الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم الوطني والتحكيم الدولي / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / معيار التفرقة بين التحكيم الوطني والدولي

  • الاسم

    هشام محمد ابراهيم السيد الرفاعي
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    332
  • رقم الصفحة

    75

التفاصيل طباعة نسخ

ناحية أولى تميز نظام التحكيم ، والطابع الخاص الذي يتسم به حيث يوصف اتفاق التحكيم بالدوليـة تبعـاً لوصف التحكيم ذاته بها.

 ناحية أخرى اختلاف منهج المشرع المـصـري بـشأن تعريف العقد الدولي عن منهجه بشأن تعريف التحكيم الدولي.

فإذا كان المشرع المصري في القانون المدني قد أحجم عـن وضـع تعريف تشريعي يوضح مفهوم العقد الدولي، وهو الأمـر الـذي أدى إلـى اختلاف الفقه بشأنه.

فإن المشرع - على العكس من ذلك – قد تصدى في قـانون التحكــم لوضع مفهوم التحكيم الدولي.

وبرغم أن ذلك لم يمنع أيضاً من اختلاف الفقه عند استجلاء حقيقـة قصد المشرع في هذا الشأن إلا أن مثار الخلاف لم يكن واحداً.

فبالرغم من أن المشرع المصري قد وضع تنظيماً تشريعياً واحداً تـسـري أحكامه على كل من "التحكيم الوطني" و "التحكيم التجاري الدولي" إذا جرى كـل منهما داخل مصر حتى ولو لم يتفق الأطراف على ذلك. كما تسري أحكامه على "التحكيم التجاري الدولي" الذي يجري خارج مصر في حالة اتفاق أطرافه علـى إخضاعه للقانون المصري، وذلك بأن نص في المادة الأولى منه على أنه : "مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها فـي جمهوريـة مـصر العربية، تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص، أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يـدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر، أو كان تحكيمـاً تجارياً دولياً يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون"، إلا أن المشرع المصري قد فرق بين "التحكيم الوطني" و"التحكيم التجاري الدولي" في بعض الأحكام.

لذلك فقد حرص بداية على التفرقة بينهما في المفهوم، وقد جاءت هذه التفرقة ببيان مفهوم التحكيم التجاري في المادة (٢) والتي نصت على أنـه: يكون التحكيم تجارياً في حكم هذا القانون إذا نشأ النزاع حول علاقة قانونية ذات طابع اقتصادي، عقدية كانت أو غير عقدية، ويشمل ذلك علـى سـبيل المثال توريد السلع أو الخدمات والوكالات التجارية وعقود التشييد والخبـرة الهندسية أو الفنية ومنح التراخيص الصناعية والسياحية وغيرهـا ونقـل التكنولوجيا والاستثمار وعقود التنمية وعمليات البنوك والتأمين والنقـل وعمليات تنقيب واستخراج الثروات الطبيعية وتوريد الطاقة ومد أنابيب الغاز أو النفط وشق الطرق والأنفاق واستصلاح الأراضي الزراعية وحماية البيئة وإقامة المفاعلات النووية".

ثم بيان مفهوم التحكيم الدولي في المادة (3) التي نصت علـى أنـه . "يكون التحكيم دولياً في حكم هذا القانون إذا كان موضـوعه نزاعـاً يتعلـق بالتجارة الدولية وذلك في الأحوال الآتية:

أولاً: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع فـي دولتين مختلفتين وقت إبرام اتفاق التحكيم، فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال، فالعبرة بالمركز الأكثر ارتباطاً بموضوع اتفاق التحكيم، وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم مركز أعمال فالعبرة بمحل إقامته المعتاد.

ثانياً: إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة تحكــم دائمـة أو مركز للتحكيم يوجد مقره داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها.

ثالثاً: إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بـأكثرمن دولة واحدة.

رابعا: إذا كان المركز الرئيسي لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في نفس الدولة وقت إبرام اتفاق التحكيم وكان أحد الأماكن التالية واقعا خـارج هذه الدولة:

ا) مكان إجراء التحكيم كما عينه اتفاق التحكيم أو أشار إلى كيفية تعيينه.

