الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / ذو طبيعة تعاقدية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في العقود الإدارية في الكويت / النظرية الأولى: التحكيم نظام ذو طبيعة تعاقدية بحتة ( النظرية التعاقدية ) :

  • الاسم

    خالد فلاح عواد العنزي
  • تاريخ النشر

    2007-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة القاهرة
  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    35

التفاصيل طباعة نسخ

النظرية الأولى: التحكيم نظام ذو طبيعة تعاقدية بحتة ( النظرية التعاقدية ) :

   يرى البعض أن أول من تطرق لطبيعة التحكيم، وأيد الطبيعة التعاقدية له، هو حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في عام 1812 الذي اعتمد التقرير الذي قدمه النائب العام Merlin والذي تمسك في الصفة التعاقدية للتحكيم برمته منذ إبرام وثيقة التحكيم وحتى صدور القرار. وظل هذا الاتجاه سائدا فترة طويلة.

  ويرى أنصار هذه النظرية أن التحكيم يقوم على أمرين: عمل المحتكرين، وهو اتفاق التحكيم، وعمل من المحكم وهو الفصل في النزاع بقرار ملزم لطرفيه، لكنهم يرون أن العمل الأخير يرتد إلى الأول ويقوم عليه باعتباره مجرد تنفيذ له.

ويستند أنصار هذه النظرية إلى الحجج التالية :

 1- أن اتفاق التحكيم مجرد عقد يتم قبل بدء إجراءات الخصومة يخضع لما تخضع له العقود في القانون الخاص، وأن قرار التحكيم ينفذ بإدارة الأطراف ويتأثر بالعيوب التي تشوبها، كما أن جوهر التحكيم هو التقاء إرادة الأطراف بقرار المحكم وبالتالي فلن تقوم للتحكيم قائمة بدون جوهره التعاقدي.

2- ان التحكيم يختلف في غرضه عن القضاء، فالقضاء يرمي إلى تحقيق مصلحة عامة، أما التحكيم فانه يرمي إلى تحقيق مصالح خاصة الأطراف اتفاق التحكيم.

3- أن الأفراد باتفاقهم على التحكيم يتفقون ضمنا على التنازل عن الدعوى وعن بعض الضمانات القانونية والإجرائية التي يحققها النظام القضائي ويخولون المحكم سلطة مصدرها إرادتهم، وهذه السلطة لا يمكن أن تكون سلطة قضائية.

4 - المحكم ليس له ولاية القضاء، ولا يقوم بوظيفة عامة؛ فلا يتمتع بالسلطات المخولة للقاضي، والقاضي له صفة العمومية والديمومة، وهذا ليس متوفرا للمحكم. كما أن المحكم ليس من قضاة الدولة بل شخص عادي، قد يكون أجنبيا أو وطنيا، ويملك رفض المهمة الموكلة إليه دون أن يعتبر منكرا للعدالة، بخلاف القاضي، كما أن المحكم لا يملك سلطة توقيع جزاءات مادية أو غرامات مالية على أطرف النزاع أو الشهود.

5- أن أحكام المحكمين لا يمكن تنفيذها إلا بعد صدور أمر بذلك من السلطة القضائية، كما أنه يجوز الطعن فيها بالبطلان عن طريق دعوة أصلية ترفع لهذا الغرض.

  هذه الحجج التي ساقها أنصار النظرية التعاقدية دعما لوجهة نظرهم، وإن كانت حججا قوية من النظرة الأولى، ألا أنه بعد التدقيق فيها يمكن الرد عليها بالآتي :

  1- أنهم عندما أعطوا لإرادة الأطراف الدور الأساسي في إنشاء التحكيم، نسوا بأن القانون هو مصدر هذه الإرادة والذي أعطى للأطراف الحق في إنشاء التحكيم، فكثير ما يتفق الطرفان في عقود كثيرة على تحديد المحكمة المختصة بنظر النزاع.

