باعتمادها هذا التعليل، تكون المحكمة العليا الفرنسية قد رفضت أن تأخذ بعين الاعتبار سبب النقض المقدم إليها المبني على التعسف والظلم اللذين ينتجان عن السماح بأن يتذرع طرف بحكم تحكيمي جرى إبطاله واستبداله بحكم تحكيمي آخر. 

 

   15- إن الموقف الفرنسي يبدو معزولاً في القانون المقارن. في الولايات المتحدة منحت محكمة مقاطعة كولومبيا" في قضية Chromolloy الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي بالرغم من إبطاله في مصر. هذا القرار الذي يصعب تفسيره اعتبر أن الحكم التحكيمي يتوافق مع القانون الأميركي ورفض إعطاء أي اثر لقرار إبطال هذا الحكم لاعتباره مخالفاً للنظام العام الأميركي وذلك على الأرجح – بحجة أن مراجعة الإبطال قد خالفت الشرط التحكيمي. ولكن، ثلاثة قرارات لاحقة، أحدها صادر عن محكمة الإستئناف الفدرالية الثانية، رفضت كلها إعطاء القوة التنفيذية لأحكام تحكيمية جرى إبطالها وعللت هذا الرفض بأسباب واردة في هوامشها، وهذه الأسباب بدورها غير واضحة وليست دائماً مقنعة. يبقى أن المحاكم الأميركية، تأخذ بعين الاعتبار أحكام الإبطال وتقرر مصير الأحكام التحكيمية استنادا إلى اعترافها أم لا بأحكام الإبطال.. وهذا الموقف يخالف الموقف الفرنسي بهذا الخصوص.

    16- إن الموقف الفرنسي معاكس للمبدأ السائد والذي تعتبر بموجبه الأحكام التحكيمية، على غرار الأحكام القضائية، من نتاج نظام قانوني تابع لدولة معينة،لا وجود لها خارج هذا النظام. فالأحكام التحكيمية التي يجري إبطالها في إطار النظام القانوني التابعة له، على غرار الأحكام القضائية، لا يعود لها من وجود، والاعتراف بها، يوازي الإعتراف بالعدم. ونظرية انتماء الحكم التحكيمي إلى نظام قانوني تابع لدولة معينة والحاقة بها كانت النظرية الوحيدة السائدة في القرن التاسع عشر وفي النصف الأول من القرن العشرين، وهي قد وجدت تعبيرها الأقوى لدى "مان" Mann20. كما أن مختلف المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم وقد استوحت أحكامها من هذه النظرية. فما الحجج التي يمكن إبداؤها لتفنيد الدحض) مقاربة بهذه وجوب هي البساطة؟ 

  17- لقد اتخذت محكمة التمييز الفرنسية في حكمها الصادر في قضية هيلمارتون Hilmarton موقفاً معارضا لإلحاق الحكم التحكيمي بالنظام القانوني لدولة مقر التحكيم. هذا الموقف السلبي كان ضرورياً من أجل الإعتراف بحكم تحكيمي جرى إبطاله في بلد المنشأ. ولكن هذه المحكمة لم تتبن أي تعريف ايجابي لنظام الحكم التحكيمي. في قضية باترابللي Patrabali وصفت محكمة التمييز الحكم التحكيمي بأنه "قرار صادر عن العدالة الدولية". حيا عدد كبير من العلماء هذه القفزة النوعية التي تنشئ نظاماً قانونياً تحكيمياً، بينما أدان بعضهم الآخر هذا الوصف مكتفين بالاعتبار أن الحكم التحكيمي هو حكم صادر عن قضاء خاص، غير ملحق بأي نظام قانوني محدد، كما هو وضع العقد أو الوصية. 

