الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / ذو طبيعة مختلطة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / المركز القانوني للمحكم في التحكيم التجاري الدولي / مهمة المحكم ذات طبيعة مختلطة 

  • الاسم

    زكريا محمد يحيى صالح
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    303

التفاصيل طباعة نسخ

مهمة المحكم ذات طبيعة مختلطة 

ذهب البعض من فقهاء الحنفية إلى أن مهمة المحكم التي يؤديها تشابه المهمة التي يؤديها القاضي، كونه يباشر عمله باستقلالية عن إرادة من اختاروه من الخصوم، وذلك بخلاف المهمة التي يؤديها الوكيل، فقد جاء في كتاب "الهداية شرح بداية المبتدئ " وإذا حكم رجلان رجلا فحكم بينهما ورضيا بحكمه جاز، لأن لهما ولاية على أنفسهم فيصح تحكيمهما، وينفذ حكمه عليهما، وهذا إذا كان المحكم بصفة الحاكم لأنه بمنزلة القاضي المولي، لذلك من خلال هذا الرأي يتضح أن المحكم يقوم بأداء وظيفته بعيدا عن تدخلات الخصوم، وأملاءاتهم للمحكم فهو بذلك كالقاضي المولی.

وفي كتاب تبیین الحقائق شرح كنز الدقائق "فوظيفة المحكم تشبه الوظيفة التي يؤديها الوكيل، حيث أن الإرادة الخصوم دور أساسي في تولية المحكم تلك الوظيفة وهي القيام بالفصل في خصومتهما، وذلك بالتفويض والتولية فصارت کالوكالة ، هذا وقد جاء ما نصه في كتاب مجمع الأنهر في شرح ملتقي الأبحر أن المحكم أدنى مرتبة من القاضي لاقتصار حكمه على من رضي بحكمه.

ففي مسألة نكاح التحكيم فيما يتعلق بصداق الزوجة فقد قال ابن رشد في كتاب التاج والإكليل لمختصر خليل: فإن كان المحكم الزوج بحکم فرضه كالتفويض، وإن كانت الزوجة هي المحكمة وحدها، أو مع سواها أو الزوج مع غيره، ففي ذلك ثلاثة أقوال:

أ- القول الأول: أن الحكم في ذلك نكاح التفويض، وإن فرض الزوج صداق المثل لزم النكاح ولم يكن للمحكم أيا كان في ذلك جدان، وإن رضي المحكم بصداق المثل أو أقل لم يلزم ذلك الزوج إلا إذا شاء، وهذا أن دل على شيء فيدل على أن المحكم في نكاح التفويض ما هو إلا عبارة عن وكيل يتصرف حسب ما أوكل إليه الزوجين وفوضاه.

ب- القول الثاني: هو أن الحكم في التحكيم بعكس التحكيم في التفويض ينزل المحكم في التحكيم بمنزلة الزوج في التفويض ، وهذا يعني أن المحكم يتصرف دون تدخل من الزوجين في تقدير المهر بإنزاله منزلة الزوج، وذلك بتفويضه أي بجعله الحاكم فيه و الأمر إليه، فهو بذلك في تقديره للصداق مستقل عن الزوجين.

 ج- أما القول الثالث: هو أن النكاح لا يلزم إلا بتراضي الزوج و المحكم)، وهذا فيه توضيح أن إرادة المحكم لها نفس القوة التي للزوج في قبول النكاح من عدمه، ولهذا فإن وظيفة المحكم ذات طبيعة مختلطة كونه يؤدي وظيفته بموجب تفويض، ولكونه يتخذ قراراته باستقلال.

هذا و قد ذهب الأحناف والشافعية والحنابلة إلى أن المحكم صار بالتحكيم في حق الخصمين بمنزلة القاضي)، وهذا يدل على أن المحكم يتخذ قراره ويصدر حكمه على أساس ما يتمتع به من إستقلال في أداء وظيفته.