 2- المحكم يقوم بالكشف عن إرادة القانون في الحالة المعينة، فهو يقوم بالفصل في النزاع بتطبيق إرادة القانون ولا يلتفت إلى ما قد تكون إرادة الأطراف قد اتجهت إليه .

 3- إذا كان حكم التحكيم مصدره اتفاق الأطراف، فإن ذلك لا يعطي الصفة التعاقدية للتحكيم.

 4- إذا كان اتفاق التحكيم يهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة، فإن قرار التحكيم يهدف في النهاية إلى تطبيق القانون، ولا شك بأن تطبيق القانون يهدف في جميع الأحوال إلى تحقيق المصلحة العامة.

5- إن الأطراف في حقيقة الأمر لا يتنازلون عن الدعوى القضائية، وإنما يتفقون إلى الاتجاه إلى قضاء آخر يختارونه في قضائهم ليصدروا حكما قابلا للتنفيذ، فالنتيجة واحدة في تلك الحالتين.

6- صحيح أن المحكم ليست له ولاية القضاء، وليس له سلطات القاضي، وقد يكون أجنبيا وهذا لا يعطي الصفة التعاقدية للتحكيم، وذلك لأن القضاء الرسمي للدولة يجب أن يتمتع بسلطات أكثر وأكبر. 

7- اشتراط القانون التصديق على حكم المحكمين قبل تنفيذه، لا يعطي الصفة التعاقدية للتحكيم، فالقانون قد يشترط في بعض الأحكام القضائية أن تكون نهائية حتى يمكن تنفيذها.

   ويترتب على الأخذ بالنظرية التعاقدية للتحكيم عدة آثار: فمن ناحية لا يتم الربط بين قرار التحكيم والبلد الذي صدر فيه، فهو لا يشكل جزءا من النظام القضائي لهذا البلد، فعند تنفيذ قرار التحكيم في دولة أخرى لا يتقيد قاضي التنفيذ بقرارات قاضي البلد الذي صدر فيه قرار التحكيم. 

  ومن ناحية أخرى، فإن ما ينتهي إليه المحكم لا يوصف بحكم التحكيم، بل بقرار التحكيم. وبالتالي فلا يكون قابلا للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن.

  ومن ناحية ثالثة، فإن التحكيم الإجباري أو الإلزامي يخرج من المفهوم الفني للتحكيم، لأن النظرية التعاقدية ترى أن أساس التحكيم هو إرادة الأطراف واتفاقهم على الالتجاء إلي التحكيم.

  ومن ناحية أخيرة وكما يرى البعض أن من نتائج الطبيعة التعاقدية للتحكيم، هو ضرورة إطلاق "مبدأ سلطان الإدارة" وترك الأمر لأطراف النزاع وقضائهم الذي اختاروه بمحض ارادتهم وارتضوا سلفا الخضوع لما يصدرونه من أحكام.

   وأول من أخذ بالنظرية التعاقدية، هي محكمة النقض الفرنسية في الحكم الصادر في عام 1812 كما سبق ذكره وظلت متمسكة بالطابع التعاقدي للتحكيم حتى بالرغم من صدور حكم من محكمة استئناف باريس بتاريخ 1901/12/10 في قضية تركة الملكة "ماری کریستین" الذي أخذت فيه بالنظرية القضائية للتحكيم)، فظلت فترة أخرى تصف التحكيم ككل حتى القرار الصادر منها بأنه اتفاق وتؤكد على طبيعته الاتفاقية، وترى في قرار التحكيم أنه أثر من أثار الاتفاق الذي خرج من صلبه.

   ولقد ساير هذه النظرية جانب ضئيل من أحكام القضاء المصري، حين قضى «أن أحكام المحكمين الصالحين لا تقبل الاستئناف بتاتا؛ لأنها من قبيل العقود، ولا سبيل للطعن فيها إلا بالبطلان في صورة المعارضة في أمر التنفيذ المنصوص عليه في المادة 727 من قانون المرافعات...».

 وهذه النظرية قد شاعت في بعض الدول، منها إيطاليا، حيث وجد لهذه النظرية صدى في الفقه والقضاء الإيطالي.