  18 – ولكن هذه النظرة التي تتسم بالحصرية لا تفسر إطلاقاً لماذا لا ينبغي ان يؤخذ القرار القاضي بالإبطال الصادر في الخارج بعين الإعتبار ، كما يحصل في القضايا المتعلقة بالعقود والوصايا، بل هي تدعو إلى مراجعة النظام القانوني الذي يفترض أن يكون الحكم التحكيمي قد صدر في ظله. 

   ومن جهة أخرى، فإن اعتبار الحكم التحكيمي بمثابة قرار صادر عن العدالة الدولية يفترض تحديد النظام الدولي الذي يرتبط به الحكم التحكيمي وتبرير هذا الإرتباط. ان نقطة الانطلاق واضحة: إنها الرغبة في تحجيم الدور الذي يتمتع به مقر التحكيم، وفقاً للتوجه الحالي في هذا المضمار. ولكن القول بوجود نظام قانوني تحكيمي مستقل عن الدول يدفع باستقلالية التحكيم إلى أقصى الحدود. إن مفهوم النظام القانوني المستقل يفترض وجود أساس واقعي وقانوني له. إن الجهد المبذول هنا يذهب في نفس الاتجاه الذي يفترض إتباعه بالنسبة لأعراف القوانين أي الـ Lex mercartoria ذلك أن هذه الأعراف ترتبط بوجود مجموعة من المؤسسات الاقتصادية ومن مراكز التحكيم ومن المحكمين الذين وضعوا قواعدهم الخاصة. ولكن ألا يحتاج كل هذا إلى اعتراف من قبل الدول ؟ تلعب المعاهدات الدولية في هذا الإطار دوراً ينطوي على بعض التناقض، فهي تساهم من جهة في نشر التحكيم الدولي والاعتراف به وفي الوقت نفسه تربط كل حكم تحكيمي بدولة من الدول. وأخيرا، فان هذا الجدل النظري قد يجد حلاً له فيما لو قبلت دول أخرى، كما فعلت فرنسا، برفع التحكيم إلى مرتبة العدالة الدولية. إن فك الارتباط هذا يمكن إسناده إلى الأنظمة القانونية الوطنية، كما هو حال عدد كبير من قواعد القانون الدولي العام التي نشأت وتم تبريرها على أساس التوافق بين الدول. 

  19 – إن للحل المعتمد في فرنسا حدود. فهو لا يفلح في قلب النظام التحكيمي المعتمد من قبل الأطراف. هكذا فان الأحكام التحكيمية الصادرة عن الاكسيد ICSID (مركز واشنطن لحسم منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى) والتي يجري إبطالها، لا يمكن أن تحصل على الصيغة التنفيذية لأن مراجعة الإبطال ملحوظة في نظام التحكيم نفسه. كذلك في الحالات التي يكون فيها التحكيم على درجتين، لا يمكن الإعتراف بالحكم التحكيمي الصادر بالدرجة الأولى وعدم الأخذ بالحكم التحكيمي الصادر بالدرجة الثانية. وفي قضية بوتراباللي Putrabali، فإن الحكم التحكيمي الصادر في الإستئناف هو الذي تم الاعتراف به في فرنسا، بصرف النظر عن المراجعة التي تبيحها المادة 69 من قانون التحكيم الانكليزي الصادر سنة 1996. هل كان من الممكن التوصل إلى النتيجة نفسها لو أن المراجعة القضائية استندت إلى نص صريح في متن الشرط التحكيمي ذاته؟ 

     ليس لدي جواب على ذلك، ولكن يجدر طرح السؤال. 

