الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الوطني والتحكيم الدولي / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / أهمية وآثار التفرقة بين التحكيم الوطني والدولي

  • الاسم

    هشام محمد ابراهيم السيد الرفاعي
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    332
  • رقم الصفحة

    87

التفاصيل طباعة نسخ

 سواء كان "تحكيماً وطنياً" أم "تحكيماً تجارياً دولياً".. وكذلك علـى التحكيم التجاري الدولي الذي يجري خارج مصر، إذا اتفـق أطرافـه علـى إخضاعه لهذا القانون.

ومن ثم فإن المشرع المصري لم يسن نظامين قانونيين مختلفــين أحدهما للتحكيم الوطني والآخر للتحكيم الدولي، على غرار نهج المشرعين في بعض الدول الأجنبية، مثل القانون الفرنسي أو البلجيكي أو السويسري، مما يجعل الجدل حول معيار التفرقة بين التحكيم الدولي والتحكيم الوطني غير ذي موضوع.

إلا أن الباحث يؤيد وجود أهمية للتفرقة بين التحكيم الوطني والتحكيم الدولي، تتجلى هذه الأهمية فيما ترتبه تلك التفرقة من آثار قانونية لا يمكـن إنكارها وهذه الآثار تبرز من عدة وجوه نبينها فيما يلي:

 الفرع الأول : من حيث التنظيم القانوني والقانون واجب التطبيق

إذا كان المشرع المصري قد سن تنظيما قانونيا واحدا يسري على كل من "التحكيم الوطني" و "التحكيم الدولي"، وهو قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤.

إلا أنه يتبين وجود اختلافات بين كل من نوعي التحكيم فيما يخـص ضوابط سريان هذا القانون على كل منهما، فضلاً عـن تلـك الاختلافات

المتعلقة بتطبيق أحكامه.

أما فيما يخص اختلاف كل من "التحكيم الوطني" و"التحكيم الدولي" بشأن ضوابط سريان قانون التحكيم المصري على كل منهما فتتمثل فيما يلي:

أولا: عدم إخلال نصوص قانون التحكيم بالاتفاقيات الدولية

تبين المادة (1) من قانون التحكيم أن سريان أحكام هذا القانون يكون مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصرالعربية".

وذلك بحسبان أن كل اتفاقية دولية وافقت مصر على الانضمام إليهـا تعد جزءاً من التشريع المصري. فإذا تضمنت هذه الاتفاقية قواعـد خاصـة بالتحكيم، فإن هذه القواعد تكون هي الأولى بالتطبيق مما يقابلها من القواعد الواردة في قانون التحكيم – في حال تعارضهما .

ومن الطبيعي أن مجال هذه الاتفاقيات يكون بشأن التحكيم التجاري الدولي دون التحكيم الوطني.

ومن أهم هذه الاتفاقيات

اتفاقية تنفيذ الأحكام بين الدول العربية سنة ١٩٥٢ ، اتفاقية نيويورك بـشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية الموقعة بتاريخ 10 يونيو ١٩٥٨، والاتفاقية الأوروبية للتحكيم الدولي المبرمة في جينيف فـي ٢١ إبريل 1961، والاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة من الاستثمارات بـين الدولة وبين رعايا الدول الأخرى في ١٨ مارس 1965 وأصبحت نافذة منذ 14 أكتوبر ١٩٦٦، واتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخـرى، والتـي اقرهـا مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بقراره رقـم 663 فـي ديـسمبر ١٩٧٤، واتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري الدولي في 14 إبريل سنة ١٩٨٧. واتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي ١٩٨٣ (وبها بنود خاصة بتنفيـد الأحكام).

ثانيا: جعل اتفاق الأطراف على إخضاع التحكيم لأحكام هذا القانون شرطا لسريانه على التحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخارج

فرق المشرع المصري بموجب المادة رقم (۱) من قانون التحكيم بين التحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخارج من ناحية وبين التحكيم الذي يجري في مصر، سواء كان "تحكيماً وطنياً" أم "تجارياً دوليـاً مـن ناحيـة أخرى. وذلك من حيث ضوابط سريان أحكام قانون التحكيم المصري علـى كل منهما.

