التحكيم / التحكيم الوطني والتحكيم الدولي / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في المنازعات التي تكون الدولة طرفا فيها (في النظامين السعودي والمصري) / التحكيم في العقود الداخلية والأجنبية
يعد التحكيم الدولي وسيلة لفض المنازعات المتصلة بالتجارة الدولية بغض النظر عن مكان إجراءات التحكيم، إذ قد يعد التحكيم دولياً بالنسبة لذات الدولة التي يجري فيها التحكيم متى كان يتعلق بالتجارة الدولية.
وقد يكون التحكيم أجنبياً ولكنه ليس تحكيماً دولياً، إما لعدم ارتباطه بالتجارة الدولية أو لعدم توافر معيار الدولية الذي يتضمنه تشريع الدولة بشأن التحكيم التجاري الدولي.
إذن التحكيم الأجنبي لا يكون مرادفاً للتحكيم الدولي، فليس كل تحكيم أجنبي يكون دولياً، كما أن التحكيم قد يكون دولياً بالرغم من أنه أجرى في ذات الدولة التي يتم فيها تنفيذ الحكم.
ويعتمد القانون المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على المعيار الجغرافي وهو المعيار الاقتصادي، حيث يكون التحكيم وفقاً له دولياً إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية، إذ تنص المادة الثالثة منه على أن: "يكون التحكيم دولياً في حكم هذا القانون إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية".
ومن ثم فإن الباحث يرى قصر استخدام مصطلح الأجنبي على حكم التحكيم الصادر خارج مصر، ونستخدم مصطلح التحكيم الدولي على العلاقة القانونية التي يتوافر في شأنها ضابط الدولية المشار إليه في القانون واجب التطبيق، فمثلاً في مصر يعد التحكيم دولياً إذا توافر في شأنه المعيار المختلط أو المزدوج التي أخذ به قانون التحكيم المصري على تفصيلاً لاحق.
وقد قيل - وبحق – أن اي تحكيم يجرى خارج مصر، ولا يخضع لأحكام القانون المصري، فإن هذا التحكيم لا يعني النظام القانوني المصري في شيء، اللهم إلا إذا كان الحكم الصادر في شأنه يراد تنفيذه في مصر، فنكون هنا بصدد حكم تحكيم أجنبي يتم تنفيذه فيها، ويتم ذلك وفقاً لأحكام اتفاقية نيويورك المعمول بها في مصر بمقتضى القرار الجمهوري رقم ۱۷۱ لسنة ١٩٥٩ . لأن هذه الاتفاقية تطبق في شأن أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير تلك التي يُطلب منها الاعتراف والتنفيذ، وكذلك في شأن أحكام المحكمين التي لا تعد وطنية في دولة التنفيذ. وهذا ما عبرت عنه المادة ٢٩٩ من قانون المرافعات المصري، حين تحدثت عن تنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في بلاد أجنبي.
ولما كان المشرع المصري قد رصد أحكاماً موحدة لكل من التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي، مع إظهار بعض الفروق بين النوعين، من خلال عرض لحالات التحكيم التجاري الدولي (م۳) ، إلا أن الموضوع يحتاج إلى جهد الباحثين من الفقهاء والقضاء للكشف عن حقيقة تلك الفروق، مع إيجاد معيار واضح للتمييز بين النوعين في ظل خلاف فقهي يسوده الاضطراب في تحديد معیار دولية ،التحكيم، حتى في بعض الدول التي أفردت لكل نظام نصوص منفصلة، نجد هناك بعض الفقه يعبر عن دقة مسألة التفرقة بين نوعي التحكيم ويصفها بأنها مسألة صعبة. لذا لا يسعنا إلا أن نعرض للمعايير المختلفة في الفقه المصري والمقارن للتمييز بين التحكيم الدولي والداخلي، مع استعراض الوضع في مصر بطبيعة الحال بالتفصيل.