  20- على كل حال، فإن الصيغة الفرنسية تثير اضطرابات مختلفة أولها في إطار النظام الفرنسي عينه: فإذا كان الحكم التحكيمي يصدر عن نظام قانوني دولي غير مرتبط بدولة معينة أو بمجموعة دول، فكيف يمكن تبرير إمكانية "إبطال" الأحكام التحكيمية الصادرة في فرنسا من قبل المحاكم الفرنسية؟ في الواقع، فان الأمر يحصل كما لو أن قرار الإبطال وقرار رفض إعطاء الصيغة التنفيذية ليسا سوى حلول إقليمية محضة، محصورة بنطاق الدولة التي أصدرتهما. فالتعليل هو نفسه في الحالتين. لقد تحرر التحكيم الدولي من قاعدة الصيغة التنفيذية المزدوجة. فالاعتراف بإبطال حكم تحكيمي في بلد المنشأ ليس سوى نوع من التراجع عن إلغاء قاعدة ازدواجية الصيغة التنفيذية بحيث يصبح الأمر خاضعاً للنظام القانوني الأجنبي.علما أن إبطال الأحكام التحكيمية قد أنتشر مع القانون النموذجي للأونسترال UNCITRAL (لجنة قانون التجارة الدولية في الأمم المتحدة). وهكذا فان مصير الحكم التحكيمي في بلد ما يتوقف في هذه الحالة على التنظيم القانوني للمراجعات ضد الأحكام التحكيمية في بلد المنشأ.

   21 – إن الموقف الفرنسي يثير أيضاً خللاً دولياً. وقد بينت قضية بوترابللي Putrabali ذلك بوضوح. إن تنفيذ الحكم التحكيمي في الدولة التي تم الإعتراف به فيها قد يؤدي إلى دعوى مبنية على الإثراء غير المشروع ”de in rem verso“ في دولة اخرى. الوسيلة الوحيدة لإيقاف لعبة كرة المضرب هذه، تكمن في إحياء الفكرة القائلة بوجوب الحد من تعاطي دولة معينة بتدابير التنفيذ المتخذة في دولة أخرى، بحيث تعطى الأرجحية إلى المكان الذي يمكن فيه تنفيذ الحكم التحكيمي. هذا حل قابل للمناقشة ولكنه قد يكون الحل الأقل إزعاجاً توصلا للحد من اضطراب الحلول على الصعيد الدولي. 

   22- هل يمكن التقريب بين وجهات النظر المتضاربة في هذا الإطار؟ فالنظام الفرنسي يهمل القرار الأجنبي القاضي بالإبطال، ولكنه يدقق فيما إذا كان الحكم التحكيمي يستوفي شروط الإعتراف به. في النظام المقابل، لا ينتج الإبطال مفعوله حكما (وإلا فان الأمر قد يؤدي إلى الرجوع إلى قاعدة الصيغة التنفيذية المزدوجة).

     إلا أن قرار الإبطال الأجنبي يجري التدقيق به من قبل المحاكم للتأكد من أنه يلبي شروط الإعتراف به. ولذا ينزلق مسار الجدل نحو البحث في تحديد هذه الشروط. ويمكن فهم النظام الفرنسي على أنه يخضع القرار التحكيمي وقرار الإبطال لنفس شروط الإعتراف بحيث تنتفي الحاجة للتدقيق مرتين. فالاختلاف لا يتحقق إلا إذا اخضع قرار الإبطال للشروط العادية التي تطبق على الإعتراف بالأحكام القضائية الأجنبية. في هذه الحالة يخرج تسبيب الإبطال عن رقابة القضاء المختص. ولكن الأمر لا يحصل حاليا على هذا الوجه. ففي قضية كرومالوي Chromalloy على سبيل المثال رفضت المحكمة الأميركية إعطاء أي أثر للحكم القضائي المصري القاضي بإبطال الحكم التحكيمي متذرعة بموقف القانون الأميركي فيما خص القرار التحكيمي والشرط التحكيمي على حد سواء. هذا الاتجاه يتعامل مع القرار الأجنبي القاضي بالإبطال على انه ليس حكما قضائيا عاديا، الأمر الذي يجيز مراقبة تسبيب هذا الحكم، وبالتالي استبعاد إبطال قرارات الإبطال الصادرة استنادا إلى ما أطلق عليه تسمية "أسباب محلية" وهذه العبارة إنما تشير إلى الأسباب الاستنسابية والفولكلورية التي يمكن اللجوء إليها ومنها عدم صدور القرار التحكيمي بإسم الشعب أو الإشارة إلى عدم قيام المحكمين بالمذاكرة الكافية للوصول إلى حكم تحكيمي بالإجماع.