فبينما اشترط لسريان أحكامه على التحكيم التجاري الدولي الـذي

يجري خارج مصر أن يتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون.

إلا أنه لم يشترط ذلك بشأن "التحكيم الـوطني" أو بـشأن "التحكيم التجاري الدولي" الذي يجري داخل مصر.

ومن ثم فإن إعمال أحكام كل من الأخيرين لا يتوقف علـى اتفـاق الأطراف فيهما على ذلك.

ومن هنا تبرز بوضوح أهمية التفرقة بين "التحكيم الوطني" و "التحكيم الدولي" أولاً.. ثم بعد ذلك التفرقة بين التحكيم التجاري الدولي الذي يجري في مصر والتحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخـارج. بـشأن التنظـيم القانوني وضوابط سريان قانون التحكيم المصري على كل.

فبينما تتقيد حرية الأطراف بالسيادة التشريعية لقـانون التحكــم المصري بالنسبة للتحكيم الذي يتم في مصر. إلا أن هذا القيد لا يسري فـي مجال التحكيم الدولي الذي يتم في الخارج، فلا يمتد نطـاق إعمـال قـانون التحكيم المصري إلى التحكيم التجاري الدولي الذي يتم خارج مـصر، إلا إذا اتفق أطرافه على ذلك.

الفرع الثاني : من حيث المحكمة القضائية المعاونة لنظام التحكيم

وفي مثل هذه الحالات تظهر الحاجة إلى طلب المعاونة والمساعدة من المحكمة القضائية، وهنا وضع المشرع محكمة قضائية مختلفة لكل مـن نوعي التحكيم الوطني والدولي، وهذا هو ما ورد النص عليه في المادة 9 من قانون التحكيم المصري والتي تنص على أنه:

يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها هذا القانون إلى القضاء المصري للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أما إذا كان التحكيم تجارياً دوليا، سواء جرى في مصر أو في الخارج، فيكون الاختصاص لمحكمـة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخـرى في مصر.

وهذا الاختلاف يبرز أهمية التفرقة بين نـوعي التحكيم، حيـث إن مخالفة القواعد الإجرائية المتعلقة بالاختصاص، من الممكن أن تكون سبباً لرفع دعوى بطلان حكم التحكيم فيما بعد، وفقاً لنص المـادة 1/53/ز مـن قانون التحكيم التي تجيز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم إذا كانت إجـراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم.

الفرع الثالث : من حيث معاملة حكم التحكيم والمحكمة المختصة بالأمر بالتنفيذ

توجد بعض الاختلافات الجوهرية بين التحكيم الوطني والتحكيم الدولي في مجال التنفيذ، فبينما تخضع أحكام التحكيم الوطنية في شأن حجيتها وتنفيذها لأحكام قانون التحكيم المصري، فإن أحكام التحكيم التجاري الدولي تكون أولوية خضوعها للاتفاقيات الدولية الخاصة بـالاعتراف بأحكـام التحكيم الأجنبيـة وتنفيذها، ومثال ذلك، اتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمـين الأجنبية الموقعة بتاريخ 10 يونيو ١٩٥٨ بل إن أحكام مثل هـذه الاتفاقيـات تكون هي واجبة الإعمال في حال تعارضها مع الأحكام المقابلـة فـي قـانون التحكيم المصري.

