الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / ذو طبيعة قضائية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / النظام القانوني لاتفاق التحكيم ( دراسة مقارنة ) / ذو طبيعة قضائية

  • الاسم

    أحمد نبيل سليمان طبوشة
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

    469
  • رقم الصفحة

    42

التفاصيل طباعة نسخ

 نظرية الطبيعة القضائية للتحكيم 

۱- مضمونها :

يري أنصار هذه النظرية أن التحكيم " طريق قضائي" للفصل في المنازعات. وأن وظيفة المحكم " وظيفة قضائية" وأنه يؤدي " مهمة قضائية" وأن ما يصدر عنه من أحكام يعد " أحكام قضائية بالمعنى الفني للحكم. حيث يتمتع بكافة الخصائص التي يتمتع بها غيره من الأحكام فهو يحوز حجية الأمر المقضي به ويستنفد المحكم بمجرد إصداره له ولايته فلا يملك أن يعدله أو أن يرجع فيه أو أن يصدر ما يخالفه .

ولا يختلف الحكم الصادر عن المحكمين عن الأحكام الصادرة عن قضاة الدولة إلا في أنه لا يقبل التنفيذ إلا بموجب إذن بذلك من القضاء .

إلا أنه قد حدث خلاف بين أنصار هذه النظرية حول أساس الوظيفة القضائية التي يباشرها المحكم عند نظر النزاع والفصل في موضوعه بين رأيين : الأول : يري أن أساس سلطة المحكم في إقامة العدالة بين الخصوم هو " تفويض" من سيادة الدولة. يقوم المحكم بمقتضاه - وبصفة مؤقتة - بمباشرة الوظيفة القضائية وهي إقامة العدل بين الخصوم ومن ثم فإن التحكيم يشكل استثناء علي سلطة الدولة. 

الثاني : ويري بعض أنصار الطبيعة القضائية أن عمل المحكمة ليس مجرد "بطانة" القضاء الدولة. وإنما يشكل جهة قضاء إلى جانب قضاء الدولة بحيث يمكن القول - في اعتقادهم - بأنه يوجد " قضاء ان " بصفة متوازنة قضاء الدولة وقضاء التحكيم. وإذا كان هذا الأخير قضاء خاصة إلا أنه يتمتع باصالة واستقلال بالنظر إلي سبق ظهوره على قضاء الدولة ، نظرا لتطوره وشيوعه وتنظيم إجراءاته وانتشار مراكزه.

ويري بعض أنصار هذا الرأي أنه إذا كانت مشكلة تحديد طبيعة التحكيم تثور بالنسبة للتحكيم الداخلي. فإنه لا يعد كذلك بالنسبة للتحكيم التجاري الدولي إذ يعد التحكيم قضاء أصيلا للتجارة الدولية. باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تتلاءم مع معطيات هذه التجارة . خاصة في ظل غياب " الدولة العالمية" كما يؤكد هذا الاتجاه التطور الذي حدث في مجال التجارة الدولية الذي جعل البعض القرارات التحكيمية قوة إلزامية. وحجة فيما تقضي به.

۲- أسانيد النظرية القضائية :

دورت ها استند أنصار النظرية القضائية إلي عدة أسانيد منها : 

١- اتفاق المصطلحات القانونية التي يستخدمها المشرع بشأن التحكيم والمعاملة

الإجرائية له ، مع ما هو مستخدم بالنسبة للأحكام القضائية. ومن ذلك استخدام المشرع المصطلحات ( حكم التحكيم والنزاع والخصوم ) إلي غير ذلك من المصطلحات التي تستخدم بشأن الأعمال القضائية.

 ٢- وجود أوجه شبه كثيرة بين أحكام التحكيم والأحكام القضائية .. ليست من  حيث الشكل فقط وإنما من حيث الموضوع كذلك.

 فمن حيث الشكل : نجد أن حكم التحكيم يجب أن يكون مكتوبة ومسببة وموقعة عليه من قبل المحكمين ويكون متضمنة بيانات معينة. تكاد تكون ذات البيانات الواردة في أحكام القضاء.

أما من حيث الموضوع : فإن حكم التحكيم يفصل في ادعاءات مقدمة إليه من الأطراف المتنازعة. ويكون الحكم حاسمة لهذه المنازعة. 

٣- أن المهمة التي يباشرها المحكم هي ذات الوظيفة التي يباشرها القاضي.

وهي حسم المنازعات التي يعرضها الخصوم عليهم بعد التأكد من مدي قوة ما يستند إليه كل منهم ، من الحجج والأسانيد ، وصولا إلى تطبيق قواعد القانون أو وفقا لمعيار العدالة. والقاعدة في تحديد طبيعة أي عمل تكون بالنظر إلى جوهره .

 4- أن مكونات العمل القضائي هي : أدعاء ومنازعة وعضو :

- فالادعاء : هو المطالبة بحق معين أو تقرير حالة بطريقة قانونية.

 - المنازعة : محاولة إثبات كل طرف أحقيته في الحصول علي هذا الحق.

- والعضو : وهو الشخص الذي يمتلك حسم هذه المنازعة.