هناك العديد من المعايير التي تستخدم لتحديد دولية التحكيم، ومنها المعيار القانوني، والمعيار الاقتصادي، وأخيراً المعيار المختلط أو المزدوج، ونتناول تلك المعايير بشيء من التفصيل والتطبيقات:
أولاً : المعيار القانوني:
طبقاً لهذا المعيار يعد التحكيم دولياً، إذا اتصل بأكثر من نظام قانوني، سواء من ناحية ،إبرامه، أو تنفيذه، أو موطن المتعاقدين، أو جنسيتهم، أو محل إقامة الطرفين، أو القانون الواجب التطبيق على الإجراءات، أو على الموضوع.
ويعد القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، بصيغته التي اعتمدتها اللجنة في ٢١ يونيه ١٩٨٥ من القوانين التي تبنت المعيار القانوني كأساس لدولية التحكيم حيث نصت المادة الأولى فقرة (۳) على أن: "يكون التحكيم دولياً:
(أ) إذا كان مقر عمل طرفي اتفاق التحكيم، وقت عقد ذلك الاتفاق، واقعين في دولتين مختلفتين. أو
(ب) إذا كان أحد الأماكن التالية واقعاً خارج الدولة التي يقع فيها مقر عمل الطرفين:
(1) مكان التحكيم إذا كان محدداً في اتفاق التحكيم أو طبقاً له.
(2) أي مكان ينفذ فيه جزء هام من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية أو المكان الذي يكون لموضوع النزاع أوثق الصلة به. أو
(ج) إذا اتفق الطرفان صراحة على أن موضوع اتفاق التحكيم متعلق بأكثر من دولة واحدة.
ويلاحظ أن القانون النموذجي، قد اعتمد على المعيار الإقليمي المتشدد أو النطاق الجغرافي في تحديد المقصود بالتحكيم الدولي، وهو ما يفهم من المادة (۱) فقرة (۳) بقولها يكون التحكيم دولياً إذا: "كان مقرا عمل طرفي اتفاق التحكيم وقت عمل ذلك الاتفاق واقعين في دولتين مختلفتين"، ويلاحظ هنا أنه ستقع الأغلبية العظمى من الحالات التي تعد عموماً دولية في إطار هذا المعيار. بالإضافة إلى ذلك فإن التحكيم يعد دولياً إذا كان مكان التحكيم، أو مكان أداء العقد، أو مكان موضوع النزاع واقعاً خارج الدولة التي يقع فيها مقر عمل الطرفين، أو إذا كان الطرفان قد اتفقا صراحة على أن موضوع اتفاق التحكيم يتعلق بأكثر من بلد واحد. وقد اعتمد القانون النموذجي تعريفاً واسعاً، ومتسامحاً في دولية التحكيم وتبرر المذكرة الإيضاحية الصادرة عن أمانة لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، ذلك نظراً للحقائق التالية : أن الأغلبية العظمى من القوانين الوطنية تتخذ من مكان التحكيم معياراً وحيداً على دولية التحكيم. وتقرر إضافة المذكرة الإيضاحية اعتمادها على المعيار الإقليمي المتشدد، لأن له نفعاً كبيراً من الناحية العملية فيما يتعلق بالمواد ۱۱ و ١۳ و ١٤ و ١٦ و۲۷ و٣٤، وهي المواد التي تسند إلى محاكم الدولة المختصمة مهام المساعدة والإشراف في مجال التحكيم.
إلا أن أهم ما يمكن أن يوجه لهذا النص (م ۳/۱) من نقد، هو حكم الفقرة (ج) من المادة الأولى، في شأن إقرارها بدولية التحكيم إذا اتفق الأطراف على ذلك صراحة.
وقد نهجت اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لعام ١٩٨٧، ذات الاتجاه في الاعتماد على المعيار القانوني أساساً لدولية التحكيم. فنصت المادة الثانية على أن: "تطبق هذه الاتفاقية على النزاعات التجارية الناشئة بين أشخاص طبيعيين أو معنويين أياً كانت جنسياتهم يربطهم تعامل تجاري مع إحدى الدول المتعاقدة أو أحد أشخاصها أو تكون لهم مقار رئيسية فيها".