كما أن القاضي الأمر بتنفيذ الأحكام التحكيمية، المتولدة عن تحكيم دولي جرى وفقاً للقانون المصري، هو رئيس محكمة استئناف القاهرة، أو رؤساء محاكم الاستئناف المصرية المختلفة، وفقاً لنص المادتين 9، 56 من قانون التحكيم المصري، أما إذا كان حكم التحكيم صادراً في بلد أجنبي ولم يطبق بشأنه قانون التحكيم المصري لعدم اتفاق أطرافه على ذلك، فإنـه يسري على تنفيذه أحكام المـواد ٢٩٦، ۲۹۷، ۲۹۸، ۲۹۹ مـن قـانون المرافعات.. فيقدم طلب الأمر بالتنفيذ إلى المحكمة الابتدائيـة التـي يـرد التنفيذ في دائرتها بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى. وعلى خلاف ذلك فإذا كان التحكيم غير دولي؛ فإن الحكم المتولد عنه يتم تنفيـذه بـأمر رئيس المحكمة التي كانت مختصة أصلاً بنظر النزاع. فإذا كانت الأخيـرة هـي محكمة القضاء الإداري بالقاهرة؛ فرئيس المحكمة المتقدمة هـو القاضـي الأمر بالتنفيذ، وإذا كانت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي محكمه . الاسكندرية الابتدائية ؛ فرئيس هذه المحكمة هو القاضي الأمر بالتنفيذ. وإذا كانت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي محكمة المنتـزه الجزئيـة بالاسكندرية ؛ فرئيس هذه المحكمة هو المختص بإصدار أمر التنفيذ وهكذا. وعلى أساس ما تقدم ؛ 

الفرع الرابع : من حيث المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان

إذا كان التحكيم يحقق عدالة رضائية منشؤها اتفاق الأطـراف علـى تنظيم خصومة التحكيم، إلا أن ما يبتغى منه هو في جميع ا الأحـوال عدالـة، وهي لا تعد كذلك إلا إذا توافرت في شأنها المبادئ الجوهرية التي يتعين أن تتوافر تحقيقاً لإمكانية تنفيذ حكم التحكيم، وهذه المبادئ الجوهرية تتمثـل أساساً في مبدأ المساواة، وكفالة حقوق الدفاع، وبعض القواعد الآمرة المتعلقة وهي بالنظام العام.

ولما كان المشرع المصري يعتبر أحكام التحكيم نهائية باتة منذ لحظة صدورها، ولا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المعروفـة فـي قانون المرافعات.. حيث تنص المادة ١/٥٢ من قانون التحكيم المصري على أنه: لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيهـا بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنيـة والتجارية".

ويتبين من هذا النص عدم جواز الطعن على حكم التحكيم، سواء كان وطنياً أم تجارياً دولياً.

فقد كان لابد أن يفرض المشرع رقابة على أحكام التحكيم، وهـذه الرقابة تتحقق من خلال إمكانية رفع دعوى بطلان ضد أحكام التحكيم، فـي الحالات التي يتبين فيها وجود شائبة، أو مخالفة جوهرية، لما حـدده قـانون التحكيم. ولذلك فقد حدد المشرع أسباباً معينة على سبيل الحصر، هي فقـط التي تجيز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وفي هذا الشأن يبرز وجـه مـن أوجه الاختلاف الجوهرية، بين التحكيم الوطني والتحكيم الدولي، حيث تنص المادة ٢/٥٤ من قانون التحكيم على أنه: "تختص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون. وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع" .

وإعمالا لحكم هذا النص؛ يجب التفرقـة بين التحكــم الـوطني والتحكيم الدولي:

- وفي غير التحكيم التجاري الدولي، يكون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.

وعلى هذا تختلف المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان حسب نوع التحكيم.

فبينما ينعقد الاختصاص بنظر دعوى البطلان فـي حكـم التحكـيم التجاري الدولي لمحاكم من درجة واحدة، هي محاكم الاستئناف سواء كانـت محكمة استئناف القاهرة أو أي محكمة استئناف أخرى يتفق عليها الطرفان.

فإن الاختصاص بنظر دعوى البطلان في حكم التحكيم الوطني "غير التجاري الدولي" ينعقد لعدد من المحاكم المختلفة. وهي محكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع.

ويطبق في تحديد المحكمة المختصة أصلاً بنظـر النـزاع قواعـد الاختصاص، سواء النوعي أو القيمي أو المحلي، وينتج عـن ذلـك الأمثلـة الآتية:

1- إذا كانت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي محكمة عابدين الجزئية، فإن المحكمة المختصة بنظر دعوى البطلان تكون محكمة جنوب القاهرة الابتدائية "بهيئة كلية".

۲- إذا كانت المحكمة المختصة أصلاً بنظـر النـزاع هـي محكمـة الاسكندرية الابتدائية بهيئة كلية. كانت المحكمة المختصة بدعوى البطلان هي محكمة استئناف الاسكندرية.

