الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الوطني / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36 / أسباب العُزوف عن التحكيم الوطني (السّعودي) وتفضيل اللجوء إلى التحكيم الأجنبي (الغربي)

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 35-36
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    59

التفاصيل طباعة نسخ

تمهيد وتقسيم:

مع ازدياد الاهتمام بتنظيم التحكيم، باعتباره أحد وسائل فضّ المُنازعات بين المُتخاصمين، فإنّ التحكيم السّعودي مرَّ بمراحل مُتعددة من التطور لمواكبة التطور الاقتصادي والتكنولوجي الكبير الذي تحقّق بين المملكة العربية السّعودية، ومحيطها العربي الاسلامي بصفة خاصة، وبينها وبين دول العالم المُتقدم بصفة عامة.

وعلى الرغم من وجود الكثير من المعوقات التي واجهت عملية تطوير وتنظيم

التحكيم في المملكة، والتي مَردَّها أسباب ثقافية وقانونية وسياسية، فإنّ جهوداً حقيقية بُذلت من أجل تسريع هذا التطور، ولكن هذه الجهود ما زالت قاصرة عن توفير بيئة تحكيمية قادرة على جذب قطاع كبير من المُتنازعين الوطنيين أو الأجانب للجوء إلى التحكيم الوطني عوضاً عن اللجوء إلى التحكيم الاجنبي، خاصة في بعض الدول الغربية، كسويسرا وفرنسا وبريطانيا.

والمعلوم أنّ المملكة العربية السّعودية تسعى لتحقيق مُعدَّلات نمو اقتصادي مُتسارع، وزيادة مطّردة في حجم الاستثمارات الأجنبية الوافدة إليها، بما يتواءم مع خطط المملكة الطموحة لتحقيق رؤيتها للإصلاح والنهوض باقتصادها القومي، وهي رؤية السّعودية "20/30"، والتي قدّمها ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ووافق عليها مجلس الوزراء، وتم الإعلان عنها في 25/04/2016م، والتي تُمثّل الرؤية الأكثر جرأة وشمولاً، وتعبِّر عن طموحاتها وتعكس قدراتها، ورغبتها في تحرير اقتصادها من الاعتماد على النفط، والوصول به إلى وضع مُتميِّز لتصبح السّعودية ضمن أفضل خمسة عشر اقتصاداً في العالم، بدلاً من موقفها الراهن في المرتبة العشرين.

ولا شك في أن ذلك يقتضي إيجاد تنظيم قانوني ناجح للتحكيم لحل المُنازعات التي قد تتمخّض عن هذه التطورات الاقتصادية المتلاحقة، ويؤدي إلى وجود قدر كبير من الاطمئنان لدى أطراف هذه المُنازعات، خاصة بالنسبة إلى الأجانب، مما يدفعهم إلى اختيار التحكيم الوطني، عندما يكون هو الأقرب والأيسر لهم. ذلك أنّ تنظيم التحكيم في المملكة، على الرغم مما طرأ عليه مؤخراً من تطوير، إلاّ أنه ما زال يعاني عزوفاً من قبل المُتنازعين، إما بسبب عدم وضوح أطره، أو لعدم كفايتها، وإتسام أحكامه بالضبابية والغموض نتيجة ضعف التعريف بها، ناهيك عن صعوبة التنبؤ بالأحكام التحكيمية، وبكيفية تنفيذها، وانعدام وسائل تدوينها ونشرها. ممّا قد يُقلِّل كثيراً من قيمة أي إنجازات يمكن تحقيقها في هذا المجال.

والمعلوم أنّ كافة الأنظمة والقوانين التي وضعتها المملكة العربية السّعودية، تُستمدَّ من أحكام الشريعة الإسلامية السمحة، ومن بينها نظام التحكيم، الذي ينبغي أن يتَّسم بالعدل، والحرص على مواكبة ما يتناسب ومُتطلبات العصر من تطور معرفي وتقني وإجرائي وقانوني، والابتعاد قدر الإمكان عن الصورة النمطية وغير الدقيقة، التي يتّصف بها التحكيم في عالمنا العربي، من حيث انحيازه وعدم حياديته تجاه المُتنازع الأجنبي، وعرقلته تنفيذ الأحكام التحكيمية الصادرة لصالحه.

فعلى الرغم من أنّ نظام التحكيم في المملكة وغيره من نظم التحكيم في العالم العربي، تتوافق مع القواعد الدولية في التحكيم، مثل قواعد اليونسيترال، وقواعد التحكيم الصادرة من لجنة التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة، والتي تضم في عضويتها غالبية دول العالم، المُمَثّلة لمختلف النُظم القانونية، والتي تهدف إلى تحقيق التوافق والانسجام بين القواعد المُنظّمة للتجارة الدولية، وتوحيد القواعد المتّبعة وطنياً في التعامل مع مسائل التجارة العالمية . إلاّ أنّ هذا النظام ما زال بعيداً عن بلوغ ما وصل إليه تطبيق هذه القواعد الدولية في مجال التحكيم.

فما زال ضعف التخصص لدى المُحكِّمين، وعدم وجود نظام تحكيمي سعودي مُتكامل، ونُدرة عدد القضايا التحكيمية، وعدم تدوين ونشر أحكام التحكيم، والصّعوبات التي تعترض تنفيذ الأحكام الصادرة فيها، يُمثِّل عائقاً أمام المُتنازعين الوطنيين والأجانب على حد سواء، يحول دون لجوئهم إلى التحكيم السّعودي، ويدفعهم إلى تفضيل اللجوء إلى التحكيم الأجنبي، وسوف ينصبّ بحثنا على استعراض أهم أسباب هذا العُزوف عن التحكيم الوطني، وهي بذاتها أسباب تفضيل التحكيم الأجنبي.

 وسوف نتناول تلك الأسباب في المباحث الآتية:

المبحث الأول: ضعف فاعلية التنظيم السّعودي للتحكيم.

المبحث الثاني: قلَّة عدد المُحكمين السّعوديين، وإفتقارهم الى الحرفية في إدارة العملية التحكيمية.

المبحث الثالث: العوائق التي تواجه سير إجراءات التحكيم.

المبحث الرابع: عدم توافق الآلية النظامية لتنفيذ أحكام التحكيم مع المقاصد المرجوة منها.

المبحث الخامس: القصور التشريعي في الأنظمة التجارية في المملكة العربية السعودية، المُرتبطة بالتحكيم والحاجة إلى تحديثها.

المبحث السادس: عدم تدوين الأحكام التحكيمية ونشرها.

 

المبحث الأول- ضعف فاعلية التنظيم السّعودي للتحكيم:

يُعتبر ضعف فاعلية التنظيم السّعودي للتحكيم، أحد أسباب عُزوف المُتنازعين عن اللجوء إلى التحكيم السّعودي لفضّ مُنازعاتهم، وذلك لخشيتهم من عدم الحصول على إجراءات تحكيمية عادلة، تصل بهم إلى نيل حقوقهم. فقد بدأت عملية تنظيم التحكيم في ثلاثينيات القرن العشرين إستجابة للحاجة المُلحة الى إيجاد نظام تحكيم يكفل للمُتنازعين سرعة الفصل في خلافاتهم بيسر وسهولة، لا توفّرها لهم ساحات القضاء، ويُواكب ما سبقه من أنظمة وقوانين للتحكيم في أغلب دول العالم، والتي سعت حثيثاً لإيجاد قضاء موازٍ للقضاء الرسمي للدولة، وتحقيق المُرونة والسّرعة في حل ما نتج من تطور النشاط الاقتصادي والمالي من مشكلات. وقد مرَّ تنظيم التحكيم في المملكة بعدة مراحل، نلخّصها في ما يلي بالقدر الذي يتناسب وإبراز عوامل ضعف الفاعلية في هذا التنظيم:

 

أولاً- نظام المحكمة التجارية عام 1435هـ.:

جاء أول تنظيم للتحكيم في المملكة العربية السّعودية في نظام المحكمة التجارية الصادر بالأمر العالي رقم (32) وتاريخ 15/01/1350هـ، والذي خصّص لذلك التنظيم المواد من "493" إلى "497"، وهب المواد التي حدّدت القواعد الواجب مُراعاتها لتسوية المُنازعات عن طريق التحكيم .

وأهتمت هذه المواد بتنظيم بعض المسائل المتعلقة بالعملية التحكيمية، من حيث شكل ومحتويات مُشارطة التحكيم، وكيفية تعيين المُحكِّمين، وبيان مُدّة التحكيم، وبعض الإجراءات المُتعلّقة بالتحكيم، وإمكانية الطعن في الأحكام التحكيمية أمام المحكمة التجارية آنذاك، وضرورة إقرار هذه الأحكام من قبلها قبل تنفيذها .

 

ثانياً- نظام الغرفة التجارية الصناعية عام 1365هـ.:

خوَّل هذا النظام للتُجار وأعضاء الغرفة التجارية والصناعية، الحق في الاتفاق في مُشارطة التحكيم، على تكليف الغرفة فيما قد يثور بينهم من مُنازعات، ويُعتبر هذا النظام أول من أرسى تنظيم التحكيم المُؤسسي في المملكة، وذلك إلى جانب تحكيم الحالات الخاصة، الذي يمكن أن يلجأ إليه المُتنازعون، والذي أقرّه نظام المحكمة التجارية في هذا الصدد.