فإذا أسقطنا هذه العناصر الثلاثة علي التحكيم ، لوجدنا تطابقها مع حكم التحكيم. حيث إن القانون يمنح الحكم سلطة الفصل في المنازعات ، الأمر الذي يتوفر معه المعيار العضوي للحكم في مباشرة العمل القضائي.

 5- أن كثيرا من السلطات التي يمنحها القانون للمحكم تكاد تتحد مع السلطات

الممنوحة للقاضي ... إذ بإمكان المحكم :

 أ- أن يتخذ إجراءات الإثبات من تلقاء نفسه .

 ب- وأن تكون له سلطة إصدار أحكام إجرائية قطعية تنهي خصومة التحكيم دون الحكم في موضوعها مثل القضاء ببطلان إجراءات خصومة التحكيم لنقص أهلية أحد الأطراف.

ج- وأن تكون له سلطة الفصل في المسائل المتعلقة بقانونية مهتمه وحدودها

 حيث تنص المادة 1/۲۲ من قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994 علي أنه " تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله الموضوع النزاع" .

 د- يستطيع المحكم أن يفسر ما يصدر من أحكام وأن يصححها وأن يعيد البت فيما أغفله من طلبات . وهو في تلك السلطات مثله مثل القاضي.

6 - أن حكم التحكيم يرتب بعض الآثار القانونية التي يترتب عليها حكم القضاء. ومنها تمتعه بحجية الشيء المقضي به. واستنفاد المحكمين ولايتهم في نظر النزاع بالنسبة للمسألة التي فصلوا فيها.

 ۷- أن القاضي هو الذي يمنح حكم التحكيم " أمر التنفيذ" وهو في ذلك يقوم

باتخاذ إجراء شكلي بغية التحقق من عدم وجود ما يحول دون تنفيذه ، وهو يقوم بذات العمل في " حكم القضاء الأجنبي " وبالرغم من ذلك فلا يمكن القول بأن الحكم الأجنبي لا يعد حكما قضائية وهو في ذلك مثله مثل حكم التحكيم.

3- أوجه نقد النظرية القضائية:

بالرغم من أن النظرية القضائية لطبيعة التحكيم قد سادت في كل من الفقه وأحكام القضاء بل وأثرت في بعض التشريعات القانونية الوضعية حتى تركت بصمتها على نظام التحكيم إلا أنها مع ذلك لم تسلم بدورها من النقد.

ومن أهم أوجه الانتقادات التي وجهت إليها :

 1- أنه بالنسبة لما أثاره أنصار تلك النظرية من اتفاق بعض المصطلحات القانونية المستخدمة بالنسبة لكل من حكم التحكيم والحكم القضائي. فإن اتفاق المصطلحات لا يدل علي الطبيعة القضائية الحكم التحكيم لأن تلك المصطلحات قد لا تستخدم بالدقة المطلوبة. كما أن إطلاق لفظ الحكم على

قرار المحكمين مقصور على اللغة العربية. في حين تميز التشريعات الأخرى بين المصطلحات، ففي فرنسا يستخدم اصطلاح Jugement أو 1rret للدلالة على أحكام القضاء أما قررات المحكمين فيطلق عليها rhitral ، وفي ايطاليا يطلق على الحكم القضائي Lodo schtencc و علي حكم التحكيم Scienze ، وفي انجلترا يطلق على الحكم القضائي Judgeinent. وعلى حكم التحكيم 1ard. ۲

 2- أما بالنسبة لما اهمنند إليه أنصار النظرية القضائية من وجود أوجه تشابه بين حكم التحكيم والحكم القضائي من حيث الشكل والموضوع. فإن ذلك مردود عليه بأنه إذا كان هناك تشابه بين نظامي التحكيم والقضاء أدي إلي وجود قواعد مشتركة بينهما = كقواعد رد القضاة ، واحترام حقوق الدفاع للخصوم - والسلطات الممنوحة لكل من القاضي والمحكم - فإن هذا التشابه لا يعني التماثل بينهما. وذلك لاختلافهما من حيث البناء القانوني ومن حيث الآثار المترتبة عليه ومن حيث الوظيفة التي يؤديها كل منهما. وهذا الاختلاف يؤدي كنتيجة حتمية إلى اختلاف تفاصيل القواعد المشتركة. حيث إن تشابه النظم لا ينفي اختلافها. فعقد البيع مثلا يتشابه مع عقد الهبة في أن كلا منها يعد عقدا ناقة للملكية ويزب التزام بتسليم المال محل العقد إلى الطرف الآخر. دون أن يؤدي هذا إلى عدم التمييز بين العقدين ، أو اعتبار أحدهما نوعا من أنواع الأخر وإن جاز الحديث في هذه الحالة عن مجموعات قانونية تجمعها قواعد مشتركة.

