التحكيم / التحكيم الوطني والتحكيم الدولي / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / جواز التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي
يتضح أيضا مـن نـص المادة الأولى والتي نحن بصددها أن المشرع المصرى يوجـب سريان أحكام هذا القانون على:
( أ ) التحكيم الداخلي وهو بالضرورة يجري في مصر.
ويعتبر سريان أحكام القانون الجديد على التحكيم الداخلي خطوة تقدمية كبيرة للارتقاء بالقواعد التشريعية التي تسرى على التحكيم الداخلي والتي سببت مـن قبـل كثيرا من المشاكل ووقفت حجر عثرة في سبيل حل الخلافات التجارية المحلية عن طريق التحكيم.
(ب) التحكيم التجاري الدولي وفقا لمعيار دولية التحكيم المنصوص عليه في (المادة 3) من هذا القانون ولو كان هذا التحكيم يجرى في مصر.
وهذه المسألة المستحدثة كان الهدف منها هو تشجيع وجذب الاستثمارات الوطنية داخل مصر.
(ج) التحكيم التجاري الدولي وفقا للمعيار القانوني المنصوص عليه في (المادة 3) من قانون التحكيم الجديد اذا كان التحكيـم يـجـرى في الخارج بشرط أن يتفق أطرافه على اخضاعه لهذا القانون. اذ أنه في هذه الحالة لا يسرى هذا القانون وجوبيا وانما يسرى باختيار واتفاق أطراف التحكيم.
ومن الأصول الايجابية الأولى للقانون المصرى الجديد الاعتراف بالتحكيم الدولي كسلوك متطور اكتسح عالم المعاملات في النصف الثاني من هذا القرن.
التحكيم الدولي يجب أن يكون تجارياً
قد لاحظنا على نص المادة الأولى أن المشرع حدد لنا طبيعة التحكيم الدولي واشترط أن يكون تجاريا، بينما لم يحدد لنا طبيعة التحكيم الداخلي، وأمام هذا العموم فيجوز أن يكون التحكيم الداخلي مدنيا أو تجاريا أو يجرى بخصوص عقد إداري ويبدو أن سبب ذلك يرجع لحالة التزاوج - على حد قول أستاذنا د. محسن شفيق – التي تمـت بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي مع اختلاف طبيعة كل منهما عن الأخرى.
ومن المعلوم أن قانون التحكيم المصرى الجديد يسرى على المنازعات التجارية الدولية ويثور هنا سؤال هل يمكن تطبيق أحكام القانون المصرى على نزاع مدني نشأ في دولة أخرى؟ كأن يكون النزاع بخصوص عقار في لندن أو باريس أو أي دولة خارج جمهورية مصر العربية اذا اتفق أطرافه على اخضاع هذا التحكيم الى القانون المصرى؟
ونتفق مع د. أكثم الخولي فيما ذهب اليه بالنسبة للمسألة المطروحة حيث لا يتخيـل مـدى الصعوبات البالغة المترتبة على هذا القصر والغموض الذي قد يحيط به. فالنص الوارد في المادة الأولى من هذا القانون والذي يقول انه يمكن تطبيق القانون المصري على التحكيم الذي يجرى في الخارج اذا اتفـق أطرافـه علـى ذلـك اذا كـان التحكيـم تجاريـا دوليا هو في الواقـع نـص قد يثير الجدل .
ومع ذلك نقول ان تعريف التجارية في قانون التحكيـم الجديـد يـجـاوز الحدود التي رسمها قانون التجارة للأعمال التجارية في المعاملات التجارية الداخلية، ولم يعد هناك تمييز بين ما هو تجاري وما هو مدني، لذا يجوز أن يخضع النزاع الذي محله عقار مثلا في أحد شوارع لندن أو باريس أو.... لقانون التحكيم الجديد اذا اتفق أطرافه على ذلك.
واذا كان القانون المصرى الجديد يجرى على كل تحكيم في مصـر سـواء كـان داخليا أو دوليا وعلى كل تحكيم تجارى دولي يجرى في الخارج اذا اتفق أطرافه على اخضاعه للقانون المصري، الا أن القانون النموذجي يسرى على التحكيم التجاري الدولي فقط، وقد ترك لكل دولة أن تضع ا القواعد التي تراها بشأن التحكيم الداخلي (المادة الأولى) منه، وكذلك يختلـف القانون المصرى عن القانون النموذجي حيث ان القانون الأول يسرى على أي تحکیم تجاری دولى يجرى في الخارج اذا اتفق أطرافه على اخضاعه لأحكام هذا القانون، بينما تتعلق أحكـام القـانون النموذجي بالتحكيم التجاري الدولي الذي يتم على اقليم الدولة التي اعتمدته ولا يتضمن حكما يتعلق بسريانه خارج تلك الدولة.