ولقد مارست الغُرفة التجارية والصناعية بجدة، باعتبارها أول غرفة تأسست في المملكة، مهام التدقيق والتحكيم بين أعضائها الراغبين في ذلك كأحد مهامها .

ثالثاً- نظام العمل والعُمال عام 1389هـ.:

أجاز هذا النظام لأصحاب العمل والعُمّال، إحالة ما ينشأ بينهم من مُنازعات إلى التحكيم، وذلك بدلاً من حلِّها عن طريق اللجنة الابتدائية المُختصة بتسوية الخلافات العمالية، وقد اشترط هذا النظام اعتماد اتفاقية التحكيم المُبرمة بين المُتنازعين، من قبل اللجنة العلَّيا لتسوية الخلافات العُمَّالية، ما لم يتفق أطراف النزاع مقدماً، في اتفاقية التحكيم على غير ذلك .

 

رابعاً- نظام الغُرف التجارية الصناعية عام 1400هـ.:

أوكَل هذا النظام، الذي صدر بمقتضى المرسوم الملكي رقم (م/6) وتاريخ 30/04/1400هـ، إلى الغُرف التجارية الصناعية الاختصاص بالفصل في المُنازعات التجارية والصناعية عن طريق التحكيم، وذلك إذا ما اتفق أطراف هذه المُنازعات على إحالتها إليها. فقد نصّت المادة (5)، في فقرتها (ح)، من هذا النظام على أنه: "تختص الغرف التجارية الصناعية بالأمور التالية: ...... ح– فضّ المُنازعات التجارية والصناعية بطريق التحكيم، إذا اتفق أطراف النزاع على إحالتها إليها".

كما تضمّنت اللائحة التنفيذية لهذا النظام، الصادرة بقرار وزير التجارة رقم (1871) وتاريخ 22/05/1401هـ، القواعد والإجراءات الواجب إتباعها عند القيام بالتحكيم بين أطراف النزاع أمام الغُرف التجارية الصناعية.

 

خامساً- نظام التحكيم عام 1403هـ.:

يُعدَّ عام 1403هـ، البداية الحقيقية للتنظيم القانوني للتحكيم في المملكة العربية السّعودية، والخُطوة الهامة نحو إيجاد نظام خاص، ومستقل للتحكيم السّعودي. وقد صدر هذا النظام بالمرسوم الملكي رقم (م/46) وتاريخ 12/07/1403هـ، ويتضمّن (25) خمس وعشرين مادة، نظّمت العديد من المسائل التحكيمية على نحو أكثر دقة وانضباطاً، غَفُلَت عنهما الأنظمة غير المُتخصِّصة والمتنافرة السابقة. كما صدرت اللائحة التنفيذية لهذا النظام بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (م/7/2021) وتاريخ 08/09/1405هـ.

وقد اشتمل هذا النظام ولائحته التنفيذية على مجموعة من المبادئ التحكيمية، التي كانت سائدة في هذا الوقت، والتي عالجت مُعظم المسائل المُتعلقة بالعملية التحكيمية، وما يتعلق بإجراءات سير العملية التحكيمية وإصدار الأحكام وكيفية تنفيذها، وغير ذلك من المسائل. وبهذا التنظيم للعملية التحكيمية، يكون هذا النظام قد نجح إلى حد ما، في تفادي العيوب والانتقادات التي وجهت إلى هذه العملية في المراحل السابقة على صدور هذا النظام.

- ولعلَّ أهم ما استحدثه هذا النظام ولائحته التنفيذية أنه منح القضاء السّعودي سّلطة واسعة في الإشراف على العملية التحكيمية، حيث تبنّى نظام التحكيم السّعودي – لأول مرة – فكرة الدور المزدوج لقضاء الدولة، في ما يتعلق بمسائل التحكيم، والذي يتمثّل في رقابة سابقة، في ما يتعلق بالمُصادقة على مُشارطة التحكيم، ورقابة لاحقة، في ما يتعلق بالمُصادقة على الحكم التحكيمي بعد صدوره. وقد اعتدّ نظام التحكيم السّعودي بهذا الدور المُزدوج للقضاء تماشياً مع ما جرى عليه العمل في بعض الدول، ومنها فرنسا، على سبيل المثال، واعترافاً من قبله بالدور المُساعد لقضاء الدولة في العملية التحكيمية، بجانب دوره التقليدي في الرقابة على هذه العملية .

وعلى الرغم مما استحدثه هذا النظام من قواعد لتنظيم العملية التحكيمية، إلاّ أنّ سهام النقد قد وجِّهت إليه، خاصة في ضوء ما كشفت عنه التجربة العملية له، من حيث قصوره الملحوظ عن مواكبة الوتيرة المُتسارعة للنشاط التجاري في المملكة، وما صاحبها من دخول العديد من المُستثمرين الأجانب إلى السوق السّعودية، ومُمَارستهم للأنشطة المختلفة .

- ولعلَّ من أهم الانتقادات التي تعرّض لها هذا النظام هي الآتية:       

1-     خلوَّه من تحديد واضح المعالم لنطاق سريان أحكامه من حيث الزمان، وذلك أسوة بما هو مُتّبع في الأنظمة الأخرى داخل المملكة . وكذلك في الأنظمة المقارنة، والتي تحرص على تحديد نطاق تطبيقها من حيث الزمان. فلم يوضِح هذا النظام مدى إمكانية سريانه على المُنازعات التحكيمية القائمة وقت صدوره.

2-     إنّ اعتماد وثيقة التحكيم من قبل الجهة القضائية المُختصة (الرقابة السابقة)، كان يستغرق وقتاً طويلاً لأسباب عديدة، بعضها كان يرجع الى الخصوم ذاتهم، كتعنّت أحدهم في تعيين المُحكم الخاص به، والتأخير في اختياره، أو إخفاق الخصوم في الاتفاق على تعيين المُحكِّم المُرجح، وبعضها الآخر يرجع الى المُحكِّمين المُعيَّنين، عندما يُقرِّر أحدهم الانسحاب قبل بدء إجراءات التحكيم، كما أنّ القضاء المختص قد يُساهم بدوره في تأخير المُصادقة على وثيقة التحكيم لأسباب إجرائية. وقد أدّت هذه الأسباب إلى بطء سير إجراءات التحكيم، وعُزوف المتخاصمين عن اللجوء إلى هذا الطريق لفضّ مُنازعاتهم، خاصة وأنّ هذا النظام لم يتضمّن أي نصوص تقف أمام مُمَاطلة أطراف العملية التحكيمية .

3- أنه قلّل من دور هيئة التحكيم في العملية التحكيمية، باعتبار التحكيم مُجرّد درجة من درجات التقاضي، وذلك بإخضاعه الأحكام التحكيمية للرقابة اللاحقة من قبل الجهة القضائية المُختصة، مما كان يعني اتصاف دور المُحكِّم/المُحكِّمين، بالدور الشكلي الذي تقوم به اللجان غير القضائية.

4-     حرمان المُتنازعين من الحق في اختيار لغة أجنبية للتحكيم، أو من اختيار قانون أجنبي للتطبيق على إجراءات التحكيم، أو اللجوء إلى مبادئ التجارة الدولية .

وبذلك يمكن القول بأنّ، نظام التحكيم عام 1403هـ، وإن كان قد استجاب بعض الاحتياجات في تنظيم العملية التحكيمية، إلاّ أنه لم يُلَبِّ بصفة عامة ما كان يطمح إليه الجميع في ذلك الوقت، من حيث ضرورة مُراعاته تطلعات ومتطلبات التطور المتزايد في حجم التجارة، وفي تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المملكة.

 

سادساً- نظام التحكيم عام 1433هـ.:

كان من الضروري، في ضوء ما وجَّه من انتقادات إلى نظام التحكيم السّعودي السابق، أن يتخذ المُنظّم السّعودي منحىً آخر في تنظيمه العملية التحكيمية، لتفادي هذه الانتقادات، ولمُسايرة التطورات التشريعية الحديثة للأنظمة التحكيمية على مستوى العالم. فصدر نظام التحكيم الحالي بمقتضى المرسوم الملكي رقم (م/34) بتاريخ 24/05/1433هـ، ونصّت المادة (57) منه على أنه: "يحلّ هذا النظام محل نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/46) وتاريخ 12/03/1403هـ".

وهذا النظام الجديد، يختلف في مضمونه اختلافاً جوهرياً عن نظام التحكيم السابق . وهو يتضمّن (58) ثماني وخمسين مادة، بينما أقتصر النظام القديم، كما مضت الإشارة إليه آنفاً، على (25) خمس وعشرين مادة، أي بزيادة قدرها ثلاث وثلاثون مادة مُستحدثة، بالإضافة إلى تعديلات شملت السواد الأغلب من المواد المنصوص عليها في النظام القديم. مما يعني أنّ نظام التحكيم الحالي قد جاء أكثر شمولاً وتفصيلاً مما كان الأمر عليه في النظام الذي سبقه.

وقد تراخى صدور اللائحة التنفيذية لهذا النظام لأكثر من (5) خمس سنوات من تاريخ دخوله حيّز التنفيذ، والذي حدّدته المادة (58) منه بثلاثين (30) يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، وذلك على الرغم من أنّ المادة (56) منه، قد أوكلت إلى مجلس الوزراء إصدار اللائحة التنفيذية لهذا النظام. وليس ثمة من شك في أنّ هذا التأخير ربما يكون قد أعطى انطباعاً لدَّى المُتنازعين الأجانب بأن هناك قصوراً في تفعيل الأنظمة واللوائح التنفيذية في المملكة، وربما أوحى كذلك بضعف فاعلية التنظيم السّعودي للتحكيم.

