يكون التحكيم اختياريا إذا كان الالتجاء إليه بإرادة الأطراف وهذا سر التحكيم بالمعنى الصحيح، فأساس التحكيم هو إرادة الأطراف، على أن القانون ينظم أحيانا تحكيما إجباريا يجب على الأطراف الالتجاء إليه من المنازعات المتعلقة بروابط قانونية معينة وتطبيقا للتحكيم الاداري نجد المشرع الكويتي في قانون التحكيم القضائي رقم ۱۱ البينة ۱۹۹ نص في المادة الثانية على أن "تختص هيئة التحكيم بالمسائل الاتية.... ۲- الفصل دون غيرها في المنازعات التي تقوم بين الوزارات أو الجهات الحكومية أو الأشخاص الاعتبارية وبين الشركات التي تملك الدولة رأس مالها بالكامل أو فيما بين هذه الشركات. 3- الفصل في طلبات التحكيم التي يقدمها الأفراد أو الأشخاص الاعتبارية الخاصة ضد الوزارات أو الجهات بالتحكيم ما لم تكن المنازعة قد سبق رفعها أمام القضاء
ويتبين لنا من النص السابق أن المشرع الكويتي ألزم الجهات المذكورة بالتحكيم القضائي لتخفيف العبء عن القضاء العادي، معتبرا هذه المسألة متعلقة بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها، كما أجبر المشرع أي وزارة أو جهة حكومية أو شخص اعتباري عام إن كان خصمه فردا أو شخصا اعتباریا خاصا بالتحكيم إذا لجأ الطرف الأخير إلى التحكيم، شريطة ألا أن يكون هناك منازعة قضائية بين الطرفين ما لم يحدث تنازل أو ترك للخصومة فيها.
التحكيم العادي والتحكيم مع التفويض بالصلح
الأصل في التحكيم أنه تحكيم عادي، فلا يعتبر تحكيما مع التفويض بالصلح إلا إذا اتجهت إرادة الأطراف في الاتفاق على التحكيم صراحة إلى تفويض المحكم بالصلح أو إلى إعفاءه من التقيد بالقانون الواجب التطبيق، ولكن في هذه الصورة فإن المحكم يكون دائما مقيدا بتطبيق القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام . ويلاحظ أن تفويض المحكم بالصلح لا يعني تفويضه بالصلح بين الطرفين بحيث يقضي لكل طرف بجزء من ادعاءاته، وإنما يعني أن المحكم المفوض بالصلح يجب عليه أن يفصل في النزاع وفقا لما تقتضيه العدالة
ثالثا: التحكيم الحر والتحكيم المؤسسي
يقصد بالتحكيم الحر قيام لم الأطراف باختيار المحكمين وقواعد التحكيم وإجراءاته بعيدا عن أي ) مؤسسة دائمة للتحكيم، أما التحكيم المؤسسي فهو اتفاق الأطراف على أن يتم التحكيم بواسطة مركز أو مؤسسة تحكيم دائمة سواء كانت وطنية أو دولية، وغني عن القول أن التحكيم المؤسسي أصبح هو الصورة الحديثة التحكيم الاختياري أو الإجباري أو المختلط
التحكيم وقضاء الدولة
التمييز بين التحكيم والقضاء الرسمي للدولة قد يتشابه التحكيم و القضاء في وجوب إتباع الضمانات الأساسية في التقاضي، وأن الحكم الصادر عنهما يحوز حجية الأمر المقضي، إلا أن التحكيم يختلف عن القضاء في عدة مسائل.
التحكيم والصلح
التمييز بين التحكيم والصلح او التوفيق
يمثل الصلح وسيلة لتسوية المنازعات إذ يقوم الأطراف ذوو الشأن بأنفسهم أو من يمتلونهم بحسم منازعاتهم عن طريق نزول كل منهم عن بعض أو كل ما يطالب به قبل الآخر، والصلح بذلك يبدو كنظام لفض المنازعات رغم تشابهة مع التحكيم في طابعه ألاتفاقي وغايته النهائية، إلا أنه يختلف عنه في أمور جوهرية:
1- في التحكيم تنصرف إرادة الأطراف إلى تخويل المحكم دور
القاضي في حسم النزاع بحكم ملزم بعيدا عن إرادتهم، أما في الصلح فإن القرار الصادر لا يمكن تطبيقه في منأى عن إرادة الخصوم، واتجاه تلك الإرادة إلى تسوية النزاع بالتنازل عن بعض الطلبات.