   وهكذا فإننا نسير خطوة خطوة نحو بناء قواعد للإعتراف بأحكام الإبطال مستمدة – على الأقل جزئيا - من تلك المطبقة على الأحكام التحكيمية.

    في نهاية المطاف، وبغض النظر عن بعض الفوارق في إجراءات المحاكمة فإن النظام الفرنسي قد لا يكون مختلفا بدرجة كبيرة عن غيره كما يبدو الأمر للوهلة الأولى. 

 ثالثاً- إجراءات المحاكمة والإثبات

   23- إن تعداد الأمور المتفق عليها في مجال إجراءات المحاكمة والإثبات أسهل من وضع تعداد للأمور المختلف عليها . حين أكون في تحكيم يرأسه حقوقي من حقوقيي القانون العرفي Common Law مع محامين من نفس الثقافة، فإن إجراءات المحاكمة المتبعة تكون مختلفة عن تلك المطبقة عندما يكون رئيس المحكمة التحكيمية من بلد عربي والمحامون من المحامين عرب. 

    هذه الفوارق في مجال إجراءات المحاكمة والإثبات تستند إلى التقاليد والتاريخ. والأطراف الثلاثة في هذا المجال هي دول القانون العرفي ودول القانون المدني والدول العربية التي وان كان بالإمكان وضعها – بسبب تقنيناتها الحديثة – في خانة دول القانون المدني، إلا أنها تبقى مختلفة عن هذه الدول سواء من الناحية النظرية واو من الناحية التطبيقية.

سوف أحاول أن احدد بعض المسائل التي تعبر عن اختلاف ثقافي في مجال إجراءات المحاكمة والإثبات. 

   24- إن المهمة الأولى تتمثل في تحرير التحكيم من قواعد إجراءات المحاكمة القضائية الوطنية النظامية. هذه الحرية في تسيير إجراءات المحاكمة التحكيمية تعتبر حسنة من حسنات التحكيم. إلا أنها ليست حرية مطلقة لأنه لا بد من تطبيق القواعد الأساسية الواجب مراعاتها في كل الدعاوى. 

   ان تطبيق مبادئ الأصول السليمة الـ "due process تضمن لكل طرف الحق بالتعبير عن موقفه كما تضمن مراعاة مبدأ الوجاهية. ولكن التطبيق العملي يظهر عددا من الفوارق: ففي حين تنص الانظمة المطبقة في السعودية على وجوب مراعاة مبدأ الوجاهية، كثيرا ما يحصل إن لا ينفذ الخبراء تعليمات المحكمين بصورة غير سليمة. فالخبير في القضية التي أشير إليها اعتمد على مستندات مقدمة من احد الطرفين ورفض إبلاغ نسخة عنها للطرف الآخر. وفي هذه القضية لم تحصل أي ردة فعل من قبل المحكمة التحكيمية. 

   في مجال الحرية أيضا تندرج قاعدة إختصاص المحكم للنظر باختصاصه. وقد حققت قاعدة إستقلالية الشرط التحكيمي تقدماً كبيراً و كذلك قاعدة إختصاص الإختصاص المتصلة بها.