ونأمل مع صدور اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم الحالي، بمقتضى قرار مجلس الوزراء رقم (541) تاريخ 26/08/1438هـ، أن يزول هذا الانطباع، وألاّ يترسَّخ هذا الإيحاء في أذهان المعنيين بتطبيق هذا النظام.

 

المبحث الثاني- قلَّة عدد المُحكِّمين السّعوديين المُتخصصين وافتقارهم الى الحرفية في إدارة العملية التحكيمية:

أولاً- قلَّة مُعدَّل عدد المُحكِّمين السّعوديين عن المُعدَّل العالمي:

أنه ممّا تجدر الإشارة إليه، ضمن أسباب عُزوف المتخاصمين عن اللجوء إلى التحكيم السّعودي لحل ما يثور بينهم من مُنازعات، أنّ مُعدَّل عدد المُحكِّمين بالمملكة العربية السّعودية بالنسبة لعدد السكان يُعدّ مُعدَّلاً ضعيفاً جداً، مقارنة بعدد القضاة بالنسبة الى عدد السكان، والذي بلغ عدد سبعة (7) قضاة لكل مائة ألف (100.000) نسمة.

كما أنّ مُعدَّل عدد المُحكِّمين السّعوديين يُعتبر مُعدَّلاً متواضعاً قياساً بمُعدَّل هذا العدد في دول أخرى، كسويسرا وفرنسا وبريطانيا، على سبيل المثال. وهو أمر لا يتناسب والمُعدَّل العالمي لعدد المحكِّمين، ولا يتناسب كذلك وواقع وطبيعة الدعاوى التحكيمية.

ولعلَّ قلَّة عدد المُحكِّمين السّعوديين، كان دافعاً لإتجاه المُتنازعين إلى التحكيم الأجنبي في دول أخرى يرتفع فيها هذا المُعدَّل إلى حد يُشجِّعهم على اللجوء إلى هذا التحكيم تحقيقاً للهدف من التحكيم ذاته. ولعلَّه من المُستغرب في هذا الصدد أيضاً، إذعان السّعوديين وإجبارهم على اللجوء إلى التحكيم الأجنبي، وذلك عن طريق تضمين العقود الدولية التي يكونون طرفاً فيها، شرطاً يقضي بذلك.

وبالإضافة إلى النقص الحاد في عدد المُحكِّمين السّعوديين، فإنه في المقابل تكون الزيادة الملحوظة في عدد المُحكِّمين في دول أخرى، حافزاً لاختيار التحكيم الاجنبي، خاصة إذا كان هذا العدد من المُحكِّمين الأجانب في هذه الدول تتوافر لدَيهم خبرات تحكيمية وقانونية مُتراكمة وتجارب عملية تُضفي عليهم كفاءة مُتميِّزة. وكل ذلك ينعكس سلباً بطبيعة الأمور على مُستوى التحكيم السّعودي .

كما أنّ قلَّة عدد المُحكِّمين السّعوديين، وإضطرارهم أحياناً للانشغال بأكثر من دعوى تحكيمية في الوقت نفسه، قد يؤدي إلى إطالة أمد الدعوى التحكيمية، وتأخير الفصل فيها على نحو يتعارض وأهم الأهداف والمقاصد المرجوة من اللجوء إلى التحكيم، باعتباره وسيلة بديلة وسريعة لبت المُنازعات.

 

ثانياً- افتقار المُحكمين السّعوديين للحرفية والخبرة في إدارة العملية التحكيمية:

لعلَّ من قبيل نقد الذات، الاعتراف بأنّ بعض المُحكّمين السّعوديين والمُحكمين العرب، ولا نقول جلَّهم، يفتقدون المعرفة والمهارة في إدارة العملية التحكيمية، مما يُساهم في تعميق أزمة التحكيم السّعودي والتحكيم العربي بصفة عامة، وأنّ هذا الافتقار حتى من جانب البعض القليل منهم، يعطي انطباعاً سلبياً، حتى على الأغلب الكثير منهم، ويؤدي إلى ذات النتيجة، وهي العُزوف عن التحكيم السّعودي أو العربي.

وقد يكون هذا الافتقار إلى المهارة والحرفية في إدارة العملية التحكيمية، عائداً إلى إهمال المُحكِّمين الاهتمام باللغة العربية، بما تُمثّله هذه اللغة من هوية ثقافية وحضارية، تمنح هؤلاء المُحكِّمين مكانة متميّزة في نفوس المُتنازعين تدفعهم إلى اختيار المُحكّمين الوطنيين، والعُزوف عن المُحكّمين الأجانب.

كما يُضاف إلى ما تقدَّم، أنّ هؤلاء المُحكِّمين، قد لا يتوافر لدَّيهم الوعي الكافي بأبعاد المُنازعة التحكيمية وبالقواعد الحاكمة فيها إجرائياً وموضوعياً، لكونهم يقبلون اختيار المُتنازعين لهم لإدارة العملية التحكيمية، ربما لأهداف ذاتية خاصة لا علاقة لها أصلاً بأهداف ومقاصد التحكيم، وهم بذلك لا يملكون الجرأة اللازمة لبت ما يطرح عليهم من مُنازعات، يعلمون ابتداءً باحتمال بتها من قبلهم على نحو غير صحيح ، ممّا قد يؤدي إلى خسائر فادحة في الكثير من هذه المُنازعات يتحملها المُتنازعون وحدهم.

كما أنّ غياب الحرفية لدى بعض المُحكِّمين، يجعلهم غير مُلمّين بالتخصّصات الدقيقة، التي تتَّسم بها بعض المُنازعات التحكيمية، والتي تتعلق بالمُعاملات المصرفية المُتطورة، أو بالتقنيات الحديثة، والتي تتطلب من المُحكِّم الذي يتم اختياره، أن تكون لديه الخبرة الكافية للإلمام بهذه الأنواع من المُنازعات، وعلى نحو يغني عن اللجوء إلى جهات خبرة مُتخصصة في هذه المجالات، مما قد يترتب عليه زيادة في نفقات التحكيم، وإضاعة للوقت والجهد.

 

المبحث الثالث- العوائق التي تواجه سير إجراءات التحكيم:

إنّ إجراءات التحكيم الوطني لا تحقّق الرضاء التام من جانب المُتنازعين، خاصة الأجانب منهم، نظراً لاتسامها بالبطء وأحياناً بالتعقيد، نتيجة لعدم تناسّب نُظم المُرافعات، ونُظم تنفيذ الأحكام، مع طبيعة المُنازعات التحكيمية ذات الطابع الدولي.

ولعلَّ من الأسباب الرئيسية لتردّد المتنازعين العرب والأجانب في عرض مُنازعاتهم على التحكيم السّعودي، وحرصهم على تضمين عقودهم التي يبرمونها في المملكة شرط اللجوء إلى التحكيم الأجنبي لفضّ المُنازعات المتعلقة بهذه العقود، هو إحساسهم بأنّ إجراءات التحكيم السّعودي المنصوص عليها في نظام التحكيم، وغير المألوفة بالنسبة إليهم، لا يتوافر فيها القدر الكافي من الحيادية والشفافية والاستقلالية.

كما أنّ هذه المُنازعات قد تردّ على مسائل مالية مُعقَّدة، مما يجعل هؤلاء المُتنازعين يحرصون في المقام الأول على سرعة الفصل فيها، تجنباً لتفاقم خسائرهم، وهم يلجؤون إلى التحكيم لتحقيق ذلك الغرض، إلاّ أنهم يصطدمون بأنّ إجراءاته تتسم بالبُطء والطول، أو بعدم الوضوح، فتظل قضاياهم مُعلّقة دون الفصل فيها، ويتحملون بذلك عبء ضياع الوقت والجهد، وتأخير حصولهم على الحقوق المُتنازع عليها. ومن أهم المشاكل العملية التي تؤدي إلى تعقيد إجراءات التحكيم نورد ما يأتي:

 

1- تعنَّت أحد طرفي مُشارطة التحكيم برفضه التوقيع عليها بعد إعدادها:

تجيز المادة (9) من نظام التحكيم، للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة، عرض ما قد ينشأ بينهم من نزاع "في تنفيذ عقد مُعيَّن" على مُحكِّمين، ويجوز كذلك الاتفاق على التحكيم في نزاع مُعيَّن، بمقتضى مُشارطة تحكيم خاصة.

وقد يتطلّب الأمر إبرام المُتنازعين مُشارطة تحكيم، عندما يكون شرط التحكيم قد ورد في العقد المبرم بينهما بصورة مختصرة، أو عندما لا يتضمّن العقد الشرط التحكيمي، أو عندما يكون النزاع قد أصبحت بشأنه دعوى أمام المحكمة المُختصة، واتفق طرفاه لاحقاً على اللجوء بشأنه إلى التحكيم، ففي هذه الحالات، يجب أن يكون الاتفاق على التحكيم بمقتضى مُشارطة تحكيم مكتوبة، ويتم التوقيع عليها من قبل كل من طرفي التحكيم .