وقد أخذ أيضاً بذات المعيار القانون السويسري الصادر عام ١٩٨٧، ونصت المادة ١٧٦ منه على أن تطبق أحكام هذا القانون على كل تحكيم يكون مقر محكمة التحكيم في سويسرا، أو لم يكن لأحد أطرافه على الأقل، لحظة إبرام اتفاق التحكيم، موطن أو محل إقامة معتاد في سويسرا".
فنصت المادة الأولى، فقرة ،أ، ب على أن تطبق هذه الاتفاقية على: "اتفاقات التحكيم المبرمة لغرض تسوية المنازعات التي نشأت أو التي قد تنشأ عن معاملات التجارة الدولية بين أشخاص طبيعيين أو معنويين لهم محل إقامة معتاد، أو مركز إدارة في دولة مختلفة عن الدول أطراف الاتفاقية".
وطبقاً للنص السابق، فإن صفة الدولية للتحكيم تتطلب توافر شرطين: أحدهما: أن يتعلق بعملية من عمليات التجارة الدولية. وثانيهما: ارتباط أطراف النزاع بأكثر من دولة متعاقدة.
وأهم ما يمكن ملاحظته من قراءة النص السابق، أن الاتفاقية قد حرصت على أن تحدد نطاق تطبيقها، باتفاقات التحكيم المتصلة بالمنازعات التي نشأت، أو التي تنشأ عن معاملات تتعلق بالتجارة الدولية، بين أنها لم تبين ما المقصود بمعاملات التجارة الدولية.
وأهم ما يمكن ملاحظته أيضاً أن المعاهدة بالرغم من كونها ارتكزت في المقام الأول على المعيار الاقتصادي، إلا أنها اضافت إليه العنصر القانوني المتمثل في ضرورة أن يكون للأطراف في اتفاق التحكيم محل إقامة معتاد أو مركز إدارة في دولتين مختلفتين. بيد أنه يمكن تصور توافر صفة الدولية في التحكيم في حالة توافر العنصر القانوني أو المعيار القانوني وحده، دون إعمال للمعيار الاقتصادي، لأنه منطقياً مجرد وجود أطراف منازعة معينة، متفق عليها في اللجوء إلى التحكيم في دولتين مختلفتين؛ من شأنه أن يؤدي إلى انتقال السلع والخدمات من دولة إلى أخرى. ومن ثم فإن التحكيم هنا يكون متصلاً بمصالح التجارة الدولية.
بينما الرأي يختلف إذا ما نظرنا إلى الشرط الإضافي الذي وضعته المعاهدة، فإنه قد يحول دون خضوع بعض حالات التحكيم الدولية.
تنص المادة الأولى من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على أنه: مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أياً كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر، أو كان تحكيماً تجارياً يجرى في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون".
التحكيم الدولي الذي يجري في مصر، وهنا تثور المشكلة الكبرى في تحديد متى يكون التحكيم دولياً؟ فقد ثار جدل عميق في القانون المقارن وقد سبقت الإشارة إليه.
التحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخارج متى اتفق أطرافه على إخضاعه لهذا القانون.
ونصت المادة الثالثة من القانون بشأن دولية التحكيم على أن: "يكون التحكيم دولياً في حكم هذا القانون إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال الآتية:
أولاً: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في دولتين مختلفتين وقت إبرام التحكيم فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال فالعبرة بالمركز الأكثر ارتباطاً بموضوع اتفاق التحكيم. وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم مركز أعمال، فالعبرة بمحل إقامته المعتاد.
ثانياً: إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز تحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها.
ثالثاً: إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة واحدة.
رابعاً: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في ذات الدولة وقت إبرام اتفاق التحكيم وكان أحد الأماكن التالية واقعاً خارج هذه الدولة:
أ- مكان إجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تعيينه.
ب - مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية بين الطرفين.