    25-هل حصل تحرر من القواعد الدينية في اختيار المحكمين؟ وفقاً للشريعة الإسلامية كما هي مطبقة في المملكة العربية السعودية، يمنع على غير المسلم وكذلك على المرأة المشاركة في التحكيم حتى بصفة محام أو مستشار. ولكن وعلى أرض الواقع، فإن هناك تحكيمات يشارك فيها محكمون غربيون ونساء تجرى في المملكة العربية السعودية. وأنما يبقى تنفيذ هذه الأحكام التحكيمية امرا غير مضمون حين يكون التحكيم خاضعاً لرقابة القضاء السعودي الذي يدقق أولاً بمدى انطباق الحكم التحكيمي على الشريعة الإسلامية. ومع ذلك فإن الأمور تتطور بحيث أنه لم تتم الاشارة إلى هذه القاعدة – التي يمنع بموجبها على غير المسلم وعلى المرأة المشاركة في التحكيم – في الدول التي تبنت تشريعات عصرية حديثة في مجال التحكيم كما انه لا يؤخذ بهذه القاعدة حين يجري التحكيم في الخارج.

    26- إن مسيرة تحرير التحكيم من قواعد الاثبات الوطنية قد تطورت بشكل معاكس لتطور قانون الإثبات. إن تطور هذا القانون في دول القانون العرفي Common Law قد أتى أساسا من أجل حماية المحلفين من دهاء ومكر المحامين. وعلى سبيل المثال، فإن قواعد استجواب الشهود في القانون الفرنسي كما في الشريعة الإسلامية ضعيفة جدا وشبه معدومة. فحين يكون هناك استجواب شاهد – وهذا لم يعد يطبق عمليا في فرنسا إلا في مجال الإجراءات الجزائية- فإن القواعد الأساسية المعروفة في القانون الانكليزي لا يتم احترامها، كقاعدة تحريم طرح أسئلة معقدة أو أسئلة افتراضية أو أسئلة تنطوي على توجيه للشاهد وما إلى ذلك... إن تخلي القانون العرفي عن قواعده المتطورة لم يحصل بسهولة. وربما كان هذا هو السبب وراء تأخر دول القانون العرفي في تبني الحرية في إجراءات المحاكمة التحكيمية. في المملكة المتحدة لم يتوقف الجدل حول هذا الموضوع إلا غداة صدور قانون التحكيم للعام 1996. فحتى ذلك الوقت كان بعض أهم الفقهاء يتمسكون بالمبدأ المعاكس بالرغم من قبولهم بعدد مهم من الاستثناءات. ولكن النتيجة تمثلت عمليا في النهاية، رغم كل ذلك، بأن أقرت واعتمدت في مجال التحكيم قواعد مستوحاة من القانون العرفي Common Law.

    إن مسألة الإثبات في التحكيم لم تطرح في البلاد العربية لأن القاضي المسلم كان دوما يتمتع بحرية واسعة في مجال إجراءات المحاكمة. ولكن التمايز يعود فيظهر حول وسائل الإثبات التي يتم تفضيلها في مجال التطبيق العملي.

    27- إن دول القانون المدني تعطي الأفضلية في حقل الإجراءات القانونية للإثبات الخطي. فالحذر من شهادة الشهود قد حد من الحالات التي يسمح فيها باللجوء لوسيلة الإثبات هذه. وإذا كان الإثبات حرا من حيث المبدأ في الحقل التجاري، إلا أن اللجوء إلى شهادة الشهود أمام المحاكم يبقى نادرا. فالمحامون والقضاة الفرنسيون غالبا ما يكتفون بالأدلة الخطية. أما الشهادة الشفهية فيتم استبدالها بإفادات خطية يستند إليها القاضي لتكوين قناعته أو في اغلب الأحيان لتعزيز هذه القناعة.

     28 – كان القانون العرفي Common Law ايضا في الماضي يبدي حذرا من البينة التي تستند إلى شهادة الشهود ولكنه تأقلم معها بعد ذلك عبر إخضاعها للعديد من القواعد بما فيها تلك المتعلقة بالاستجواب المعاكس Cross examination، وهي تشكل تجربة مهمة إذا لم يتدخل القاضي للإخلال بعملية السير بها. وهكذا فإن إجراءات المحاكمة في القانون العرفي هي بشكل أساسي إجراءات شفهية. وأما البيانات والوثائق الخطية فان الشهود يقومون أيضا بإعطاء الشهادة على صحتها وعلى مضمونها. 