ويجب أن تتضمّن مُشارطة التحكيم تاريخ، ومكان إبرامها، واسم المُحكم، إذا كانت هيئة التحكيم مُشكَّلة من مُحكم واحد، أو أسماء المُحكمين، إذا كانت هذه الهيئة مُكونة من أكثر من مُحكم، ولغة، ومكان التحكيم، والإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم، وتحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات، وعلى موضوع النزاع، وبيان مدة التحكيم، أي المدة اللازمة لإصدار الحكم التحكيمي المُنهي للنزاع، وتحديد أتعاب المُحكّم أو المُحكمين، ومصروفات التحكيم، وغير ذلك من البيانات التي يتعيَّن إدراجها في مُشارطة التحكيم.

والوصول إلى توافق بين طرفي النزاع حول المسائل التي يجب أن تتضمّنها مُشارطة التحكيم، تعترضه من الناحية العملية بعض المشاكل والعوائق، التي تؤخِّر صياغتها، بل إنه حتى بعد صياغة المُشارطة، فإنّ تفعيلها قد يصطدم بتعنُّت أحد طرفي هذه المُشارطة برفضه التوقيع عليها، أو التلكؤ في هذا التوقيع، متذرعاً بعدم مقدرته على دفع الأتعاب المقترحة من قبل هيئة التحكيم، أو باعتراضه على اختيار لغة التحكيم أو مكانة أو مدة التحكيم، أو غير ذلك من المسائل التي تضمّنتها مُشارطة التحكيم. وكلها ذرائع تهدف إلى كسب الوقت أو إبتزاز الخصم الآخر أو حتى إفشال عملية التحكيم برُمّتها.

وفي حالة فشل الأطراف أو تمسّك أحدهم بموقفه الرافض التوقيع على مُشارطة التحكيم، فلا محل عندئذ للسير في التحكيم، ولا يتبقى أمام الطرفين إلاّ اللجوء إلى المحكمة المُختصة لحسم النزاع، لأنّ اتفاقهما على التحكيم بمقتضى مُشارطة التحكيم، ليس سوى اتفاق أوَّلي يسقط بعدم تفعيل هذه المُشارطة.

وتنص المادة (12) من نظام التحكيم على أنه: "مع مراعاة ما ورد في الفقرة (1) من المادة (9) من هذا النظام، إذا تم الاتفاق على التحكيم، أثناء نظر النزاع أمام المحكمة المُختصّة، وجب عليها أن تقرِّر إحالة النزاع إلى التحكيم". وإذا ما فشل الطرفان، لأي سبب من الأسباب المُشار إليها آنفاً، في تفعيل مُشارطة التحكيم بينهما، فإنهما يعودان إلى المحكمة المُختصة مرة أخرى لكي تبتّ النزاع.

 

2– عدم التوافق بين طرفي النزاع على تعيين المُحكِّمين:

نصّت المادة (15) من نظام التحكيم على أنه: "لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المُحكِّمين"، وبالتالي فإذا كان الأمر يتعلق بشرط تحكيمي سابق النزاع، فإنه لا يتم

تسمية هيئة التحكيم، بل يرجأ ذلك إلى حين وقوع النزاع، وعندئذ تثور مشكلة التأخير أو التخلّف في تسمية هيئة التحكيم، وتتعرض العملية للشلل نتيجة عدم قيام أحد الخصوم بتسمية المُحكِّم.

أمّا الاتفاق التحكيمي اللاحق، فإنه لا يطرح مُشكلة تسمية هيئة التحكيم، لأنّ تراضي الأطراف على التحكيم يسير مع تسمية هذه الهيئة وجوداً وعدماً، فحين تولد مُشارطة التحكيم، فإنها تولد وفيها أسماء هيئة التحكيم.

وبالتالي، فإنّه في حالة التحكيم الخاص، إذا تعرّض التحكيم للشلل بفعل عدم تسمية أحد الخصوم لهيئة التحكيم، فإنّ المحكمة المُختصة تتدخل عندئذ لإنقاذه. وهذا الاتجاه التشريعي الذي يربط حركة التحكيم بتدخل محاكم الدولة، هو الذي اعتدّ به المُنظِّم السّعودي وفقاً لما هو موضح في الفقرة (1) من المادة (15) من نظام التحكيم.

فالفقرة (أ) من الفقرة (1) أعلاه، تقضي بأنه إذا لم يتفق الأطراف على اختيار هيئة التحكيم المُشكّلة من مُحكّم واحد، تولَّت المحكمة المُختصة تسميته. أمّا الفقرة (ب) منها، فهي تقضي بأنه إذا لم تتفق الأطراف كل منها على اختيار مُحكَّمه في هيئة التحكيم المُشكَّلة من ثلاثة مُحكِّمين، خلال (15) خمسة عشر يوماً التالية لتسلّمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، تولَّت المحكمة المُختصة اختياره بناءً على طلب من يهمه التعجيل، وذلك خلال (15) خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب.

كما تنصّ الفقرة (2) من المادة (15) من نظام التحكيم أيضاً على أنه: "إذا لم يتفق طرفا التحكيم على إجراءات اختيار المُحكِّمين، أو خالفها أحد الطرفين، تولّت المحكمة المُختصة – بناءً على طلب من يهمه التعجيل – القيام بالإجراء المطلوب، مالم ينص في اتفاق التحكيم على كيفية أخرى لإتمام هذا الإجراء.

وتقضي الفقرة (3) من هذه المادة، بأنّ المحكمة المُختصة، تراعي في المُحكِّم الذي تختاره، الشروط التي نص عليها اتفاق الطرفين، وتلك الشروط التي يتطلبها هذا النظام، وتصدر قرارها باختيار المُحكِّم خلال (30) ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم الطلب إلى هذه المحكمة.

ويُستفاد من النصوص المُتقدِّمة، أنّ المُنظِّم السّعودي حرص على ربط سير العملية التحكيمية، في ما يتعلق بتسمية هيئة التحكيم، بتدخّل المحكمة المُختصة.

أما بالنسبة للتحكيم المؤسسي، الذي يتم عن طريق اللجوء إلى منظمة أو مركز أو هيئة تحكيم، فإنّ هذه المراكز التحكيمية هي التي تنظِّم طريقة تعيين هيئة التحكيم. ففي تحكيم غُرفة التجارة الدولية، فإنّ رئيس الغرفة هو الذي يقوم بهذا التعيين، كما أنّ قواعد تحكيم اليونسيترال، قد حدّدت سلطة التعيين في هذه الحالة .

وتجدر الإشارة إلى أنّ عدم توافق الأطراف على تعيين المُحكِّمين، يمكن بدوره أن يعرض التحكيم للفشل، في حالة تعيين المُحكِّم الفرد. فالمُحكِّم الفرد يكتسب أهمية أكثر من رئيس هيئة التحكيم المُشكَّلة من ثلاثة مُحكِّمين، لكونه الشخص الوحيد المنوط به إدارة العملية التحكيمية دون التأثَر برأي المُحكِّمين الآخرين. والمعلوم أن اتفاق الأطراف المعنية على اختيار مُحكِّم واحد، يكون عادة راجعاً إلى أسباب مادية بحتة، كالرغبة في تخفيض أتعاب ومصاريف التحكيم، أو لأسباب تتعلق ببساطة موضوع الدعوى، أو لأسباب نفسية تتعلق بثقة الأطراف في تَمتع المُحكِّم الفرد بالنزاهة والحيادية، وهو ما يمكن ألا يتوافر في المُحكِّمين المُتعدّدين .

 

3- عدم التقيَّد بالمُدة المُحدَّدة للفصل في النزاع التحكيمي:

إنّ تحديد مُدة الفصل في النزاع يُعدّ من أهم المسائل التي تُميّز التحكيم عن القضاء، لأنّ التقاضي أمام المحكمة غير مُحدّد بمدة مُعيَّنة، وعلى العكس فإنّ عدم التقيد بمدة التحكيم أو سوء تقديرها، أو التهاون فيها قد يؤدي إلى فشل العملية التحكيمية وضياع الهدف المنشود منها، ولذلك فإنّ تحديد مدة الفصل في النزاع المطروح على التحكيم، يتم غالباً بواسطة الطرفين في شرط التحكيم الوارد في العقد المبرم بينهما، أو في مُشارطة التحكيم.

ويختلف تحديد هذه المدة بالنسبة لشرط التحكيم عنه بالنسبة لمُشارطة التحكيم، لأنه في هذه الحالة الأخيرة، تكون معالم النزاع قد اتضحت بشكل كامل، ويكون تحديد المُدة المُناسبة للفصل فيه أكثر دقة منه في حالة شرط التحكيم الوارد في العقد.

ونصّت الفقرة (1) من المادة (40) من نظام التحكيم على أنه: "على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة خلال الميعاد الذي اتفق عليه طرفا التحكيم. فإذا لم يكن هناك اتفاق، وجب أن يصدر الحكم خلال أثني عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم".

 أما الفقرة (2) من هذه المادة فتُجيز لهيئة التحكيم - في جميع الأحوال - أن تقرِّر زيادة مُدّة التحكيم، على ألاّ تتجاوز هذه الزيادة (6) ستة أشهر، ما لم يتفق طرفا التحكيم على مُدّة تزيد على ذلك. وأخيراً فإنّ الفقرة (3) من هذه المادة، تقضي بأنه إذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرة (2) أعلاه، جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من المحكمة المُختصة أن تصدر أمراً بتحديد مُدة إضافية، أو بإنهاء إجراءات التحكيم، ولأي من الطرفين عندئذ رفع داعوه إلى هذه المحكمة المُختصة.

