الثاني: يتعلق بخضوع المحكم لذات القواعد التي يخضع لها القاضي .
قررت محكمة باريس الابتدائية في حكمها الصادر بتاريخ 22 من مايو و 23 من يونيو لعام 1987م أن المحكم يعتبر قاضيا وليس وكيلا عن الأطراف يستمد سلطته القضائية من الإرادة العامة للأطراف .
قضت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر بتاريخ 29 مـــن مايو لعام 1992م أن المحكم يتمتع بنفس الحقوق والواجبات التي يتمتع بها القاضي . أما في حالة تكون محكمة التحكيم من أكثر من محكم واحد فيصدر الحكم بالأغلبية وهو أمــــر لا يعقل إذا ما تعلق الأمر بعقد الوكالة أو التفويض والعلاقات الناشئة عنه، والأهم من ذلك فان عقد الوكالة أو التفويض في الأعمال التي وقع تكليف المفوض أو الوكيل بما يجوز أن ينفذها الموكل بالأصالة، ومعلوم أن الأطراف المتنازعة لا تستطيع بنفسها القيـام بعمل المحكمين الذين يقيمون دعاوى الأطراف ويقرر أي منها أولى بالترجيح ، وبعبارة أخرى ينحصر الفارق الأساسي بين عقد الوكالة والتحكيم أنه في الحالة الأولى تفرض إرادة الموكل أو المفوض على الوكيل أو المفوَّض في حين أنه في حالة الثانية تفرض إرادة المحكمين على أطراف النزاع حتى وإن كان ذلك بموافقة هؤلاء الآخرين.
ثالثا: تماثل حكم التحكيم مع الحكم القضائي :
رابعا : النقد الذي وجه لأصحاب هذه النظرية :
لقد تعرضت هذه النظرية هي الأخرى لبعض الانتقادات من جانب الفقه المنكر لهـا وذلك من عدة نواحي:
فمن ناحية وجه النقد إلى الاتجاه القائل بأن وظيفة المحكم تتطابق مع وظيفة القاضي، علي اعتبار أن وظيفة القاضي تعتبر وظيفة قانونية بحتة تتمثل في حماية الحقوق والمراكز القانونية، بصرف النظر عن وجود نزاع أو عدم وجوده فالقضاء قد يباشر وظيفته ويصدر أحكامًا في قضايا دون وجود نزاع بين الطرفين.
وبالإضافة إلى ذلك فإن القانون قد يلزم القاضي بأن يحلف يمينا قبل مباشرته عمله، أما المحكم لا يلتزم مبادئ اليمين وإنما يلزم قبوله للتحكيم كما أن المحكــم لا يخضع للضرورة لذات الأسباب الخاصة برد القضاة .
ومن ناحية ثانية وجه النقد إلى الاتجاه القائل بأن حكم المحكمين يتماثل مع أحكام القضاء ، إذ إنه بالرغم من أحكام المحكمين تتشابه بدرجة كبيرة مع أحكام القضاء إلا أنه يظل هناك فرقان أساسيان بينهما :
الأول: تختلف طرق الطعن في حكم المحكمين عن تلك المقررة للحكم القضائي.
ومن ناحية أخرى وجه النقد إلى الاتجاه القائل بأن حكم المحكمين يرتب ذات الآثار القانونية التي يرتبها الحكم القضائي، هي تمتعه بحجية الأمر المقضي به فهذه الحجية تختلف في الحكم القضائي عنها في حكم المحكمين من ناحيتين :
الثانية: أن مصدر حجية حكم التحكيم تستند إلى القوة الملزمة للاتفاق على التحكيم أكثر مما تستند إلى طبيعة عمل هيئة التحكيم . وإذا كان هناك اتجاه في الفقه قد أخذ بالنظرية العقدية لتحديد طبيعة التحكيم، وفي اتجاه آخر أخذ بالنظرية القضائية ، إلا أن هناك رأيا آخر يرى أن التحكيم ليس ذو طبيعة عقدية فقط ، ولا طبيعة قضائية فقط، وإنما هو مزج بين العقد والقضاء، الأمر الذي نخصص له الفرع التالي.