 29 - يحض القرآن الكريم على وضع العقود بالصيغة الكتابية (سورة -2- آية 281). ومع ذلك، فإن هذه القاعدة لم تفض إلى منح الأفضلية للإثبات الخطي، وذلك يعود بلا شك الى تفشي الأمية والى الأهمية التي تتحلى بها الإتفاقات الشفهية. والقاعدة في الإسلام هي ان يؤتى بشهادة رجلين (أو رجل وامرأتين) مسلمین محترمين وعادلين. وهذه القاعدة التي تلزم بالاتيان بشاهدين اثنين تشكل ضمانة سبق ان اعتمدها القانون الروماني "testis unus, testis nullus‘‘ وهكذا اذا كانت الضمانة في القانون العرفي Common Law تستند الى قواعد كيفية ايداء الشهادة، فإن الشريعة الإسلامية ترتكز إلى نوعية وعدد الشهود.

    30- هناك اختلاف ثقافي آخر مع الشرق الأوسط يتمثل في الدور الذي يحتله ملف القضية. فحيث يكون مبدأ الوجاهية مطبقا بحذافيره يجب أن يمنع الإدلاء في المرحلة الأخيرة أمام المحكمة بوقائع أو حجج لا يتضمنها ملف القضية. ولكن الإدلاء بهكذا وقائع أو حجج كثيرا ما يحصل في الشرق الأوسط حيث يستند فن الإقناع إلى الكلام المنمق أكثر مما يستند إلى تحليل المستندات وأقوال الشهود. لقد سمعت مرة محاميا يردد تكرارا عكس ما سبق لموكله أن أدلى به أربع مرات خلال جلسة المحاكمة.

    من هنا، فان على المحكم أن لا يلقي على الموكل عبء الإرباك الذي يسببه وكيله.

     31- إن منهجية العمـل التـي يتبعها المتداعون الشرق أوسطيين ومحاموهم قابلة أيضا فهؤلاء غير معتادين على العمـل بشكـل جماعـي. فتوزيع العمل فيما بينهم ليس بالأمر المعتاد. وغالبا ما تكون ملفاتهم ملفات هزيلة. ولكن قد يكون هذا التوصيف أمرا مبالغا فيه كونه ذا طابع عمومي، ذلك أن في الشرق الأوسط العديد من المحكميـن والمحامين من ذوي الصفات المهنية الرفيعة والمتميزة. كما أن الجيل الجديد حافل بالكفاءات العالية الملفتة للانتباه.

      يبقى أن نشير إلى أن خيبات الأمل الكثيرة تعود إلى الخلل في التوازن المهني وهـذا مـا يدعو العاملين في حقل التحكيم في الشرق الأدنى إلى تكييف أنفسهم بغية التوصل إلى المستوى الذي تستوجبه القضايا التي توكل إليهم.

 هل يعني ذلك أن عليهم التكيف مع الطريقة التي تتعامل بها المكاتب القانونية الدولية الكبرى في مجال التحكيم؟

    32- لقد بينت التجربة في هذا الإطار أن المحاولات الغربية الرامية لتوحيد قواعد الإثبات لم تلق نجاحا كبيرا سواء لدى الجهات الشرق أوسطية أو لدى تلك التي تعتمد على القانون المـدني Civil Law إلا إذا كان لديها محامين متمرسين بالقانون العرفي Common Law . وينطبـق هذا بشكل خاص على قواعد IBA للإثبات في التحكيم التجاري الدولي. والمسألة هنا لا تكمن في الإلمام بهذه القواعد بل هي بصورة خاصة قضية مساواة في التعامل. لم يسبق لي فـي حيـاتي المهنية أن صادفت محاميا غير معتاد على القيام بعملية الاستجواب المعاكس للـشهود يـصادفه النجاح وهو يقوم بعملية استجواب كهذه في مواجهة محام متمرس.