والحاصل عملاً، أنّ هيئة التحكيم لا تتمكّن من إحكام السيطرة على مدة التحكيم المُتفق عليها بين أطراف النزاع، حتى إذا ما اقتربت نهاية المدّة، تجد الهيئة نفسها أمام مسائل عدة لم يتم إنجازها، فتضطر إلى تمديد المُدّة. وقد يحدث هذا الإخفاق إذا كان المُحكم فرداً، فيلجأ إلى إطالة هذه المدة بدواعي انشغاله بأعماله الخاصة، أو لغير ذلك من الأسباب، بل إنّ المُحكم الفرد أو حتى هيئة التحكيم المُشكَّلة من ثلاثة مُحكَّمين، قد تطلب من المُتنازعين أنفسهم تمديد مُدة التحكيم المُتفق عليها. وليس ذلك إلاّ نوعاً من الإخفاق في إدارة العملية التحكيمية ويُمثَّل عائقاً محتملاً أمام سير إجراءات التحكيم.

 

4- اختلاف المُتنازعين حول تحديد أتعاب المُحكِّمين:           

تقضي الفقرة (1) من المادة (24) من نظام التحكيم بأنه يجب عند اختيار المُحكم إبرام عقد مُستقل معه، توضح فيه أتعابه، وتوجب الفقرة (2) من هذه المادة على المحكمة المُختصة أن تفصل في تحديد أتعاب المُحكِّمين بقرار غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن، وذلك في حالة عدم الاتفاق بين طرفي التحكيم والمُحكمين على تحديد أتعابهم. وفي حالة كون تعيين المُحكِّمين قد تم من قبل المحكمة المُختصة، طبقاً لما تقضي به المادة (15) من نظام التحكيم، فإنه يجب عليها تحديد أتعاب المُحكِّمين في القرار الصادر منها بتعيينهم.

وتنص المادة (2) من اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم على أنه: "لأغراض تطبيق النظام واللائحة، يُقصد بالمحكمة المُختصة المشار إليها في النظام واللائحة، محكمة الاستئناف المُختصة أصلاً بنظر النزاع، عدا الحالات الواردة في الفقرة (1) من المادة (9) من النظام، وفي المادة (16) من النظام، وكذلك في عجز الفقرة (3) من المادة (40) من النظام".

كذلك نصّت الفقرة (1) من المادة (7) من اللائحة التنفيذية على أنه عند اختيار أطراف التحكيم للمُحكم، فإنه يتعيّن إبرام عقد مستقل معه تحدَّد بموجبه أتعابه، وفقاً لما تقضي به الفقرة (1) من المادة (24) من النظام المشار إليها آنفاً، ويتم إيداع نسخة من هذا العقد لدى مركز التحكيم السّعودي، أو لدى هيئة أو منظمة أو مركز التحكيم. وللمحكمة المُختصة - طبقاً للفقرة (2) من هذه المادة - عند قيامها بتحديد أتعاب المُحكمين، أن تطلب تزويدها نسخة من العُقود المُبرمة معهم إن وجدت.

ويتضح من معالجة النصوص المتقدمة لمسألة تحديد أتعاب المُحكمين، أن اتفاق المُحكم أو هيئة التحكيم مع طرفي النزاع على تحديد أتعابهم، يُعدّ من المسائل الجوهرية التي تصل بالتحكيم إلى برّ الأمان، ويمكن أيضاً أن يؤدي عدم الاتفاق حولها إلى عرقلة سير العملية التحكيمية. ذلك أنه يندُر أن تسير هذه العملية بدون تحديد أتعاب المُحكِّمين، الذين يبذلون وقتاً وجهداً يستحقون عليه أتعاباً عادلة ومعقولة، طالما أنهم سيضعون حداً للنزاع حسب المهام الموكلة إليهم خلال مُدة التحكيم المحدّدة.

وهذه الأتعاب يتم اقتراحها في أغلب الأحوال من قبل المُحكِّمين، الذين يقومون بإخطار طرفي النزاع بها ضمن البنود الأخرى لمُشارطة التحكيم. وفي كثير من الأحوال، يتطلع

طرفا النزاع قبل أي شيء، لمعرفة مقدار الأتعاب التي يُقدِّرها المُحكِّمون، وقد لا يكون لدَّيهم مانع في إبداء مُرونة فيما عداها من مسائل التحكيم الأخرى (مدة التحكيم – اللغة - مكان التحكيم... الخ).

ولذلك فإنّ الواقع العملي يكشف عن أنّ مسألة تحديد أتعاب المُحكِّمين تُعتبر أحد التحديات التي تواجه العملية التحكيمية، والتي تتراوح بين اتجاه المُحكِّمين للمُغالاة في أتعابهم، ومُحاولة أطراف النزاع البخس في تحديدها، لتخفيض مصاريف التحكيم التي يتكبدونها، في الوقت الذي تتسع أمامهم ساحة القضاء المجاني الذي لا يتحملون فيه بأية مصاريف أو رسوم قضائية، علماً أنّ مسألة القضاء المجاني، يُعاد النظر فيها حالياً، وسوف يتم إصدار نظام خاص بفرض رسوم على التقاضي، في المنظور القريب.

والملاحظ أنه إذا خرج تعارض المصالح عن الحد المألوف بين المُحكِّمين والمُحتكمين، فإنّ ذلك يؤشِّر إلى إنهيار العملية التحكيمية، إذا ما اعتذر المُحكمون عن تولّي مهمة التحكيم، وأصبح الزاماً على المُحتكمين البحث عن مُحكمين آخرين يرضون بالأتعاب التي يٌقدّرونها. وفي كل الأحوال يكون المتضرّر في نهاية المطاف هو طالب التحكيم، الذي يتحمل وحده عبء هذا الإخفاق والمُتمثل في إطالة أمدّ النزاع.

 

5- اختيار لغة التحكيم:

يجري التحكيم السّعودي، وفقاً للفقرة (1) من المادة (29) من النظام، باللغة العربية، ما لم تقرِّر هيئة التحكيم، أو يتفق طرفا التحكيم على لغة أو لغات أخرى. ويسري حكم هذا الاتفاق أو القرار على لغة البيانات والمذكّرات المكتوبة، والمرافعات الشفهية، وكذلك على كل قرار تتخذه هيئة التحكيم، أو على أي رسالة توجِّهها أو حكم تصدره، ما لم ينص اتفاق الطرفين أو قرار هيئة التحكيم على غير ذلك. وتنص الفقرة (2) من هذه المادة على أنه: "لهيئة التحكيم أن تقرِّر أن يرافق كل الوثائق المكتوبة أو بعضها التي تقدّم في الدعوى، ترجمة إلى اللغة أو اللغات المستعملة في التحكيم. وفي حالة تعداد هذه اللغات، يجوز للهيئة قصر الترجمة على بعضها".

وطبقاً للنص المتقدِّم، فإنّ تحديد لغة التحكيم يُعتبر من المسائل الهامة التي يجب الاتفاق عليها بين أطراف الدعوى التحكيمية، سواء كانت اللغة العربية أو أي لغة أخرى. ويجب على هيئة التحكيم التقيّد باللغة التي اختارها هؤلاء الأطراف .

وهذه اللغة تتحدّد في الغالب بالنظر إلى لغة العقد المتضمِّن شرط التحكيم، أو بالنظر إلى لغة أطراف النزاع. وفي الواقع العملي فإنّ تحديد لغة التحكيم قد يحظى باهتمام أطرافه على نحو صريح، اعتماداً على إمكانية استخلاصها ضمناً من لغة العقد ذاته، أو من قناعة أحد الأطراف حسن النية، أن الطرف الآخر ربما لن يُثير أي مُشكلة بشأن لغة التحكيم، دون أن يُدرك أنّ هذا الطرف ربما يستغل هذه المُشكلة لعرقلَة سير عملية التحكيم

ولتفادي تعطيل سير عملية التحكيم، ولتجنّب إثارة أي مشاكل بالنسبة للغة التحكيم، فإنه يتعيَّن عند صياغة الشرط التحكيمي أو مُشارطة التحكيم، التركيز على اختيار لغة التحكيم، وتوافق أطرافه عليها، أو أن ينصبّ هذا الخيار على لغة واحدة أو على لغتين على أكثر تقدير، تكون هي لغة البيانات أو المذكّرات المكتوبة، والمرافعات الشفهية، ولغة القرار الذي تتخذه هيئة التحكيم. وإذا لم يتم الاتفاق بين الأطراف على لغة التحكيم، ولم تقرِّر هيئة التحكيم اللغة أو اللغات المُستخدمة من عملية التحكيم، فإنّ التحكيم يجري باللغة العربية.

وتكمن مُشكلة جريان التحكيم باللغة العربية، في العقود الدولية أو ذات العنصر الأجنبي، عندما لا يتوافر الإلمام الكافي بها لدى هيئة التحكيم التي يختارها المُحتكمون. ولكن هذا لا يمنع من أن تقرِّر هذه الهيئة ترجمة كل وثائق التحكيم إلى اللغة أو اللغات التي تستخدمها.