ب) مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناشئة عن العلاقـة التجارية بين الطرفين.

ج) المكان الأكثر ارتباطاً بموضوع النزاع.

وقد أثار تفسير نص المادة (3) المشار إليها خلافاً فقهيا حيـث انقـسم الفقه بشأن ذلك إلى اتجاهين:

الاتجاه الأول : يرى أن التحكيم يكون دولياً إذا كان موضوعه نزاعـاً يتعلق بالتجارة الدولية فقط.

وذلك اكتفاء بصدر المادة (3) المشار إليها. فهذا المعيار كاف في حـد ذاته لجعل التحكيم دولياً. أما الحالات التفصيلية التي أوردتها الفقرات من أولاً إلى رابعاً. فهي أقرب إلى العمل الفقهي منها إلى العمل التشريعي. النزاع بعلاقة تجارية دولية يجعل التحكيم بشأنه دولياً بغض النظر عن مكان التحكيم أو جنسية الأطراف أو القانون واجب التطبيق.

ويبرر البعض من هذا الجانب إيراد المشرع لهـذه الحالات المبينـة بفقراته الأربع، أنها قرائن قاطعة من وجهة نظر المشرع، يكفي توافر أحدها للقول بتوافر شرط الأساس.

الاتجاه الثاني : يرى أن المعيار الاقتصادي الذي عبر عنه المـشرع بكون موضوع النزاع يتعلق بالتجارة الدولية غير كاف وحده ليكون التحكــم دولياً وإنما يجب بالإضافة إلى ذلك توافر إحدى الحالات المبينة بالمادة.

وعلى ذلك فلكي يكون التحكيم دولياً لابد من توافر شرطين:

الشرط الأول: تعلق موضوع النزاع بالتجارة الدولية.

الشرط الثاني: توافر حالة من الحالات الأربع المذكورة بالمادة .

ويؤيد الباحث الاتجاه الثاني من ضرورة توافر إحدى الحـالات المبينة بالمادة الثالثة، بالإضافة إلى تعلق موضوع النزاع بالتجارة الدولية لكي يكـون التحكيم دولي وفقاً للقانون المصري.

وعلى أية حال فإن الحكم الجديد الذي أتي به قانون التحكيم المصري، ويجب التوقف عنده، أن التحكيم الدولي أصبح لا يقتصر فقط على التحكيم الذي يجري خارج مصر، وإنما يجوز أن يكون التحكيم دولياً بالرغم مـن جريانه داخل مصر طالما توافر فيه شرطا الدولية المنصوص عليهمـا فـي المادة الثالثة من قانون التحكيم.

وتجدر الإشارة إلى أن البحث يرصد بشأن المصطلحات التي أوردها المشرع في قانون التحكيم المصري على أنواع التحكيم الملاحظات الآتية:

الملاحظة الأولى: أنه ليست هناك ضرورة لوصف التحكيم الدولي دائماً وفقاً لأحكام هذا القانون بأنه "التحكيم التجاري الدولي".. ذلك أن المـادة (3) من القانون اشترطت لكون التحكيم دولياً أن يكون موضوعه نزاعـاً يتعلـق بالتجارة الدولية. ومفاد ذلك أن مصطلح "التحكيم الدولي" وفقاً لأحكـام هـذا القانون ينصرف حتماً إلى "التحكيم التجاري الدولي" دون حاجة إلى النص في الاصطلاح على كلمة "التجاري" إذ يتضمنها بما يكفي للدلالة عليها والتعبيـر عنها اصطلاح "التحكيم الدولي" .. فليس هناك تحكيم دولي غير تجاري وفقاً لقانون التحكيم المصري.

الملاحظة الثانية: أن قانون التحكيم المصري لم يستخدم اصطلاح "التحكيم الوطني" مكتفياً بوصفه أنه "غير التحكيم التجاري الدولي" كما جـاء صراحة بالفقرة الثانية من مادته رقم 54 والتي نصت على أنـه: " تخــص بدعوى البطلان في التحكيم التجاري الدولي المحكمة المشار إليها في المـادة (۹) من هذا القانون، وفي غير التحكيم التجاري الدولي يكـون الاختصاص لمحكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا.......