۳- أما بالنسبة لما أثاره أنصار الطبيعة القضائية من وحدة الوظيفة التي يقوم بها كل من القاضي والمحكم وهي تطبيق القانون علي المنازعات. فإن هذه الحجة ليست صحيحة. لأن القضاء قد يباشر وظيفته ويصدر أحكامه دون وجود نزاع بين الطرفين مثل حالة إقرار المدعي عليه بالدين والأحكام الاتفاقية. فالقانون لا يتطلب وجود نزاع بين الطرفين ولكن يكفي وجود مصلحة. أما في التحكيم فلابد دائما من وجود نزاع بين الأطراف فلا تحكيم

بلا نزاع

كما أنه يوجد اختلاف جوهري آخر بين وظيفة كل منهما وهي أن وظيفة القاضي العام في الدولة " قانونية بحتة " تتمثل في حماية الحقوق والمراكز القانونية للأفراد والجماعات بصرف النظر عن وجود نزاع أو عدم وجوده وعن أثر حكمه علي مستقبل النزاع في حالة وجوده . في حين أن وظيفة المحكم وظيفة اجتماعية واقتصادية " سلمية بحتة " وهي حل النزاع بالقانون وبغيره علي نحو يضمن استمرار العلاقات بين أطراف هذا النزاع..

 4- أما فيما يتعلق بوحدة الآثار القانونية التي يرتبها كل من حكم التحكيم والحكم القضائي. وهي ترتيب حجية الأمر المقضي به والقوة التنفيذية للحكم. فإن التدقيق يكشف اختلاف حجية حكم التحكيم في شروطها ومداها عن حجية الحكم القضائي. فالقاعدة أن حجية الحكم القضائي تحول دون تعديله أو إلغائه بسبب ما يلحق به من عيوب ، إلا بطرق الطعن المقررة له قانونا ، وفي حدود هذه الطرق ومواعيدها. ولذا فإنه لا يجوز رفع دعوى أصلية ببطلان الحكم القضائي إلا في حالة انعدامه. أما في حالة التحكيم فإنه يجوز دائمة رفع دعوى أصلية ببطلانه بناء علي أي سبب من الأسباب التي ذكرها القانون. ويرجع ذلك إلي أن حكم المحكمين باعتباره عملا من أعمال الأفراد فإن حجيته لا تحول دون اللجوء إلى القضاء لطلب الحماية منه. فضلا عن ذلك فإن مصدر حجية حكم التحكيم هو إرادة المحتكمين حيث تحدد إرادتهم شروطها ومداها ، فإذا اتفق الأطراف بعد صدور حكم التحكيم علي إعادة التحكيم أمام ذات الحكم أو أمام هيئة أخرى نفذ اتفاقهما. وهذا يدل علي الطبيعة الاتفاقية الخاصة لحكم التحكيم تجعل حجيته غیر متعلقة بالنظام العام، خلافا لحجية الحكم القضائي الذي يتعلق دائما بالنظام العام. ولذا فإن الدفع بعدم جواز نظر الدعوى القضائية السابقة الفصل فيها يجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوي. بل تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها.

٥- أما بالنسبة لما أثاره أنصار النظرية القضائية من اعتبار المحكم قاضيا عاما او خاصة ، فإن قواعد القانون الوضعي تؤكد اختلاف القاضي عن المحكم حيث يخضع كل منهما لنظام قانوني مغاير للأخر من حيث الصلاحية والمسئولية والسلطات الممنوحة لكل منهما ، فلا يشترط في المحكم ما يشترط في القاضي ) من حيث السن والجنسية والمؤهلات وغيرها وليس له سلطات القاضي في مواجهة الخصوم وسلطة توقيع الغرامات أو إصدار أوامر بتقديم مستندات. وليس له ما للقاضي من حصانة ودوام واستقرار.

6 - وأخيرا فإن إضفاء الصبغة القضائية على نظام التحكيم يتعارض مع ما هو

ملاحظ من أن إرادة الأطراف تلعب دورا مهما ورئيسة في عملية التحكيم. إذ إن الأطراف هم الذين يختارون المحكمين ويدفعون أتعابهم ويحددون إجراءات التحكيم ولغته ومكانه والقانون الذي يحكم موضوعه. ومدي حجية حكم التحكيم والالتزام به أو إعادة التحكيم أمام هيئة أخرى. ۔

م

4- ما يترتب على الأخذ بالنظرية القضائية : 

يترتب علي الطبيعة القضائية للتحكيم عدة نتائج أهمها : 

1- التسليم بحق الدولة في التدخل في التحكيم. لأن القضاء منوط أصلا "بالسلطة القضائية" ويأتي التحكيم " استثناء " يسمح لأشخاص من خارج هذه السلطة بالقيام بوظيفة القاضي ، فلابد إذا من رقابة الدولة وتدخلها بقواعد آمرة تضمن سلامة إجراء التحكيم وسلامة الحكم وتسمح بالطعن فيه أمام القضاء. وتنظم القواعد و الإجراءات لتنفيذ حكم التحكيم.

 ٢- المؤدي الطبيعي أو النتيجة المنطقية لهذه النظرية هو تطبيق القواعد العامة للقضاء علي مسائل التحكيم حيث لا توجد قاعدة خاصة في نصوص قانون التحكيم. وقد رفض بعض الفقهاء هذه النتيجة لاختلاف التحكيم عن القضاء في وظيفته وبنائه الداخلي.