ولذلك فإنه ينبغي على من يتم اختيارهم كهيئة تحكيم التيقّن من لغة التحكيم، ومن اتقانهم لها، وإلاّ عليهم الاعتذار عن قبول مهمة التحكيم، تجنباً لعرقلتها، لأنّ لغة التحكيم تكون هي وسيلة التواصل بين المُحكِّمين بعضهم ببعض، وبينهم وبين أطراف النزاع. ولا يسعف المُحكِّم أن يطمئن بأنّ المُحكّمين الآخرين على إلمام بلغة التحكيم، كما لا يسعفه الاستعانة بُمترجم، لأنّ هذا المُترجم نفسه قد يكون غير مُتخصص، ويخفق في ترجمته بعض المُصطلحات الفنية، ناهيك عن احتمال عدم حياديته حينما يقوم بهذه الترجمة، خاصة وأنه يقوم بذلك بدون أداء اليمين.

 

المبحث الرابع- عدم توافق الآلية النظامية لتنفيذ أحكام التحكيم مع المقاصد المرجوَّة منه:

إنّ إصدار الحكم التحكيمي لا يُعتبر نهاية المطاف في العملية التحكيمية، التي ينبغي أن تنتهي باقتضاء الحقوق المُتنازع عليها، وحصول كل ذي حق حقه، وهذا لن يأتي إلاّ بوضع هذه الأحكام التحكيمية موضع التنفيذ، فتنفيذها هو الثمرة المرجوة منها .

ومن هنا فإنّ تنفيذ الحكم التحكيمي يتّسم بالأهمية لأنّ عدم تنفيذه يؤدي إلى إفراغ عملية التحكيم من مضمونها، إذ أنه لا فائدة من عملية تحكيم، يتحمّل المُحتكمون خلالها المشقَّة والمُعاناة، ثم لا يتمكّنون من تنفيذ الحكم الصادر في نهايتها. وقد أوجز الفاروق عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، هذا الأمر في رسالته إلى أبي موسى الأشعري التي يوصيه فيها بالقضاء، بقوله له: بأنه لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ به. وبالتالي، فإذا اعترضت تنفيذ الأحكام التحكيمية أي عقبات، فإنّ ذلك من شأنه أن يدفع بالخصوم إلى الأحجام عن اللجوء إلى التحكيم .

وعلى الرغم من الجهود التي بذلها المُنظّم السّعودي لضمان سّرعة تنفيذ الأحكام التحكيمية وتحقيق العدالة الناجزة، والتي توجّت بإصدار نظام التنفيذ الحالي بالمرسوم الملكي رقم (م/53) وتاريخ 13/08/1433هـ، والذي تضمّنت المادة (9) منه اختصاص قاضي التنفيذ بمُهمّة تنفيذ أحكام المُحكِّمين المُذيَّلة بأمر التنفيذ وفقاً لنظام التحكيم، إلاّ أنّ الواقع العملي كشف عن أنّ قضاء التنفيذ لم يصل في هذا المجال إلى ما هو مأمول منه، نتيجة لقلَّة الالمام بطبيعة التنفيذ، والاهتمام بالجوانب الشكلية والإجرائية والتي من شأنها إطالة أمد إجراءات التنفيذ.

وللتدليل على ذلك، فإنه يمكن القول بأن الآلية التي وضعها المُنظّم السّعودي لتنفيذ أحكام التحكيم تبدو غير متوافقة مع غايات ومقاصد التحكيم وتؤدي إلى إبطاء تنفيذ هذه الأحكام. حيث أنه باستقراء ما ورد في نظام التحكيم بشأن تنفيذ أحكام المُحكِّمين، نجد أنه على الرغم من كون هذا النظام يعترف بالتحكيم كطريق بديل لفضّ المُنازعات، إلاّ أنه يفيد بعدم إمكانية تنفيذ حكم التحكيم جبراً عن إرادة المحكوم عليه، إلاّ من خلال اتّباع عدة إجراءات مسبقة تنتهي بصدور قرار قضائي يجيز تنفيذ هذا الحكم .

فقد تضمّن الباب السابع من نظام التحكيم الأحكام والقواعد المُتعلّقة بكيفية تنفيذ أحكام التحكيم، ومن ضمنها القاعدة الأساسية التي تقضي بأنّ حكم التحكيم لا يقبل التنفيذ الجبري، إلاّ بعد أن يحوز "قوة النفاذ"، وهي القاعدة التي قرّرتها المادة (52) من نظام التحكيم، ومُفادها أنّ حكم التحكيم الصادر طبقاً لهذا النظام يحوز حجية الأمر المقضي به، ويكون واجب النفاذ. وقوة النفاذ التي يتم إسباغها على حكم التحكيم، قد تتحقّق بطريق أصلي أو بطريق تبعي.

فالمادة (53) من نظام التحكيم، تقضي بأنّ الأمر بتنفيذ حكم التحكيم يصدر من المحكمة المختصة، وذلك من خلال طلب يتقدَّم به إليها من صدر هذا الحكم لصالحه. وهذا هو الطريق الأصلي للحصول على الأمر بتنفيذ حكم تحكيم بمقتضى طلب مُستقل.

ويجب أن يتم تقدَّيم هذا الطلب كتابةً الى المحكمة المختصة، والتي تم تعريفها بمقتضى المادة (8) من هذا النظام، بأنها محكمة الاستئناف المُختصّة بنظر النزاع، وإذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواءً جرى بالمملكة أم خارجها، فيكون الاختصاص لمحكمة الاستئناف المختصة أصلاً بنظر النزاع في مدينة الرياض، ما لم يتفق طرفا التحكيم على محكمة استئناف أخرى في المملكة. ويجب أن يرفق بهذا الطلب الآتي:

1-     أصل الحكم التحكيمي، أو صورة منه مُصدَّقة.

2-     صورة طبق الأصل من اتفاق التحكيم.

3-     ترجمة لحكم التحكيم إلى اللغة العربية، مُصدَّق عليها من جهة مُعتمدة إذا كان صادراً بلغة  أخرى.

4-     ما يدلّ على إيداع الحكم لدى المحكمة المختصة وفقاً للمادة (44) من هذا النظام.

وتنصّ المادة (44) على أنه: "تودع هيئة التحكيم أصل الحكم، أو صورة موقّعة منه

باللغة التي صدر بها لدى المحكمة المُختصة، وذلك خلال مدة (15) خمسة عشر يوماً من

تاريخ صدوره، مع ترجمة باللغة العربية، مُصدَّق عليها من جهة مُعتمدة إذا كان صادراً بلغة أجنبية".

ولم يحدِّد النظام مُدةّ مُعيّنة لتقديم طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم إلى المحكمة المُختصة. وتنظر هذه المحكمة في الطلب المُقدَّم إليها من خلال مراجعة ملف الدعوى التحكيمية، دون عقد جلسات يُدعى الخصوم الى حضورها، وتتمتّع المحكمة المُختصة بسّلطة تقديرية في ما يتعلق بتحديد الوقت اللازم لإصدار الأمر بالتنفيذ، لعدم وجود نص نظامي يلزمها بمُدّة مُعيّنة لإصداره.

وتجدر الإشارة إلى أنّ محكمة الاستئناف التي يقدَّم إليها طلب الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، لا تنظر في هذا الطلب بصفتها "محكمة طعن"، وإنما بصفتها محكمة تم تخويلها اختصاصاً خاصاً بموجب نظام التحكيم، لكي تُسبغ على هذا الحكم قوة النفاذ.

وطبقاً للفقرة (2) من المادة (55) من هذا النظام، فإنه لا يجوز لهذه المحكمة إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم إلاّ بعد التحقق من الآتي: أولاً أنه لا يتعارض وحكم أو قرار صادر من محكمة أو لجنة أو هيئة لها ولاية الفصل في موضوع النزاع في المملكة العربية السعودية، وثانياً أنه لا يتضمّن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة، وإذا أمكن تجزئة الحكم في ما يتضمّنه من مخالفة، جاز الأمر بتنفيذ الجزء الباقي غير المُخالف، وثالثاً أنه قد أُبلغ للمحكوم عليه إبلاغاً صحيحاً.

والأحكام المتقدَّمة تتعلق بكيفية الحصول على الأمر بتنفيذ حكم التحكيم بناءً على طلب أصلي يقدَّم إلى المحكمة المُختصة، ولكن يمكن أيضاً الحصول على ذلك الأمر بصورة تبعية، أي دون حاجة لتقدَّيم طلب مُستقل للحصول على هذا الأمر بالتنفيذ. وقد عالجت المادتان (49) و(50) من نظام التحكيم هذه الصورة. فالمادة (49) تنص على أنه: "لا تقبل أحكام التحكيم، التي تصدر طبقاً لأحكام هذا النظام، الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن، عدا رفع دعوى بطلان التحكيم وفقاً للأحكام المبيَّنة في نظام التحكيم".

أما المادة (50) فتقضي في فقرتها (1) بأنه: "لا تقبل دعوى بطلان التحكيم إلاّ في الأحوال الآتية:

 أ-     إذا لم يوجد اتفاق أو كان هذا الاتفاق باطلاً أو قابلاً للإبطال أو سقط بانتهاء مدّته.

ب-    إذا كان أحد طرفي التحكيم، وقت إبرامه، فاقد الأهلية أو ناقصها، وفقاً للنظام الذي يحكم أهليته.

ج-     إذا تعذّر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين مُحكِّم أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته.

د-     إذا أستبعد حكم التحكيم أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع.

هـ-    إذا شُكِّلت هيئة التحكيم أوعيَّن المُحكمون على وجه مُخالف لهذا النظام أو لاتفاق الطرفين.

و-     إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم.

ز-     إذا لم تُراعِ هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثَّر في مضمونه، أو استند الحكم الى إجراءات أثَّرت فيه".