٢- ينتهى التحكيم بقرار حاسم قابل للتنفيذ مباشرة بعد وضع الصيغة
التنفيذية دون أن تمتد سلطة قاضي التنفيذ للنظر في الموضوع، أما الصلح فلا يقبل التنفيذ إلا بعد التصديق عليه من قبل القضاء لجعله صالحا لإمكانية وضع الصيغة التنفيذية.
التحكيم والوكالة
التمييز بين التحكيم والوكالة
لا تتشابه الوكالة مع التحكيم في أن كل منهما يعتبر نوعا من أنواع الولاية، وأن الرضا هو المثبت لهذه الولاية ومداها، فلا يملك الوكيل مباشرة العمل إلا باذن الموكل ورضاه، والمحكم لا تنعقد له ولاية الفصل في النزاع إلا برضا الخصوم، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بين التحكيم والوكالة:
1- أن الوكيل يستمد سلطاته وصلاحياته من الموكل، أما المحكم فيكون
مستقلا عن الخصوم وبمجرد الاتفاق على التحكيم تصبح له ص فة القاضي، فلا يتدخل الخصوم في عمله، ولا سلطان لهم عليه في إصدار الحكم المنهي للنزاع.
التحكيم والخبرة
التمييز بين التحكيم والخبرة
تمثل الخبرة دليلا من أدلة الإثبات التي تتوقف على تقدير من يتولى الفصل في الدعوى سواء كان قاضيا أو محكما، ورغم أن المحكم والخبير يضطلعان بمهمة معينة في مسألة محددة ويخضع كل منهما المبادئ الاستقلال والحياد والموضوعية، إلا أنهما يختلفان في الآتي:
١- التحكيم نظام خاص للتقاضي أما الخبرة فوسيلة استشارية غير
ملزمة لمن يتولى الفصل في النزاع.
2- يجوز الطعن ببطلان حكم التحكيم أما رأي الخبير فمجرد رأي
استشاري يخضع لرقابة المحكمة أو هيئة التحكيم.
طبيعة التحكيم القانونية
طبيعة التحكيم
اختلفت الآراء حول تحديد طبيعة التحكيم، فذهب الرأي الأول إلى دار التحكيم ذو طبيعة تعاقدية، وذهب الرأي الثاني إلى أن التحكيم ذو طبيعة قضائية، فيما وقف البعض موقفا وسطا بين الرأيين السابقين ورأى أن التحكيم طبيعة مختلطة أو مركبة، وذهب رأي رابع إلى أن التحكيم ذو طبيعة مستقلة.
لا ريب أن التحكيم بما يمثله من نظام لحل المنازعات يختلف في من القضاء والصلح، فالأطراف عندما يلجئون إلى التحكيم فإنهم الى نوع مختلف من العدالة المرنة التي تحافظ على مصالحهم تمر الاقتصادية، وتبقى على الروابط التي تجمعهم بما يكفل مرارية الأعمال فيما بينهم، وتحقق مصالحهم الخاصة وبالتالي مصلحة المجتمع ككل.
ولعل العدالة المستهدفة في نظام التحكيم باعتقادنا والتي تجعل منه ذو طبيعة مستقلة، مردها أن الحل الذي يتيحه للمسائل المتنازع عليها فض بحكم القانون على الأطراف تماما كالقضاء، ولكنهم يتقبلونه وتطيب أنفسهم به كالصلح، مما يمكن القول معه أن التحكيم ومهما كانت نتيجته، يبقى أخف وطأة على نفس الطرف المحكوم ضده، ويساعد على استمرارية العلاقات الاقتصادية والتجارية.
وبناء على ما سبق يتبنی جانب من الفقه - نؤيده - نظرية استقلال التحكيم الاتفاقها مع الطبيعة الخاصة للتحكيم، ومع الاعتبارات العملية التي تفرض مظاهر عديدة للتحكيم على المستويين الوطني والدولي، ونعتقد أن هذه النظرية تستجيب لمتطلبات عولمة الاقتصاد والتجارة والتطور التكنولوجي، خاصة وأن إنجاز الكثير من الأعمال والعقود والصفقات يحتم اللجوء إلى وسيلة لحل المنازعات يمكن من خلالها تفادي معوقات التقاضي بشكله الرسمي في معظم الدول. وتأكيدا الاتجاه السابق تقرر محكمة التمييز الكويتية أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن التحكيم عمل قضائي ذو طبيعة خاصة أساسها أن المحكم لا يستمد ولايته من القانون كما هو الحال بالنسبة لقضاة المحاكم وإنم يستمدها من اتفاق الخصوم على تحكيمه، ذلك الاتفاق الذي أجازه الشارع ليغني الخصوم بالتحكيم عن الالتجاء إلى القضاء وما يقتضيه ذلك م ا وقت وجهد ونفقات.