    ولقد صادفت محاميا يتراجع عن طلب القيام باستجواب معاكس لشاهد مهم لـسبب وحيـد يتمثل في كونه قد اعترض على استماع هذا الشاهد. وعليه، فحين تثار هكذا مسألة يتوجب على المحكمة أن تلطف وضعية عدم المساواة هذه، علما أن هناك كثيـرون مـن رؤسـاء الهيئـات التحكيمية ممن يعمدون إلى القيام بذلك.

    إن التوجه الحالي من شأنه إفساد التحكيم. 

   فالليونة والسرعة قد حلت مكانهما الضغوط المتعددة والمهل الطويلة والكلفة العالية. وهكذا، أصبح التحكيم بمثابة إجراء مثقل بالقواعد بحيث ان حسنته الاهم وهي قد تكون نقطة ضـعفه أيضا – ، قياسا مع الإجراءات أمام المحاكم النظامية، هي المهلة الزمنية التي يمكن تخصيصها له. وهذا الوضع قطعا مع ما تحتاجه القضايا التحكيمية الكبرى التي تهتم بهـا مكاتـب وهذا الوضع يتلائم المحاماة الكبيرة. . 

ولكن، وفي إطار العلاقات القائمة بين الثقافات المختلفة، يقتضي بذل جهود جدية لتبسيط وتكييف الأمور.

 33 – في مواجهة هذه التناقضات ، كيـف يمكـن للمحكمـين أن يمارسوا حريتهم فـي التحكيمات المختلطة؟ 

    إن الوسيلة الأولى التي يمكن اعتمادها تتمثل في الاستعانة بما يلزم من القواعد من الأنظمة المختلفة. غالبا ما يحصل ذلك ولا تكون النتيجة بالضرورة سلبية. فهذه الطريقة تترك مجالا أمام اعتماد وسائل الإثبات الكتابية والشهادات الشفهية وكذلك أمـام اللـوائح المكتوبـة والمرافعـات الشفهية. و لكن هذا الخيار يتضمن جانبا سلبيا لأنه قد يؤدي إلى تعقيد واطالة الإجراءات. وهكذا فان الحل الأنسب يكمن في ترك المجال أمام المحكمين لتكييف القواعـد لك ضرورات القضية التي ينظرون فيها.

  34 – و للمحكمين القدرة على القيام بذلك إذ إن وسائل الإثبات خاضعة لتقديرهم بحيث لا يحق للمحاكم الوطنية ان تعيد النظر في الأساس طالما أن القضية لا تمس النظام العـام. فالمحكمون، بالنظر للموقع الذي يحتلونه، يمكنهم تكييف وسـائل الإثبـات وفقـا لشخـصية الأطراف ولمنهجهم في العمل. فبامكانهم مثلا إصدار تعليمات محـددة بخصوص شـهادة الشهود وتقييم تقارير الخبراء وما إلى ذلك. وإذا لجأ المحكمون إلى تقويم عام فانه لا يمكـن استبعاد الوصول إلى نتائج تعسفية. لقد حصل أن عمد رئيس هيئـة تحكيميـة إلـى إيقـاف الإستجواب المعاكس لأحد الخبراء بحجة أن المحامي يقوم بتدمير تقرير الخبيـر المـذكور ولكنه أصدر حكمه بعد ذلك وفقا إلى تقرير الخبير عينه دون إعطاء أي تفسير أو تعليـل حول الموضوع . 

ولكن، إذا كانت الوقائع ثابتة بالاستناد إلى مضمون الملف وكان في هـذا الأخيـر تحديـد لمصادرها، فإن المكانة التي يحتلها ملف الدعوى تصبح في هذه الحالة ذات أهمية قصوى بالنسبة لغيره من وسائل الإثبات. ولذا فأنه يجب التوصل إلى التوازن حالة بحالة استنادا إلـى التجربـة والخبرة اللتين ترشدان إلى الوجهة السليمة. 