وطبقاً للنص المُتقدَّم فإنه إذا توافرت إحدى الحالات المُشار إليها أعلاه، فإنّ المحكوم عليه يمكنه أن يطلب إبطال حكم التحكيم. وتقضي المحكمة المُختصة التي تنظر دعوى البطلان، من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا ما تضمّن ما يُخالف أحكام الشريعة الإسلامية، والنظام العام في المملكة، أو ما يُخالف ما اتفق عليه طرفا التحكيم، أو إذا وجدت المحكمة المُختصة أنّ موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب النظام. (الفقرة "3" من المادة "5" من النظام).

وتنظر هذه المحكمة في دعوى البطلان في الحالات المشار إليها في النص المُتقدِّم دون أن يكون لها فحص وقائع موضوع النزاع. (الفقرة "4" من المادة "50" من النظام). وترفع دعوى البطلان من أي من طرفي التحكيم، خلال (60) الستين يوماً التالية لتاريخ إبلاغ ذلك الطرف بالحكم التحكيمي. (الفقرة "1" من المادة "51" من نظام التحكيم).

وطبقاً للفقرة (2) من المادة (51) من النظام، فإنه إذا حكمت المحكمة المُختصة بتأييد حكم التحكيم، فإنه يجب عليها أن تأمر بتنفيذه، ويكون حكمها في ذلك غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طريق الطعن، وبالتالي فإنه الحكم الصادر بتأييد حكم التحكيم يتضمّن كذلك بالتبعية، الأمر بتنفيذه، في نفس الدعوى بطلب بطلانه. أما إذا حكمت المحكمة المُختصة ببطلان حكم التحكيم، فإنّ حكمها بذلك يكون قابلاً للطعن فيه خلال (30) ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ.

ويتّضح ممّا تقدَّم، أنه في حالة إصدار المحكمة المُختصة الأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي، سواءً كان هذا الحكم قد قدَّم إليها بصورة أصلية بطلب مُستقل، أو بصورة تبعية في إطار دعوى ببطلانه، فإنّ الأمر الصادر بتنفيذه يكون غير قابل للطعن فيه، وذلك باعتبار أنّ الأصل هو صحة الحكم التحكيمي، ويكون قرار المحكمة المُختصة بتأييده حائلاً دون السماح بالطعن فيه.

وفي حالة رفض المحكمة المُختصة إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، سواءً قدَّم إليها هذا الحكم بصورة أصلية أو بصورة تبعية، فإنه يجوز التظلم منه إلى الجهة المُختصة خلال (30) ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره. ونصّت على ذلك الفقرة (3) من المادة (55) من نظام التحكيم بقولها: "لا يجوز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، أما إذا رفض الأمر بالتنفيذ، فإنه يجوز التظلّم منه إلى الجهة المُختصة خلال (30) ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره".

وقد حدّدت المادة (11) من نظام القضاء، الصادر بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (303) وتاريخ 19/09/1428هـ، هذه الجهة المُختصة بنظر هذا الطعن، وهي المحكمة العليا المنصوص عليها في المادة (10) من هذا النظام.

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أنّ الفقرة (3) من المادة (55) من نظام التحكيم، المشار إليها آنفاً قد استخدمت مُصطلح "التظلّم"، باعتباره طريقاً للاعتراض على رفض إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم، ولم تستخدم المُصطلح الدارج في هذا الصدد، وهو مصطلح "الطعن"، على الرغم من أنّ مصطلح "الطعن" قد تم استخدامه في الفقرة (3) من المادة (51) من نظام التحكيم، والتي مضت الإشارة إليها آنفاً.

ويُستفاد من مُجمل النُصوص المُتقدّمة. أنه على الرغم من أنّ الحكم التحكيمي صادر عن عمل اتفاقي يستمد قوته من اتفاق الأطراف، إلاّ أنّ النظام يتطلّب تدخل القضاء لإعطاء الصيغة التنفيذية على الحكم التحكيمي، بإصدار الأمر بتنفيذه. ومن ثم فإنّ ما أراده المُنظّم السّعودي، من خلال تنظيمه آلية تنفيذ أحكام التحكيم، هو تحقيق الرقابة القضائية عليها بعد صدورها من الهيئة التحكيمية، بمعنى أنّ حكم التحكيم وحده لا يصلح كسند للتنفيذ الجبري على المحكوم عليه، وأنّه لا ينفّذ بصفته حكماً تحكيمياً وإنما بصفته حكماً قضائياً، وهذا الحكم القضائي وحده هو الذي يمنحه قوة النفاذ .

وهذه الآلية لا تتواءم مع مقاصد التحكيم كطريق معتمد لفضّ المُنازعات، وهي السرعة في إنهائها وإعادة الحقوق الى أصحابها على نحو يُساهم في تحقيق استقرار المُعاملات في البيئة التجارية. وهذا لا يتأتى إلاّ إذا تم منح أحكام التحكيم قوة نفاذ ذاتية، وإيجاد آلية أكثر يسراً وسهولة لتنفيذها، تقلِّل قدر الامكان من تدخّل الدولة في العملية التحكيمية، وتساهم في تشجيع المُتنازعين على إجراء التحكيم على اقليمها، ووفقاً لقوانينها وأنظمتها، مما سوف ينعكس إيجاباً على مصالح المملكة الاقتصادية، ويجعلها دولة مضيفة للتحكيم وليست طاردة له.

وأخيراً فإنّه مهما كانت النتائج التي يتمخّض عنها تقييم الآلية النظامية لتنفيذ أحكام التحكيم، فإنّ ذلك لا ينبغي أن يقلِّل من تقديرنا لقيمة الجهد الذي بذله المُنظِّم السّعودي لتطوير نظام التحكيم والدفع به قُدماً إلى الأمام، وهذا أمر واضح البيان بمقارنته النظام القائم بالنظام السابق. ولا شك أن في الاستمرار في هذا الجهد سوف يساهم في جعل المملكة بيئة جاذبة للتحكيم.

 

المبحث الخامس- القصور التشريعي للأنظمة التجارية السّعودية المُرتبطة بالتحكيم والحاجة إلى تحديثها:

إنّ من ضمن المُشكلات العملية التي من شأنها عُزوف المُتنازعين عن اللجوء إلى التحكيم السّعودي، تتمثّل في عدم تحديث الأنظمة الأخرى المُرتبطة بالتحكيم بالشكل الذي يتناسب والتطوّر المطّرد في الحياة الاقتصادية والتجارية في المملكة، والذي يستلزم مواكبة هذه الأنظمة لرؤية السّعودية "20/30". وتحديث هذه الأنظمة خاصة المرتبطة منها بالتحكيم، سوف تكون له أبعاد اقتصادية كبيرة على الوضع المأمول للمملكة لكي تُصبح دولة مضيفة للتحكيم.

والواقع أنّ بعض أنظمة المملكة المرتبطة بالتحكيم بصفة خاصة، تُعاني من عدم قدرتها على مُسايرة التطور الحاصل في أنظمتها الأخرى، وأيضاً في كافة النظم القانونية المقارنة. فليس بخافٍ أنه ما زالت هناك أنظمة مُطبقة مرّ عليها ما يقرب من نصف قرن من الزمان، مما جعلها عاجزة عن جبه العديد من المشاكل الاقتصادية المُستجدة. وإذا كانت هناك جهود حثيثة تبذل في هذا الشأن في السنوات الأخيرة إلاّ أنّ الخطوات المبذولة ما زالت تتسم بالبطء، خاصة في ما يتعلق بالأنظمة التجارية.

ولعلَّ المحاولات التي قام بها منتدى الرياض الاقتصادي  في دورته الرابعة خلال الفترة من 20 ديسمبر - 22 ديسمبر عام 2009م، قد جاءت في إطار تلك الجهود، حيث انصبّت الدراسات في هذه الدورة على وجوب تطوير الأنظمة التجارية في المملكة وتحديثها. وجاءت توصيات دراسة الأنظمة التجارية السّعودية على النحو الآتي:

1-     ضرورة توحيد الأنظمة التجارية تحت نظام تجارة مُوحّد، وتضمينه الأحكام الواردة في الأنظمة المعمول بها حالياً ذات الصلة بالنشاط التجاري، وبعض الأحكام للأنشطة التجارية غير المُنظّمة في المملكة. وتحديث الأحكام الواردة في هذه الأنظمة، وإزالة أي تضارب أو تعارض بينها.

قد جاء في مبرِّرات هذه التوصية، أنّ الأنظمة التجارية بالمملكة متناثرة، ويوجد في بعضها نواقص وقصور تشريعي، وهي أنظمة قديمة وتحتاج الى تحديثها. وأنه لا توجد مُدَّونة مدنية كمرجعية للأنظمة التجارية بالمملكة.

2-     تطوير نظام القضاء التجاري وتحديثه من خلال نشر الأحكام والقرارات ذات العلاقة بالمُنازعات التجارية، ومنح المحاكم دوراً أكبر من تنفيذ الأحكام بما يكفل وصول الأشخاص إلى حقوقهم بسرعة ويسر.

وجاء في مبرّرات هذه التوصية، أن هناك بطأً في التقاضي في المُنازعات التجارية، بالإضافة إلى عدم نشر أحكام القضاء التجاري، وعدم توافر تنظيم للتعاملات التجارية الإلكترونية، وطول وتعقيد الإجراءات أمام المحاكم التجارية.