واهتم القانون فقط بتمييز التحكيم التجاري الدولي في مادتيه رقمي ٢ و 3 ، ومن ثم أصبح "التحكيم الوطني" في مفهوم قانون التحكيم المصري هو التحكيم الذي لا يعتبر تحكيماً تجارياً دولياً.

الملاحظة الثالثة: أن ثمة لبسا قد يحدث لدى البعض من جراء تعبيـر المشرع عن التحكيم الذي يدخل في نطاق سريانه الوجوبي بعبارة "إذا كـان هذا التحكيم يجري في مصر".

ذلك أن البعض قد يفسر هذه العبارة خطأ علـى أن المقصود منهـا التحكيم الداخلي" الذي ينصرف إلى التحكيم في المنازعات الداخليـة، وهـذا يخالف ما قصده المشرع على نحو صريح، وبينه بوضوح تقرير اللجنـة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتـب لجنـة الـشنون الاقتصادية بمجلس الشعب عن مشروع القانون حيث جاء بالتقرير ما نصه:

وعدلت اللجنة المادة الأولى على نحو وسع من نطاق تطبيـق أحكـام نظمـت المشروع فبعد أن رجحت أحكام الاتفاقيات المعمول بها في مصرنظمت سريان أحكام المشروع على كل تحكيم يجري في مصر سـواء أكـان بـيـن أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص وأيا كانت العلاقة التـي يدور حولها النزاع وقد قصد من هذه العبارة سريان هذا القانون على العقود الإدارية كي يصبح حكمها تقنينا لما انتهى إليه إفتاء مجلس الدولة فـي هـذا الشأن وأما عبارة كل تحكيم يجري في مصر فقد قصد بها سريان أحكام هذا القانون بشكل وجوبي على أي تحكيم يجري في مصر سواء أكان تحكيمـاً داخلياً أو دولياً مدنياً أو تجارياً ما دام التحكيم يتعلق بالمسائل التي يجوز فيها الصلح. وذلك تماشياً مع إنهاء المواد من 501 إلى 513 من قانون المرافعات وتقديم المشروع الجديد كقانون للتحكيم وليصبح هو القانون العام في مسائل التحكيم سواء كان تجارياً أو غير تجاري دولياً أو داخلياً.

أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً يجري في الخارج فلابد مـن اتفـاق الطرفين على إخضاعه لأحكام هذا القانون إذ أنه في هذه الحالـة لا يـسري وجوبياً وإنما يسري باختيار واتفاق أطراف التحكيم".

وهذا ما أشارت إليه المادة الأولى مـن قـانون التحكــم المـصري ،الخاصة بنطاق سريان أحكامه، مقررة سريان أحكام هذا القانون علـى كـل تحكيم يجري في مصرأي (سواء كان وطنياً أم تجاريـاً دوليـاً أم داخليـا)

واشترطت لسريان أحكامه على "التحكيم التجاري الدولي الذي يجـري فـي الخارج" أن يتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون.

وبالرغم من هذا الوضوح في النص وفي تقرير اللجنة المشار إليها من أن جريان التحكيم داخل مصر – يمكن أن يكون معه التحكيم دولياً.

وبالرغم كذلك من أن تقرير اللجنة، وكذا المذكرة الإيضاحية للمشروع الأصلي للقانون قد استخدمت مصطلح "التحكيم الداخلي" للتعبير عن التحكيم الذي يحكم المنازعات الداخلية، أي التحكيم الوطني.

الذي يجري إلا أن بعض الفقه قد صرف اصطلاح "التحكيم الداخلي" إلى التحكيم داخل مصر، والذي نصت عليه المادة الأولى من قانون التحكيم المصري.

عليها واعتبر أن قصد المشرع بالتحكيم الذي يجري . داخل مصر هو الداخلي" أي خلاف "التحكيم التجاري الدولي"

والباحث لا يؤيد هذا التفسير. ذلك أنه يتعارض مع صريح النص، كما يتعارض مع ورد بتقرير اللجنة المشار إليها سلفاً من أن التحكيم الذي يجري داخل مصر يمكن أن يكون داخلياً كما يمكن أن يكون تجارياً دولياً.