3- إذا كانت المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هي : محكمة القضاء الإداري، فإن المحكمة المختصة بدعوى البطلان هـي المحكمـة الإدارية العليا.

ومن هنا تبدو أهمية التفرقة بين "التحكيم الوطني" و "التحكيم الدولي".

الفرع الخامس : من حيث فكرة النظام العام

يجب التفرقة بين مفهوم النظام العام الوطني، والنظام العام الدولي في

مجال التحكيم :

والواقع يشهد أنه ليس كل ما ينظم بموجب قواعد آمرة في القانون الداخلي، ويكون متعلقاً بالنظام العام الوطني (ومن ثم لا يجوز في شأنه التحكيم)، يعد كذلك متعلقاً بالنظام العام الدولي، وبالتالي لا يجوز اللجوء في شأنه إلى التحكيم.

وعلى سبيل المثال:

يعد شرط الدفع بالذهب، أو بعملة أجنبية، شرطاً باطلاً ومخالفاً لقواعد النظام العام الوطني الداخلي، الذي يبطل مثل هذا التعامل.

في حين يقبل النظام العام الدولي، ويقر بصحة هذا الشرط في معاملات التجارة الدولية، لأن هذا الشرط وإن كان لا يناسب احتياجات التجارة الداخلية، فإنه يعد من المستلزمات الضرورية لمعاملات التجارة الدولية، وبدون هذا الشرط؛ من الممكن أن ترفض الشركات الأجنبية التعامل مع الشركات الوطنية، مما قد يلحق أشد الضرر بالاقتصاد القومي . 

وعلى ذلك يتضح وجود اختلاف في مجال النظام العام الوطني الداخلي ومجال النظام العام الدولي مما يبرز أهمية التفرقة بين "التحكيم الوطني" و "التحكيم الدولي".

ويمكن القول بناء على ذلك:

إلا أن ذلك لا ينفي وجود نظام عام دولي يجب احترام قواعده.

ومثال ذلك الحكم الصادر من غرفة التجارة الدولية في القضية رقم 3916 لعام ١٩٨٣ التي تتلخص وقائعها في أن اتفاقا تم بين شركة مقاولات فرنسية وأحد كبار الموظفين العموميين في دولة إيران. بمقتضاه تعهد هذا الأخير ببذل مجهوداته، واستخدام نفوذه لدى السلطات الإيرانية، لترسية تنفيذ أحد عقود الأشغال العامة عليها. وذلك مقابل حصوله على عمولة، يدفع نصفها عند الاتفاق، والباقي عند إتمام الفوز بالصفقة. وعلى أثر نجاح الوسيط الإيراني فيما وعد به. ومطالبة الطرف الفرنسي بدفع باقي مبلغ

العمولة، رفض الأخير تلك المطالبة. واتخذ (الوسيط الإيراني) إجراءات التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية بباريس، إعمالاً لشرط التحكيم الوارد بالاتفاق المبرم مع الشركة الفرنسية. وانتهت هيئة التحكيم إلى القضاء ببطلان ذلك الاتفاق لتعارضه مع مقتضيات النظام العام الدولي. وجاء بالحكم:

"على الرغم من أن المدعي (الوسيط) رفض الكشف عن طبيعة مهمته لدى الحكومة الإيرانية، إلا أنه يستخلص من وقائع الدعوى، أنه وكان أحد الموظفين العموميين الكبار آنذاك كان تأثيره كبيراً على صناع القرار مما أدى إلى تعاقد الشركة الفرنسية واستبعاد مشروعات أخرى منافسة.. وحيث أن العقد محل النزاع يخالف النظام العام الدولي، فإن محكمة التحكيم تقضي ببطلانه. وترفض طلب المدعي إلزام الشركة الفرنسية بدفع العمولة المستحقة له".

وإذا كان مفهوم النظام العام في المجال الوطني الداخلي يختلف عـن مفهوم النظام العام في المجال الدولي بصفة عامة، فإن ذلك ينعكس أيضاً على التحكيم الذي يعمل بشأنه.