3-     وجوب إصدار نظام مُستقل للتحكيم التجاري، ليواكب المُستجدات الاقتصادية وليتوافق مع الأنظمة الدولية الجديدة، بما يُفعِّل التحكيم المؤسسي، ويُعزِّز قرارات هيئات التحكيم.

وجاء في مُبرّرات هذه التوصية، عدم مواكبة نظام التحكيم التجاري للمستجدات الاقتصادية والأنظمة العدلية الجديدة، والاتفاقيات الدولية ونقص خبرات ومهارات المُحكّمين، وغياب ثقافة التحكيم.

وقد تعاقبت دورات منتدى الرياض الاقتصادي، وصولاً إلى الدورة السابعة عام 2015م، والتي تناولت ضمن موضوعات الدراسة فيها، تطوير المنظومة القضائية، وعناصر القوة، ومجالات التطوير والتحفيز فيها، وأثر ذلك في الاقتصاد الوطني. وتمّت التوصية خلالها بسرعة تنفيذ ما ورد في نظام القضاء وآليته التنفيذية من مباشرة قضاء الاستئناف لأعماله، ونقل القضاء التجاري من ديوان المظالم إلى القضاء العام، وإنشاء المزيد من المحاكم المُتخصصة، ومن أهمها المحكمة العقارية، والمحكمة المالية، وأهمية مراجعة الأنظمة القضائية عموماً وتحديثها بشكل مُستمر، خصوصاً في ما يتعلق بمُعالجة الفراغات التشريعية، وتنازع الاختصاص، وحقوق المُستفيدين، والتأكد من عدم تعارض اللوائح التنفيذية لأنظمتها، بالإضافة إلى دعم المركز السّعودي للتحكيم التجاري بالكوادر والوسائل التي يحتاج إليها، لكي يُسهم في حل المُنازعات دون اللجوء إلى القضاء العادي.

وسوف تعقد الدورة الثامنة لهذا المنتدى خلال شهر نوفمبر 2017م للتأكيد على ضرورة الاستمرار في استعراض القضايا الاقتصادية وتفعيلها وتبنِّي الاقتراحات والتوصيات التي تسهم في تحديث الأنظمة التشريعية في المملكة، بما يحقِّق الرؤية المستقبلية للملكة "20/30".

وقد أحسن المُنظّم السّعودي صُنعاً بتجاوبه مع هذه التوصيات، وإن لم تأتِ هذه الاستجابة بالقدر الكافي لتغطية التوصيات التي خرجت خلال دورات مُنتدى الرياض الاقتصادي، فقد صدر نظام الشركات التجارية بمُقتضى المرسوم الملكي رقم (م/3) وتاريخ 28/01/1437هـ، والذي استحدث الكثير من الأحكام، كان من أهمها إنشاء لجان المراجعة بالنسبة للشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة، وأيضاً صدور نظام هيئة السوق المالية، والذي سمح للشركات والمؤسسات الأجنبية بالاستثمار في سوق الأوراق المالية السّعودي وفق ضوابط مُعيَّنة. وكل ذلك يمثل خطوات إيجابية نحو الخروج من أزمة قدم الأنظمة.

 

المبحث السادس- عدم تدوين الأحكام التحكيمية ونشرها:

إن تدوين الأحكام التحكيمية ونشرها للكافة من خلال المدوّنات العدلية، يُرسّخ مبدأ الاعتداد بالسوابق القضائية، ويساهم بشكل فاعل في خدمة العملية التحكيمية، لكونه يساعد في إيضاح ما استقرّت عليه الأحكام التحكيمية في قضايا التحكيم المختلفة، إلى جانب اختصار الوقت وتخفيف الجهد على المُحكّمين، ولما في ذلك من تدعيم الوعي بالتحكيم ومقاصده وغاياته، وتحقيق مبدأ الشفافية، فضلاً عن الجوانب التطبيقية للجهات المعنية بدراسات التحكيم، ولا سيما الجهات الأكاديمية والمراكز التحكيمية وغيرها. ويؤدي تدوين الأحكام التحكيمية ونشرها دوراً كبيراً في رفع مستوى البيئة القانونية لأي مجتمع مدني معاصر على كافة الصعد القانونية والفقهية والأكاديمية والمهنية .

بالإضافة إلى أنّه يُساعد المُتنازعين الوطنيين والأجانب على توقًع الأحكام التحكيمية في قضاياهم، ومعرفة مراكزهم القانونية فيها، ويُساهم كذلك في تحقيق الاطمئنان النفسي لدى المُتنازعين بالنسبة الى طبيعة المنظومة التحكيمية وإتسام أحكامها بالشفافية والعدالة.

ولقد كان للمنظِّم السّعودي فضل السبق في مجال تدوين الأحكام القضائية، بالنص في المادة (21) من نظام ديوان المظالم، على تدوين الأحكام القضائية مبيَّناً أنه تم اسناد هذه المهمة إلى مكتب الشؤون الفنية، والمُشكَّل من عدد من قضاة الديوان ممن لهم باع وخبرة، والمدعوم بالكفاءات البحثية والفنية. وكان من نتاج هذا التدوين، أنه تم إصدار سبع مجموعات تعنى بالمبادئ والأحكام التي صدرت عن محاكم الديوان.

ويصبح من الضروري العمل على تدوين الأحكام التحكيمية ونشرها، وذلك قياساً بما تم بالنسبة لأحكام ديوان المظالم، وذلك تحقيقاً للجوانب الإيجابية التي أشرنا إليها آنفاً، وأخذاً في الاعتبار أنّ غياب التدوين والنشر يُمثِّل عقبة كبيرة أمام المُتنازعين في ظل صعوبة إلمامهم بطبيعة الأحكام التحكيمية، وبمدى عدالتها.

 

خاتمـة:

إنّ ما تم استعراضه في هذا البحث من أسباب العُزوف عن التحكيم السّعودي وتفضيل المُتنازعين اللجوء إلى التحكيم الأجنبي، هو غيض من فيض. وقد اكتفينا بإلقاء الضوء على ما نعتقد أنها أسباب يمكن علاجها، وهو الأساس الذي انطلقنا منه في سبيل سبر أغوار هذه الأسباب من أجل جمع المعلومات والحقائق التي يمكن أن تشكّل نقطة بدء لعلاجها، وتوسيع دائرة الآفاق والمعرفة حول أسباب العُزوف عن التحكيم، قبل أن يتحول إلى ظاهرة يصعُب علاجها.

فيمكن تفعيل نظام التحكيم السّعودي وعلاج ما يوجد فيه حالياً من ثغرات يُمكن تلافيها، وذلك على نحو يحقق غاية المُنظّم السّعودي في تحقيق العدالة الناجزة في مجال التحكيم، ويجعل من المملكة العربية السّعودية بيئة جاذبة للتحكيم. فزيادة عدد المُحكِّمين السّعوديين ورفع كفاءتهم المهنية لإدارة العملية التحكيمية، هو أمر ليس صعب المنال، وذلك عن طريق التوسّع في مراكز تدريب المُحكِّمين، وزيادة الوعي بالتحكيم السّعودي لدى المُحكِّمين والمُحتكمين على حد سواء. وإزالة العوائق التي تواجه سير إجراءات التحكيم، سواء بالنسبة لمراحل سير العملية التحكيمية أو بالنسبة لآلية تنفيذ الأحكام التي تصدر عن هيئات التحكيم، يؤدي إلى توافق التحكيم السعودي مع المقاصد والغايات المرجوة منه.

ولا بدّ أيضاً من مُتابعة تنفيذ التوصيات التي تصدر عن مُنتدى الرياض الاقتصادي في دوراته المتعاقبة، والتي تصبّ في خانة تحديث الأنظمة التجارية السّعودية المرتبطة بالتحكيم، بما ينعكس إيجابياً على تطوير العملية التحكيمية وتحفيز المُتنازعين على اللجوء إلى التحكيم السّعودي. وأخيراً فإنّه إذا كان المُنظِّم السّعودي قد نجح في ترسيخ مبدأ تدوين أحكام ديوان المظالم، فإنّ هذا يجب استكماله بتدوين أحكام التحكيم أيضاً، لزيادة الوعي بالتحكيم ومقاصده.

فما زالت الأحكام التحكيمية نادرة وقليلة، ويتعذر الحصول عليها، وهو ما يشكِّل سبباً لعُزوف المُتنازعين الوطنيين والأجانب عن اللجوء إلى تحكيم لا يتوافر لديهم الإلمام بمضامين أحكامه، ولا يعلمون شيئاً عن مدى عدالتها، ومدى اتساقها مع الأحكام الصادرة عن التحكيم الأجنبي. إنّ علاج هذه الأسباب ليس بالأمر الصعب، إذا ما تم نشر ثقافة التحكيم، وإنشاء مراكز للتحكيم التجاري السّعودي، وإعداد الدورات التدريبية لتدريب وتنمية مهارات المُحكِّمين، فضلاً عن ضرورة تفعيل دور الغرف التجارية السّعودية في نشر ثقافة التحكيم بين التجار.

وهذا ما تيسر لنا استعراضه من أسباب العُزوف عن التحكيم السّعودي، وهي بذاتها أسباب تفضيل اللجوء إلى التحكيم الأجنبي، ولعلَّ ذلك يفتح المجال للباحثين عن علاج لهذه الأسباب، بالانطلاق من هذا البحث والبدء من حيث انتهي.