   35- إن آخر مظاهر صراع الثقافات يتعلق بالعقبات غير الملائمة التي تواجه التحكيم أحيانا في العالم العربي، وهي تتعلق بسير الإجراءات وطريقة التعاطي مع الأحكام التحكيميـة، وهـذه بعض نماذجها: 

    ان القبول بإجراء تحكيم دولي في مصر بلغة غير اللغة العربية قد تطلب مناقشات عديـدة وواسعة. وإذا كان الموقف الذي تم اعتماده في مصر قد انتشر الآن، إلا أنه لم يؤخذ به في كل الدول، وبشكل خاص فانه من غير المؤكد أن يقوم المحكم بتحديد لغة التحكيم في حال لم يتفـق عليها الأطراف في الشرط التحكيمي. 

    في مصر أيضا، تمت ملاحقة محام أميركي كان يترافع في قضية تحكيمية جزائيا بحجـة انه لم يكن عضوا في نقابة محامين مصرية. وقد تم الحكم عليه بغرامة من قبل محكمة ابتدائيـة ولكن تمت تبرئته إستئنافا ولا تزال هذه القضية عالقة أمام الغرفة الجزائية لمحكمة النقض التـى من المرجح أن لا تصدر القرار النهائي بهذه القضية قبل فترة من الزمن. 

    وفي قضية أخرى أثارت الاستغراب كان على المحكم أن يطبـق القواعـد المحليـة المتعلقة باستماع الشهود. ولكن أحد الأطراف اعتبر أن تحليف اليمين لشخصية محليـة بـارزة يعتبر بمثابة أمر غير لائق بحق هذه الشخصية وينم عن عدم احترام لها. وقـد أدى هـذا إلـى إبطال الحكم التحكيمي الصادر بحجة عدم احترام القواعد القانونية الوطنية المتعلقة بأداء اليمين.

     36 – إن الإعتراف بالأحكام التحكيمية وتنفيذها قد أصبحا أمرا سهلا نظرا لإنضمام معظم الدول إلى معاهدة نيويورك تاريخ 10 حزيران/يونيو 1958 التي ترمي إلـى تطـوير التحكـيم وتسهيل الاعتراف بالأحكام التحكيمية. إلا أن سوء استعمال سبب الطعن المبني علـى مخالفـة النظام العام من قبل بعض الدول ينم عن رفض للعدالة التحكيمية. إن الإدلاء بأن حكما تحكيميا لم يصدر باسم الشعب أو أن المحكمين لم يتداولوا بالشكل الكافي للوصول إلى قرار بالإجماع يكـاد أن يكون تصرفا كاريكاتوريا. ولكنه من الضروري، في حال جرى إدخال تعديلات على معاهدة نيويورك، أن يتم تنظيم وتوضيح وعقلنة أسباب رفض الاعتراف المبنية على فكرة النظام العام، على الأقل عبر تحديد المخالفات للنظام العام التي يمكن الإدلاء بها. هذا أمر صعـب التحقـق إلا أنه ربما يشكل اليوم التعبير الأفضل لصراع الحضارات الأساسي في مجال التحكيم الدولي. 

خاتمة:

    37- إن الحل فيما يتعلق بصرا اعات الحضارات الثلاثة هذه يمكن اختصاره علـى الـشكل التالي :

 1- تأمين المساواة بين الأنظمة القانونية المطبقة دون أدنى استثناء مسند إلى تفوق نظام ما على أي من الأنظمة الأخرى.

 2- التوصل إلى إيجاد تقارب مع الحلول المعتمدة في فرنسا من خـلال مـع شـروط صارمة للاعتراف بأحكام الإبطال. 

 3- تكييف قواعد الإجراءات والإثبات بشكل عملي يستند إلى مقاربة كل حالة علـى حـد وفي مطلق الأحوال، مكافحة الإدلاء التعسفي بمخالفة النظام العام.