ولذلك فلا يعبر عن التحكيم الذي يجري داخل مصر بأنه "تحكيم داخلي" بمعنى أنه عكس التحكيم الدولي وفق قانون التحكيم المصري.

وقد كانت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون واضحة في صرف اصطلاح "التحكيم الداخلي" إلى "التحكيم في المنازعات التي تنشأ بصدد المعاملات الداخلية" التي لا تتسم بالطابع الدولي، كما كان ذلك واضحاً في تقرير اللجنة المشار إليها أيضاً، كما أن بعض الفقه من ناحية أخرى لم يحد حذو المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون وتقرير اللجنة المشار إليها من صرف اصطلاح "التحكيم الداخلي" .

وبسبب هذا اللبس الذي يمكن أن يحدثه استخدام اصطلاح "التحكيم الداخلي" للتعبير عن التحكيم في المنازاعات الداخلية تارة والتعبير عن التحكيم الذي يجري داخل مصر تارة أخرى.

فإن الباحث يفضل استخدام اصطلاح "التحكيم الوطني" بدلا من اصطلاح "التحكيم الداخلي" .. وذلك للتعبير عن التحكيم المنازعات الوطنية التي لا يتخللها عنصر أجنبي ومن ثم لا تتسم بالصفة الدولية.

ويستند في ذلك لاعتبارات عملية واعتبارات لغوية.

أما الاعتبارات العملية: فهي أنه من الأهمية القصوى تحديد الوصف الدقيق للتحكيم؛ نظراً للتباين الكبير بين الأنظمة والقواعد القانونية التي تنظم صور التحكيم، خاصة وأن عدم التحديد وكثرة المصطلحات المستخدمة لوصف التحكيم قد تؤدي إلى الخلط بين المعيار المتبع لوصف حكم التحكيم بصدد تنفيذه والنظام القانوني الذي يخضع له التحكيم.

وقد ظهر جلياً الخلط بين "التحكيم في المنازعات الداخلية" وهو الذي لا يتسم بالطابع الدولي، و "التحكيم الذي يجري داخل مصر وهو الذي يمكن أن يكون دولياً، وأطلق على كل منهما اصطلاح "التحكيم الداخلي" بالرغم من الاختلاف الكبير بينهما في الأحكام.

وأما الاعتبارات اللغوية: فإن اصطلاح "التحكيم الوطني" national هو الأدق في التعبير عن التحكيم غير الدولي لأن مقابله "التحكيم الدولي" international أما لفظ "الداخلي" فيقابله "الخارجي".

ويجدر بنا في هذا المقام أن ننوه إلى أن ما رصده البحث في شـأن تلك المصطلحات ليس أمراً شكلياً أو خلافاً لفظياً، ذلك أن ضبط المصطلحات ومعرفة مدلولها يرتب آثاراً عملية في غاية الأهمية. وممـا يؤكـد ذلـك أن المشرع في قانون التحكيم المصري قد خصص المادة (4) لبيان المدلول الذي تنصرف إليه الألفاظ في العبارات الاصطلاحية في القانون منعاً لأي لبس أو خلاف في التفسير.

كما تبرز من خلال هذا البحث نتيجة هامة تتعلق بما يتميز به اتفاق التحكيم عن غيره من العقود فبينما تظهر في مجال القانون الدولي الخاص أهمية التفرقة بين العقد الدولي وغيره من العقود التي لا تتصف بالدولية، لأن تنازع القوانين لا يثور إلا بشأن العقد ذي الطابع الدولي.

فإن الأمر في شأن "اتفاق التحكيم" بهذا الصدد يكون مختلفاً. إذ الذي يوصف بالدولية ليس هو "اتفاق التحكيم على وجه الخصوص".. وإنما التحكيم عامة هو الذي يوصف بأنه "تحكيم دولي" أو تحكيم غير دولي "التحكيم الوطني" ، فمعيار الدولية يتم بحثه في التحكيم ذاته إذ يوصف التحكيم بالدولية - طبقاً لقانون التحكيم المصري- إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية وتوافرت إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة 3 من قانون التحكيم، وتلحق صفة الدولية باتفاق التحكيم تبعاً لاتصاف التحكيم بها.