هذا وقد ذهب بعض المالكية إلى أن الوظيفة التي يقوم بها المحكم من باب الوكالة فلا يراعى فيه شيء من الشروط التي يجب توافرها فيمن يولى القضاء سومي العقل ، وهذا يعني أن المحكم لا يقوم بوظيفته إلا في الإطار الذي يحدده له المتخاصمين فهو بذلك يعتبر کالوكيل في أداء وظيفته و لا يتجاوز ما وكل به، إذ أنه يخضع لإرادة ورغبة الخصوم، وهذا يعني أن طبيعة الوظيفة التي يؤديها المحكم حسب الآراء السابقة هي طبيعة مختلطة تعاقدية و قضائية، فالعقدية تتمثل بالتقيد في تسييره الإجراءات التحكيم باتفاق المبرم مع المحتكمين، ومن الناحية القضائية فهو يؤدي وظيفته ويصدر حكمه باستقلال عن إرادة ورغبة المحتكمين كالقاضي الذي لا سلطان عليه.

ومن خلال ما سردناه من أقوال الفقهاء القانون، وعلماء الفقه الإسلامى فى شأن تكييف طبيعة المهمة التي يؤديها المحكم اتضح لنا أن علماء الفقه في شأن تكييف الإسلامي كانت لهم الأسبقية التاريخية في معالجة ومناقشة وتكييف مهمة المحكر بأنها ذات طبيعة قضائية، حيث جاء هذا التكييف بناء على رغبة السواد الأعظ من علماء الفقه الإسلامي، حيث تم اعتبار المحكمين قضاة من نوع خاص وهم كالقضاة المعينين من السلطة العامة، سواء كانت السلطة التي عينتهم تتمثل في رأس الدول من حاكم أو سلطان أو زعيم أو كان ذلك التعيين من قاضي، أو من الأطراف المتخاصمة أنفسهم سواء كانت تلك الخصومات تتعلق بالخصومات التي تحدث بين الأفراد فيما بينهم سواء كانت في مجال المعاملات المدنية أو التجارية أو حتى الجنائية، أو كانت تتعلق بمجال الأحوال الشخصية كالخصومات التي تحدث بين الأزواج، وأيضا فقد كان للفقه الإسلامي السبق والتنبيه على أن المهمة التي يؤديها المحكم ذات طبيعة تعاقدية باعتبار المحكم ما هو إلا وكيل عن الخصوم عند قيامه بمهمته كون اختيار ذلك المحكم قائم على إرادة الخصوم، كما كان السبق للفقه الإسلامي في تكييف مهمة المحكم على أنها ذات طبيعة مختلطة، لكونها مهمة استثنائية قائمة على عقد اتفاق بين أطراف الخصومة على اختيار المحكم، وأيضا قائمة على الحكم الذي يصدره ذلك المحكم، وعلى الرغم من ذلك كله اعتبر المحكم أدنى مرتبه من القاضي. 

وقد رأينا أن البعض من علماء الفقه الإسلامي اعتبر المحكم كالقاضي باعتباره حاكما وليس وكيلا، والبعض الأخر ذهب إلى اعتباره وكيلا وليس حاكمة، والبعض الأخر ذهب مذهباً وسطا فجمع بين الطبيعة القضائية والطبية التعاقدية، فمهمة المحكم كمهمة القاضي من جانب، وكمهمة الوكيل من جانب أخر كما أشرنا أعلاه، وقد استند علماء الفقه الإسلامي في تكييفهم لوظيفة المحكم، بتناولهم التحكيم الخاص بمسائل الأحوال الشخصية وبالذات في مسألة الشقاق بين الزوجين، وكما رأينا فإن علماء الفقه الإسلامي قد إنقسموا في تكييفهم لوظيفة المحكم إلى ثلاثة أقوال القول الأول أن الوظيفة التي يؤديها المحكم هي ذات طبيعة قضائية، وهذا القول لبعض أئمة الفقه الإسلامي، وأما القول الثاني اعتبر أنها ذات طبيعة تعاقدية، وأما القول الثالث إعتبر أنها ذات طبيعة مختلطة تعاقدية وقضائية في آن واحد ، وهذا ما كان عليه القانون الوضعي في شأن تكييف مهمة المحكم، و هذا ما يميزها عن باقي المهام المشابه لها في تسوية الخصومات الناشئة بين الأفراد، فهي واحدة بالنسبة لتكييفها في القانون الوضعي.