أهمية التفرقة بين التحكيم الداخلي والدولي في القانون المصري الجديد
تظهر أهمية التفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي بسبب تحديد المحكمة التي تختصر بنظر المسائل التي يحيلها قانون التحكيم الى القضاء المصرى فمقتضى (المادة 9) من قانون التحكيم الجديد تختص بنظر هذه المسائل، في التحكيم الداخلي، المحكمة المختصة املا غر النزاع المطروح على التحكيم، أما اذا كان التحكيم دوليا، سواء جـرى في مصر أو في خارجها فيصبح الاختصاص في هذه الحالة لمحكمة استئناف القاهرة مـا لـم يتفق طرفا التحكيـم علـى اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر.
وكذلك حالة نظر دعوى بطلان التحكيم، تختص محكمة استئناف القاهرة بنظر دعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي، بينما يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع بالنسبة للتحكيم الداخلي (المـادة ٢/٥٤) من قانون التحكيـم الجديد.
وتظهر أيضا أهمية التفرقة بين التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي حيث يشترط المشرع المصرى بالنسبة للتحكيم الأخير اتفاق أطرافه على اخضاعه للقانون المصرى حتى يفيـدوا من هذا القانون (المادة الأولى) منه.
ويبدو أن المشرع عندما فرق بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي من جهة المحكمة المختصة بنظر المسائل التي يحيلها القانون الى القضـاء العـادي عملا بنص (المادة ٩) من هذا القانون، تفرقة وميزة أعطاها المشرع للتحكيم الدولي وهي تفرقة لهـا مـا يبررهـا مـن حيـث الضمانات التي يقدمها المشرع للتحكيم الدولي وكذلك ترغيباً للأطراف أن يعقدوا جلسات التحكيم في مصر وهو هدف أصبحت غالبية الدول تتوخاه عند سن قوانين التحكيم الدولي بها.
ومن جهة أخرى يرى الدكتور أكثم الخولي تضاؤل أهمية التفرقة بين التحكيم الوطني أي الداخلي والتحكيم الدولي في قانون التحكيم المصرى الجديد فيقول "ان من مظاهر عمومية أحكـام القانون الجديد واتساع نطاق تطبيقه يتجلى ذلك في أن القانون لم يوجد نظامين قانونيين منفصلين أحدهما للتحكيم الداخلي والآخر للتحكيم الدولي كما هو الحال في القانون الفرنسي لسنة ١٩٨١، والبلجيكي لسنة ١٩٨٥ والسويسري لسنة ١٩٨٩ بل تنطبق أحكام القانون المصرى الجديد – مع فروق محدودة ومثيرة للجدل - على نوعي التحكيم الداخلي والدولي . وبغض النظر عن مدى سلامة هذه التفرقة بين نوعي التحكيم بشأن المحكمة المختصة – وهـي فـي رأينا تفرقـة منتقـدة - فانه لا يوجد فوارق أخرى موضوعية في القانون الجديد بين التحكيم الداخلي والتحكيم التجاري الدولي. وازاء هذا التوحيد الكامل في الأحكام الموضوعية بين نوعي التحكيم الدولي وغير الدولي يكون لنا أن نتساءل: لماذا أجهد واضعو القانون أنفسهم في تعريف التحكيم التجاري الدولي في (المادتين ۲و۳) من القانون اقتداء بقانون الانسـترال الموحد وذلك رغم ضآلة الأهمية العملية للتفرقة بين النوعين واقتصار الفارق على تعيين المحكمة المختصة؟ لقـد كـان منطق العمومية والتوحيد في الأحكـام بـيـن النوعين يقتضى اغفال التفرقة بين النوعين كليـة وتوحيد المحكمة المختصة . أما أن يجهد الباحثون ورجال الأعمال أنفسهم في التفرقة بين نوعي التحكيم الداخلي والدولي وذلك لمجرد تعيين المحكمة المختصة – وقد تكون محكمة استئناف مصرية في الحالتين - فهذا وضع يحتاج الى تعديل .